إذن من الحلقات السابقة نستطيع أن نستخلص المفروض الذي يجب أن نقوم به الآن، هو أن "نشتغل على أحلامنا"، أياً كان هذا العمل؛ سواء كان هذا العمل في وطنك أم في بلد آخر، اجعل لكل ثانية في حياتك قيمة، وتحوّل إلى كائن منتج وشخص نافع. في البداية لتغيير حياتك لازم تعوّد نفسك على الصحيان بدري، تخيّل أن تفصيلة بسيطة مثل هذه هي القاسم المشترك في حياة معظم الناجحين والمشاهير والعباقرة؛ فلقد قرأت الكثير من سِيَرهم الذاتية وقصص حياتهم، وهذا لأن الاستيقاظ المبكر يجعلك تشعر بأنك تحيا يومك مرتين، ويوفّر الوقت لتقوم بكل ما يجب عليك القيام به. حاول الاستغراق في عملك أو دراستك أو حتى في البحث عن عمل.. أتذكّر في مرحلة من المراحل أني كنت أخرج للبحث عن فرصة عمل، وأنا أقول لنفسي: سأجد عملاً أو أموت؛ وكأنه لا اختيارات أخرى، وبالفعل حصلت على وظيفة بأسرع مما توقعت. "أيّ شغلانة شريفة"، هؤلاء الذين ينتظرون أن يحصلوا على وظيفة أحلامهم، مع الأسف سينتظرون كثيراً؛ فإذا كنت تحتاج لعمل؛ فلتعمل في أية وظيفة مناسبة تجدها، لقد عملتُ في إجازات الجامعة ك"بائعة ملابس"، وفي مرحلة كنت "أدير إنترنت كافيه"، ليس مهماً أن تحصل على الوظيفة المناسبة؛ ففي ظلّ الأوضاع الحالية، من الأفضل البحث عن وظيفة تسدّ احتياجاتك وتعتبرها مرحلة، وتتعلم أن تتوقف في الوقت المناسب لتبدأ مرحلة جديدة. في المستقبل ستتحول مغامراتك بهذه المراحل لقصة كفاح ومدعاة للفخر والاعتزاز برحلتك، وستتفاجئ بكمّ الخبرات التي حصلتَ عليها منها، وأتذكر حواري مع خالد دياب، وهو شاب من نفس جيلي وجيلك، ومرّ بنفس الخبرات التي يمرّ بها معظم الشباب المصريين، وما جعله مميزاً هو ظهوره في برنامج "المجددون" لعمرو خالد، وحصوله على الجائزة الأولى، ومن بعده كتابته لسيناريو فيلم "عسل أسود" لأحمد حلمي، الذي نجح نجاحاً كبيراً.. خلال الحوار ردّ خالد على سؤالي: ماذا تقول لشاب جامعي لم يجد سوى وظيفة مندوب مبيعات؟ قائلاً بفخر شديد: "أنا كنت باشتغل بلقمتي أحياناً، اشتغل وطوّر نفسك؛ حتى لو إيه، وماتقعدش في البيت وتستلف". حكى لنا خالد عن دخوله كلية الهندسة "بطريقة الطفاسة"؛ لأن مجموعه أهّله لها؛ ولكنه برغم هذا لم يستطع أن يحب هذا المجال أو يستمر فيه، وتحدّث أيضاً عن عدم وعي الشباب بقدراتهم واكتشافها متأخراً. واستطاع خالد أن يسافر حول العالم في الإجازات الدراسية، باتفاق مع والده أن يُقرضه ثمن التذكرة مرة؛ حتى يسافر ويعمل 3 شهور، و"يتفسح" شهر، ويحتفظ بثمن التذكرة لإجازة العام القادم.. وهكذا زار العديد من دول العالم، وعمل في وظائف مختلفة مثل: طباخ، وكاشير، ومندوب مبيعات، وعامل هدم.. ويقول خالد: إن هذه الوظائف والخبرات والسفر والتعامل مع الجنسيات المختلفة، كانت وراء صُنع شخصيته وتعلّمه الكثير من