والآن نستعرض بعض ما قيل حول شخصية أسامة بن لادن ومستقبل تنظيمه.. أ. "عبد الباري عطوان" رئيس تحرير جريدة القدس العربي الرجل على درجة كبيرة من الذكاء، ومحاط أيضاً بمجموعة خبيرة؛ من بينهم أبو حفص المصري (أو محمد عاطف) وهو من أذكى مَن عرفتهم، ولكنه قُتِل في هجمة أمريكية بعد 11 سبتمبر، وبن لادن لا يستخدم أي تليفون يتصل بالأقمار الصناعية أو الكمبيوتر أو هاتف نقال أو أي من أنواع التكنولوجيا؛ حتى أنه يهتم بأمنه الشخصي بنفسه، ولا يترك هذا الأمر لأي أحد، وكونه نجح واستمر في الوجود حتى الآن فهو يعود للغباء الأمريكي، فلولا الأمريكان وغزوهم للعراق ربما 85% أو 90% من البنية التحتية لتنظيم القاعدة قد انتهت؛ فغزو أفغانستان ثم غزو العراق خَلَقَ دولتين فاشلتين استُخدمتا لإعادة بناء تنظيم القاعدة، وإعطائه زخماً جديداً وقوة جديدة، فأصبح أقوى 10 مرات من ذي قبل. بالرغم من هذا فإنهم لم يُصدّقوا بن لادن عندما أعلن الحرب على الولاياتالمتحدة عام 1996، عندما طُرِد من السودان بطريقة مهينة، وقد تحدّث بمرارة عن هذا الأمر، ذهب إلى أفغانستان ليُعيد بناء تنظيم القاعدة، وأسس في 1998 الجبهة العالمية لمحاربة اليهود والنصارى، وكان معه زعيم الجماعة الإسلامية في مصر "رفاعي طه"، والظواهري، وزعيم الجهاد الإسلامي في بنجلاديش وزعيم أفغاني طالباني. وكان يُخطط ليُؤسّس جبهة تتصدّى للولايات المتحدة والعالم الغربي، فلم يُصدّقوه إلا بعدما نفّذ تهديداته ونسف السفارتين الأمريكيتين في دار السلام ونيروبي، فأخذوه على محمل الجد، وأرسل الرئيس كلينتون في ذاك الوقت أكثر من 70 صاروخ كروز إلى "قندهار"، كاد أحدها أن يصيبه، وذلك بعد أن وصلت معلومات لأمريكا عن تناوله العشاء مع زعماء القاعدة، ولكن تأخّر العشاء حال دون ذلك.. فشلوا في محاولات التخلّص منه أو اغتياله؛ لأنه أذكى منهم، فنجح في التغلّب عليهم والهروب وإطالة أمد معاناته. "مايكل شوير".. رئيس وحدة أسامة بن لادن حسناً أنا أرى بن لادن عدواً يستحق التقدير؛ فهو سليل عائلة في غاية الثراء، اختار بإرادته العيش في أفغانستان والسودان ل25 سنة، أُصيب في معارك، وكان مهندساً لمعارك أخرى. هو أيضاً خطيب مفوّه، له صوت مسموع في العالم الإسلامي، لو نظرت إلى عمليات المقاومة الإسلامية التي تحدث اليوم وقارنتها بعام 1996 ستكتشف دورَه في إلهامِها، وعلى عكس الساسة والقادة في أمريكا فإن أقواله -كما يبدو لي- تتفق وأفعاله، لقد انتهيت من تأليف كتاب هو سيرة ذاتية لأسامة بن لادن أساسها أقواله، وما آمله هو أن يبدأ بعض الأمريكيين على الأقل في فهم أننا نحتاج إلى هزيمة ذلك الرجل، نحتاج إلى قتله، لكن لا يمكن ببساطة أن نعدّه رجلاً مجنوناً.
