في الحلقات السابقة اتفقنا أن كلاً منا هو بطل قصته الوحيد، واتفقنا أيضاً أننا سنكون إيجابيين كفاية وأقوياء كفاية لنتّخذ قرار التغيير في حياتنا؛ مهما كانت نتائجه أو مضاعفاته. في البداية اتفقنا أن نختار الوسيلة لا الغاية، ونحدد الطريق قبل أن نحدد الأهداف، طريقك للوصول لأحلامك التي عادة ما تتشابه جداً مع أحلام الآخرين كالزواج والعلم والسُّلطة والنجاح.. الشيء الوحيد المميز جداً والذي لن يعيشه شخص غيرك، هو قصة حياتك وأسطورتك الذاتية؛ كما يسميها المؤلف الجميل "باولو كويلهو". البعض منا سيختار السفر كطريق يصل منه إلى العلم والمال الذي يوفر له حياة كريمة، أو للمعرفة الكاملة عن الثقافات واللغات الأخرى، وبمعرفته يصل للمال؛ وبالتالي يحيا كما يريد، أو يصل للنجاح والمال في مجتمع آخر يتميز فيه كشخص غريب، والنجاح والمال يكونان طريقه لحياة كريمة ولدرجة معرفة أعلى. أياً كان هدفك؛ فنحن هنا لا نتكلم عن الهدف؛ ولكن عن الطريق إليه، عن الحياة الحقيقية، نحن لا نتكلم عن يوم النجاح؛ ولكننا نتكلم عن حكاية كل يوم، كل يوم تحياه الآن في انتظار وملل وحزن على كل ما حولك من أوضاع، كل يوم ستغيّره بيدك ليتحول إلى أمل وجزء من خطة ومشهد في قصة عظيمة في نهايتها توقيعك. سعِدت جداً بتعليقاتكم الجميلة، وانشرح صدري لمن وجدوا في كلامي أملاً للتغيير، وسألوني المساعدة.. لن أستطيع الردّ على كل شخص؛ ولكني أتعهد أمام الله أن أجيب على كل أسئلتكم التي أعرف إجابتها من خلال حلقات فتابعوها. وعلى الرغم من حكايتي التي قصصتها عليكم في الحلقة الماضية؛ فالسفر بالنسبة لي لم يكن أبداً منحة مجانية؛ فلقد تعلّمت من الحياة درسين مهمين: الأول: لا شيء مجاني؛ كل شيء له ثمن حتى ما نظن أنه مجاني.. وإن لم تكن تُصَدّقني، فكّر في كل الأشياء المجانية التي حصلت عليها أو مُنِحتها في حياتك، ستجد لها سبباً حدث قبلها أو طُلِب منك أن توجده بعدها؛ هذا يا صديقي هو الثمن؛ حتى في العلاقات مع أبيك وأمك وحبيبتك وأبنائك، وفي كل شيء.. كما تدين تدان، ما تأخذه اليوم سترده يوماً ما، وما تعطيه اليوم بلا مقابل ستحصده في المستقبل خيراً أو شراً على حسب نيتك. والدرس الثاني هو: أن الرزق لا يُقدّر بالمال وحده؛ وهذا يعني أن: العلم رزق من الله، والأصدقاء الجيدون رزق، وامتداد يدٍ لك لتساعدك على النهوض وأنت تقع رزق، والزوجة الصالحة المُحبة رزق؛ فلا تلهث وراء المال وتنسى أسباب الرزق الأخرى، التي ربما تكون أهم كثيراً من الأموال وسحرها. والآن نعود لخطواتك للوصول إلى حلم السفر، ونحن متفقون ألا شيء مجاني، وليس بالمال وحده تتحقق الأماني؛ ولكن بالاجتهاد والصبر والمثابرة. ونحن هنا لا نعلن عن "فرصة عمل بالسعودية "؛ ولكننا نتعلم معا كيفية اقتناص الفرص: 1- انوِ السفر واحلم به واملك جواز سفر. 2- اختر طريقة السفر (سياحة – زيارة – عمل – دراسة – زواج من أحد مواطني الدولة – هجرة). لمزيد من الإيضاح اقرأ الحلقة السابقة. والآن نأتي للنقطة الأهم، فبعد أن حددت طريقة ووجهة سفرك، فكّر في الطريقة التي ستصل بها لحلمك. سنفترض أن صديقنا (ص) يحب مصر، وله عمل ثابت وجيد؛ لكن كل أمله أن يسافر للخارج في زيارات سياحية أو زيارة أحد الأقارب ويعود، أو ربما لديه حلم قديم في أن يقضي شهر العسل في ماليزيا أو جزر الفلبين، أو حتى أن يحلم البعض بأداء العُمرة أو مناسك الحج. ولِما يرى صديقي (ص) حلم السفر شبه مستحيل في ظل مرتب صغير، والتزامات كثيرة، فعليه أن يسأل عن إجراءات السفر أو تكاليفه؛ ليضع أمامه حلمه في أرقام؛ ليعرف إن كان بالفعل مستحيلاً أم ممكناً بعد عامين أو ثلاثة أو خمسة. واعلم أن "فيزا الزيارة أو السياحة" هي أسهل طريقة للسفر؛ حتى إن البعض يأخذها ويسافر ليعمل بها في دولة أخرى بشكل غير قانوني؛ لأنها عادة غير مصرّح لصاحبها بالعمل؛ نظراً لصعوبة الحصول على فيزا عمل؛ فما بالك لو كانت نيّتك سليمة وأنت فقط راغب في السفر لأداء فريضة، أو للمعرفة أكثر عن بلاد وناس آخرين دون أن تقوم بأي شيء غير قانوني؟! بالتأكيد لن تواجه أية مشكلة في الحصول عليها. لكل فيزا متطلبات، وفيزا