صدقا لم أكن أعرف أن تلك الكائنات موجودة بالفعل في الحياة!!! أتصور أن من يكلّف نفسه ويقرأ الجرائد أو يستمع لنشرة الأخبار أو أي برنامج حواري عن طريق الخطأ لعلم أو على الأقل سمع عن أن هناك فقرا في مصر، وأن التعليم متردٍّ، وأن وضعنا السياسي ليس أفضل من وضعنا الكروي، وأننا أمة في سبيلها للانهيار بخطوات متلاحقة.. وهذا ليس كلاما متشائما، لا.. أقسم لك صدقا إنه متفائل؛ لأن التاريخ يقول دوما بأن الأمم تمرّ بمراحل من النهضة والانحدار، وبما أننا نحيا الانحدار فالنهضة قادمة حتما. لكن توفّر لي الأيام وتسوق لي الظروف أن أجلس مع شباب الحزب الوطني، أو العاملين في مشروعات لها علاقة بالتنمية المجتمعية كلها تقع تحت عباءة الحكومة الملوّنة.. هم كلهم يتّسمون بنفس السمات، ملامح بلاستيكية لا تفرح ولا تحزن، لا يناقشون؛ وهذا لأن مستواهم الثقافي ضحل جدا، يرفضون فقط كل منطق لا يتفق مع مجموعة من الجمل، التي لا تخرج عن نطاق أن الحكومة بالفعل تقدّم الكثير والكثير، والشعب هو المشكلة.. هذا الشعب الطفيلي الذي ظهر فجأة هو الذي لا يلتزم بالقوانين، ويسوق نفسه سوقا للفقر والجوع، فهو شعب غير أنه عشوائي فهو أبله، طبيعي أن يكون أبله؛ فهو يحيا خصيصا من أجل تدمير نفسه قبل الآخرين. هذا الشعب ينجب كثيرا، ولا يريد أن يبدأ فيه كل شخص بنفسه لكي تنصلح أحوال البلد، تلك هي المشكلة ليس إلا! أما الادّعاء بأن بداية كل واحد بنفسه هي الحل فهذا يثبت أن هناك بالفعل مشكلة، وهي نفس النقطة التي يرفضونها رفضا باتا في بداية أي نقاش، فها هم يرجعون لها ثانية لكن بمبرر الشعب، وعلى سذاجة هذا المفهوم الذي يجعلنا دائما نقف في مواجهة السلطة موقف التلميذ الذي يُلام طوال الوقت على درجاته السيئة؛ فهو لا يستذكر بما يكفي، ولا ننظر إطلاقا لمدرّسه الذي لم يعلمه من الأساس!!! إذن سأحاول أن أتفق مع منطق أن الحكومة لطيفة، وتفعل لنا الكثير، والعيب فينا، فبالفعل لا توجد سلطة في العالم ولو سلطة معتقل تفعل كل شيء خطأ، هذا لأن من بها بشرا والبشر ليسوا شرا مطلقا، وهم يعرفون أن الكبت يولّد الانفجار، فدائما تكون الأضرار لها سقف حتى لا ينفجر المواطن؛ لأنه دائما يذكّر نفسه بما يملك كما يتم إخباره دائما.. فلو اشتكى من دخله فنقول له احمد ربنا هناك كهرباء، ولو اشتكى من انقطاعها نخبره اتقِ الله ألا يكفيك وجود الماء، وهكذا يظل طوال حياته يتمنى فقط لو يحيا اللحظة التي يرى فيها كل حاجاته الأساسية مكتملة، وهي اللحظة التي لا يقدّر له ربما أن يشهدها؛ لأنه يُمضي عمره كله يحاول أن يكمل الناقص من الصورة!! هل يتساوى إذن أن أقدّم لك ثلاثة أشياء جيدة وأحرمك من عشرين أخرى؟ ولم تتهاون في حقك، إنه حقك كآدمي تطاردك كل سلطات الدولة لو لم تدفع الضرائب أو تهرّبت من فاتورة الكهرباء المقطوعة!! ويستمرّ حديثهم عن معدلات التنمية والتقدم والتطور وثقافة السلام التي يشيعونها في حملات بين الطلاب في المدارس، يعلّمونهم السلام قبل أن يعرفوا أساسا معنى التعليم الحقيقي، أظن أن فائدة هذا الوحيدة هي أن يتخرّج الطالب ليعمل تباعا في موقف السلام السلام!!! يا ناس يا هووووه هناك فقراء، رأيتهم بأمّ عيني والله، رأيت الأطفال التي تحيا تحت خط الفقر بمسافة لا تقل عن طول طريق الإسماعيليةالقاهرة الصحراوي، يحيون مع الحيوانات في الشارع، ويموت منهم من يموت ولا أحد يسأل، ورأيت الأمّ القعيدة المسئولة عن أطفال، ولا تعرف من فئات النقود أكثر من ورقة العشرين!!! وقرى بأكملها تقع خارج نطاق الزمن، وكأنها جاءت من الفضاء فلا أحد يعلم عنها شيئا، ولكنهم يخبرونني على الدوام بالمشروعات التي تقيمها الحكومة في سبيل النهوض بتلك القرى، تلك المشروعات التي تستمرّ في افتتاح مراحلها باستمرار وهي تشهد فشلا زريعا يراه القاصي والداني، ثم إنني منذ وُلدت وأنا أستمع لجملة النهوض بالقرى، ألا تنتهى تلك القرى أبدا أم إنها تتكاثر ذاتيا؟؟؟ والنقاش يتفرّع ويتفرّع وتعلو الأصوات وهم يهزّون رؤوسهم رافضين، معلنين أن العيب في الشعب، ومصرين على ذلك إصرارا لا تراجع فيه، وتجد نفسك تتحدث لحائط سدّ وأن المشكلة الأساسية هي عدم التربية!! أهالينا الذين ربونا على الإحساس بالفقير والعاجز ولو لم يكن في وسعك أن تساعده فاشعر بالشفقة لحاله، ضع نفسك في موقفه، والتمس له العذر لو بدر منه ما يضايقك؛ فهو لم يتلقّ تعليمك ولم يعشْ ظروفك الميسّرة، ولو قدّر لك يوما أن تملك ما تساعده به فلا تتأخر، هذا الإحساس وتلك الدماء التي تجري في العروق هي من جرّاء التربية، وهي التي أكّدت لي أن "اللي مايحسش باللي بيحصل في مصر أهله ماربّوهوش".. وحمدت الله أنهم قلة؛ فهناك شباب ربّوهم أهلهم بضمير!