ترجمه وأعده للنشر: عمرو أبو بكر (مقال للكاتب الإسرائيلي أمير أورن نُشر بصحيفة هآرتس بتاريخ 9/ 10/ 2011 بعنوان "ماذا أراد السادات")
عندما نناقش في إسرائيل هل يمكن الدخول إلى حرب غير ضرورية وطائشة ضد إيران، يجب أن يُدرس بعناية الحادث المؤسف الذي وقع في أكتوبر عام 1973 من زاويتين الداخلية والخارجية.
في 1973 كانت عملية صنع القرار في إسرائيل تعاني عاهات أساسية، وهو ما أعرب عنه اللواء احتياط عمانوئيل سيكل في كتابه "الجيش النظامي سيردع؟"؛ حيث كان وقت حرب أكتوبر 1973 قائدا لكتيبة إسرائيلية قتالية على الجبهة الجنوبية لإسرائيل، وقد أورد في كتابه لائحة اتهام حادة ومقنعة ضد: جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل أثناء حرب أكتوبر، وموشيه دايان وزير الدفاع أثناء حرب أكتوبر، وديفيد بن إليعازر رئيس الأركان الذي كان يُلقّب ب"دادو"، وشموئيل جونين قائد المنطقة الجنوبية، وألبرت مندلار قائد الفرقة 252 في أنهم كانوا السبب الرئيسي وراء الخسارة الإسرائيلية في حرب 1973.
لكن سيكل أخطأ في كتابه حينما قال إنه كان على جولدا ودايان أن يبدآ قبل 6 أكتوبر 1973 بهجوم على القوات المصرية؛ لشلّ أركانها وتعجيزها عن القيام بأي هجوم عسكري على إسرائيل؛ لأنه إذا كانت جولدا مائير قد قرّرت شنّ ضربة استباقية ضد مصر في أكتوبر 1973 فكان سيُعد ذلك عصيانا على الولاياتالمتحدةالأمريكية التي طالبت إسرائيل في ذلك الوقت بالتزام وقف إطلاق النار، وإذا ما كانت جولدا مائير ارتكبت ذلك كانت ستخدم مصالح أنور السادات. في عام 1973 كان لدى رئيسة الوزراء ووزير الدفاع إصرار على إخفاء معلومات مهمة وحاسمة وردت إليهما خلال محادثاتهما في واشنطن عن دادو -رئيس الأركان الإسرائيلي- وإيلي زاعيرا -رئيس الاستخبارات الإسرائيلي- الأمر الذي جعل كلاً من رئيس الأركان ورئيس الاستخبارات يسيئان تقدير وتقييم الموقف على جبهة سيناء، والاستعداد لأي طارئ قد يحدث.
ولم يتعلّم دايان من هذا الخطأ، بل أخفى عن شلومو جازيت -رئيس الاستخبارات الإسرائيلية بعد حرب 1973- وموتا جور -رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بعد حرب 1973- نتائج المفاوضات السرية التي أُجريت مع الرئيس السادات، وعلى هذا النهج أيضا أخفى إسحاق رابين -رئيس الوزراء الإسرائيلي أثناء معاهدة كامب ديفيد- معلومات المفاوضات التي جرت في أوسلو عن إيهود باراك -رئيس أركان الجيش الإسرائيلي في عهده- وعن رئيس المخابرات في عهده أوري شاجي.
غياب مثل هذه المعلومات المهمة جعل القيادة العسكرية الإسرائيلية قبل 6 أكتوبر 1973 تعتقد أن السادات يستخدم خطة يحرّك من خلالها واشنطن لتضغط على إسرائيل بالكلام إن أمكن، وبالنار إذا لزم الأمر من أجل التفاوض في تسوية دائمة تُعيد لمصر أرض سيناء، أي كانت على يقين بأن السادات كان يسعى للسلام لا للحرب.
وكانت هذه حقيقة واضحة ومتكرّرة وصارخة لحد يُثير الاشمئزاز؛ فالاعتماد على هذه الحقيقة، جعل السادات ينجح في إحداث تضليل منظّم لإخفاء موعد الهجوم الذي حدّدته مصر وسوريا في أكتوبر، وزيادةً في إحكام الخطة قام السادات بإرسال أشرف مروان إلى تيسفي زامير -رئيس الموساد- ليبلغه بموعد الحرب قبل بدء إطلاق النار بنصف يوم، وهو الأمر الذي يدل على أن السادات كان أشد حكمة؛ حيث نقل هذه المعلومة إلى جولدا مائير عن طريق مروان وزامير، في وقت يجعل إسرائيل عاجزة من ناحية على تحريك قواها لصدّ الهجوم المصري، ومن ناحية أخرى يغري إسرائيل بأن تبدأ هي بالضربة العسكرية أولا كما فعلت في 1956 و 1967.
وفي هذا التوقيت، كان السادات وقادة جيشه قد أعدّوا قواعد سلاح جو وهمية لتتلقّى أي ضربة عسكرية إسرائيلية، والتي ستكون حتما في مصلحة السادات؛ لأن هذه الضربة على المستوى العسكري لن تتمكن من إفشال عملية عبور القوات المصرية إلى سيناء؛ لأنه سيكون قد فات الأوان، ومن الناحية السياسية كانت ستتهم إسرائيل بأنها معتدية، وهو الأمر الذي كان سيجعل الولاياتالمتحدةالأمريكية برئاسة نيكسون تضغط على إسرائيل أن تقوم بتسوية تجعلها تنسحب إلى الخامس من يونيو لا السادس من أكتوبر، كما أمل ساذجو الجيش الإسرائيلي.
لقد أدركت جولدا مائير ومعها موشيه دايان أن إسرائيل ستعاقب بحرب وبسلام إذا نقضت التزامها بألا تقدم هي على ضربة عسكرية ضد مصر أولا، وقاما بإجراء اتصال سري بوزير الخارجية الأمريكي هنري كسينجر في ثاني أيام حرب 1973، ولأنه كان بالإمكان إنهاء الحرب من وجهة نظر كسينجر بأن تنسحب القوات الإسرائيلية من سيناء، ويستقر الإنجاز العسكري المصري بمجرد العبور وإقامة جسر ممتد من غرب القناة إلى شرقها؛ لكن إسرائيل رأت أنه عرض غير مهم، واستهترت بقوة الجيش المصري، ولو كانت إسرائيل وافقت على هذا العرض لاتقينا وقوع آلاف الضحايا الإسرائيليين.
بعد ما سبق ندرك أنه لا يجوز لإسرائيل أن تخرج لحرب ليس لها مبرر مباشر بغير إذن من الولاياتالمتحدة، وقد رأينا ذلك في زيارة ليئون بانته -وزير الدفاع الأمريكي- لتل أبيب ليطلب علنا تنسيق النشاطات على الجبهة الإيرانية، وكأنه والد أمريكي يبلغ ابنه الإسرائيلي أنه إذا أخذ سيارة العائلة لنزهة نهاية الأسبوع فعليه أن ينسّق ذلك مسبقا مع والده!
وكما يُلح على ذهني أيضا بأن علي خامنئي -المرشد الإيراني- قد تعلّم من السادات، وأنه يغري إسرائيل بأن تقوم بضربة عسكرية ضد إيران كي يردّ عليها عسكريا، ويكسب دعائيا بأنه يدافع عن أهدافه الاستراتيجية.