كادت أن تصبح ضحية للروتين الحياتي.. كان من الممكن أن تبتلعها تروس الرتابة الدوّارة بلا توقّف، فكل شيء في حياة كارول فارمر رشّحها لتكون مجرد ضحية جديدة، أو ضحية مكررة من ضحايا ضغوط الحياة اليومية. ولكنك تعرف أنها لم تصبح كذلك، فلو بقيت كارول فارمر مستسلمة للنظام الذي وُضعت بداخله لم نكن اليوم نتحدث عنها، ونذكرها للعظة والعبرة. كانت كارول فارمر تشتغل بمهنة التدريس، وبمعنى أدقّ كانت قد بدأت الاشتغال بهذه المهنة حديثا، ومرّ فصل دراسي عليها وهي تحمل لقب معلّمة، لم تجد نفسها تحبّ هذه المهنة كثيرا، لكنها التزمت بقواعد العمل، ربما قالت لنفسها: هذا ما يجب عليّ فعله، وربما قالوا لها: عليك أن تعيشي معيشة أهلك، ولا تركلي النعمة من بين يديك، هناك ألف غيرك يتمنون وظيفة ثابتة مؤمّنة الدخل مثل هذه. مواصلة العمل ويبدو أن كارول قد تأثرت بهم، وقررت أن تواصل عملها كمدرّسة على الرغم من شعورها بأنها لم تُخلق لممارسة هذه المهنة؛ ليس تقليلا من شأنها، فهي بالتأكيد تعرف أن التدريس مهنة سامية تستحق التقدير والاحترام، ولكنها مع ذلك لا تستطيع أن تجد نفسها فيها. وبعد أن انتهى الفصل الدراسي الثاني تأكد لهذه الفتاة أنها غير مستعدة لاستكمال المشوار في هذه المهنة، كان عليها أن تكسر قوالب الروتين الجامدة التي تحيط بها وما أصلب هذه القوالب، كان عليها أن تتخذ قرارا جريئا يُخرجها من هذا الإطار، وما أصعب ذلك القرار. كان الروتين يحاول شدّها بكل قوته لتبقى في مكانها ولا تتحرك، وفي الأفق لاح شعاع أمل يحاول جذبها إليه، كان هذا الشعاع عبارة عن حلم بممارسة مهنة جديدة، مهنة تحبها وتهواها، مهنة تعتقد أنها ستستمتع بممارستها وستحقق فيها الكثير من النجاح، والمهنة هي تصميم الإعلانات. ولكنها لم تتخذ القرار بشكل انفعالي غير مدروس، فقد فكّرت في حاصل دخلها من التدريس خلال عام، ووجدته لا يتجاوز خمسة آلاف دولار في العام، وقاست بين هذا الدخل وبين ما تتوقع أن تكسبه من عملها كمصممة إعلانات خلال عام، ووضعت هدفا أن يكون دخلها في السنة الأولى يزيد على ذلك المبلغ الذي كانت تحصل عليه من التدريس. مكسب جديد بدأت العمل الجديد وهي تمنّي نفسها بحياة أفضل مما كانت، وانقضى عامها الأول في الإعلانات وراحت تراجع ما كسبته، فيا ترى هل وجدت نفسها تحقق دخلا أكبر؟ نعم.. لقد كسبت من عملها في الإعلان أكثر من علمها السابق.. أتعرفون بكم؟ زاد دخلها بمقدار 12 دولارا فقط!! نعم أيها الاصدقاء فقد كسبت في هذا العام مبلغ 5012 دولارا، وكان هذا يكفي لتواصل مشوارها. وهنا يظهر الاختلاف بين الذين يرغبون بحق في الهروب من الروتين، وبين الذين يتذمّرون وينكرون ويصيحون ثم يعودون إلى ما كانوا عليه. فالنوع الأول يعرف دائما أن القادم أفضل، ولكن هذا الأفضل يحتاج لشيء من الجهد والكفاح، والنوع الثاني يخاف القادم ويخشاه. وهكذا استمرت كارول في عملها الجديد بكل جدية ونشاط وحب، وعام وراء آخر راحت تحرز النجاح المتتالي، حتى عرضت عليها إحدى الشركات مرتبا وصل إلى 35 ألف دولار سنويا، لكن المرأة التي شعرت بثقة كبيرة في نفسها، وفي قدرتها على حصد المزيد من النجاح، رفضت هذا العرض المغري، واتخذت قرارا جريئا آخر بتأسيس شركتها الخاصة. وفي العام الأول حققت مكسبا يتجاوز المائة ألف دولار، وبعد مرور ثلاث سنوات من العمل الجادّ ارتفع عدد العمال في الشركة من ستة أشخاص إلى مائتين، ووصل حجم الأرباح خلال تلك السنوات الثلاث إلى خمسة عشر مليون دولار. هل قهرت الروتين من قبل؟ والأهم من تلك الملايين أن كارول فارمر لم تدع الروتين يسيطر علي حياتها ويأخذها إلى حيث لا تريد، وربما هذا هو ما دفع جامعة هارفارد لتستعين بها لإلقاء محاضرات عن أسلوب نجاحها. إن هذه القصة هي واحدة من قصص عديدة يمكن أن نسردها عمن رفضوا أن تحرّكهم الظروف، وقرروا أن يصنعوا مستقبلهم بأيديهم. وأنت أيضا تستطيع أن تكون منهم، وربما كنت منهم فعلا، فإذا كنت كذلك فلا تبخل علينا بقصتك مع قهر الروتين، ولكني أسمع قارئا يقول: هذا كلام جميل، ولكن هناك عقبات كثيرة تمنعني من كسر قيود العادة، والسير في اتجاه مضاد للمسار. وأنا كعادتي الأخيرة لن أجادل هذا القارئ، فكيف أجادله وهو يتكلم بشكل صحيح تماما، نعم هناك عقبات تمنعنا من ذلك، وعن هذه العقبات وكيفية التغلب عليها سنتحدث في الأسبوع القادم بإذن الله تعالى.