غرائب «الدورس الخصوصية» في شهر الامتحانات    إعلام إسرائيلي: 3 قتلى وعشرات المصابين جراء الهجمات الإيرانية بكافة أنحاء البلاد    إنتر ميامي يتلقى ضربة موجعة قبل لقاء الأهلي    الحالة المرورية اليوم السبت.. سيولة على الطرق السريعة بالقليوبية    إيران تهاجم إسرائيل بمئات الصواريخ ودمار واسع في تل أبيب| صور    انتهاء تنفيذ 321 مشروعا ضمن حياة كريمة ب9 مليارات جنيه فى الوادى الجديد    60 دقيقة تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. السبت 14 يونيو 2025    جماهير الأهلي توجه رسائل مباشرة ل تريزيجية وهاني قبل مباراة إنتر ميامي (فيديو)    توجيهات رئاسية مُستمرة وجهود حكومية مُتواصلة.. مصر مركز إقليمي لصناعة الدواء    أسعار الذهب اليوم فى السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات السبت 14 يونيو 2025    نتيجة الشهادة الإعدادية بالدقهلية 2025 الترم الثاني.. رابط مباشر و خطوات الاستعلام    أسعار الفراخ اليوم السبت 14-6-2025 بعد الانخفاض الجديد.. وبورصة الدواجن الرئيسية اليوم    تفاصيل الاجتماع الفنى لمباراة الافتتاح.. الأهلى بالأحمر والشورت الأبيض أمام ميامى    «معلومات الوزراء»: 2025 تشهد تباطؤًا واسعًا فى النمو الاقتصادى العالمى    أشرف داري ل«المصري اليوم»: درسنا إنتر ميامي ونعرف ميسي جيدا (فيديو)    موعد نتيجة الدبلومات الفنية 2025 (صناعي- تجاري- زراعي- فني) فور اعتمادها    بالفيديو ..تامر حسني لجمهور الكويت : هتقوني علشان اغني ..انتوا عارفين الظروف    الأهلى يختتم تدريباته الجماعية استعدادا لمواجهة ميامى فى كأس العالم للأندية    تعرف على أسماء وأماكن لجان الثانوية العامة 2025 بمحافظة الشرقية    علقة موت لمدرب كمال أجسام تعدى جنسيا على طفلين بالفيوم    مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية: إسرائيل دمرت الجزء الموجود فوق سطح الأرض من منشأة نووية إيرانية رئيسية    قناة مفتوحة لنقل مباراة الأهلي وانتر ميامى في كأس العالم للأندية    معاذ: جماهير الزمالك كلمة السر في التتويج ب كأس مصر    رئيس جامعة سوهاج في ضيافة شيخ الأزهر بساحة آل الطيب    هل تتأثر قناة السويس بالصراع الإسرائيلي الإيراني؟.. الحكومة ترد    القناة 13: إصابة 5 إسرائيليين جراء الهجوم الصاروخي الإيراني الأخير    الأزهر يدين العدوان الصهيوني على إيران ويطالب بوقف الانتهاكات الصهيونية بحق دول المنطقة    كوكا: من الصعب إيقاف ميسي.. ولن ألعب في مصر لغير الأهلي    إعلام عبري: سقوط 4 صواريخ فى دان جوش والنقب والشفيلا    فرنسا تحذر مواطنيها من السفر إلى الشرق الأوسط    إنفانتينو: بطولة كأس العالم للأندية ستكون لحظة تاريخية فى كرة القدم    حدث منتصف الليل| خطة الحكومة لتأمين الغاز والكهرباء.. وهبوط 5 رحلات اضطراريا بمطار شرم الشيخ    الجنح تسدل الستار في قضية انفجار خط الغاز.. اليوم    قبل وفاته مع «حذيفة».. «محمود» يروي لحظات الرعب والانفجار ب خط غاز طريق الواحات: «عينيا اسودّت والعربية ولّعت»    ضبط عاطل وراء إشعال النار بشقة والده في الطالبية    اعرف رد محافظ الإسكندرية على جزار يبيع كيلو اللحمة ب700 جنيه.. فيديو وصور    مراسل برنامج الحكاية: فوجئنا بوجود أجانب على كارتة الاسماعيلية    «قصور الثقافة» تعرض طعم الخوف على مسرح مدينة بني مزار.. غدًا    تامر عاشور يظهر بعكاز فى حفل الكويت.. صور    كاتب سياسي: رد إيران يشمل مئات الصواريخ الباليستية لم تشهد تل أبيب مثيل لها    ما حكم أداء النافلة بين الصلاتين عند جمع التقديم؟    «الإفتاء» توضح كيفية الطهارة عند وقوع نجاسة ولم يُعرَف موضعها؟    الدبيكي: إعتماد إتفاقية «المخاطر البيولوجية» إنتصار تاريخي لحماية العمال    احذرها.. 4 أطعمة تدمر نومك في الليل    «تضامن الدقهلية» تطلق قافلة عمار الخير لتقديم العلاج بالمجان    7 خطوات أساسية من المنزل لخفض ضغط الدم المرتفع    4 أبراج يتسمون ب «جاذبيتهم الطاغية»: واثقون من أنفسهم ويحبون الهيمنة    «الأهلي في حتة عاشرة».. محمد الغزاوي يرد على المنتقدين    مصرع عاملين وإصابة 12 آخرين في انقلاب ميكروباص بالعياط    بعد نصف قرن على رحيلها.. صوت أم كلثوم يفتتح تتر مسلسل «فات الميعاد»    طوارئ نووية محتملة.. السعودية توضح: لا مواد مشعة في مياه المملكة    إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والمدارس في مصر رسميًا (الموعد والتفاصيل)    نائب رئيس جامعة القاهرة يتفقد امتحانات الفرقة الأولى بطب قصر العيني (صور)    علامات إذا ظهرت على طفلك يجب الانتباه لها    خطيب المسجد النبوي: الرحمة صفة تختص بالله يرحم بها البر والفاجر والمؤمن والكافر    مطار شرم الشيخ يستقبل رحلات محوّلة من الأردن بعد إغلاق مجالات جوية مجاورة    خطباء المساجد بشمال سيناء يدعون للوقوف صفا واحدا خلف القيادة السياسية    بعثة حج الجمعيات الأهلية تنظم زيارات الروضة الشريفة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صناعة الابتكار.. الفضول المعرفي
نشر في بص وطل يوم 21 - 11 - 2010


كتب - د. أحمد زويل
أثناء زيارتي لجنوب شرق آسيا سألني رئيس وزراء: "ما الذي نحتاجه للحصول على جائزة نوبل؟" فأجبته مباشرة: "استثمر في الأبحاث الأساسية واستقطب أفضل العقول".
ويبدو أنه في العصر الحديث يتراجع العقل الذي تقوده الرغبة في المعرفة، أو الفضول العلمي؛ إذ يعتقد البعض أنه بوسعهم أن يحقّقوا التقدم من خلال التركيز على مجالات أبحاث بعينها، وكأن بوسعهم أن يتنبأوا بالمستقبل وبأهمية تلك المجالات فيه، وأعتقد أن أسلوب التفكير هذا بمثابة "سوء فهم" يؤثر على ماهية المعرفة ويؤذي تمويل الأبحاث.
وأسمع باستمرار، خاصة في البلاد النامية، جملة "الأبحاث التطبيقية هي ما نحتاج"، وعلى الرغم من أنه من الجيد أن يكون لدى دولة ما برنامج للأبحاث والتطوير في مجالات معينة لحل مشكلات تواجهها تلك الدولة، أو لتحقيق تقدم في أحد المجالات مثل استكشاف الفضاء أو البحث عن الطاقة البديلة، فإنني أوضحت خلال زيارتي المتنوعة كمبعوث علمي للولايات المتحدة أنه بدون الالتزام بالاستثمار القوي في التعليم العلمي مع وجود قاعدة علمية أساسية فإن الدول لن تتمكّن من الحصول على المعرفة التي تمكّنها من إنتاج الاختراعات والاكتشافات، التي تسهم بدورها في تشكيل مستقبل الأمم.
