المداومة على زيارة "سوق الجمعة" لمدة 3 سنوات.. عملت في جدارية سوق الجمعة على تصوير حركة البيع والشراء داخل السوق المصري الشعبي البسيط لذلك كنت أذهب بشكل أسبوعي إلى هذا المكان حتى أستطيع أن أختزل تفاصيل الأشخاص وحركة أجساد روّاد السوق وعلى مدار أكثر من ثلاثة أعوام نجحت في تكون حصيلة بصرية كبيرة ساهمت في خروج الجدارية بهذا الشكل من حيث تفاصيل حركة البيع والشراء داخل هذه المكان مرورا بطبيعة روّاد السوق وتباينهم بشكل كبير، فلو تتبعتِ الجدارية ستجدين اختلافا واضحا في أشكال الشخصيات. للفن رسالة.. والرسالة الأساسية كانت رغبة في التعرف على الآخر بكل ما يحمله من تفاصيل مختلفة أو متشابهة معي، وأقصد بالآخر هنا رجل الشارع البسيط وكنت أسعى أيضا إلى عمل توثيق لهذه الشخصيات في عمل ضخم يستوعب تفاصيلهم ويظهرها بشكل فني راقٍ حتى تصبح هذه اللوحة مرجعا في يوم من الأيام لمن يريد أن يتعرف على سكان حقبة معينة في التاريخ، وهذا الأمر بالمناسبة ليس جديدا على مصر؛ فقد قام المستشرقون عند دخولهم إلى مصر برسم القصور والمنازل العربية الأصيلة وساعدت رسوماتهم تلك على تعرف الملايين على مستوى العالم بفترة زمنية مهمة في حياة مصر. الجداريات من أقدم الفنون المصرية.. فن الجداريات من أقدم الفنون في مصر، فقد كان المصري القديم يصوّر حياته وتفاصيل يومه وأفكاره ومعتقداته عن البعث والخلود على جدران المعابد القديمة وتداول هذا الأمر في المجتمع المصري داخل شرائح وثقافات معينة، فتجدين في الصعيد جداريات ترسم على وجهات البيوت تعبر عن حفلات فرح أو حزن أو أحداث معينة مر بها أهل المنزل، مثل ذهاب رب البيت إلى الحج أو العمرة، فتجدين الكعبة والطريق والجمل والحصان يصورن هذه الرحلة. وفكره اختياري للجدارية بالذات كانت نتيجة تنوع تفاصيل اللوحة بشكل كبير حيث وجدت نفسي أمتلك مادة فنية كبيرة وتفاصيل ومتناقضات لو لم تظهر في عمل واحد لم يصبح لها أي قيمه في حياة السوق وتفاصيل البيع والشراء وتفاصيل لوحة المولد من دراويش ومتصوفين ومثقفين كل هذه التفاصيل كان يجب أن تفرد في لوحة كبيرة لكي توصل الرسالة بشكل صحيح. الحلم فعل حياة.. الحلم هو فعل حياة بنسبة لي فبدونه لن أستطيع أن أعيش أو أبدع، والجيل الحالي جيل جيد جدا لديه فرصة أفضل منا بكثير ويمتلك رفاهية ومقومات حياتية لم تكن موجودة لدينا، لكن مشكلته أنه جيل مظلوم يفتقر إلى وجود حلم أو قضية يدافع عنها لذلك يوجّه له الكثيرون تهمة الضحالة والتغييب. كان لدينا في الماضي هموم مشتركة وأحلام يتجمع عليها غالبية الشعب مثل بناء السد العالي أو صراعنا مع الإسرائيليين، أما هذا الجيل فلم يوضع بعد على المحك الذي يبين معدنه، لكني أتوقع أنه إذا تعرض للخطر سيكون أول من يلبي فالوطنية جينات، وسوف تلاحظين هذا بنفسك عند اشتعال موضوع مباراة مصر والجزائر فقد رفع الشباب اللافتات والأعلام من أجل مصر، فتفجير قضية أو حدث يظهر أصل المعدن وقول النبي خير دليل على ما أقوله: "إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا؛ فذلك الجند خير أجناد الأرض". اعملوا وأخلصوا لما تعملونه ولا تجعلوا المقابل هو شغلكم الأوحد، وراعوا ضميركم في كل ما تفعلونه واعلموا حقيقه أنكم لو خَدعتم من أمامكم سيخدعكم وستصلون في النهاية إلى خداع أنفسكم بأنفسكم، لذلك أنا أسعى دائما إلى توجيه رسالة إلى تلاميذي محتواها أن يوجه طاقة حب إلى كل من حوله، فالحب والتقدير له تأثير واضح على أسر من أمامك. لو تعاملت مع شخص على أساس أنه تافه أو جاهل ومغفل سيعاملك هو بنفس هذا الانطباع، والذي ارتد منك إليه وعاد لك مرة أخرى، وهذا لمسته بنفسي عند تفكيري في عرض جدارية سوق الجمعة في صوان بجانب السوق، فوجدت البسطاء من العاملين في السوق ورواده يجمعون جنيها من كل فرد في السوق لعمل سرداق ضخم لعرض الجدارية كل هذا نتيجة استشعارهم أهمية ما تم تقديمه لهم وبقيمتهم داخل عمل فني وصل للعالمية بهم، فالناس تحتاج إلى من يشعر بهم ويقدّر عمق مشاكلهم وهمومهم حتى لو كانت بسيطة نوعا ما النسبة له، فالفن يخرج من الناس ليعود إلى الفنان مرة أخرى. وأصدق مثال على ذلك بعيدا عن الرسم الأديب الراحل نجيب محفوظ والذي سعى في أدبه إلى التواصل مع المجتمع ككل وليس مع فرد دون آخر، ومن الجيل الجديد علاء الأسواني الذي أظهر مشاكل المجتمع والرائع أيضا بهاء طاهر والذي عمل على إظهار مجتمعات كاملة مهمشة وغير معروفة من خلال عدد كبير من أعماله، لذلك عامل الناس بحب ستجد حبا. تاريخ مصر في جدارية.. أستعد الآن إلى خوض تجربة رسم جدارية توثق تاريخ مصر منذ عصر محمد علي حتى حرب أكتوبر ومن المتوقع أن تصل مساحتها حوالي 1000 متر وسيشارك معي في تنفيذها عدد كبير من الفنانين المصريين.