من الغريب أن تقرأ -كمتابع للشئون الإسرائيلية والفلسطينية- استمرار الاعترافات الإسرائيلية في وسائل الإعلام الصادرة باللغة العبرية بمدى عنصرية تلّ أبيب، وبمدى الفروق الاجتماعية والاقتصادية بين الطبقات، وكذا بالميزانية الصحيحة للدولة، أو الخلافات حولها.. وغيرها من القضايا التي تنشرها الصحف العبرية بشفافية، لكننا أمام اعتراف مهمّ وخطير وجديد في آن واحد، ويتعلّق بتخلي إسرائيل عن عملائها السابقين! البداية جاءت مع مقال للمحلل السياسي "عدي حشمونئي" لصحيفة معاريف العبرية، يؤكد فيه أن ثمة عميلا لبنانيا كان يتعاون مع الجيش الإسرائيلي، ترك بلاده وهاجر إلى مستعمرة "كريات شمونا" بإسرائيل منذ عام 2000، وحتى الآن لم تقدّم له تلّ أبيب يد المساعدة، حيث تشير الصحيفة العبرية -يوم الثاني عشر من أكتوبر الجاري- إلى أن عميل إسرائيل "نجم فواز"، المسيحي الماروني اللبناني كان يعمل بجيش لبنان الجنوبي (جيش أنطوان لحد)، ومنذ انتصار المقاومة اللبنانية بقيادة "حزب الله" والانسحاب الإسرائيلي في الخامس والعشرين من مايو عام 2000، بين عشية وضحاها، وهو وكثير من العملاء اللبنانيين الذين كانوا معه في جيش "لحد" ما يزالون يعانون تجاهل إسرائيل ورفضها مساعدتهم! أوضحت الصحيفة في مقال مطوّل ل"حشمونئي" أن وزارة الدفاع الإسرائيلية تعمل على التسويف وإضاعة الوقت مع جنود وعملاء جيش "لحد" العميل، رغم أن العميل "فوّاز" كان يملك فيلّا بالجنوب اللبناني وأموالا طائلة، ولكنه حينما فضّل إسرائيل على أهله ووطنه خسر نفسه ووطنه وماله أيضا، وأدارت إسرائيل ظهرها له ولغيره من العملاء، بعد أن رفضت الوزارة المنحة المخصّصة له ولزوجته المريضة بالسرطان، لتلقي به في غياهب المتاهة والنسيان والشارع أيضا، بعدما أنذره مالك شقته بوجوب طرده! الغريب أن الصحيفة العبرية لم تكتفِ بالقول بأن "فواز" كان عميلا للجيش الإسرائيلي، لكن ذكرت قصة عائلته أيضا التي كانت تتعاون مع عصابات الهاجاناة الصهيونية في أربعينيات القرن الماضي، والتي ساعدت على تهريب اليهود من سوريا ولبنان! بمعنى أن العائلة كلها رضعت وتربّت على الخيانة والعمالة، وذلك كله بهدف إنشاء دولة للمسيحيين الموارنة في لبنان، وكان لوالده علاقة شخصية بمناحم بيجين -رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق- الذي زار منزل والده "فواز" في الجنوب اللبناني، حينما اجتاح الجيش الإسرائيلي لبنان في عام 1982، وهو المنزل الذي استضاف العشرات من الشخصيات الإسرائيلية الأخرى. استمرت الصحيفة في سرد قصة "نجم فواز" الذي كان عميلا منذ نعومة أظفاره، ولكن تخلّت عنه إسرائيل ليعيش في شقة صغيرة في "كريات شمونا"، وبات مهددا بالطرد منها، بعد أن اعترف بحبه لإسرائيل وخيبة أمله في مسئوليها، فلا مكان يذهب إليه بعد أن هجر بلده الأصليّ لبنان الذي خانه، وخاصة قرية "قليعة" بالجنوب اللبناني، حيث يعيش بعض أفراد عائلته حتى الآن، لكنهم تنصّلوا منه ومن أفعاله، ورماه الجيش الإسرائيلي من لبنان كالكلاب، وحاليا سيرمونه في الشارع! ويبدو أن المثل الشعبي "آخر خدمة الغُز علقة" ينطبق على إسرائيل والعميل اللبناني السابق "نجم فواز"!