المجتمع السياسي كالمجتمع الرياضي يتسم بالتعدد والحرص على التنافس في ظل قواعد عادلة. ولأن من حق كل فريق أن يدّعي أنه الأفضل والأقوى، وبالتالي الأحق بالجائزة الكبرى، فمن واجبه أن يسعى لإرساء قواعد عامة متفق عليها لإدارة العملية التنافسية وتنظيم المباريات اللازمة لتحديد الفرق الفائزة. وبينما تتطابق قواعد المنافسة الرياضية تطابقا تاما مع قواعد المنافسة السياسية في الدول الديمقراطية، لا يبدو الأمر كذلك في الدول غير الديمقراطية، ومنها مصر. تحسم المنافسات الرياضية في كل دول العالم من خلال مباريات تقام على ملاعب تتوافر فيها شروط ومواصفات فنية دولية متفق عليها. وتحسبا لاحتمالات وجود عيوب فنية في مناطق معينة يتم تقسيم الملعب الذي تقام عليه المباراة إلى نصفين متطابقين تماما يخصص كل منهما لأحد الفريقين المتنافسين، ويقسم زمن المباراة إلى نصفين متساويين يتم خلالهما تبادل أرضية الملعب، توخيا لأقصى قدر من العدالة حتى في توزيع العيوب الفنية المحتملة. ورغم أن جهة محايدة ومعتمدة هي التي تختار حكم المباراة فإن ذلك لا يمنع من الاتفاق على اختيار حكم أجنبي بالتراضي لإدارة المباريات الحساسة. ولأنه يتعين على هذا الحكم، محليا كان أم أجنبيا، إدارة المباراة وفق قواعد واضحة ومقبولة ومتفق عليها سلفاً، فمن الطبيعي أن يخضع هو نفسه للتقييم والمساءلة وأن يعاقَب إن أخطأ أو انحاز. ولتجنب تحالفات قد تلحق ضررا بالفرق الأخرى، تشترط العلنية في المباريات ويسمح بحضورها للجمهور جميعاً، سواء كان متعصبا لأحد الفريقين المتنافسين أو محبا للعبة. أما المنافسات السياسية في الدول غير الديمقراطية فلا تجري على هذا النحو، ففي مصر يسيطر الحزب الحاكم على أرض الملعب، ويتحكم في تحديد نوعية وطبيعة الفرق التي يسمح لها أصلا بالولوج إلى حلبة المنافسة والاشتراك في المباريات، بل ويصر على اختيار حكم المباراة بنفسه. لذا لم يكن غريبا أن يعلن فوزه في كل مرة بالضربة القاضية أو بأكبر عدد من الأهداف، وهو وضع لم يعد قابلاً للاستمرار، خصوصا في الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة، وإلا فالنتيجة معروفة سلفا، وهي: مجلس شعب يسيطر فيه الحزب الوطني على أكثر من ثلثي المقاعد، كحد أدنى، ورئيس من الحزب الوطني الأرجح أن يكون جمال مبارك، وبالتالي ضمان تكريس تحالف الفساد والاستبداد لمدة لا يعلمها إلا الله. في سياق كهذا تتضح الأهمية القصوى لشعار "لا انتخابات بدون ضمانات" المرفوع من جانب قوى سياسية مختلفة، وللمؤتمر الذي دعا إليه حزب الوفد يوم 5 أغسطس المقبل، والذي يستهدف توحيد موقف جميع القوى الوطنية من الحد الأدنى لضمانات النزاهة المطلوبة. أما الخطوة المنطقية التالية فيجب أن تشمل الاتفاق على وسائل الضغط التي يتعين على الجميع ممارستها لإجبار الحزب الحاكم على الاستجابة، ومن بينها الالتزام بمقاطعة الانتخابات ما لم تتوفر ضمانات كافية. ولأن المشاركة في اللعب وفق القواعد التي يحددها الحزب الحاكم وحده أصبحت معيبة ومكشوفة، فمن الطبيعي أن يمارس الشعب في المرحلة المقبلة حقه في الفرز بين القوى التي ترغب في تغيير قواعد اللعبة السياسية الراهنة، باعتباره شرطا لازما لتأسيس نظام ديمقراطي حقيقي، والقوى التي لها مصلحة في استمرار هذه القواعد، وتسهم بالتالي في تكريس نظام بات وجوده يمثل خطراً على أمن مصر الوطني. عن المصري اليوم بتاريخ 29 يوليو 2010