\r\n مارس بيل كلينتون لفترة من الزمن مهنة التدريس لمادة الحقوق، كان ذلك في مدينة فايتفيل الهادئة، حيث اقام بمنزل جميل وهاديء. ولكن لم يكن يعكر صفو ذلك سوى الفئران ليلا وتعرض البيوت المعزولة للسرقات. وذات مرة احس بيل بان احدهم قد دخل الى المنزل اثناء غيابه، ولكن لم يكن هناك ما يدل على ان اي شيء قد نقص، مع ذلك كتب كلينتون رسالة للص المحتمل الذي ربما كان قد اضطر للهرب لانه باغته، وكان مما جاء في تلك الرسالة: \r\n \r\n «عزيزي السارق». \r\n \r\n لقد كان كل شيء في غاية الترتيب البارحة بحيث اننى لم اكن قادرا على القول اذا كنت قد دخلت المنزل ام لا. واذا لم يكن الامر كذلك فها انا اعلمك بما ستجده في بيتي: جهاز تلفزيون كان ثمنه عند شرائه قبل عام ونصف العام 980 دولاراً وجهاز راديو اشتريته ب 40 دولاراً من احد المتاجر قبل ثلاث سنوات وجهاز آخر لسماع الاسطوانات اشتريته ايضا قبل ثلاث سنوات وتبلغ قيمته حوالي 40 دولاراً هذا الى جانب كونه من الذكريات. \r\n \r\n والاشياء الصغيرة التي لا تبلغ قيمتها اكثر من عشرة دولارات، اما الثياب فعمرها عمليا عامان او ثلاثة اعوام وليس هناك حقا ما يستحق دخول السجن من اجله. علّق بيل كلينتون هذه الرسالة على مدخنة المنزل، لكنها لم تفد بشيء ففي اليوم التالي اخذ السارق جهاز التلفزيون والراديو وآلة الاسطوانات وشيئاً آخر حرص بيل ألا يذكره في رسالته للسارق، وهو عبارة عن سيف عسكري الماني رائع يعود للحرب العالمية الاولى. كانت تجربة التدريس مثمرة جداً بالنسبة لبيل كلينتون. \r\n \r\n حيث اقام علاقات وثيقة مع عدد من الطلبة والاساتذة عرفت قدراً كبيراً من الاستمرارية، حيث وجد بعضهم مكاناً لهم في ادارته عندما اصبح رئيساً للولايات المتحدة وفي الوقت نفسه زادت معرفته بالكثير من الشرائح الاجتماعية عمقاً. كان آنذاك بعيداً عن هيلاري، لكنه ادرك تماماً انه يحبها كثيراً، وانه يريد ان يعيش معها، وكان في الوقت نفسه يفهم جيداً تحفظاتها، اذ لم يكن في سوابقه ما يسمح بمعرفة ما يعنيه الزواج المستمر بالنسبة له. \r\n \r\n يقول: انها لم تكن تجهل بأن زواجها مني لن يكون مدخلاً الى عالم الراحة، في الوقت نفسه لم يكن واثقاً من ان ذلك سيكون لصالحها وكان يعتقد بأنه ينبغي عليها ان تعمل على ازدهار مسيرتها السياسية الخاصة بها، اذ كان مؤمناً جداً بامكانياتها، يقول: «كنت قد قابلت عدداً من الذين كانوا اكثر جدارة من جيلي. \r\n \r\n وكنت اعتقد انهم لا يرتقون الى اخمص قدمها على صعيد الامكانيات السياسية الكامنة. كانت تملك دماغاً فاعلاً وقلباً من ذهب ومواهب افضل في التنظيم وكفاءات سياسية تعادل عملياً كفاءاتي. كنت املك خبرة اكثر منها فقط، باختصار كنت احبها الى درجة انني كنت اريد ان تكون بجانبي وكنت اتمنى لها في الوقت نفسه ان تحقق افضل النجاحات، كانت تلك معضلة حقيقية». \r\n \r\n الهزيمة الأولى \r\n \r\n في 1973 