"فيسك" الصحفي الوحيد الذي قابله 3 مرات إنه ليس مثقّفاً، لكنه يُفكّر، إنه الشخص العربي الوحيد الذي قابلته ووجدته يتحدّث في جمل مفيدة، ولا يُغيّر رأيه بعد ذلك.. لا يغمغم سريعاً ردًّا على سؤال، بل ينتظر دقيقة يُنظِّف أسنانه أثنائها بالسواك وهو يُفكّر. ويُركّز تفكيره على ما اعتبره انتصاراً على الجيش الروسي كان انتصاراً حقيقياً، ثم قال لي أخيراً سيد "روبرت": "مِن هذا الجبل الذي تجلس عليه الآن، وكنا نجلس في إحدى قواعده التي كانت ال"سي آي إيه" بنتها في الفترة الروسية، مِن هذا الجبل دمّرنا الجيش الروسي والاتحاد السوفيتي، وقد دعوت الله أن يُقدّرنا على تحويل أمريكا إلى شبح".
تذكّرت هذه العبارة عندما عادت الطائرة بنا إلى أوروبا صباح 11 سبتمبر، ورأيت صور مانهاتن والضباب والدخان، فقلت يا إلهي لقد تحوّلت مانهاتن ونيويورك الآن إلى شبح. "مايكل شين" مسئول مكافحة الإرهاب داخل وزارة الخارجية الأمريكية للأسف لم نستمع إليه، لم نفهم عم كان يتحدّث، ولم نستوعب هدفه. عليك أن تقوم بشيئين سوياً؛ فلديك فنيون يُحاولون التقاط الإشارات التي يُمكن أن تدلّ على مكانه كي يتسنّى لنا أن نقبض عليه، وما هو أهم هو أن تستمع لما يقول؛ كي يمكنك أن تحتاط لما سيقوم به؛ لأنه دائماً ما يقول ما سيفعل ويفعل ما يقول، كما أنه لا يزال يبثّ رسائله وإن كان معظمها الآن على أشرطة صوتية، لم أرَه في شريط فيديو منذ فترة، ولا أدري لماذا؟!! إنه رجل مزهوّ بنفسه، وقبل 11 سبتمبر كان نشيطاً إعلامياً، ورأيناه يمشي فوق الجبال أو يجلس مع جنوده أو يقرأ بياناً أو خُطبة، لكنه ابتعد في الآونة الأخيرة عن الكاميرا، وتفسيري إما أنه قام بتغيير ملامحه أو أنه لا يبدو في حالة جيّدة. "روبرت فيسك".. نجم جريدة الإندبندنت "فيسك" وُجّهت له دعوة لطرح أسئلة يجيب عنها بن لادن بعد 11 سبتمبر بسنوات أرسلت قائمة من الأسئلة إلى بن لادن، أحدها: كيف تزعم أنك انتصرت، بينما أنت نجحت في أن يحتلّ الجيش الأمريكي دولتين مسلمتين (أفغانستان والعراق)؟!! لم تصلني إجابة، حيث اعتقدت أنه لم يعد يهتمّ، ولكن بعد عدّة أشهر عندما كنت في أمريكا أُلقي محاضرة، وصلني بيان له أذاعته "الجزيرة"، وشوّهه المذيعون الأمريكان، أشار فيه إلى احتلال العراق وأفغانستان. اتصلت فوراً ب"الحزيرة" فسمحوا لي بالاستماع إلى ما قاله، فعرفت أنه يقوم تحديداً بالإجابة عن أسئلتي كلها واحداً تلو الآخر، دون الإشارة إليّ، وعندما وصل إلى السؤال المتعلّق بطبيعة الانتصار في ظلّ الاحتلال الأمريكي، قال: "لقد استدرجنا جيش الصليبيين إلى أرض الإسلام؛ كي ندمّرهم"، وكانت تلك -بشكل واضح- إجابته على سؤالي. وجهة النظر الأمريكية لدوافع بن لادن.. رأي "مايكل شوير" الذي قضى 22 سنة في دوائر الأمن الأمريكية وجّه "يسري فودة" سؤاله ل"شوير" قائلاً: "لا أدري شعورك عندما تعلم أن بن لادن نفسه يَذْكُرك بالاسم؛ ففي 7 سبتمبر 2007 وجّه حديثه إلى الأمريكان قائلاً: "إذا ما أردتم معرفة ما يحدث، وبعض