كتب: السنوسي محمد السنوسي سؤال: هل المجلس العسكري دولة داخل الدولة؟! الإجابة: لا، الدستور يقول إن الجيش بما فيه المجلس العسكري ملكٌ للشعب.. فليس من المعقول أن يكون الجيش دولة داخل الدولة إلا إذا انفصل عن الشعب وحطّ نفسه جوه خندق معزول عنه بالأسلاك الشائكة!! وهذا أمر غير ممكن، خاصة في مصر التي لم يكن جيشها إلا جيشا وطنيّا يمثّل جميع أبناء الشعب وطبقاته، وليس مجموعة من المرتزقة، أو تسيطر عليه طائفة معينة كما في بعض البلاد العربية. جيش مصر هو من أبناء مصر ولأبناء مصر.. هذه قاعدة أساسية لا تقبل النقاش. طيب ما دام الأمر هكذا، إيه لازمة المادة رقم 9 في المسوّدة المقترحة من د. علي السلمي لإعلان المبادئ الأساسية للدستور القادم، وهي المادة التي كانت سببًا في إثارة جدل كبير حتى بين الذين رضوا بالجلوس مع د. السلمي من حيث المبدأ، فكيف بمن رفض الجلوس أصلاً، وتمسك بأن الدستور سيتشكل فقط بمعرفة البرلمان المنتخب كما هو مقرر في نتيجة الاستفتاء؟! مش عارف إيه السبب في إن حكومتنا الموقرة -التي نسيت تمامًا أنها حكومة تصريف أعمال وليست منتخبة، وبالتالي صلاحياتها محدودة جدّا جدّا!!- إن الحكومة دي دايمًا ما تعملش حاجة كاملة أبدًا!! لازم تحط المسمار قدام المنشار، أو تضرب كرسي في الكُلوبّ، أو تخترع اختراع فاشل يكون السبب في فشلكة أي عمل تعمله! طبعًا السبب الرئيسي هو أنها حكومة غير منتخبة، وليس لها أصلاً برنامج محدد، ولا صلاحيات معروفة، ولا يوجد تجانس في أفكار وزرائها.. كل واحد شغال بدماغه وزي ما تيجي "by luck"!! حتى الحاجات الأساسية المطلوبة منها وهي توفير الأمن والسلع الغذائية فاشلة فيها بالثلث!! المهم علشان مانروحش بعيد: ماذا تقول المادة 9؟ تقول: "الدولة وحدها هي التي تنشئ القوات المسلحة, وهي ملك للشعب, مهمتها حماية البلاد وسلامة أراضيها وأمنها والحفاظ علي وحدتها وحماية الشرعية الدستورية، ولا يجوز لأية هيئة أو جماعة أو حزب إنشاء تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية". لحد كده كويس ومش بطّال. البطّال هو اللي بعده حيث تقول بقية المادة: "ويختص المجلس الأعلى للقوات المسلحة دون غيره بالنظر في كل ما يتعلق بالشئون الخاصة بالقوات المسلحة ومناقشة بنود ميزانيتها على أن يتم إدراجها رقمًا واحدًا في موازنة الدولة, كما يختص دون غيره بالموافقة على أي تشريع يتعلق بالقوات المسلحة قبل إصداره. ورئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع هو القائد العام للقوات المسلحة, ويعلن رئيس الجمهورية الحرب بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومجلس الشعب". المشكلة في هذا النص ثلاث حاجات: - إن ميزانية القوات المسلحة ماحدش يعرف عنها حاجة إلا القوات المسلحة. - إن تشريعات الجيش هو اللي يصدرها بمعرفته. - إن قرار الحرب يعلنه رئيس الجمهورية بعد "موافقة" المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومجلس الشعب. ** نعم أنا أعرف جيدًا أن حساسية الجيش