عاد بيل كلينتون الى اركانساس، حيث كانت النقاشات السياسية محتدمة بسبب فضيحة ووتر جيت، واستمرار الحرب الفيتنامية. وساد الاعتقاد لدى الديمقراطيين المحليين بأنه قد يكون باستطاعتهم كسب بعض الاصوات اثناء الانتخابات البرلمانية الرائعة في منتصف الفترة الرئاسية، لكن لم يرد احد من السياسيين المعروفين خوض معركة رأوا انها خاسرة سلفاً، وهنا حلم بيل كلينتون بأن يرشح نفسه، الامر الذي كان يبدو غريباً للوهلة الأولى، فهو قد عاد الى المنطقة منذ ستة اشهر فقط. \r\n \r\n وبعد فترة غياب استمرت تسع سنوات. لكن كان لديه منطق آخر تلخصه الجملة التالية: «كنت شاباً وعازباً ومستعداً للعمل ليل نهار. وحتى في حالة الفشل، اذا لم يكن ذريعاً، فإنني كنت اعتقد انه لن يسيء لي في حملة انتخابية مقبلة. بالطبع، كان عدم خوض المعركة الانتخابية ربما يعني انه على ان اشطب المسار السياسي الذي كنت احلم به». \r\n \r\n في تلك الفترة جاءت هيلاري لزيارته، وبعد وصولها بقليل اتصل به جون داور، الذي كان قد قبل ان يكون المستشار الرئيسي في تحقيق اللجنة القانونية المكلفة بالاجابة عن قرار توجيه، او عدم توجيه، الاتهام للرئيس نيكسون بسبب فضيحة ووترجيت، ولقد اقترح عليه، بناء على توصية صديق، ان يترك التدريس الجامعي، ويلحق بفريقه ويساعده في توظيف قضاة شباب اخرين. كان كلينتون، اذن امام الخيار بين الترشيح للكونغرس وبين الوظيفة المقترحة التي يتمناها الكثيرون، لقد طلب نصيحة هيلاري. \r\n \r\n واتصل بجون داور كي يعلن له رفضه لاقتراحه لأنه اختار الترشيح لعضوية الكونغرس، كان واضحاً ان صاحب الاقتراح كان يعتقد ان بيل كلينتون قد اقترف برفضه خطأ فادحاً، الأمر الذي قد يكون صحيحاً إذا تمت رؤية المسألة بقليل من العقلانية، هنا ايضاً كان لبيل كلينتون رأي آخر عبر عنه بما يلي: «كما قلت سابقاً فإن قسماً كبيراً من حياتنا تتم صياغته تبعاً للعروض التي نرفضها بقدر ما تنم صياغته تبعاً للعروض التي نقبلها». \r\n \r\n ذهب بيل كلينتون برفقة هيلاري قبل عودتها الى كامبردج لمقابلة حاكم اركانساس السابق اورفال فايبوس قبل أن ينطلق بحملته الانتخابية في المناطق الشمالية من الولاية التي عرفت جولته الاولى، لتليها عشرات الجولات الاخرى من النوع نفسه. ولم يكن بيل يتردد في أن يقرع أبواب الناخبين واحداً بعد الآخر. وعندما أعلن ترشيحه رسمياً وجد أمامه ثلاثة خصوم، هم: سناتور ديمقراطي محافظ ومحام جذاب ورئيس بلدية مدينة غرينلاند. في الانتخابات الاولية حصل بيل على 44% من الاصوات . \r\n \r\n ولم ينل المرشح الذي احتل المرتبة الثانية سوى 26% منها، لكن النتيجة في الانتخابات النهائية لم تكن لصالحه، إذ فاز المرشح الجمهوري بنسبة 52% من الاصوات مقابل 48% لبيل كلينتون المرشح الديمقراطي. لم تكن الهزيمة هي التي تثير قلقه، ولكن بالاحرى كيفية تسديد الديون التي تكدست عليه من جراء الحملة الانتخابية . \r\n \r\n والتي كانت تزيد على أربعين ألف دولار. وإذا كان قد استطاع ان يتجاوز بسهولة مرارة الهزيمة الانتخابية، فإنه احتاج إلى وقت كي يفهم «الخدمة» التي قدمها له المرشح الجمهوري عندما فاز عليه. يقول: «لو انني كنت موجوداً في واشنطن في حالة قبول الوظيفة التي كانت مقترحة عليه فإنني على ثقة بأنه ما كان لي أبداً أن يتم انتخابي رئيساً، ولكنت خسرت الثمانية عشرة سنة الرائعة التي كانت تنتظرني في اركانساس». \r\n \r\n عاد بيل كلينتون للتدريس الجامعي عام 1975 ولمدة سنة دراسية كاملة دون أن تقطعها أي تظاهرة سياسية، لكنه بالطبع لم يكن بعيداً تماماً عن السياسة، وكان يهتم في الوقت نفسه بعدة ملفات في الميدان القانوني. كذلك لم يتردد في إعطاء بعض الدروس خلال العطلة الصيفية كي يؤمن بعض الدخل الاضافي. \r\n \r\n في القفص الذهبي \r\n \r\n ذات يوم عندما كان بيل وهيلاري يتنزهان في مدينة فايتفيل لفت انتباههما منزل صغير يحمل لافتة مكتوب عليها كلمة «للبيع». أبدت هيلاري اعجابها الشديد به ثم تابعا طريقهما. ويوم سفرها عاد بيل مباشرة من المطار لرؤية ذلك المنزل، واشتراه بعشرين ألفاً وخمسمئة دولار، دفع منها ثلاثة آلاف دولار على أن يدفع الباقي كأقساط شهرية. نقل بيل الأثاث القليل الذي كان يمتلكه الى المنزل الجديد، واشترى بعض الأشياء المتواضعة كي لا يبدو المكان فارغاً. \r\n \r\n وعندما عادت هيلاري من السفر استقبلها قائلاً: «هل تتذكرين ذلك المنزل الصغير الذي أعجبك كثيراً؟ لقد اشتريته، وينبغي عليك أن تتزوجينني الآن، فأنا لا أستطيع أن أعيش وحدي فيه. لم تكن هيلاري قد قالت أبداً لبيل، انها على استعداد للبقاء في اركانساس، لكن هذه المرة قالت نعم. وفي 11 اكتوبر 1975 احتفلا بزواجهما في الصالون الكبير لذلك المنزل الصغير. \r\n \r\n ويعلق بيل على زواجهما بالقول: «خلال فترة زمنية طويلة لم تخطر لي فكرة الزواج، لكن اليوم وأنا رجل متزوج ينتابني الشعور بأنني قد اتخذت قراراً جيداً، لكنني لم أكن أعرف إلى أين كان يقودني ذلك». ثم يضيف: «ربما ان زواجنا قد أثار في السنوات الأخيرة قدراً من التعليقات أكثر مما أثاره أي زواج آخر في اميركا. وقد أذهلني دائماً ان بعض الاشخاص يسمحون لانفسهم باصدار تحليلات واشكال من النقد أو انهم يصيغون نظريات حول هذا الموضوع. \r\n \r\n وحول فلسفته عن الزواج يقول بيل كلينتون ما يلي: «بعد حوالي ثلاثين سنة من الزواج، وبعد ملاحظة تجارب اصدقائي وحالات الانفصال والمصالحات من جديد والطلاق، فهمت ان الزواج بكل ما فيه من أمور رائعة ومن آلام وبكل ما يقدمه من استجابات ومن سقوط للاوهام يصل بمثابة سر لا يمكن بسهولة فهم كنهه بالنسبة لاولئك الذين يعيشونه والى حد كبير هو منيع عن سبر اغواره من قبل اولئك الذين هم خارجه. \r\n \r\n ولا ينسى بيل ان يشير بعد هذا الى انه في 11 اكتوبر 1975 لم يكن يفهم شيئاً من هذا كله، كل ما كان