كتب: عمرو الشوبكي حين فشلت الأحزاب السياسية في انتزاع الاستقلال قبل ثورة يوليو، قام الجيش بانقلابه العسكري الذي تحوّل إلى ثورة بتأييد الناس له.. لم يهبط ضبّاط الجيش من السماء إنما حصلوا على شرعيتهم من الناس؛ بسبب الانقسام والتشتّت وفشل النخبة السياسية في تحقيق مطالب الشعب الذي حوّل ولاءه من الأحزاب إلى الضباط الأحرار وقَبِل شعارات "الكل في واحد" ونظام الحزب الواحد؛ أملا في جلب الاستقلال والديمقراطية، فنجح في الأولى وفشل في الثانية. أما بعد ثورة 25 يناير فقد تغيّرت الصورة؛ فمن قام بالثورة هو الشعب المصري، ومَن حماها وأيّدها هو الجيش، في تباين جذري عن المشهد الذي جرى في ثورة يوليو 1952؛ حين قام الجيش بالثورة وشاهدها الناس مرحبين. وعادت الأوضاع بعد 8 أشهر على ثورة يناير وشهدت تعمّق حالة الانقسام السياسي وتفاقم الاستقطاب الديني، والفشل في ترجمة مطالب الثورة في الإصلاحين السياسي والاقتصادي إلى واقع معاش، وعجز الأحزاب السياسية عن أن تقنع الناس بجديتها على أرض الواقع لا في التليفزيون، وتعامُل الإخوان باستعلاء في مواجهة الجميع، وفشل المثقفين والكتّاب في أن يشكلوا تيارا متجانسا يسهم في التوافق على مسار عملية الإصلاح، ورفع الكثيرون حراب الانقسام الأيديولوجي والسياسي، وسعي البعض الآخر لاقتسام الكعكة قبل أن يجدوا موادها. ولأن النخب السياسية والائتلافات الثورية لا تعي جيدا أن مصر مبارك لم تكن مشكلتها فقط سياسية؛ إنما بالأساس في إرث دولتها شبه الفاشلة التي عرفت انهيارات في التعليم والصحة والأمن، وباقي مؤسسات الدولة.. فإننا إذا كنّا فشلنا في السياسة، فلقد كان من الممكن أن ننجح في الاستثمار المهني والعلمي والاجتماعي، فنجد جامعة وطنية يتيمة ناجحة، أو مؤسسة عامة واحدة تعمل وفق معايير الحد الأدنى من الكفاءة، أو صحيفة واحدة مثل: الشرق الأوسط أو الحياة، أو قناة فضائية، مثل: العربية أو الجزيرة، ولا نقول BBC. حين ترث دولة شبه فاشلة ونخبة تجري وراء مصالحها الضيقة، فلن تفيدك كثيرا شعاراتك الرافضة لحكم العسكر والحكم الديني أو حكم المستبد العادل؛ لأن كلها ستعني في ضمير كثير من المصريين بديلا للفوضى والفلتان الأمني والأخلاقي. إن نظام الحزب الواحد أو التعددية المقيدة التي على قمّتها رئيس أو مؤسسة مدنية -حزب مهيمن كما في بلد مثل روسيا وليس نظام مبارك- أو عسكرية، عادة ما يكون مصاحبا لفشل النخب السياسية، هذا ما جرى في معظم بلدان العالم العربي التي شهدت نظما شبه ليبرالية لم تجلب الاستقلال والدستور فجاءت انقلابات الجيش، ويبدو أن الوضع الآن مرشح ليس لعودة حرفية لما كان عليه الحال أثناء ثورة يوليو -كما يتحدث البعض عن أن التاريخ يعيد نفسه، وأن مشاهد 54 تلوح في الأفق الآن بصدامٍ بين الجيش والإخوان- إنما إلى فقدان الثقة في الآلية الديمقراطية، وفي قدرة النخب السياسية على إدارة صراع يتنافس فيه الناس من أجل المواطن والمصلحة العامة. إن أي فراغ تتركه النخب السياسية بانقسامها وتشتتها سيملؤه تلقائيا "الطرف المنظم"، وفي مصر سيكون الجيش هذا الطرف الذي لن يعيدنا بالضرورة لسيناريو 52 إنما بمزيد من التدخل في إدارة العملية السياسية، قد يعتبرها الكثيرون عودة للنظام في مواجهة الفوضى. فمتى نعي خطورة الموقف؟ نُشِر بالمصري اليوم بتاريخ: 20/ 9/ 2011