وهناك العديد من الأمثلة على اختراقات علمية تحققت بسبب الأبحاث التي يُحرّكها الفضول، ففي عامي الأول كعضو في هيئة التدريس في جامعة "كالتك"، في 1976، تناقشت أنا و"ريتشارد فينمان" -العالم الشهير الحائز على جائزة نوبل في الطبيعة- حول ورقة علمية نشرها قبل 20 عاما عن بصريات الكم "quantum optics"، وهذه الورقة العلمية فتحت أبوابا كثيرة في عدة مجالات، بما فيها إمكانية التأثير والتحكم في التفاعل بين الليزر والمادة.
ووقتها قال "فينمان" لي إنه لم يكن يعرف التأثير الكبير لهذا البحث، وإن كل ما كان يشغله هو الفضول عن المفارقة في التأثير الليزري من جهة والمجال المغناطيسي من جهة أخرى على المادة نفسها، وأنه عندما انتهى من المعالجة النظرية وجد العلماء تطبيقات متعددة وكثيرة.
ولعل المثال الأكثر شيوعا هو ابتكار الليزر نفسه في عام 1960، ففي الاحتفال باليوبيل الذهبي لهذا الابتكار اجتمع الحاصلون على جائزة نوبل، في باريس، ومن بينهم "تشارلز تاونز"، قال العالم الكبير إنه كان يبحث في طيف الموجات الطويلة (MICROWAVES)، وكيف يمكنه تكبير الأشعة الضوئية، وهنا ولدت فكرة الليزر وخرج الشعاع الضوئي لأول مرة.
والآن تعد صناعة الليزر سوقا عالمية بالمليارات، حيث يستخدم في مجالات عديد من بينها الطب والصناعة والزراعة والدفاع.
وفي الاحتفال نفسه الذي أقيم في متحف اللوفر في باريس، كان حديثي عن رحلة نوبل وما بعدها، وأخبرت الحضور بأن الفضول هو الذي قادني إلى علم الفيمتو، وأن الفضول نفسه هو الذي مكّننا من اختراع الميكروسكوب رباعي الأبعاد الذي يجعل من الممكن مشاهدة المادة بجميع أبعادها (الثلاثة) مع إضافة الزمن كبعد رابع.
وهناك العديد من الاختراعات والاكتشافات التي تم التوصل إليها بأساليب مشابهة، لعل أبرزها الخريطة الجينية للإنسان، كما أن هناك اكتشافات تم التوصل إليها من خلال الفضول العلمي حول نظرية الكم ودوران الإلكترونات، ومن بينها تصوير الرنين المغناطيسي (MRI) الذي أصبح أساسيا في التشخيص الطبي، كما أتى الترانزستور وثورة المعلومات الناتجة عنه من خلال الفضول حول كيفية تحرك الإلكترون في أشباه الموصلات.
ولا شك أن ناتج تلك الاكتشافات في التطور الصناعي والطبي وفي صناعات تكنولوجيا المعلومات تعدّ الآن العمود الفقري للاقتصاد وللاتصالات الدولية، ويعد الفضول المعرفي المحرك الرئيسي الذي أدى للتطورات الفكرية والابتكارات.
كيف إذن يمكننا أن نشجع مثل هذا الشكل من الأبحاث المبنية على الفضول؟ الأبحاث التي يحركها الفضول تحتاج مبدئيا إلى علماء مبدعين يعملون في بيئة تشجّع على التعاون بين الباحثين وتؤلف بين المجالات المختلفة، ولكن يجب ألا يتم تقييد هذا المناخ بالإدارة الرتيبة والجامدة، حيث إن العقول المبدعة لا تعمل جيدا مع البيروقراطية.
