كثير من الشباب في عالمنا يقرر أنه قد حان الوقت ليتقرب إلى الله، وكم أن الحياة قصيرة والموت قريب ولن يبقى للإنسان إلا عمله.. عشرات الشباب في كل مكان من عالمنا العربي والإسلامي تداهمهم هذه المشاعر والأحاسيس، فماذا يفعل الشباب ليرضوا هذه الغريزة الطبيعة لديهم للتقرب إلى الله؟ بكل أسف أول ما يتجه إليه الشاب هو الشيخ الأعلى صوتاً والأكثر انتشاراً، وليس الأكثر علماً والأعمق ديناً.. وهكذا بدلاً من أن يتقرب الشاب إلى الله، يتقرب إلى الشيطان بتبنيه أفكاراً متطرفة لا تمتّ للإسلام بِصِلة، ولكنّ المروجين لها يَدّعون أنها هي الإسلام كله.. فيسيء لنفسه ولمجتمعه ولدينه ذاته.. بعض الشباب، تتم مراجعته وتهدأ نفسه فيعود للفكر السليم، ويفكر فيما فعل واعتنق، ويكشف زيفه وبعده عن الدين، ولكن الكارثة بالمئات مِمّن لا تتم مراجعتهم من الأساس، أو من تعمّقت داخلهم هذه الأفكار ولم يعد للمراجعة سبيل معهم.. "ناصر البحري" كان أحد الشباب المحظوظين الذين حظوا بالمراجعة، وحظوا بالعقل الراجح الذي جعله يستوعبها ويفهمها.. كان الحارس الشخصي السابق لأسامة "بن لادن"، وقضى "ناصر" سنوات عديدة يعمل معه، ويحارب إلى جانب زعيم القاعدة في أفغانستان، ويساعده في تجنيد وتلقين الشباب من السعودية واليمن. وعقب خلاف مع "بن لادن"، ترك تنظيم القاعدة وعاد إلى اليمن في عام 2000، حيث سُجن لمدة 18 شهراً، ثم أُطلق سراحه كجهادي تائب. وما زال اليوم يتواصل مع الشباب، لكن لأسباب مختلفة تماماً عن أسبابه عندما تواجد مع "بن لادن"؛ ألا وهي إثناؤهم عن اختيار طريق العنف. وفيما يلي نص الحوار نقلاً عن موقع "الشرفة"، حيث التقى مراسلها في صنعاء ب"ناصر البحري"، الملقّب سابقا ب"أبي جندل"، وسأله عن هذا التحول، وعن الكتاب الذي تشارك في تأليفه مع كاتب فرنسي حول "بن لادن". "ناصر البحري".. من هو اليوم؟ وما الفرق بينه وبين الشاب الذي التحق ب"بن لادن" عام 1996؟ هناك فرق كبير جدا بين "ناصر البحري" اليوم و"أبو جندل الجهادي"، باعتباري كنت آنذاك شابا صغيرا غير واعٍ بما فيه الكفاية للأحداث من حولي. بحثت عن تحقيق رغبة، تحققت لي بالالتحاق بالشيخ أسامة بن لادن. مارست العمل الجهادي، وبعدها تركت تنظيم القاعدة بمحض إرادتي. ولدى عودتي سجنت لمدة سنة وستة أشهر. لديّ القدرة لمواجهة المجتمع والانخراط فيه رغم علمهم من هو "ناصر البحري". وأنا أمارس حياتي بشكل طبيعي، وأمارس أعمالي في تدريب الشباب وتوعيتهم وتأهيلهم. لماذا خرجت من تنظيم القاعدة؟ فكرة خروجي من تنظيم القاعدة جاءت كردة فعل لموقف حدث بيني وبين الشيخ "بن لادن" فقررت ترك القاعدة والخروج منها. ولا أخفيك أن مواقفنا كانت تبنى هناك في القاعدة على ردود الأفعال، ولأنه لم يكن هناك أي تودد أو تحمل أو صبر تركت القاعدة. أنا أمارس حياتي وأشعر بمتعة أكبر من متعة القتال واستخدام السلاح والتقوقع في زاوية معينة، وأعتبر أن الجهاد له أشكال كثيرة، ودعوة الناس وإصلاح المجتمع وتطوير قدرات الشباب أعتبره أكبر جهاد. كيف جاءت فكرة تأليفك لكتاب عن "بن لادن"؟ لقد عرض عليّ الأمر من الصحفي الفرنسي الذي له خبرة كبيرة في كتابة السير، فقد أصدر كتابا عن صدام حسين. وقد رفضت في أول الأمر بسبب انشغالي؛ لديّ أولاد وأسرة أنا مسئول عنهم. فكرة الكتاب كانت منذ ثلاث سنوات فاتفقنا أن نجلس مع بعض بشكل مكثف لمدة 12 يوما بمعدل ست ساعات يوميا. من خلال كتابك تدعو الشباب إلى عدم الانجرار خلف القاعدة. ما هي سبل الإقناع التي تتبعها اليوم؟ القاعدة صورة من صور العنف وأنا ضد العنف في أوقات، ومع العنف في أوقات أخرى. فكل وقت له ظروفه وخصوصيته. وأعتقد أن الحوار أهم أساليب الإقناع الفكري مع تهيئة الظروف للشباب المسلم؛ لأنهم -من خلال معايشتي لهم في أفغانستان- قد أجبرتهم ظروف العيش الصعبة خاصة عندما يحارب في لقمة العيش الشريفة فهو سيلجأ للجهاد لاسترجاع بعض الحقوق. ماذا تقول لمناصري القاعدة اليوم؟ رسالتي لأنصار القاعدة اليوم هي أن ما يحدث في اليمن من تفجيرات المراد بها إقلاق السكينة العامة وفق أجندات معينة لقتل الأبرياء أمر مرفوض. مشكلة القاعدة خارج أفغانستان أنها ليس لديها استراتيجية واضحة، وليس لديها مظلة ولا شرعية ككيان ديني وشرعي، كالعمل تحت مظلة علماء؛ والحاصل أن هذه التنظيمات لديها اثنان أو ثلاثة من طلاب العلم هم من يُفتون؛ وهذا خطأ، لذلك أنا أنصح الشباب ألا يستعجلوا في حمل السلاح والقتال؛ حفاظا على الأرواح والنفوس التي حرّم الله قتلها إلا بالحق، وليس كردة فعل عاطفية أو غضب من فلان، فهذا ليس بجهاد. ما هي أول مهمة أديتموها ل"بن لادن"؟ المهمات كثيرة ولا أذكر بالتحديد، حيث مهمة التخاطب والتحاور وإقناع الشباب للانخراط في الجهاد، وخصوصا الشباب الذين يأتون من السعودية واليمن. فمهمة الإقناع الفكري كانت مهمتي؛ خاصة إذا حدث أي انشقاقات في الجماعات التابعة للتنظيم، وإعادة توحيد الصف، إلى جانب الحراسة الشخصية ل"بن لادن". أما عن العمليات القتالية، فأنا شاركت في عمليات قتالية واشتباكات في أفغانستان وتعرضت لإصابات. من خلال تجربتك.. ما كانت طبيعة العلاقة والفوارق بين قيادة القاعدة والمنظمات التابعة لها؛ كالقاعدة في شبه الجزيرة العربية أو العراق أو المغرب؟ لم نسمع يوما أو حصلنا على بيان من أسامة بن لادن يؤكد ثبوت صلة بين تنظيم القاعدة في أفغانستان وتنظيم القاعدة في الجزيرة، لكن هذه التنظيمات تنسب نفسها للقاعدة الأم؛ لأن من أسباب البقاء الانتماء لطرف معين، والقاعدة من أشهر التنظيمات في العالم الإسلامي؛ لذا فالكل يريد الانتماء للتنظيم على الرغم من وجود جماعات أخرى كجماعة الجهاد المصرية. هل تعرضت للتهديد من قبل أقرانك في اليمن؟ مرات كثيرة اتُّهموني بالجاسوسية ضدهم، وهُدّدت بالقتل ووصلتني رسائل تهديد على الهاتف، حتى أن بعضهم كفّرني. ولكني رددت عليهم أني لو كنت جاسوسا لتعمّدت الاختلاط بهم وعدم مفارقتهم. فأنا أتحاشى الصلاة في مساجدهم حتى لا أوصف بالجاسوس. في حال سنحت لك الفرصة للقاء "بن لادن" اليوم، ماذا ستقول له؟ الحقيقة لو سنحت لي فرصة اللقاء بالشيخ "أسامة" فسأقبّل رأسه وجبينه ووجنتيه، وسأطلب منه أن يدعو لي؛ لأني في جهاد آخر، ومعركتي أمارس فيها أساليبي الخاصة التي أسعى من خلالها إلى توعية الشباب وتنمية قدراتهم على العيش في حياة طبيعية. فأنا أيقنت من معايشتي للشباب المجاهدين أنه بسبب عدم قدرتهم على كسب العيش في الحياة الطبيعية؛ لسوء التعليم ولعدم الحصول على مهنة معينة، لجأوا إلى الجهاد هروبا من الواقع. لذلك أنا فرّغت نفسي لمعالجة مشاكل الشباب من خلال برامج التنمية البشرية ورفع قدراتهم ومهاراتهم لكي تساعدهم في ميدان الحياة.