يعرفه هو انه يحب هيلاري، وانه كان يريد الحياة معها مع كل ما يفتحه ذلك من آفاق على مختلف الاصعدة، بالاضافة الى شيء آخر يعبر عنه بالقول: كنت كذلك فخوراً بها ومتحمساً لدخولي في علاقة ربما انه ما كان لها ان تكون كاملة احياناً ولكنها بالتأكيد لم تكن ابداً مثيرة للضيق. وفي نهاية 1975 اتخذ بيل كلينتون قراره بالترشيح لمنصب النائب العام في ولاية اركانساس وحصل على مجموع 55% من مجموع الناخبين. \r\n \r\n وفي صيف 1976 كان بيل وهيلاري يمضيان عطلة في اوروبا عندما تلقيا رسالة هاتفية تطلب من بيل الاتصال بمقر قيادة الحملة الانتخابية لجيمي كارتر. لقد اقترحوا عليه ان يقود تلك الحملة في اركانساس، فلم يتردد في قبول تلك المهمة اذ كان مؤيداً بلا تحفظ لكارتر، الذي كان يتمتع بشعبية كبيرة في الولاية بفضل نزعته التقدمية ومعرفته العميقة بالزراعة وعلاقاته الشخصية بعدد من أعيان اركانساس. لقد جاب كلينتون جميع ارجاء الولاية، عند بداية الحملة الانتخابية، للتأكد من وجود مكاتب قادرة على العمل في عموم الدوائر. وعندما انتهت تلك الحملة عاد بيل وهيلاري كي يمضيا عدة اشهر في منزلهما. \r\n \r\n خلال الشهرين الاخيرين من عام 1976 قام بيل كلينتون بزيارات متكررة الى كيتل روك من اجل التحضير لاستلام مهام منصبه الجديد في المدينة، وقد اختار فريقاً يعمل معه مؤلفاً من 25% من النساء و20% من السود، الامر الذي لم يكن معروفاً من قبل في تلك الفترة. اهتم كلينتون وفريقه بعدة ملفات في مقدمتها ملف البحث عن «طاقات بديلة» للطاقات التقليدية، ويؤكد كلينتون قوله: «خلال عشرين سنة كنائب عام في حكومة اركانساس، ثم كحاكم وكرئيس شجعت دائماً تطوير الطاقات البديلة». \r\n \r\n رغبات وامكانيات \r\n \r\n عاش بيل كلينتون نوعاً من الفترة الانتقالية بين عمله كاستاذ جامعي يقوم بتدريس مادة الحقوق وبين مهامه الجديدة كنائب عام في ولاية اركانساس ثم كحاكم لها، وكان أصعب ما في تلك الفترة الانتقالية هو التأقلم مع اجراءات الأمن المطلوبة، لاسيما وانه كان قد تعود على ان لا يعتمد سوى على نفسه، الى جانب حرصه الكبير على حماية حياته الخاصة، لكن كلينتون يعترف في الوقت نفسه بأهمية حماية الشرطة، لاسيما وانه كان قد تعرض لتهديدات مختلفة اكثر من مرة. \r\n \r\n وهو يصف العامين الاولين من حياته المهنية الجديدة بالقول: «كان العامين الاكثر حماساً والاكثر تعباً والاكثر امتلاءً بالرضا ولكن ايضاً الاكثر احساساً بالحرمان في حياتي». لقد كانت معضلته الكبيرة آنذاك تتمثل في ان رغباته كانت اكبر بكثير من امكانياته. وكانت احدى المشكلات الكبرى التي واجهها بيل كلينتون كحاكم لاركانساس توافد اعداد هائلة من المهاجرين الكوبيين إلى الولاية، بينما رفضت الولايات الاخرى ورفض الرئيس جيمي كارتر نفسه بذل بعض الجهود لتحمل قسم منهم، هذه المسألة تم استخدامها ضد كلينتون من قبل خصومه في الحملات الانتخابية