بالرغم من مرور كل هذه السنوات وإنفاق كل هذه الأموال على الأبحاث العلميّة، وبرغم التقدّم الحاصل في كل مجالات العلوم الطبيّة، يظلّ الإيدز حتى اليوم مرضاً بلا علاج حقيقي. وكلمة إيدز AIDS هي اختصار لعبارة Acquired Immune Deficiency Syndrome، أي متلازمة نقص المناعة المكتسبة؛ ذلك لأن الفيروس يهاجم الجهاز المناعي ويجعله عاجزاً عن التصدي للميكروبات الأخرى تاركاً الجسم في حالة دفاعية شديدة الهشاشة بحيث إن أبسط ميكروب قد يصبح مميتاً. عام 2007 تم تقدير عدد المصابين بالمرض في العالم بحوالي 33.2 مليون شخص، وتعتبر منطقة جنوب الصحراء الإفريقية هي أسوأ المناطق من حيث عدد المصابين وعدد الوفيات أيضا؛ إذ تضم حوالي 68% من المصابين بالإيدز، و76% من وفيات المرض. وتحتوي جنوب إفريقيا على أكبر عدد من المصابين، تليها نيجيريا ثم الهند.
من أين أتى الإيدز؟ تشير الأبحاث الجينيّة إلى أن المرض نشأ للمرة الأولى في غرب وسط إفريقيا في نهاية القرن التاسع عشر أو بداية القرن العشرين، وكان اكتشافه للمرة الأولى عام 1981، حينما وجده مركز CDC الأمريكي في خمسة من الرجال الشواذ في لوس أنجلوس.
في البداية لم يكن هناك اسم للمرض، وكانت الصحافة تَطلق عليه GRID وهي اختصار عبارة "مرض نقص المناعة المرتبط بالشواذ"، فيما بعد عندما وُجد أن المرض ليس مقتصراً على مجتمع الشواذ فقط تم تغيير الاسم إلى AIDS في 1982. هناك نظرية تقول إن المرض نشأ أثناء عملية تحضير للقاح فيروس شلل الأطفال، والذي كان يتم باستخدام أنسجة من قرود الشمبانزي في دولة الكونغو، وتم تلقيح حوالي مليون إفريقي به في الفترة من 1957 إلى 1960، إلا أن العلماء يرفضون هذه النظرية التي لا يوجد لها أدلة علمية حقيقيّة. هناك نظرية أخرى تقول إن المرض بدأ في إفريقيا وانتقل منها إلى هايتي ثم الولاياتالمتحدة. الأعراض تختلف أعراض المرض وفقاً للمرحلة التي وصل إليها. ففي المرحلة الأولى قد لا تكون هناك أي أعراض على الإطلاق، إلا أنه من الشائع أن يصاب الشخص بأعراض تشبه أعراض دور برد خفيف تستمر من أسبوعين لأربعة أسابيع عند حدوث الإصابة، وتتضمّن الأعراض الأوليّة: ارتفاع في درجة الحرارة، وصداع، وألم في الحلق، مع تورّم الغدد الليمفاوية، وطفح جلدي. حتى ولو لم تحدث هذه الأعراض في بداية الإصابة، فإن المصاب يظل قادراً على نقل العدوى للغير. بمجرد أن يدخل الفيروس إلى الجسم حتى يبدأ على الفور في مهاجمة الجهاز المناعي؛ حيث يبدأ في التكاثر بداخل العقد الليمفاوية. تبدأ المرحلة التالية بعد فترة طويلة تتراوح بين ثمانية إلى تسعة أعوام من الإصابة، وأحياناً أكثر، وحيث إن الفيروس يتكاثر أكثر ويُدمّر الخلايا المناعية أكثر، تبدأ أعراض أخرى في الظهور، منها الإسهال، وفقدان الوزن، والكحة مع قصر النَّفَس، وتنتفخ الغدد الليمفاوية مرة أخرى، وغالباً ما تكون نفس الغدد التي انتفخت مع الأعراض الأولى. في المرحلة الأخيرة من الأعراض، والتي تحدث عادة بعد عشر سنوات أو أكثر من حدوث الإصابة، تبدأ أعراض أكثر خطورة في الظهور، حيث تقل نسبة الخلايا الليمفاوية CD4 عن 200، مع حدوث أعراض مثل: • عرق ليلي غزير • حرارة مرتفعة أعلى من 38 درجة تستمر لأسابيع • إسهال مزمن • كحّة جافة وضيق في التنفس • صداع • وجود فطريّات في الفم • زغللة واضطراب في الرؤية • فقدان الوزن هذا بالطبع بخلاف الأمراض الأخرى التي تهاجم المصاب بلا هوادة؛ بسبب تدمير جهازه المناعي، مثل الالتهاب الرئوي وأنواع مختلفة من السرطان خاصة سرطان "كابوسي" Kaposi. ما الذي يحدث؟ في الوضع الطبيعي تقوم خلايا الدم البيضاء والأجسام المضادة بمهاجمة أي جسم غريب يدخل إلى الجسم، هذا الهجوم يتم تنظيمه بواسطة نوع من الخلايا الليمفاوية يُدعى CD4. هذه الخلايا بالذات هي هدف فيروس الإيدز، حيث يلتصق بهذه الخلايا ويخترقها، وبمجرد أن يدخلها حتى يدمج حمضه النووي فيها ويبدأ في نسخ نفسه. عندما تبدأ النسخ الجديدة من الفيروس في الخروج من هذه الخلايا الليمفاوية تبدأ في البحث عن خلايا أخرى لغزوها، بالطبع الخلايا التي هاجمها الفيروس صارت الآن ميتة، وبالتالي يقل عدد خلايا الCD4 مع كل دورة للفيروس، إلى أن يقل عدد الCD4 بشكل خطير يجعل الجسم بلا خط دفاع مناعي ضد البكتيريا والفيروسات والكائنات الدقيقة، مما يفتح الباب لهذه الكائنات لغزو الجسم بلا رادع. كيف ينتقل المرض؟ عامة ينتقل المرض عن طريق ملامسة غشاء مخاطي أو مجرى دم في الجسم، مع سائل جسم شخص آخر يحتوي على الفيروس؛ حيث يوجد الفيروس في سوائل الجسم التالية: الدم والسائل المنوي والمذى والسائل المهبلي ولبن الثدي.
وهذه هي وسائل الانتقال الشائعة: • الاتصال الجنسي: مع شخص مصاب بالمرض، بأي من وسائل الاتصال الجنسي، حيث يوجد الفيروس في السائل المنوي وفي الإفرازات المهبلية، وعن طريقهما ينتقل للطرف الآخر. • نقل الدم: إذا كان ملوثاً بالفيروس. وقد بدأت المستشفيات في الولاياتالمتحدة منذ عام 1985 في إجراء اختبار الإيدز على الدم الموجود لديها قبل استخدامه. • مشاركة المحاقن: ينتقل الفيروس بسهولة عند استخدام محقن تم استخدامه من قبل مع شخص مصاب بالمرض. يحدث هذا الأمر كثيراً في أواسط المدمنين الذين يتشاركون الحقن بالمواد المخدرة بنفس المحقن. • الوخز العفوي بمحقن ملوث: مثلما يحدث أحيانا للعاملين بالحقل الطبي عند حقن شخص مصاب دون الانتباه جيدا، فقد يتعرض الطبيب أو الممرض لوخزة من الإبرة الملوثة. لكن تشير بعض الدراسات إلى أن احتمالية الإصابة بالمرض من وخزة كهذه بسيطة ولا تتعدّى 1%. • من الأم الحبلى إلى الجنين: حيث ينتقل الفيروس إلى الجنين، سواء أثناء الحمل أو أثناء الولادة، أو بعد الولادة أثناء الرضاعة. ينتقل الفيروس بهذه الطريقة إلى أكثر من 600 ألف طفل سنوياً. • طرق أخرى: في حالات نادرة ينتقل الفيروس عند زراعة الأعضاء أو عند استخدام أدوات غير معقمة عند طبيب الأسنان. لحسن الحظ لا ينتقل المرض عن طريق التعامل المباشر مع المريض، مثل المصافحة أو التقبيل أو العناق مع شخص مصاب. في الجزء الثاني من هذا الموضوع نتعرّف على المضاعفات العديدة التي تصيب مريض الإيدز، وكيفيّة التشخيص، وما يتم لعلاج المصابين بالمرض.