مشكلة المشاكل في عصرنا هذا، أن الناس مقهورة.. ولأنها مقهورة فقد غرس هذا فيها عقدة نفسية عويصة، تجعل كل منهم مشبّع برغبة قوية في أن يُصبح قاهراً.. ولأنه لا يملك فعلياً القدرة على قهر من يقهره؛ لأنه أكثر قوة وجبروتاً، فقد سعى للبحث عمن هو أضعف منه؛ ليقهره، ويمسح بقهره ذلك الشعور المذل الذي يُلازمه طوال الوقت بأنه مقهور.. ولأن القهر أنواع.. ولأنه أضعف مِن أن يُواجه، حتى مَن هم أضعف منه، فقد انتقى سبيلاً، يستند إليه في قوة، وهو يسعى لقهر غيره.. ولم يجد سبيلاً أقوى من الدين نفسه.. وهكذا، نجد أن القرآن الكريم يمنحنا الحرية في كل ما يخص قلوبنا، حتى في أن نؤمن أو نكفر، باعتبار أن الخالق عزّ وجلّ وحده يدرك ما في قلوبنا، ويُحاسبنا عليه، أما من يدّعون الإيمان به، فقد صنعوا لأنفسهم الحق نفسه، بل وتجبّروا على خالقهم جلّ جلاله، وتحوّلوا باسمه -وهو بريء منهم سبحانه وتعالى- إلى طغاة جبابرة.. والمأساة أنهم قد فعلوا هذا باسم الدين.. وباسم الخالق عزّ وجلّ نفسه.. ولقد أثبتوا بهذا ما جاء في كتابه العزيز من أنه قد خاب من لا يتفكرون.. وهذه قضية العصر الكبرى.. أناس مقهورة.. وعقدة اضطهاد قوية.. ورغبة في القهر.. وسادية، حتى في أحكام الدين نفسه.. يؤكدون أن الدين دين الرحمة والتسامح، ثم يؤكدون أن أكثر ما ينتظرنا هو العذاب.. يرفضون -بكل عنف وشراسة- أن يؤمن من يشاء، ويكفر من يشاء، وعلى الله سبحانه وتعالى ثوابه وعقابه.. جعلوا من أنفسهم أوصياء على البشر.. على سريرة البشر.. وضمائر البشر.. وحتى على ما يدور في عقول البشر.. والمؤسف أن الناس المقهورة التي اعتادت القهر والمذلة، خضعت، وخشيت، واستسلمت، ورددت.. ولم تُفكر لحظة واحدة.. صخب القهر علا، حتى صم الآذان عن صوت العقل.. بل وأد العقل.. وحاصر الفكر.. وانتصر على الخائبين، الذين لا يتفكرون، كما وصفهم الخالق عزّ وجلّ، في كتابه العزيز.. ومن هنا جاء عصر، يراه البعض عصر الإيمان، ويراه البعض الآخر، عصر ظلام دامس، لن تبدأ الحضارة الحقيقية حتى ينقشع.. ولأن النساء في هذا العصر هن الأضعف، كما كن في كل العصور، فقد تركّزت لعبة القهر فيهن.. وهي لعبة لم يلعبها رجال تشبثوا باسم الدين فحسب، ولكن شاركهم فيها مجتمع بأسره.. مجتمع بفئاته المختلفة.. العلماء.. والأدباء.. وحتى رجال الفن.. العلماء ظلوا -حتى عهد قريب- يؤكدون أن المرأة غير صالحة لتولي المناصب القيادية؛ نظراً لمرورها بفترات اضطراب شهرية دورية، تمنعها من اتخاذ القرارات السليمة.. ولقد أيدهم ذكور المجتمع كله على الفور.. فلو كانت المرأة صالحة للقيادة، فهذا يعني أنها قد تنتزع منهم بعض المراكز القيادية الهامة، وهو ما يخشونه خشيتهم للموت نفسه.. يخشونه؛ لأن سنوات القهر قد انتزعت منهم أهم ما يميز الرجل، وما يجعل الذكر مؤهلاً لحمل لقب رجل.. انتزعت منهم الثقة بالنفس.. انعدام أو ضعف ثقتهم بأنفسهم جعلهم، وحتى لحظة كتابة هذه السطور، يخشون المنافسة، وشرقيتهم جعلت رعبهم يتضاعف، عندما رأوا أن منافسهم قد يكون أنثى.. لذا، فقد قاتلوا، حتى يمنعوا أية أنثى من دخول المنافسة.. وفشلوا.. ودخلت الأنثى المنافسة.. وقاتلت.. وكافحت.. وانتصرت، في العديد من المواقع.. ولو تلفت حولك الآن، ستجد آلاف الفتيات والنساء، في مناصب قيادية، يدرن أعمالهن بكفاءة، ويصدرن قرارات قوية مسئولة، تفوق حتى ما يصدره الرجال.. والأدباء تحدّثوا عن المرأة باعتبارها رقم اثنين في المجتمع، ففي كل كتاباتهم القديمة، ذكروها كربة منزل خاضعة، أو كعاهرة فاجرة، أو متآمرة من خلف الستار.. كانوا ينقلون تلك الصورة التي تربوا عليها.. والتي سكنت عقولهم.. وقلوبهم.. ومجتمعاتهم.. ثم تبدّلت الصورة، ولم يتبدّل فكر الأدباء في هذا الشأن، بنفس سرعة تبدّل المجتمع نفسه.. أما رجال الفن، فقد أساءوا إلى الأنثى، كما لم يسئ إليها أحد، لا من قبلهم ولا من بعدهم.. أساءوا إليها، عندما كشفوا جسدها في أفلامهم وإعلاناتهم، وأغنياتهم المصوّرة.. عندما أعادوها إلى زمن الجواري، عندما كانت كل مهمتهن إمتاع الرجل وتسليته فحسب.. عندما جعلوها مجرّد سلعة، وليست كائناً بشرياً، من لحم ودم.. ومن مشاعر وأحاسيس مرهفة.. ثم أساءوا إليها أكثر، عندما تحدّثوا عن الزواج نفسه، على نحو يمتهن المرأة، ويمتهن قدرها ومكانتها في الأسرة والمجتمع.. في كل أعمالهم، وحتى معظم القريب منها، كان دافع الرجل للزواج، إما معاناته من (كبت جسدي)، أو حاجته إلى من (يخدمه).. كان هذا هو المصطلح المستخدَم دوماً، عندما يبحث أحد أبطالهم عن الزواج.. "أنت تحتاج إلى من تخدمك". "لقد كبر في السن، ويحتاج إلى من يخدمه". "زوج المرأة هو سيدها وتاج رأسها". وعبارات أخرى عديدة، تصف المرأة دوماً باعتبارها خادمة لزوجها، وليست شريكته ووليفته وونيسته.. حتى عندما نرى على شاشاتهم رجلاً أعزب، كنا نرى أن مشكلته كلها تكمن في عدم قدرته على تنظيف منزله.. أو كي ثيابه.. أو طبخ طعامه.. كانت المشكلة التي يبرزونها إذن، هي حاجته إلى خادمة.. وليست إلى زوجة.. وهكذا، وبتضافر من رجال الدين، والعلم، والأدب، والفن، عاشت المرأة، وما زالت، عصور القهر، بأشكال مختلفة.. وللحديث حتماً بقية إن شاء الله العلي القدير،،،،