التالية . \r\n \r\n والذين لم يتورعوا في القول بانه في الوقت الذي يولي فيه حكام الولايات الاخرى اهمية كبيرة لخدمة مواطنيهم وانهم نجحوا في التخلص من الكوبيين فإن كلينتون مشغول اكثر بجيمي كارتر. هذا على الرغم من تأكيد كلينتون بإنه طالب الرئيس كارتر بالحاح للعمل على تهجير بعض الكوبيين إلى ولايات اخرى وبناء معسكرات لهم هناك. لقد انهزم بيل كلينتون في انتخابات عام 1980 ولم يحصل الديمقراطيون سوى على نسبة 48% من الاصوات، مقابل 52% لمعسكر الجمهوريين. \r\n \r\n وهو يعيد خسارته لعدة اجراءات اتخذها من موقعه كحاكم، ولكنه يشير إلى ان استطلاعات الرأي قد خدعته اذ أظهرت دائماً تفوقه. ولا يتردد في التشبيه بين ما جرى له وما كان قد عرفه جورج بوش الاب في انتخابات 1992. يقول: «ان ما حصل لي عام 1980 هو ما كان قد حصل تماماً بالنسبة لجورج بوش (الاب) عام 1992. ذلك ان حرب الخليج جعلت شعبيته مرتفعة باستمرار في استطلاعات الرأي التي اخفت العدد الحقيقي لاولئك الذين كانوا مستائين من عمل ادارته. وعندما قرر الناخبون انهم لن يذهبوا للاقتراع لصالحه فقط لمجرد الحرب، استطعت ان افوز عليه». \r\n \r\n وهكذا يرى كلينتون ان خصمه عام 1980، فرانك وايتس استخدم قضية الكوبيين من اجل ان يوجه له الضربة نفسها. لاشك ان خسارة بيل كلينتون لمهام منصبه كحاكم تركت جرحاً ما لديه، ولكن كان للمسألة وجهها الآخر، اذ انه، وكما يقول احب «ايقاع حياته الجديد» حيث اصبح يعود باكراً إلى المنزل، ويمضي اوقاتاً طويلة إلى جانب هيلاري وابنتهما تشلسي. وقرر آنذاك ان يبتعد عن اي تصريح سياسي خلال بضعة اشهر . \r\n \r\n وامضى الكثير من وقته متنقلاً في ارجاء ولاية اركانساس، وقد لاحظ ان الديمقراطيين ممن قابلهم كانوا مصممين على اسقاط الحاكم الجديد، فرانك وايت، وابدوا استعدادهم الكامل لدعمه اذا ترشح من جديد. وفي تلك الفترة قام كلينتون وزوجته بزيارة الاراضي المسيحية المقدسة وزارا العديد من المعالم، وقد عبر بيل عن تلك الزيارة واثرها في نفسه بالقول: «لقد تركت تلك الرحلة اثراً مستمراً في ذاكرتي. \r\n \r\n لقد عدت من هناك بقناعات دينية تلوح في الافق وباعجاب عميق باسرائيل وبداية فهم لتطلعات الشعب الفلسطيني ولآلامه. ومنذ ذلك الحين بدت المساهمة في المصالحة بين ابناء ابراهيم في الاراضي المقدسة التي رأت ولادة الاديان السماوية الثلاثة بمثابة واجب له الاولوية بالنسبة لي». بعد عودة بيل كلينتون من تلك الرحلة تزوجت امه من جديد بعد سبع سنوات من «العزوبية» بتاجر مواد غذائية بالجملة اسمه ديك كيلي، الذي اصبح شريك بيل في لعبة الجولف، كان عمر كيلي اكثر من ثمانين سنة. \r\n \r\n ولكن كان يهزم بيل غالباً في تلك اللعبة. وفي يناير 1983 بدأ بيل كلينتون يهتم بحملته الانتخابية كي يسترجع منصبه كحاكم لاركانساس وفي 11 يناير من عام 1983 كان يقوم باداء القسم كحاكم للولاية للمرة الثانية امام اكبر حشد جماهيري عرفته في تاريخها من اجل تنصيب حاكم. وقد امضى كلينتون في هذا المنصب عشر سنوات جديدة اذ لم يتركه الا من اجل المنصب الارفع اي رئيس الولاياتالمتحدة. \r\n \r\n وقد كانت عشر سنوات عرف فيها الكثير من البشر ومن الاحداث ايضا.. ففي 1983 وخلال فصل الصيف، جرى اجتماع لجميع حكام الولاياتالمتحدة الاميركية واثناء مأدبة غداء تم تنظيمها في الهواء الطلق بالمزرعة التي يمتلكها جورج بوش نائب الرئيس الاميركي رونالد ريغان آنذاك كان اللقاء الودي الاول بين الرجلين كانت هيلاري وتشلسي ترافقان بيل وكان عمر الطفلة آنذاك ثلاث سنوات فقط وفجأة توجهت نحو جورج بوش نائب الرئيس وقالت له انها بحاجة للذهاب الى دورة المياه، فأمسك بيدها بلطف وقادها الى حيث ينبغي، وكان تعليق بيل كلينتون: «كانت تشلسي سعيدة وممتنة. \r\n \r\n وقد تأثرنا هيلاري وأنا بأدب جورج بوش ولباقته. ولم تكن تلك هي المرة الاخيرة». وفي 1984 كان موعد اعادة انتخاب كلينتون لمنصب الحاكم قد حل؟ ولكنه كان واثقا من نفسه وحتى لو ان شعبية الرئيس ريغان الجمهوري كانت تتعاظم اكثر في اركانساس. لقد فاز كلينتون بنسبة 63% من اصوات الناخبين وأخذ يشارك اكثر فأكثر في نشاطات ذات طابع اميركي عام، مثل صياغة الافكار حول خطاب الرئيس ريغان حول وضع الاتحاد الاميركي عام 1985. \r\n \r\n والقيام بعدة مهام لصالح الحزب الديمقراطي. وفي 1986 حضر لاعادة انتخابه من جديد ولاربع سنوات هذه المرة وليس لعامين فقط، كما كان الامر في المرات السابقة، وقد فاز في الانتخاب بنسبة 64% من اصوات الناخبين يقول كلينتون عن محصلة نهاية الثمانينيات بالنسبة له: «بفضل اطالة مدة فترة انتخابات الحاكم لاربع سنوات وبفضل اخلاص الفريق الذي كان يعمل معي وما قدمه المستشارون وعلاقات العمل الجيدة مع البرلمان وصلابة اشكال الدعم السياسي لي، بفضل هذا كله كنت متحررا ذهنيا الى الدرجة التي تسمح لي بالانطلاق الى الحلبة السياسية القومية». \r\n \r\n وعلى قاعدة خبرته في ميادين التربية والاقتصاد والحماية الاجتماعية من موقعه كحاكم لاركنساس وكرئيس لجمعية الحكام الاميركيين على مستوى الحكومات، اصبحت تتم دعوته الى العديد من المحاضرات في مختلف المناطق الاميركية. ففي عام 1987 وحده القى 25 محاضرة في المدن الاميركية الكبرى وقد كانت اربعة منها للمشاركة في تظاهرات للحزب الديمقراطي ولكنها خدمت جميعا في توسيع دائرة اتصالاته وتغذية الاشاعات المتعلقة باحتمال ترشيحه للمنصب الرئاسي. \r\n \r\n الأسباب الثلاثة \r\n \r\n يقول «كنت قد بلغت الاربعين من العمر في ربيع عام 1987 وكانت هناك ثلاثة اسباب تدفعني نحو خوض السباق للرئاسة. أولا كان التاريخ قد اثبت ان الديمقراطيين لهم آنذاك حظ كبير في الفوز من جديد بالبيت الابيض. وكان من الواضح ان جورج بوش نائب الرئيس سيكون المرشح الرسمي للحزب الجمهوري هذا وقد كان المرشح الوحيد الذي تم