كتب: جدعون ليفني ماذا سيقول الرئيس الأمريكي لمواطنيه.. ماذا سيقول لمواطني العالم.. كيف سيُبرّر موقف بلاده ضد الاعتراف بالدولة الفلسطينية.. كيف سيُفسّر موقفه المعارض لموقف العالم الأكثر والأقل تنوّرا على حد سواء؟
وفضلا عن ذلك.. ماذا سيقول باراك أوباما لنفسه قبل أن يأوي لفراشه: إن الفلسطينيين لا يستحقون دولة.. إنهم لديهم فرصة للحصول على ذلك عبر المفاوضات مع إسرائيل.. إنهم ليسوا أصحاب حقوق متساوية في العالم الجديد الذي يوشك على التكوّن.. هل سيعترف أمام نفسه بأنه بسبب اعتبارات انتخابية نفعية -نعم أوباما يبدو الآن كشخصية نفعية- يضرّ بمصالح بلاده وبمصالح إسرائيل؛ بل ويعمل بما يخالف ضميره؟
حتى أنت يا بروتوس.. ألم تتعهد في خطابك بالقاهرة بفجر جديد للعالم الإسلامي، وتعهدت بأمريكا جديدة للعالم العربي فماذا حدث؟ نفس السيدة الأمريكية التي تؤيّد بصورة عمياء وتلقائية نزوات إسرائيل لدرجة أنه لم يعد من الواضح مَن هي الدولة العظمى، ومن هي الدولة التابعة دون الحاجة إلى تغيير العباءة.
لقد ظلّ اللغز كما هو: كيف تواصل أمريكا الجديدة -ظاهريا- إنشاد أناشيدها البالية والسيئة؟ كيف يتصرّف أوباما كما لو أنه لا يُدرك أن الفلسطينيين لن يُوافقوا على العيش لمدة 4 عقود أخرى بلا حقوق مواطنة، وبالتأكيد ليس في ضوء كل ما يحدث حولهم في العالم العربي المستيقظ؟
لقد ظلّ اللغز كما هو؛ لأنه من الصعب إدراك كيف أن رئيسا أسود محبّ للعدالة والمساواة رضخ بسهولة غير متوقّعة لحكومة يمينية في إسرائيل؛ لاعتبارات انتخابية ضيقة في أمريكا ولجماعات الضغط اليهودية والمسيحية.
من الصعب إدراك كيف أن أمريكا تحت رئاسته لا تدرك أنها تطلق طلقة قاتلة على قلبها بدعمها للرفض الإسرائيلي للسلام؛ ففي أعماق قلبه يدرك هذا الرئيس الأمريكي أن العدالة تنصّ على أن الفلسطينيين يستحقون الاستقلال في النهاية، وأن إسرائيل هي دولة احتلال.. إذن لماذا يجب انتظار كتاب المذكرات الذي بالتأكيد سيصدر ذات يوم لسماع كل هذا؟ فهو يُدرك أن الربيع العربي الذي تفجّر عقب خطابه الواعد في القاهرة سيصبّ الآن لجام غضبه وكراهيته تجاه أمريكا لمجرد معارضتها الشديدة للحرية الفلسطينية.
كما يجب أن يدرك أوباما أيضا أن الاهتمام بمستقبل إسرائيل وبصداقة حقيقية معها يجب أن ينطوي على دعم لإقامة دولة فلسطينية، هذا هو السبيل الوحيد لإبطال العبوة الناسفة التي توشك على الانفجار في المنطقة بأسرها ضد إسرائيل وضد الولاياتالمتحدة، كما يجب أن يدرك أيضا أن موقف أمريكا ضد كل العالم يثير مجددا مشاعر عداء العالم ضد زعامته وكل هذا من أجل ماذا؟ حفنة أصوات في الانتخابات القريبة هذا لا يمكن أن يكون تبريرا من جانب زعيم واعد -بهذا القدر- ذي وعي تاريخي متفتّح.. من يبيع مصالح بلاده ووجهة نظره مقابل حفنة أصوات في فترة ولايته الأولى سيتصرّف بانتهازية مشابهة أيضا في الفترة الثانية.
يا له من أمر مثير للشفقة أن نرى المبعوثين الأمريكيين وهما يتجوّلان الآن في المنطقة ويطلقان التهديدات ولمن...؟!! للفلسطينيين الذين يتبعون سياسة جديدة وليس لحكومة إسرائيل في ضوء رفضها الهدّام.. يا له من أمر مثير للشفقة أن نرى مجددا دينيس روس -أستاذ المفاوضات الأبدي لأمريكا في كل حكوماتها المتعاقبة تقريبا- يتجوّل خالي الوفاض بين رام الله وتل أبيب مثلما فعل ذلك على مرّ عشرات السنوات، هذه هي أمريكا الشريرة والقديمة كما لو أن أوباما لم يوجد. تلوح أمام الرئيس الأمريكي هذا الأسبوع فرصة تاريخية لتحسين مكانة بلاده قبل فوات الأوان، ولتبرير جائزة نوبل للسلام التي حصل عليها، ولإبداء التزام حقيقي بإقرار سلام في المنطقة الأخطر على مصير العالم، ولإبداء حرص حقيقي على سلامة إسرائيل لو لم يستغل أوباما هذه الفرصة فكأننا حصلنا على جورج بوش جديد جورج بوش للفقراء.