المهارات. ويرى خالد أن عبارة Yes we can أو أيوة هنقدر نعملها، هي الحل السحري لمعظم مشكلاتنا اليوم؛ فالإحباط الذي يسيطر على الناس والذي تمتلئ به -مع الأسف- تعليقات القراء، حلّه الوحيد هو الإيمان بقدرتهم على التغيير وأن يقولوا "أيوه نقدر". هنا شاهد الحوار الكامل ل"بص وطل" مع خالد دياب مرة ثانية أؤكد أن خالد دياب ليس كائناً فضائياً؛ لكنه شاب مصري من نفس جيلنا، ويواجه ما نواجهه كل يوم، وإذا كان هو يقدر وأنا أقدر وغيرنا يقدر أن يغير حياته للأفضل؛ فأنت أيضاً تقدر أن تغيّر حياتك. والآن أريد أن أتحدث عن فكرة مهمة قد تخطر في بال معظمنا، وهي عدم وجود مُقابل مُرضٍ للعمل؛ فالمرتبات متدنّية، ولا تستحقّ كل هذا العناء، وهنا تذكّر معي ما قُلناه في الحلقات السابقة عن أن كل الرزق لا يأتي على شكل فلوس؛ ولكنه يأتي في أشكال متعددة. لو كان راتبك قليلاً، اعمل من أجل اكتساب خبرة، من أجل تنمية علاقاتك، من أجل أن تكون نافعاً، تعامَل مع العالم؛ وكأنه بنك خدمات كبير، وكلما أدّيت خدمات لغيرك من الناس ونفعْتَهم؛ فاعلم أنك تدّخر رصيداً من الخدمات سيأتي يوماً وتحتاجه، وسيردّه لك العالم، ربما ليس عن طريق نفس الأشخاص؛ ولكنها ترتيبات ربانية ليعتدل ميزان الكون، وتظلّ كما تدين تدان، وكما تعطي تأخذ، وكما تنفع تجد من يخدمك وينفعك. الإنسان كائن متطوّر وأهدافه هي الأخرى تتطور معه، وهذا سيفرض عليه أن يُقسّم حياته إلى مراحل؛ ففي مرحلة ستكون الدراسة واكتساب العلم هي الأهم، وفي مرحلة أخرى ستحتاج إلى مال لتستقلّ مادياً عن عائلتك، وفي مرحلة أخرى قد لا تكون محتاجاً للمال؛ ولكنك تحتاج إلى مكانة جيدة وتقدير من حولك. الإنسان الذكي هو من يدرك احتياجاته في كل مرحلة، ويوفّق أوضاعه لإشباع هذه الاحتياجات؛ فالنجاح الحقيقي ليس في الحصول على وظيفة مرموقة، أو في إيجاد شريك الحياة والزواج، أو في الاستقلالية والاعتماد على النفس والخروج من دائرة الأسرة، أو في الشعور بالسعادة.. النجاح الحقيقي هو كل هذه الأشياء معاً، بالإضافة إلى تقدير الشخص لذاته واحترام الآخرين له. وتقديرك لذاتك واحترام الآخريين لك، سيبدأ مع قدرتك على الوفاء باحتياجاتك وقدرتك على منفعة من حولك ومساعدتهم دون انتظار الردّ. في انتظار تعليقاتكم وأسئلتكم، وانتظروا لعبة مثلّثات القوة في الحلقة القادمة والأخيرة من هذه السلسلة.
اقرأ أيضاً: غيّر حياتك بإيدك: عمارات من بَرّه وعِشش من جُوّه غيّر حياتك بإيدك: نظرية (ع).. عربية وعيادة وعروسة غيّر حياتك بإيدك: للحالمين بالسفر.. طريقكم إلى سلم الطائرة غيّر حياتك بإيدك: عشرون عاماً تحلم بأداء العمرة ولم تدّخر جنيهاً من أجلها!! غيّر حياتك بإيدك: فقير وشاطر تاخد منحة.. فقير وخايب تاخد زيرو غيّر حياتك بإيدك: الهجرة بالنقط.. يا ترى عندك كام نقطة؟!