أنا اتعرّفت على شاب عن طريق النت، وقعدنا نعرف بعض لمدة سنتين، وبعدين كان هو في الوقت ده في السعودية. تشاء الأقدار أن تظهر في شركته فرصة شغل، فسافرت، وهو اللي أقنعني، ومن التاريخ ده وأنا في نصايب كتيرة؛ مرتبي بيتأخر بالشهور, بتيجي عليّ فترات ما بلاقيش آكل, 4 بيقعدوا في مكان لا يتسع لأكتر من 2, الناس اللي في شغل هما اللي في السكن لما زهقت, المشكلة الحقيقة إني من ساعة ما سافرت وأنا بيحصل لي حاجات غريبة؛ أحلام ومخاوف بتتحقق، وفقدت الثقة في الشخص ده وفقدت الثقة في كل الناس. زميلي اللي جابني ده أقنعني إني هلاقي حاجات حلوة كتير، ولما جيت لقيت حال يقرف، وقلت أستحمل أنهي عقدي وخلاص، دلوقتي هو ناوي ينزل مصر في إجازة وما يجيش وهشيل أنا الليلة وراه، ومش عارف أعمل إيه؟!! بقيت مش عارف أتعامل معاه ولا أتعامل مع حد، وخايف، وفاقد الثقة حاسس إن ربنا زعلان مني، مع العلم إني استخرت ربنا كتير أوي، ولو اتأخرت في الرجوع خطيبتي هتضيع مني وأنا بحبها.. أنا عايز حد يساعدني.. عايز أعمل لدماغي format.. عايز أسمع كلام جديد... عايز أرجع متفائل.. e.z
مشكلتك الحقيقية ليست في ضيق الرزق ولا في ضيق المكان، هل تريد أن أُذكّرك كيف حال العمل هنا في بلدنا؟ وحال الشباب الذي يتمنّى ما أنت فيه بديلاً عن البطالة ومعاملة أصحاب العمل والرواتب التي تعجز عن شراء كيلو خيار؟ لقد نسيت أن الحياة لتكون حياة لا بد فيها من المغامرة والتجريب، وأننا نتعلّم من المرور في تجارب غير ناجحة أو كما نتصوّرها؛ حتى نتعرّف على أنفسنا ونعرف كيف نرتّب أولوياتنا ونرتّب أفكارنا.
فأنت في بداية تعرّفك على مجال العمل وعلى نفسك، ولا تتصوّر أني أستهين بما أنتَ فيه، ولكن ما أنت فيه جزء كبير جداً منه يعود لاستسلامك وطريقة تفكيرك؛ فالغربة تحتاج لنفسية معينة تتحمّل عدم الاستقرار -لفترة- والالتزام بقوانين البلد الجديد وثقافته ومحذوراته، فما أنت فيه يعود فقط لصدمتك من الواقع المخالف لتصوّراتك وتركك نفسك نهباً للتفكير السلبي والعويل حتى تأثّرت نفسياً، وفقدت الثقة في الناس وفي تحسّن ظروفك، ولم تفكّر ولو لمرة واحدة بشكل منطقي لِتُوقف سيل القلق والخوف من الأيام القادمة حتى عبّر القلق عن نفسه بأحلام ومخاوف تحاصرك، وتفكير في الغيب بشكل غير واقعي لتُؤكّد مخاوفك، فأنت الآن في اختبار من اختبارات الحياة الجادة التي تفرّق بين الشخص الانهزامي -العيل- الذي لا يرى إلا السواد والتشاؤم والخوف ثم لا شيء، أو أن تكون أكثر نضجاً -رجل- لتنقذ نفسك من القلق المرضي الذي يطيح بهناءة البال والراحة، وتفهم أن الحياة أيام لا تتشابه ينجو فيها من فهم نفسه وأصرّ على أن يقهر ظروفه، وحتى تسمع كلاماً جديداً فأقول لك: - حين يضعنا الله سبحانه وتعالى في اختبار من الوزن الثقيل لا يكون هناك أي علاقة بين ذلك وبين رضاه أو غضبه؛ فالله سبحانه وتعالى هو نفسه عز وجل وهو أصدق القائلين الذي قال إنه يبتلينا "بالنعم" ويبتلينا "بالحرمان"؛ فلقد اختار سبحانه للنعم كلمة ابتلاء؛ لأن القصة ليست قصة سعة وضيق في الرزق، القصة قصة كيف سنتصرف تجاه هذا أو ذاك. - أنت الآن واقع تحت تأثير الغربة وما نسمّيه ب"اضطراب