الأسباب التي أدّت لخسارتكم في هذه الحرب، فاقرأوا كتاب مايكل شوير".. هل دفعت له ليقول ذلك؟". فأجابه ضاحكاً: "كلا على الإطلاق.. لا أعتقد أنك تستطيع أن تتخيّل أن هذا لم يكسبني كثيراً من الأصدقاء في أمريكا، خصوصاً في أوساط المؤيدين لإسرائيل، لكنني أعتقد أن ما كان يقصده وما كان يشعر به هو أنه محبط من الغرب لأنهم لا يستمعون؛ لأننا لا نستمع إلى ما يقول، وكل ما فعلته في كتابي هو أنني ببساطة حاولت أن أشرح للأمريكيين دوافع عدونا، وهو ما فعله بن لادن على مدار 14 عاماً، وهو يقول: نحن لا يهمنا ما تفعلونه في أمريكا الشمالية؛ أن توجد نساؤكم في المكاتب.. أن تشربوا الخمر، أن تكون لديكم انتخابات وديمقراطية لا يهمنا ذلك، لكننا في حرب ضد ما تفعلونه في العالم الإسلامي، ضد دعمكم للأنظمة العربية البوليسية.. ودعمكم لإسرائيل في كل ما تفعله، ضد وجودكم في جزيرة العرب، ضد وجودكم العسكري في العراق وأفغانستان واليمن، ضد سيطرتكم على النفط العربي بأقل من سعره في السوق، ضد دعمكم للدول التي تقهر المسلمين مثل روسيا والهند والصين. ورغم أنني لست مضطراً للموافقة على أن المقصود بهذه السياسات إيذاء المسلمين، فإن من واجبي أن أُصدّق ما يقوله الرجل بشأن دوافع المسلمين لمهاجمة الولاياتالمتحدة.. أعتقد أننا إذا ما كنا نتعرّض لهجوم من مسلمين لا يعجبهم عمل المرأة أو الانتخابات الحرة في أمريكا الشمالية لما كانت لدينا مشكلة كبيرة، ولكن لأنهم يُهاجموننا لأسباب تتعلّق بقضايا جوهرية لها علاقة بما نفعله، فإن لدينا خطراً يُهدد الأمن القومي، وإنه يُؤسِفني القول بأنه لا يوجد سياسي واحد في النظام الأمريكي على استعداد للوقوف على قدميه كي يضع أمام الأمريكيين هذه الحقيقة". رؤية "مايكل شيهان".. حول مستقبل تنظيم القاعدة أعتقد أن القاعدة ستبقى لمدة 20 أو 40 عاماً على الأقل، لكنني أعتقد أيضاً أن قوتها ستتآكل تدريجياً ومن فترة لأخرى ترى هجوماً هنا أو هناك، لكن علينا أن نضع ذلك في حجمه، وليست تلك هي الحرب العالمية الرابعة كما يصفها البعض، وهي ليست جماعة تُمثّل حركة ضخمة فلا يوجد حكومات تدعمها، نعم أعضاؤها خطرون ويقتلون أناساً، لكن هذا خطر نستطيع أن تنفهّمه إذا اتّسمنا بالهدوء والتركيز. وفي ختام الحلقة قال "مايكل شوير" في ندوة شارك فيها "يسري فودة" في 2004: "أعرف أنكم ستذكرون أنه بعد بداية الحرب في أفغانستان، ظهر بن لادن وقال: لست في حاجة للظهور في التليفزيون لإرهاب الأمريكان، كل ما أحتاجه هو أن أكتب بياناً وأُنفّذ هجوماً، وسيتولّى الإمريكيون إرهاب أنفسهم بأنفسهم، سيحدّون بأنفسهم من حرياتهم المدنية، وسيُحوّلون بلدهم إلى بلد آخر غير الذي كان، كل من يصطحب ابنته الآن للمركز التجاري ويرى كيف يفتّشها رجال الأمن سيدرك كم تغيّرت أمريكا". اقرأ أيضاً: 9 سنوات مضت على أحداث 11 سبتمبر نقطة التحوّل في فِكر أسامة بن لادن شاهد آخر ظهور لأسامة بن لادن على شريط فيديو في سبتمبر 2007 إضغط لمشاهدة الفيديو: