يُقيم المجلس الأعلى للثقافة المصرية حفل استقبال للروائي المصري "سعيد نوح"، لتوقيع روايته السابعة "أحزان الشماس"، وندوة نقدية لمناقشة ذات الرواية، ويشارك في المناقشة الناقد والروائي "سيد الوكيل"، والناقد والشاعر "شعبان يوسف"، والناقد الدكتور "محمود الضبع"، والناقد الدكتور "محمد عمر"، والروائي والقاص "جمال مقار"، وتدير الندوة الروائية "أمينة زيدان"؛ وذلك يوم الأربعاء القادم الموافق الأول من سبتمبر في تمام التاسعة مساء. والجدير بالذكر أن رواية "أحزان الشماس" جاءت بعد ست روايات مختلفة ومدهشة، يواصل "سعيد نوح" مشروعه الروائي، ويقدّم لنا في كل عمل روائي تجربة مختلفة لا يشبه فيها إلا نفسه.. بدأ مشروعه الروائي برواية "كلما رأيت بنتاً حلوة أقول يا سعاد" التي نشرت في عام 1995، وكانت من أولى الروايات التي فككت السرد، وجرّبت فيه بشكل كبير، وبدأت مسيرة جيل كامل سمي فيما بعدُ بجيل التسعينيات. في روايته الجديدة "أحزان الشماس" يقدّم لنا "سعيد نوح" تجربة جديدة تماماً على السرد الروائي، وقليل من الروائيين من دخلوا فيها، وهي الحياة السرية لدير من الأديرة، قد يكون دير المحرق بأسيوط.. عرف "سعيد نوح" كيف يصور الحياة السرية للدير، حيوات الرهبان والقساوسة، أفراحهم وأتراحهم، سعاداتهم وأحزانهم؛ فالشخصية الرئيسية هي "جرجس" شمّاس عجوز، يبدأ السرد بتغسيل ابنه الذي لم يرتكب أية خطية؛ إلا أن الماء يفور بين يدي الشماس، ويتساءل الأب الذي يغسّله تُرى ماذا فعل ابنك أيها العجوز حتى يفور الماء أثناء غسله، أي خطية ارتكبها الراقد بين يدي الأب وهو ابن الثامنة عشرة ولم يرتكب خطية. الرواية محتشدة بجميع أنماط الشخصيات البشرية، أخيار وأشرار.. يكشف الكاتب بلغة شعرية عن دواخل شخوصه وصور انفعالاتهم؛ باعتبارهم إنسانيين لهم نقاط ضعفهم ونواقصهم؛ فبرغم عالم الرهبنة إلا أن لهم مشاعر وأحاسيس، يقعون في الشر أحياناً، ويناضلون من أجل الخير أحياناً أخرى.
المدهش والغريب أن "سعيد نوح" لكي يكتب تلك الرواية ذهب إلى دير المحرق وعاش هناك شهراً كاملاً متخفياً، ومتواطئاً مع صديق له راهب مستغلاً أن اسمه لا يدلّ على أنه مسلم. من أجواء الرواية "كان الشماس العجوز ينظر للشمس التي لم تشكّل روعة شروقها.. أكثر من مجرد الإحساس الجميل بالدفء من خلال فتحة في أعلى الحائط، والجسد الصغير ينام على حافة السرير. بين الحين والحين يضع يديه الضامرتين في صفيحة الماء الموضوعة فوق الموقد، ليعرف مساحة الدفء في الماء ثم يقول: هذا المحطوط فوق السرير كان يحبك؛ فَلِمَ أخذته؟! ولمن تترك يديّ حين تُسيرني في الظلام، لقد كان لي دبُّ، أسد كامن في مخابئي، كل بهاء عيني حين يزهر الكرم، ويُنوّر الرمان، وتُغلق الأبواب في السوق، وتبطل الطواحين، وتُظلم النواظر من الشبابيك، ويطوف النادبون على الأبواب، وتظلم الشمس والنور والقمر والنجوم، وترجع السحب بعد المطر، ويتزعزع حفظة البيت وتتلوى رجال القوة. لِمَ تُصيّرني رجساً، وتخرب أبوابي، وتُشمّت بي بني أمي؟! لِمَ تجعلني كناطور الكروم، وتجرّش بالحصى أسناني، وتكبسني بالرماد، وتُشبعني عاراً، وتجعلني وسخاً وكريهاً، وتثقل سلسلتي في آخر أيامي؟! ارتعش الواقفون جوار الجسد عند خروج الكلمات من بين أسنان الشماس الصدئة محملة بماء العين، لم يكن يعرف أن قداسة الأب هو الذي سيُغسّل ابنه النائم فوق السرير، ويرمي بأسرار الموت في أذنه.. استعدّ قداسته منذ الصباح على غير عادته، أمسك بكتاب الأسرار المقدسة خوفاً من أن ينسى سراً؛ فتضيع تلك الروح التي أحبها بين خراف الله الضالة، ثمانية عشر عاماً مضت منذ أن عمّده بالماء المقدس، ولم يبك كالأطفال، يومها قال للشماس: هذا الغلام الجميل لك، أنت أب ذلك الذي أُوصي به خيراً، ذلك الذي تحمل خطيئة ابن الإنسان.. انتفض جسد الشمّاس الضامر حين وضع يديه في الصفيحة فقال لمساعده الصغير: - يا إبراهيم الماء فارَ، فهل يكبّه الأعمى ويضع غيره على الموقد السريع أم تحمل ذلك عنه يا بني".