تصوير: بسمة فتحي ثائرة.. متصوفة.. زاهدة.. كاهنة.. إله فرعوني، تبحث عن ذاتها طوال الوقت, وتأخذنا معها أثناء ذلك؛ لكي نغوص داخل أنفسنا، ونبحث عن المعنى الحقيقي لوجودنا ووجود كل ما هو حولنا.. د. سحر الموجي في حوار مختلف تماماً تصوّرين الاستغناء كفضيلة في كتاباتك طوال الوقت؛ فما مفهومه لديك؟ الاستغناء معناه في الفلسفات الشرقية عدم التشبّث, وليس المقصود بعدم التشبث هنا هو أنك لا تريد أو ترغب شيئاً، الاحتياج شيء إنساني, والرغبة شيء إنساني, والسعي شيء إنساني أيضاً. لكن لا يصح أن تكون حياتك وقلبك وروحك متعلّقة بتحقق هذا الشيء, يجب أن ننظر إلى الرحلة والطريق على أنه مكافأة أيضاً وليس التحقق فقط، وأخيراً التشبث من وجهة نظري معناه الانكسار، وأنا أكره الانكسار. هل تحرصين على أن يكون انكسار أغلب أبطالك بداية لتحققهم، مثلاً "دنيا" في "نون", "دارية" في "دارية"؟ نحن لا نتعلّم من الفرح, الفرحة والأوقات السعيدة تضيف لنا إنسانية فقط؛ لكن لا تقدّم لنا أي شيء, الحزن هو المعلم الأوحد, الحزن والفقد أشياء مؤلمة ولكنها أشياء غير سيئة!! ما سر هذا الكمّ من التصوف في كل ما تكتبين؟ أنا لا أتعمّد التركيز على الصوفية؛ حيث إنها من وجهة نظري حياة، والحياة تفقد كثيراً من معناها لو لم تتضمّن هذا البعد الروحي, فكرة المسعى والرحلة والتجليات المتتالية معناها أن الإنسان أكبر من روحه..
كيف نستطيع من خلال وجودنا القصير على الأرض أن نجعل أرواحنا تتمدد وتتواصل مع كل ما حولها, وتعود إلينا مرة أخرى، هذه الأشياء تشغلني دائماً؛ وأنا لا أتحدّث هنا عن الصوفية الإسلامية فقط؛ وإنما عن كل أنواع التصوّف التي عرفتها البشرية، مشكلتنا أننا في عالمنا العربي نتصوّر أن التصوف إسلامي فقط؛ لكن هذا الأمر غير صحيح؛ فالتصوف موجود في كل المذاهب من الهندوسية إلى المسيحية وغيرهما. وكل مسلك يبحث عن الحقيقة بطريقته؛ ولكنهم في النهاية مشتركون في نفس الشيء، وهو البحث عن الحقيقة. وهل التصوف -من وجهة نظرك ككاتبة- منطقة مرنة تستوعب كل هذه الاتجاهات الروحية في الكتابة؟ بالتأكيد التصوّف من أكثر المناطق القادرة على احتضان الجميع, كمية الحرية والانفتاح على العالم والتسامح ورؤية العالم على أساس أنه اكتمال لذاتك، مسميات عديدة أبدعها التصوف وعلماؤه. ألهذا يتكرر المعنى الحسي للكهانة في كتاباتك؟ فعلاً أنا أقصد الكهانة بمعناها الحسي, الكهانة ليست شيئاً فوقياً، الكهانة من وجهة نظري معناها "قلبك شكله إيه؟ يا ترى قادر يحضن الناس ولا يلفُظهم أغلب الوقت"، الكهانة تلك القدرة على الاحتضان.. ما دمت متصالحاً مع ذاتك وقادراً على احتضان نفسك ستحتضن الآخر بسهولة.. الكهانة هي فكرة الرحلة, وانطلاقاً من هذا المفهوم يصبح كل واحد منا كاهناً أو كاهنة، التدرّج والصعود من مرحلة لمرحلة كل هذه مفاهيم عن الكهانة. د. سحر الموجي: ككاتبة سأكون غير منطقية إذا ما قارنت نفسي بتامر حسني لماذا أبطالك في رحلة وجودية للبحث عن ذواتهم طوال الوقت؟ ما من متحقق يعرف ذاته بشكل مطلق, أنا ك"سحر" لا أتمنى إطلاقاً أن أصل إلى تلك اللحظة؛ حيث بوصولي لها لن يكون هناك سبب لحياتي. وبالنسبة للكتابة, لحظات الكشف لدي من أمتع لحظات الكتابة, الكشف بالنسبة لي هو أن تفهم وتدرك ما يحدث حولك، هو أن تنتقل من منطقة ضيقة إلى منطقة أخرى أكثر اتساعاً, وتستمر بالمرور بتلك المراحل المتعاقبة من الكشف التي لا تنتهي أبداً ما دمت لا تريدها أن تنتهي. لو بدأت قصصي بشخص متحقق ومتصالح مع ذاته؛ فلماذا سأكتبه من الأساس؟ ولذلك تعتبر تلك المرحلة بالنسبة لي من أكثر المناطق حيوية, وهَوَسي الشخصي بها يظهر عليّ عندما يُنشر أحد كتبي وأستشعر بأنه لمس شيئاً حقيقياً؛ فجميعنا في رحلة معرفة، في رحلة تهدف للفهم.. كل هذا من حقه أن يتم التعبير عنه بالكتابة, وأظنّ أن التعبير عن مثل تلك الأحاسيس من الممكن أن يعطي نوعاً من الدعم لبشرٍ مروا بلحظات مشابهة.. معظمنا نشأ ولم يرَ مثل تلك الأشياء مكتوبة له؛ فلم تعطينا دعماً.. أظن أن الوحيدة التي فعلت في زماني ذلك كانت "لطيفة الزيات" في "الباب المفتوح"؛ لكن لم يحدث تراكم في ذلك الطريق؛ ولكن لا يوجد الكاتب المكرّس نفسه لهذا الشيء. قبل 10 سنوات قُلتِ في أحد أحاديثك الصحفية أن نانسي عجرم أشهر من أشهر كاتب عربي.. هل نفهم من هذا أن رأيك تغيّر بعض الشيء؟ لم يتغيّر بشكل كامل, لا يزال تامر حسني أشهر بكثير من أشهر كاتب الآن!! وأنا ككاتبة سأكون غير منطقية إذا قارنت نفسي به؛ حتى في الوقت الذي كانت الطبقة المتوسطة تركيبتها مختلفة عن الآن وكان هناك مجلات ثقافية وندوات وغيرها، كان من المؤكد أن عبد الحليم حافظ, أشهر من نجيب محفوظ!! وبالتالي فالمقارنة غير عادلة من الأساس؛ أنا من الممكن أن أستمع لعبد الحليم حافظ أثناء قيادتي للسيارة؛ ولكنني لا أستطيع أن أقرأ كتاب لنجيب محفوظ أثناء ذلك. ما تفسيرك لتلك الصحوة الأدبية المفاجئة؟ أُرجع هذا الأمر لدخول الإنترنت بقوة إلى البيوت المصرية؛ فأصبح كل شاب لديه "الدكانة" الخاصة به، والتي تسمّى "مدونة", وأصبح هناك أشخاص يتواصلون معك بشكل دائم، لديهم نفس الأفكار والتوجّهات, حصل هنا تدوير أعلى للكتابة. د. سحر الموجي: عمر المرأة في الكتابة لا يتجاوز 150 عاماً مع أن كتابتك طوال الوقت تدافع عن المرأة وتدعوها إلى التحرر من قهر الرجل والبحث عن ذاتها؛ إلا أن الرجل له مكانة بارزة في داخل عالمك؟ أنا مؤمنة للغاية أن صوت النساء لم يظهر بشكل كبير, فعمر المرأة في الكتابة لا يتجاوز 150 عاما, وهذا الأمر على مستوى العالم كله، والمرأة بدأ يكون لديها رواية تنشر في جرائد ودوريات منذ بداية 1850 وحتى 1860، كان هذا الوقت الذي نقول فيه إن هناك كاتبات إنجليزيات حقيقيات أمثال "إميلي برونتي" وغيرها, وكان هذا التوقيت متزامناً أَيْضًا مع بداية صحوة النساء للكتاب في العالم العربي؛ لذلك لو قارنا هذه الفترة بما كتبه الرجل على مدار جميع القرون الماضية سنكتشف أننا لم نقل شيئاً, وسبب ذلك يعود من وجهة نظري إلى أننا كنساء لدينا حتى هذه اللحظة "رهبة" من التعرية وكشف مشكلاتنا؛ على الرغم من أن هذا الأمر مهم للغاية؛ حيث إنه يصنع حالة من الاتزان للوعي الجمعي, الذي شكّله الرجل منذ آلاف السنين, حتى لو كان هذا الوعي قد صنعه رجال عظماء مثل المتنبي وشكسبير، ولكنه يبقى في النهاية صِيغ بمنظور رجل شكل رؤيتنا أيضا كنساء عن أنفسنا. كما أنه من غير المنطقي استبعاد الرجل مما ما نكتبه؛ حيث إنه ساهم بشكل كبير في بلورة تفكيرنا بما كتبه؛ لذلك يجب أن نفهم العلاقة بيننا؛ سواء كانت تلك العلاقة إيجابية أم سلبية.. الرجل شخصية محورية طوال الوقت. هل كانت استعانتك بآلهات فرعونية رسالة لمجتمع بأننا -كنساء- قادرون؟ أنا لا أسعى إلى إيصال رسالة إلى أحد بعينه, أنا فقط أكتب رؤيتي للعالم من خلال كوني سيدة مصرية, أنا بنت إيزيس، وإيزيس تلك ليست كما حكوا لنا عنها أنها فقط كانت زوجة مخلصة, هي نموذج للحب والإخلاص فعلاً؛ ولكنها فعلت أشياء عديدة أخرى إلى جانب كل ذلك.
كنتم تشكّلون ظاهرة في بداية التسعينيات أين هؤلاء الكاتبات الآن.. ومن خلال رؤيتك ككاتبة هل سيتكرّر ذلك الأمر مرة أخرى مع بنات هذا الجيل؟ بالفعل كنا في أول التسعينيات نشكّل ظاهرة؛ من حيث الكمّ للجيل الذي سبقنا، وهو جيل "رضوى عاشور" و"سلوى بكر"؛ حيث كنا وقتها قرابة الأربعين كاتبة؛ لكن الذي بقي من كل هذا الكمّ لا يتجاوز الأربعة أو الخمسة؛ أذكر منهم: الدكتورة "عفاف السيد", و"نجوى شعبان", و"ميرال الطحاوي", و"نورة أمين". هناك نقد موجّه للدكتورة سحر الموجي، مَفاده أنها تكتب بالشوكة والسكينة، وبعيدة كل البعد عن الطبقات المطحونه اجتماعياً؟ هذا الرأي جاء من منطقة الستينيات، عندما كان الكاتب يصنف ككاتب وأديب، يجب منه أن يكتب عن الطبقات المهمّشة اجتماعياً، والتي يجب أن تعاني مشكلات اقتصادية طول الوقت.. أنا أرى أن أبطال "نون" مهمّشون اجتماعياً؛ على الرغم من كل ما يفعلونه؛ ولكنهم غير متّصلين بالمجتمع بصورة أو بأخرى؛ فهم بشكل حقيقي خارج السياق الاجتماعي؛ هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لا يوجد الكثير من الكُتّاب مهتمّين أو مهمومين بمثل هذه المنطقة, ولو أني أستطيع أن أغطّي تلك المنطقة فلماذا لا أفعل؟ د. سحر الموجي: يجب علينا أن نفهم علاقتنا بالرجل حتى نستطيع فهم أنفسنا قمتِ منذ فترة بتدشين ورشة "أنا الحكاية" لإعادة صياغة ما كُتب عن المرأة من وجة نظر إناث.. ما الجديد الذي ستقدّمونه خلال الفترة القادمة؟ "أنا الحكاية" تعمل منذ فترة على نصوص أدبية طويلة لنماذج نسوية مختلفة، كتبها الرجل برؤيته، مثل رواية "بين القصرين" لنجيب محفوظ, التي كانت تصوّر "أمينة" على أنها المرأة الخنوعة التي لا تعرف في الحياة سوى بيتها وزوجها, وتفشل طوال الوقت في التعامل مع العالم الخارجي الذي لم يتمّ إعدادها له؛ فقد نشأت وتربّت لتكون تلك الزوجة المكسورة؛ الأمر الذي انعكس بعد ذلك على علاقتها بأبنائها، وفشلها في التواصل معهم، وعلاج مشكلاهم أينما كانت. كان هذا شقاً مما نفعله في الورشة التي شهدت دخول دماء جديدة ممثلين في اثني عشر كاتبة من فئات عمرية وثقافية متباينة؛ الأمر الذي ساعد على توليد أفكار غير نمطية مثل فكرة ورشة "أنا الحكاية" للأطفال، والتي تمّ عملها لإعادة كتابة أشهر أفلام "والت ديزني"؛ مثل "سندريلا"، و"علاء الدين"، وغيرها؛ من منظور الأطفال الآن, وقد تمّ كتابة تلك النصوص تحت إشرافي أنا والدكتورة مُنى إبراهيم، الأستاذ المساعد بآداب إنجليزي القاهرة؛ لخلق عقلية نقدية للطفل في هذه السن المبكرة لتعينه على تفهّم ما يحيطه بفكر مستنير ومرن، وكذلك تقبّل النقد من الآخر. أخيراً: ما أخبار روايتك القادمة؟ أنا في إجازة مفتوحة أقوم بالتأمل وكتابة بعض النصوص, وتدريب بعض الشباب والأطفال، كما قلت في السابق عن الكتابة. والآن لنقرأ بعض المقاطع من روايات د.سحر الموجي. "انغلاق" "تسمع موسيقاك ولا تحسها.. تذهب إلى أماكنك فلا تراها.. تسمع نداء وحيداً لذكرى تحاصرك.. تشتاق لظلّ بعيد فلا ترى إلاه.. تحلم بشيء مراوغ يعيد إليك الشعور بالأشياء.. وسط الجموع تغلق عليك أبواب محارتك، وتنام". من مجموعة "آلهة صغيرة" "طقس العبور يا ابنتي ليس واحداً، كلما مرقتِ من باب انفتح آخر، وكلما خرجت من سرداب دخلت التالي، شبح هنا وقصة منسية هناك؛ لكن الراحة مع الوقت -وبرغم الأسى- تصير ممتعة, وعيناك قد اعتادتا العتمة، فانتبه قلبك وأذناك، وقد اعتادت الصمت، بإمكانك الآن أن تنصتي إلى أصوات الآلهة". من رواية "ن" "بس قبل ما أمشي عايزة أقول لك إني مش زعلانة منك قد ما أنا زعلانة عليك، عايزة أقول لك إني لسه مؤمنة برأى أبويا -ما فيش لقاء بالصدفة- إنت إديتني حاجة جميلة قوي؛ أجمل سبع أيام في حياتي، رجّعت لي اكتمال إحساسي بأنوثتي، بإنسانيتي، تجربة برغم مُرها قوّتني، وما حدش يقدر ياخد مني القوة دي دلوقتي؛ حتى إنت؛ بس أنا غبية برضه.. أي حلم له نهاية، لسه ما اتعلمتش الدرس القديم (السعادة إنك ما تطلبش)". إضغط لمشاهدة الفيديو: إضغط لمشاهدة الفيديو: إضغط لمشاهدة الفيديو: