ظهر الإنسان الحديث بشكله الحالي منذ حوالي مائتي ألف سنة مضت، في ذلك الوقت كانت معظم الوحوش الضارية التي عاشت على هذا الكوكب قد انقرضت منذ وقت طويل. لعل العالم فيما مضى كان أشبه بعوالم أفلام الرعب؛ حيث الوحوش الضخمة ترتع في كل مكان، على الأرض، وفي البحار، وفي السماء، ناشرة الفزع أينما تذهب. في المساحة التالية سنستعرض معاً بعضاً من تلك الكائنات المرعبة التي سادت على الأرض، ولم نعرف عنها إلا من خلال الحفريات التي عثرنا عليها.. إنها وحوش من الماضي. اسم التدليل T Rex (تي-ريكس)، ويُعرف أيضا بتيرانوصوراس ريكس، ملك الديناصورات وأكثرها شراسة وإثارة للرعب. يصل وزنه إلى سبعة أطنان، وطوله من الرأس إلى الذيل حوالي 12 مترا، وارتفاعه 6 أمتار ووزنه 7 أطنان! أما السن الواحدة في فكه فيصل طولها إلى 30 سنتيمترا! تيرانوصوراس تعني "السحلية الطاغية"، أما ريكس فتعني "ملك"، وقد سُمّي بالملك؛ لأنه كان يعتقد أنه أكبر الديناصورات، لكن بعد حصوله على هذه التسمية تم اكتشاف أنواع أخرى أكثر ضخامة. هو آكل لحم له جمجمة ضخمة وفكّان قويان، وذيل ثقيل. لعل تي-ريكس هو أضخم حيوان مفترس ظهر على وجه الأرض. تي-ريكس هو أشهر أنواع الديناصورات على الإطلاق، وعندما يتم ذِكْر كلمة ديناصور، عادة ما يتبادر التي-ريكس إلى الذهن، فهو الديناصور الذي تصرّ وسائل الإعلام على تقديمه إلينا عند الحديث عن الديناصورات، بدءا من الأفلام والمسلسلات وحتى ألعاب الفيديو وألعاب الأطفال، وهو أيضا الديناصور الذي استخدم في لوجو أشهر فيلم تحدّث عن الديناصورات وهو فيلم Jurassic Park للمخرج العبقري ستيفن سبيلبرج، والذي أدّى إلى موجة عاتية من الاهتمام الشعبي بالديناصورات وأنواعها. دورة الحياة يوجد في العالم حوالي 30 عينة من التي-ريكس، بعضها هياكل عظمية كاملة، وهناك عينة واحدة وجد فيها بعض الأنسجة الرخوة للديناصور. أما أوّل عيّنة وجدت من التي-ريكس فكانت عام 1892. أتاحت الدراسات الهستولوجية الوصول إلى الكثير من المعلومات -التقريبية بالطبع- عن دورة حياة التي-ريكس. أقل العينات عمرا مات في سن عامين فقط، بينما أكبر العينات عمرا وصل إلى 28 عاما، ويبدو أن هذا السن هو الحد الأقصى لعمر تي-ريكس. حتى عام 2001 كانت أكبر عينات تي-ريكس هي الديناصور المسمّى "سو" تي-ريكس الصغير يظل وزنه تحت حد ال1800 كيلو جرام، ثم عندما يصل إلى عمر 14 عاما، يبدأ وزنه يزيد باطّراد، حيث يكتسب في خلال الأعوام الأربعة التالية ما يزيد على 600 كيلو جرام سنويا، ثم يقل معدل الزيادة في الوزن بشكل كبير جدا عند عمر 18، وتشير العينات إلى أن الفرق في الوزن بين تي-ريكس بعمر 22 عاما وآخر بعمر 28 عاما يصل إلى 600 كيلو جرام فقط. أجريت الكثير من الدراسات لمحاولة الوصول إلى الاختلافات بين الذكور والإناث، إلا أنه من الصعب جدا التوصّل إلى فروق واضحة بينهما، سوى بالبحث عن أنسجة معينة لا تنتج إلا في وجود الهرمون الأنثوي. الوقفة تاريخيا كان يعتقد أن التي-ريكس يشبه في وقفته حيوان الكانجارو، حيث يميل جسمه بزاوية 45 عن الاتجاه الرأسي، ولذيله الطويل الذي يجره على الأرض خلفه دور في حفظ التوازن. كانت مسألة وقوف الديناصور من الأمور المحيرة للعلماء القدامى الذين كانوا يحاولون إعادة تركيب عظام الحفريات التي عثروا عليها. كان جوزيف ليدلي أول من تصور أن الديناصور يقف على قدمين، عندما قام بتركيب هيكل عظمي لديناصور من نوع الهادروصوراس. وقد عزز هذه الفكرة هنري أوسبورن الرئيس السابق للمتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي عندما كشف عن أول هيكل عظمي كامل للتي-ريكس عام 1915. في سبعينات القرن الماضي اكتشف العلماء أن الديناصور لا يمكن أن يقف بزاوية 45 كما كان يعتقد، لأن هذه الوقفة ستؤدي إلى إضعاف العديد من مفاصله، وفي التسعينات قاموا بتفكيك الهياكل لإعادة تركيبها بطريقة صحيحة، وقد أتى فيلم Jurassic Park عام 1993 ليقدم للجمهور الديناصورات وهي تقف بطريقة صحيحة، وأجسامها موازية تقريبا للأرض، مما ساهم في تغيير الصورة الخاطئة التي سادت وسائل الإعلام طوال العقود السابقة عن الديناصورات. الأطراف الأمامية كان هناك خلاف حول ما إذا كان التي-ريكس يمتلك أصبعين أم ثلاثة في طرفيه الأماميين، ولم يتم حسم هذا الأمر سوى عام 1989 عندما تم تركيب طرفيين أماميين كاملين لأحد حفريات التي-ريكس، واستقر الأمر على أن له أصبعين فقط، ومن المعتقد أنه يستعملهما أثناء المواعدة. الأذرع نفسها تتمتع بعضلات بالغة القوة، ومن المرجح أنه يستفيد بهما لدفع الغريم أثناء القتال. تاريخيا كان يعتقد أن التي-ريكس يشبه في وقفته حيوان الكانجارو أفضل العينات حتى عام 2001، كانت أكبر عينات تي-ريكس هي الديناصور المسمّى "سو" على شرف عالِمة الحفريات سو هيندريكسون التي اكتشفته عام 1990 في ساوث داكوتا، وتصل نسبة اكتمال النموذج إلى 85%. هذا الديناصور ثار حوله نزاع قضائي طويل، ثم آل في النهاية لمالك الأرض التي وجد فيها، ثم اشتراه أحد متاحف التاريخ الطبيعي ب 7.6 مليون دولار، وقد استغرق العمل الذي قام به المتحف لاستخلاص عظام الديناصور من الأحجار التي وجد فيها 235 ألف ساعة عمل. التي-ريكس الشهير الآخر هو ستان الذي سُمّي على اسم مكتشفه ستان ساكريسون، والذي وُجِد أيضا بالقرب من ساوث داكوتا عام 1987، تبلغ نسبة اكتمال ستان 63%، ولم يتم تركيبه سوى عام 1992. عام 2000 تمّ العثور على خمسة ديناصورات أخرى بواسطة جاك هورنر في مونتانا، وفي 2001 وجد تي-ريكس طفل في مونتانا أيضا، وفي 2006 أعلنت جامعة ولاية مونتانا أن لديها أكبر جمجمة تي-ريكس عُثِر عليها في الستينيات، لكن لم يتم تركيبها إلا في ذلك العام. ما زال هناك المزيد عن تي-ريكس؛ فانتظرونا حتى الأسبوع القادم.