ظهر الإنسان الحديث بشكله الحالي منذ حوالي مائتي ألف سنة مضت، في ذلك الوقت كانت معظم الوحوش الضارية التي عاشت على هذا الكوكب قد انقرضت منذ وقت طويل. لعل العالم فيما مضى كان أشبه بعوالم أفلام الرعب؛ حيث الوحوش الضخمة ترتع في كل مكان، على الأرض، وفي البحار، وفي السماء، ناشرة الفزع أينما تذهب. في المساحة التالية سنستعرض معاً بعضاً من تلك الكائنات المرعبة التي سادت على الأرض، ولم نعرف عنها إلا من خلال الحفريات التي عثرنا عليها.. إنها وحوش من الماضي. هذه السمكة المرعبة، عاشت في الفترة من 380 إلى 360 مليون سنة قبل الميلاد، وربما من الظلم أن نطلق لفظ سمكة على هذا الوحش الذي يصل طوله إلى 10 أمتار، ووزنه إلى ما يقرب من 4 أطنان! ولنتخيل مدى ضراوة هذه السمكة؛ فإنها تستطيع أن تقضم سمكة قرش إلى نصفين! وفي حقيقة الأمر؛ فهي قادرة على افتراس أي شيء يمكن أن يوجد في بيئتها، بما فيها أبناء جنسها أنفسهم! عُثِر على حفريات عديدة لهذه السمكة في كل من بولندا وبلجيكا والمغرب. سميت بالدانكلوستيوس عام 1956 تكريماً لمكتشفها ديفيد دانكل؛ بينما اللاحقة أوستيوس تعني عظاماً باليونانية. عضة هذه السمكة هي الأقوى بين كل الأسماك عبر التاريخ دانكلوستيوس نظراً لتكوينها المدرّع الثقيل؛ فمن المعتقد أن الدانكلوستيوس كانت بطيئة نسبياً في السباحة، وأنها كانت تتجول في المياه الشاطئية، وإن كان هناك رأي آخر يقول إنها لا بد أن تكون متواجدة أيضاً في الأعماق الأكبر. أشهر وأكمل عينة من السمكة معروضة حالياً في متحف كليفرلاند للتاريخ الطبيعي في ولاية أوهايو بالولايات المتحدةالأمريكية، وهناك عيّنات أخرى معروضة في متحف نيويورك للتاريخ الطبيعي، وفي متحف بريسبين بأستراليا. ولأن العيّنات التي لدينا في معظمها لرأس السمكة المدرع؛ فإننا لا نعرف على وجه التأكيد شكل الأجزاء الخلفية للسمكة. العضة القاتلة إذا نظرنا إلى السمكة، نجد أنها لا تمتلك أسناناً؛ وإنما -بدلاً من ذلك- زوجين من الصفائح الفكّية الحادة التي تكوّن ما يُشبه المنقار، بعد أن قام العلماء بصنع نموذج بيوميكانيكي لفكّي السمكة، وقاموا بدراسته بالاستعانة بالكمبيوتر، توصّلوا إلى أن عضة هذه السمكة هي الأقوى بين كل الأسماك عبر التاريخ؛ باستثناء عضة قرش الميجالودون المنقرض. عضة الدانكلوستيوس تؤدي إلى توليد ضغط يقدر بثمانية آلاف رطل على البوصة المربعة عند طرف فم السمكة؛ هذا يعني أن عضة الدانكلوستيوس أقوى أربع مرات من عضة التيرانوصور ريكس، أما الحيوان، صاحب العضة الأقوى بين الحيوانات التي تعيش حاليا؛ فهو التمساح الأمريكي، وقوة عضته لا تكاد تعادل خُمس قوة عضة هذه السمكة! يمكن أيضاً للدانكلوستيوس أن تفتح فمها في جزء من خمسة عشر جزءاً من الثانية، وهذا يؤدي إلى قوة شفط فجائية، تؤدي إلى سحب الضحية إلى فمها. وتدلّنا بعض عيّنات الدانكلوستيوس التي وصلتنا وبها آثار لعضات من الدانكلوستيوس، أن هذه الأسماك كانت تأكل بعضها البعض أيضاً، إذا سنحت لها الفرصة. السبب الأساسي الذي أدى إلى انقراض هذه السمكة هو وزنها الكبير أشارت الدراسات المورفولوجية إلى أن شكل الفكّين يتغير مع تقدّم السمكة في السنّ، فالدانكلوستيوس الصغير لديه فكّان أكثر قسوة وأقل مرونة؛ لأنه يتغذى على الحيوانات البحرية الصغيرة الرخوة؛ بينما فكي الدانكلوستيوس البالغ أكثر مرونة كي يتسعا للضحية وهي تقاوم الابتلاع، كما أنهما مجهزان لاختراق عظام الحيوانات المدرعة الأخرى. دائماً وُجدت حفريات لعظام حيوانات التهمتها الدانكلوستيوس أثناء حياتها مع الحفرية، وقد استنتج العلماء أن الدانكلوستيوس لم تكن تهضم عظام الحيوانات التي تفترسها على الأرجح؛ وإنما تحتفظ بها في معدتها لفترة، ثم تلفظ هذه العظام إلى الخارج دورياً. ومن المعتقد أيضاً أن الدانكلوستيوس هي من أوائل الفقاريات التي تتبع نظام التلقيح الداخلي، وهي أيضاً أسماك متمايزة جنسياً؛ حيث يمكن بسهولة تمييز الذكر من الأنثى، وهو شيء نادر في العصر الذي عاشت فيه. ولماذا انقرضت؟ ربما لا يوجد سبب منطقي يجعل وحشاً كهذا ينقرض؛ لكن لعل السبب الأساسي الذي أدى إلى انقراضها هو وزنها الكبير الذي لا يسمح لها بسرعة الحركة؛ مما أدى بالطبيعة إلى تفضيل القروش الخفيفة عليها؛ لعل الدانكلوستيوس دَخَل في منافسة على الغذاء مع القروش خفيفة الوزن سريعة الحركة، وكانت الغلبة للقروش التي استحوذت على الغذاء؛ لكنه مجرد تكهّن في النهاية.