وبالتالي لا بد أن نسأل: هل هناك معادلة معينة لإدارة صناعة الاكتشافات والاختراعات؟ وتكمن الإجابة في الاقتناع بثلاثة مبادئ:
■ الأول، والأكثر أهمية، هو البشر أنفسهم؛ فمنح الأهمية الملائمة لتأسيس وتشجيع التعليم المُلهم في العلم والتكنولوجيا والرياضيات والهندسة ضروري، حيث يجب أن تستقطب مجالات الأبحاث أفضل العقول الشابة، فالمباني الضخمة والتمويل الغزير لن ينتجا الكثير في ظل عدم وجود الأشخاص المناسبين.
■ ثانيا: إن خلق مناخ من التبادل المعرفي يعد من أهم الأساسيات لبلورة الأفكار بشكل واضح، فإنهاك الباحثين في البيروقراطية وكتابة عدد كبير ومكثف من التقارير في الجامعة، أو تحويلهم لإداريين متفرغين هو بمثابة بداية النهاية للتقدم.
وأصبح النظام الحالي في إدارة الأبحاث معقدا ومتشابكا، وهو ما يبرز الحاجة لمراجعة نظام التمويل التقليدي، ليكون السؤال: كيف يتم اختيار وتمويل الباحثين المميزين؟ وما مستوى التمويل اللائق لتحقيق الفائدة للمجتمع؟
■ ثالثا: بدون الموارد فإنه لا يمكن تحقيق الكثير، فمهما كانت العقول مبدعة فإن التمويل ضروري لتصنيع الأدوات اللازمة للابتكار، ولتوظيف الأطقم المساعدة للباحث المبدع، فالدول والمؤسسات التي تقدّم البنية التحتية الملائمة وتمول تنفيذ الأفكار الإبداعية ستكون موطنا للابتكارات، ولكن هذا البناء والتمويل يجب أن يأتي بعد الحصول على الباحثين الخلاقين، لا أن يكون الأساس هو إدارتهم للحصول على المال من جهة معينة أو إجبار الباحث على العمل من أجل "موضة" متداولة، مثل ما يفعله الكثيرون تحت شعارات ال"نانو تكنولوجي" وال"بيو تكنولوجي".
ويوجد العديد من المسئولين في الدول النامية الذين يأملون في الوصول إلى نفس مستوى وكم الابتكارات الموجود في العالم المتقدم، وخلال سعيهم هذا يهملون المفتاح الرئيسي وهو التعليم المبني على الفهم والطريقة العلمية، ووضع قاعدة رئيسية واسعة للبحث عن الحقيقة، ومع الأسف فإن بعض الدول المتقدمة بدأت تقوم بالأمر نفسه، وعلى القادة السياسيين أن يعلموا أن الرغبة في اكتشاف معارف جديدة هو ما يُنتج الاختراعات والاكتشافات، وأنه بدون تلك الرغبة وإلإرادة القومية فإن الشباب الواعدين لن يكونوا منجذبين للإبداع والاختراع وخدمة وطنهم.
لقد حالفني الحظ، خلال الثلاثين عاما الأخيرة، بالعمل في منظومة لها عقيدة في تلك القيم، وعلى الرغم من ضغوط التغيير فإنني أتمنى أن تبقى جامعة "كالتك" على دربها، وهي كما وصفها زميلي ورئيس الجامعة السابق ديفيد بالتيمور "قرية للعلم".
فحفظ المعرفة أمر سهل، ونقلها أيضا أمر سهل، ولكن صناعة معرفة جديدة ليست بالسهل، وليست مربحة على المدى القصير، غير أن التاريخ أثبت للجميع أن المعرفة أساس النهضة والتقدم، كما أنها قوة تثري أي مجتمع وتجعله قائما على المنطق والحقائق الأساسية.

تٌرجم هذا المقال ونشر في جريدة المصري اليوم
بتاريخ 21 نوفمبر 2010 نقلاً عن مجلة NATURE العالمية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.