انتخابه رئيسا بعد ان كان قد شغل منصب نائب الرئيس هو مارتن كان بورين عام 1836. \r\n \r\n السبب الثاني كان اقتناعي بأنه ينبغي للبلاد ان تأخذ منحى آخر غير الذي كانت قد اختارته، اما السبب الثالث الذي دفعني للترشيح في الانتخابات الرئاسية فهو اعتقادي بأنني كنت قد فهمت ما يجري وانني كنت استطيع ان اشرح ذلك للشعب الاميركي». هذه هي الاسباب التي حددها كلينتون لدخوله معترك الرئاسة الاميركية. \r\n \r\n كانت رغبة بيل كلنتون آنذاك في الوصول الى البيت الأبيض قوية وجامحة. ولكن وكما يقول هو شخصياً: «ان الطموح محرك قوي كان قد قاد أكثر من مرشح للرئاسة الى جهل حدود امكانياته ولكن ايضاً جهل المسئوليات المرتبطة بالمهمة الرئاسية الجارية». \r\n \r\n وعلى الرغم من وجود الرغبة القوية بالترشيح للرئاسة فان بيل كلينتون لم يرشح نفسه عام 1987 (من اجل انتخابات عام 1998). يقول: «في 1987 كان الطموح والثقة بنفسي وبقدراتي يمكن ان يدفعاني الى الترشيح، لكنني لم افعل ذلك. ان ما دفعني لاتخاذ ذلك القرار كان هو العنصر الوحيد الذي لا يمكن للسياسة ان تطاله، لقد كانت شيلسي وراء قراري». كيف؟ ذات يوم سألته: «اين سنمضي العطلة في الصيف المقبل؟» وعندما اجابها بأنه قد لا يستطع ان يأخذ عطلة إذ سوف يرشح نفسه للانتخابات الرئاسية، اردفت الطفلة قائلة: «اذن سوف نذهب بدونك، ماما وأنا: \r\n \r\n «لقد كان ذلك أكبر من ان استطيع تحمله» هكذا علق بيل كلينتون واتخذ قرار عدم الترشيح. أمضى بيل كلينتون اربع فترات كحاكم لولاية اركانساس، وتردد كثيراً قبل ان يرشح نفسه لفترة خامسة لاحساسه بأنه قد قدم ما عنده وبأن أهل أركانساس يريدون التغيير، لكنه رشح مع ذلك وفاز بنسبة 57% من أصوات الناخبين، وهكذا مارس مهام منصب الحاكم لمدة اربعة عشر عاماً، أي أطول مدة عرفها أي حاكم سابق للولاية. ولقد تردد بيل كلينتون طويلاً امام الترشيح للانتخابات الرئاسية لعام 1992. \r\n \r\n وكان الباعث الأول لتردده واقع ان مختلف استطلاعات الرأي كانت تعطي للرئيس جورج بوش شعبية كبيرة تزيد عن نسبة 70% من أصوات الناخبين على قاعدة انتصاره بحرب الخليج عام 1991. وكانت تلك هي الورقة الاساسية لدى الرئيس وفريقه الانتخابي. وذات يوم تلقى بيل كلينتون اتصالاً هاتفياً من البيت الابيض، وسأله المتحدث، وهو احد كبار موظفي ادارة بوش، عما اذا كان ينوي الترشيح للانتخابات الرئاسية عام 1992. \r\n \r\n وعندما أخبره بانه لايزال متردداً، قال له المتحدث كي يدخل في ذهنه بأنه سوف يتم الهجوم عليه شخصياً اذا صمم على الترشيح، ما يلي: «هكذا تسير الأمور في واشنطن فالصحافة بحاجة الى ضحية في كل انتخابات، وانت الذي سوف نعطيه لها». ثم اضاف: «اننا سننفق كل ما ينبغي من اجل ان نستقدم من ينبغي كي يقول ما ينبغي كي نخرجك من السباق، ولن ننتظر حتى اللحظة الاخيرة كي نفعل ذلك». كان الرد هو التصميم على الترشيح. \r\n \r\n