التأقلم"، ولكن الحمد لله هو في بدايته تماماً فلا تتركه يتضخم فتقع صريع الاكتئاب والقلق وغيره. - مهارة "التفاؤل" مهارة يتم اكتسابها فهي ليست فطرة فينا، ولكننا نكتسبها كلما تمكّنا من تغيير طريقة تفكيرنا، فبدلاً من أن نظل ننتحب على ما قُدِر لنا -هذا هو التفكير السلبي- نفكر فيما استفدنا منه، فلو فكرنا أن الزواج مثلاً مشكلات ومسئوليات وتربية ومتطلبات فسيكون شعورنا هو الغم والهم والنفسية القلقة الخائفة، لكن لو فكّرنا فيه على أنه رسالة وشراكة مع شريكة حياة تؤنس وحدتنا وتتحمل معنا المسئوليات وفيه متعة العلاقة الخاصة والعاطفة ووجود أطفال يكونون امتداداً لنا سنستقبل نفس التحديات والمسئوليات والأزمات بشكل أفضل، ونتعامل معها بنضوج وصبر، فعملك ليس على المقاس نعم، ولكنك بسببه تعرّفت على نفسك حين تتعرض لأزمة، وعرفت أن التعارف على الإنترنت ليس تعارفاً حقيقياً وواقعياً للدرجة التي تجعلنا نقرر قراراً ضخماً مثل العمل في الخارج، وعرفت أن الصبر والصمود يجعل الإنسان أكثر قوة، وعرفت الفارق الحقيقي بين بلدك والبلد الآخر، وستعرف مدى جدية العلاقة بينك وبين خطيبتك، هل تهمل كل هذا ولا تخرج من تجربة عملك إلا بأنه أكبر قلم أخذته في حياتك؟ - الإنسان سمّي إنساناً؛ لأنه يقاوم ما يحب ويتحمّل ما يكره، وانظر معي لأي شخص تعتبره قدوة وَمَثَلاً أعلى في النجاح والرجولة، وأتحداك أن تجد حياته مليئة بالراحة والظروف السهلة السعيدة، لقد عانى نجيب محفوظ من الانتقال بين الوظائف الروتينية الخانقة، ولكنه استطاع أن يستثمر وقت الفراغ المفروض على الموظفين في القراءة والاضطلاع، وثابر حتى حصل على جائزة نوبل! وعالِم الطيور الشهير جداً الذي أخرج موسوعة يرجع لها العلماء في أنواع الطيور وسلوكها كان سجيناً حيث حُكِم عليه بالسجن مدى الحياة، ولم يكن له منفذ للحياة إلا هذا الشباك الصغير الذي يطل منه على الخارج، وكانت الطيور تحط على شباكه من الغابات التي تجاوره فلاحظها حتى خرجت موسوعته للنور، وصلاح الدين الأيوبي الذي كان يعاني من ضعف البصر والعرج الشديد في قدمه، ومع ذلك استطاع أن يفعل ما يعجز عنه أكثر من مليار مسلم في أنحاء الكون، والشهيد أحمد ياسين الذي حرّك المقاومة لتحقق انتصارات عظيمة، وهو قعيد مشلول يأخذ نَفَسَه بصعوبة بالغة، فكل ما تحدّثت عنه من ضيق في الحقيقة لن تكون أعذاراً مقبولة لتتنصل من تحمل مسئولية نموك وتطورك الذاتي والعملي. - فقد ثقتك في هذا الشخص أو غيره هي شماعة تضع عليها حقيقة ضعف محاولتك في رفع قوة إرادتك بجدية لمواجهة الظروف وتحمل مسئولية اختيارك، أم لم تلاحظ أنك لم تفكر في العودة أو القيام بمثل ما سيقوم به صديقك؟ فلتكن أكثر نضجاً يا ولدي واجعلها "بروفة" لك لتكون أكثر صلابة وقوة، وكلما وجدت نفسك في حالة من القلق عليك أن تتذكر مهارة التفاؤل، ويمكنك القيام بتمارين استرخاء تساعدك على الاسترخاء البدني والذهني، وكذلك يمكنك التحايل على قلقك وتخفيف حدته بالانخراط في ممارسة رياضة بسيطة وغير مكلّفة، ولتبحث عن عمل آخر لعل الله يكتب لك عملاً آخر أكثر مناسبة؛ بسبب ثقتك فيه مع سعيك الجاد، أو تعمل عملاً إضافياً لجانب عملك الآن. وفقك الله،،،