تجعل منه مؤسسة غير عادية في الدولة.. ولكن يجب أن نعرف أنه في النهاية مؤسسة من مؤسسات الدولة وليس منفصلاً عن الدولة.. ولذلك ما معنى أن يكون هو فقط الرقيب على ميزانيته وتشريعاته؟! لماذا لا تكون هناك لجنة مصغرة تتكون مثلاً من رئيس الدولة ورئيس مجلس الشعب ورئيس الجهاز المركزي للمحاسبات وآخرين (تسمى في بعض الدول: مجلس الأمن القومي) يكون لها الحق في الإشراف على الجيش ومساءلته؟؟!! ** أما بالنسبة لإعلان الحرب، ألم يكن من الأفضل أن تكون المادة: أن رئيس الدولة يعلن الحرب بعد التنسيق (وليس: الموافقة) مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة؟! هل يخشى الجيش من رئيس مدني تكون له توجهات قد تكون مغايرة لتوجهات الجيش؟! وماذا مثلاً لو تم انتخاب رئيس مدني بناءً على برنامجه الانتخابي الذي يضع في أولوياته إلغاء معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني.. هل سيمانع الجيش في تنفيذ قرار الرئيس اللي هو مبني على الإرادة الشعبية؟؟!! كل الدول الديمقراطية يكون رئيسها مدنيّا ومع ذلك يخضع الجيش لسياساته، التي هي عبارة عن سياسة مؤسسات وليست سياسة أفراد مهما كانوا. أنا أعتقد أن سبب إدراج هذه المادة هو عدم وضوح العلاقة التي يجب أن تحكم المدنيين بالعسكريين. ومن المعروف في تنظيم أي دولة أن القرار السياسي يكون أعلى من القرار العسكري، وأن العسكريين ينفّذون ما يقرره السياسيون في حدود القوة العسكرية وبالتنسيق معًا.. لكن الكلمة الأولى والأخيرة هي للسياسة.. وإذا شئنا الدقة أكثر قلنا: البُعد العسكري هو جزء من القرار السياسي، وليس شيئًا منفصلاً عنه، ولا أعلى منه.. طبعًا مصر منذ قيام ثورة 52 ويحكمها أبناء القوات المسلحة (عبد الناصر والسادات ومبارك وقبلهم محمد نجيب) ولذلك لم تكن هناك مشكلة في التوفيق بين القرار السياسي والقرار العسكري، ما عدا فترة المشير عبد الحكيم عامر مع عبد الناصر كما هو معروف. أما الآن وبعدما اتضح أن الرئيس القادم سيكون مدنيّا بإذن الله، فالجيش يريد أن يحدد لنفسه اختصاصات في الدستور، وأنا لا أمانع في ذلك من حيث المبدأ.. لكنني أرفض تمامًا أن يكون الجيش دولة داخل الدولة، لا رقيب عليه ولا حسيب.. فبلغة القانون: الشعب وحده هو الأصيل، وغيره هو الوكيل، ولذلك يقولون: الشعب مصدر السلطات.. وليس من المعقول أن يؤدي الوكيل عملاً بعيدًا عن عين ومراقبة الأصيل صاحب الحق!! وما دامت القوات المسلحة ملك للشعب، فيجب أن يكون عليها رقابة من الشعب.. لأنه ليس من الصواب أن يكون الإنسان هو الرقيب على نفسه بعيدا عن جهة محايدة تقرر الصواب من الخطأ.. وإلا لو تركنا كل فرد -أو مؤسسة- في الدولة يكون هو الرقيب على نفسه، كان كل واحد عمل اللي هو عايزه حتى لو كان خطأ!! بالإضافة لما سبق، فتوقيت طرح موضوع مبادئ الدستور بكل تفاصيله قبل أيام معدودة من الانتخابات هو توقيت غلط، ويخلينا نظن -وبعض الظن إثم!- أن هناك أمورًا ما يحرص البعض على "طبخها" والانتهاء منها قبل مجيء مجلس الشعب!!