السياحة عادة بلا متطلبات؛ سوى تغطية تكاليف سفرك المادية، وإثبات ذلك من خلال حسابك بالبنك، وعدم وجود أي مشكلات عندك "في صحيفة سوابقك يعني"؛ وبغير هذا ليس من حق أية دولة أن تمنعك من الدخول لها أو الخروج منها. وما لا يعرفه معظمنا أن هناك مادة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان -الذي وقّعت عليه معظم دول العالم- وهي المادة رقم (13)، تقول: "لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة، ويحقّ لكل فرد أن يغادر أي بلد؛ بما في ذلك بلده، كما يحق له العودة إليه".. وهذه المادة لها تفسيرات وتعليقات كثيرة تضمن لك حرية السفر والتنقل والإقامة في معظم البلدان بشكل قانوني، ما دمت لم تفعل شيئاً تُعتبر به خطراً على البلد الذي تزوره أو تحيا به؛ بل على العكس؛ يَلزم هذا البلد أن يرعاك ويحفظ حقوقك ما دُمت على أرضه. ابدأ في وضع خطة اليوم، لزيارة بلد جديد في الأعوام المقبلة.. في بيوت الأجانب يضعون عادة "حصّالة" للأحلام، ويجمعون ويدّخرون من أجل السفر في الإجازات.. أمي مثل أمك تماماً؛ حلمها هو أن تقوم بعمل عمرة؛ عشرون عاماً تحمل في قلبها نفس الحلم، ولم تدّخر يوماً جنيهاً من أجله، ولم تستخرج جواز سفر حتى الآن!! لا تفعل مثلها، خطّط لتحقيق حلمك، وطريق الألف ميل يبدأ بخطوة. وكما قلت "مش كل الرزق فلوس"، أنت معيد في جامعة، موظف في شركة، مدرس في مدرسة، طالب في الجامعة، فأمامك الفرصة: عند فتح باب التقديم لحضور مؤتمر، للذهاب في رحلة كمشرف، للمشاركة في معرض، للذهاب إلى رحلة في الصيف.. وأياً كان هذا فإنه يحتاج إلى أوراق وميعاد تقديم وإجراءات، وهم سيقومون بدفع تكاليف السفر؛ فلماذا لا تتقدم؟ الأوراق والسعي هما الثمن الذي ستدفعه، ما دامت تحب السفر وترغب فيه. لا تقل: "كله بالواسطة/ لن يقبلوني/ هم يعرفون من سيسافر مسبقاً"؛ فكل هذا "حجة البليد مسح السبورة"؛ مثل ما كانوا يخبروننا في الماضي.. قُم بما يتوجب عليك فعله، واعلم أن الله لا يُضيع أجر من أحسن عملاً، وإن لم تؤجر هذه المرة؛ فاعلم أنك لم تدفع ثمن الفرصة كاملاً من الصبر والمثابرة بعد. أعرف جيداً أن بعض الجامعات تُقدّم رحلة تسمى "رحلة موانئ البحر الأبيض المتوسط"؛ عادة ما تكون مدعمة.. وزارة الشباب المصرية بها إدارة تسمى إدارة أسفار الشباب تقدم فُرَصاً للسفر كل عام، ويحظى بها عادة الشباب النشطون من المنظّمات المختلفة والحزب الوطني. "وده على فكرة مش عيب فيهم إنهم يأخدوا الفرصة، ده عيب فيك أنت؛ لأنك مش بتعمل زيهم وتلاقي فرصتك". وهذه هي الطريقة الوحيدة لتجد سفراً سياحياً مجانياً أو مدعماً؛ أن تبحث عن الفرصة في الجامعة، أو العمل، أو المنظمات المختلفة، أن تعمل عملاً تطوعياً، أو تسعى لتكون ممثلاً للجهة التي تتبعها، وهذ ما كنت أقوم به أو يقوم به الكثير من أصدقائي حتى اليوم، ومن خلاله سافروا في سفينة السلام إلى اليابان؛ مروراً بكل البلاد الآسيوية في الطريق، وإلى الصين، وألمانيا، وبولندا، وإيطاليا.. ولو يسمحون لي لنَشرْت صُوَرَهم لأُثبت لكم، وليس جميعهم من الكشافة؛ فالبعض وجد الفرصة في عمله أو في الجامعة أو غيرها. الحقيقة، لم أكن أظن أن الموضوع سيحتاج في شرحه لحلقات وحلقات.. في الحلقات القادمة سنتحدث عن الدراسة بالخارج والعمل في بلد آخر، أو العمل والدراسة معاً، وعن الهجرة.. وبالمناسبة لم تكن كل رحلاتي سياحية؛ فوجودي في كندا الآن سببه الزواج من مواطن كندي؛ يعني حياة كاملة في بلد آخر؛ ولكني كنت دائمة الإيمان بأن الإنسان السعيد سعيد في أي مكان، حتى لو ذهب إلى مجاهل أفريقيا سيظلّ متفائلاً وسعيداً ومتوائماً مع كل ما حوله من ظروف. وفي انتظار تعليقاتكم على المقالات وعن مدى فائدتها، وهل تحتاج إلى مزيد من الاختصار؟ أم تفضلون الإسهاب في تفاصيل الرحلة؟ تواصلوا معي واطرحوا كل ما يدور في بالكم من أسئلة؛ لأن تعليقاتكم هي التي تحدد مسار المقالات. اقرأ أيضاً: غيّر حياتك بإيدك: عمارات من بَرّه وعِشش من جُوّه غيّر حياتك بإيدك: نظرية (ع).. عربية وعيادة وعروسة غيّر حياتك بإيدك: للحالمين بالسفر.. طريقكم إلى سلم الطائرة