أنا بنت عندي 23 سنة ولي أخ وأخت متجوزين وأخ توفي من 3 سنين و55 يوما، ووالدي متوفى أيضا من أكثر من 10 سنين وأنا عايشة أنا وأمي لوحدنا في البيت، البيت كبير علينا وفاضي وبنمل كتير من القعدة لوحدنا، مشكلتي مع ماما، أمي شخصية حادة جدا وعصبية جدا وبتنفعل بسهولة جدا مش عارفة أقول إيه؟ أنا تعبانة أووووي ودايما حاسة إني لوحدي، أمي دايما تزعق بسبب وبدون سبب، وعلى طول عصبية ودايما أقول معلش هي طول عمرها كده بس زادت كتير من يوم ما أخويا توفي باقول معلش ربنا يكون في عونها، أنا نفسي لحد دلوقتي مش قادرة أستحمل فكرة إنه مش موجود هي هتعمل إيه؟ بس هي بدأت تحرجني قدام الناس ممكن تزعق لي في الشارع أو في محل وإحنا بنشتري حاجة أو قدام أي حد من قرايبنا وأنا باتحرج جدا وطبعا مش باقدر أرد عليها خالص وباسكت، وممكن لما أرجع البيت لما هي تهدأ أحاول أكلمها وأقول لها إنها أحرجتني وكان ممكن تقول لي اللي هي قالته ده بس من غير زعيق تنفعل زيادة وتقول لي أنا مش عاجباكي شوفي لك أم تانية غيري تعجبك أو تقول لي بكرة أموت وأريحك وتقعدي لوحدك وماحدش هيسأل عنك.. بازعل أووووي من الكلام ده وقلبي بيوجعني، والله دايما باحاول أرضيها في كل حاجة ودايما أقول لها حاضر وطيب واللي أنت عاوزاه لدرجة إني اتخطبت مرة علشان أرضيها وأرضي أخويا وأنا ماكنتش موافقة وطبعا فشلت وسبته بس ماما ماكانتش موافقة بس مع الوقت اقتنعت إني صح وإنه حد مش كويس. أخويا المتجوز مش بيسأل علينا خالص ولا أنا ولا أمي ودي حاجة مزعلاها جدا ومزعلاني أنا كمان، ممكن يعدي أسبوع كامل مش يسأل علينا خالص مع إنه ساكن قريب مننا شوية وكمان القهوة اللي بيقعد عليها على أول الشارع عند بيتنا ولا حتى بيسأل بتليفون، ولولا اليوم اللي بييجى فيه كل أسبوع مش كنا شفناه خالص. حاسة بالوحدة وإني مش ليّ حد، ربنا يخلي لي أمي يا رب. D
صديقتي حماك الله وحفظك وبارك لك في عقلك وحكمتك وتفهمك لظروف أمك، وظروف فقدك لأخيك (رحمه الله وجعل الجنة مثواه). وأنا مقتنعة صديقتي بإحساسك بالوحدة وبإحساسك بالارتباك بسبب ما تفعله أمك تحت تأثير الظروف الصعبة التي تعيشها من فقد للزوج ثم فقد للأبناء واحدا بالموت وهذا قضاء الله الذي لا راد لقضائه والذي يرزق الصبر والسلوان، والآخر بالزواج، الذي أخذه منها بالرغم من قرب المكان.
ومشكلتك يا صديقتي تتلخص في أنك تعانين من فراغ عاطفي وفراغ في الوقت -وعلى ما أعتقد أيضا- فراغ في الاهتمامات. بمعنى أنك لم ترتبطي عاطفيا بإنسان يشاركك همومك واهتماماتك ويكون مفتاح أمل لتخرجي من أزمتك النفسية لفقد أبيك وإخوتك، ويكون لك مفتاح السعادة التي تمكنك من سعادة أمك وتعويض ما فاتها من سعادة. ففاقد الشيء صديقتي لا يعطيه، وطالما أنت فاقدة للحب والسعادة فلن تتمكني من مساعدة أمك.
كذلك -وعلى ما أعتقد أيضا- تعانين من فراغ الوقت، فربما لا تعملين عملا يجدد نشاطك النفسي بالبعد فترة عن جو البيت المشحون بالحزن، والألم، وما ينتج عنه من تصرفات تزيد الصعب صعوبة والألم ألما. وربما تعملين وتأخذين معك همومك، وهموم أمك فتزدادين بحملها، والإشفاق منها صعوبة على صعوبة؛ يعني بدلا من أن تحاولي التخلص منها ولو شوية عشان تقدري تتحملي وجودها معك في الداخل والخارج وفي صحوك وفي نومك.
وكذلك تعانين من الصبر على تصرفات أمك التي تعلمين جيدا أنها لا تملك لها حيلة، بل تزيدين تصرفاتها قسوة بما تقوله لك من كلام لا تحتملينه مثل "أموت وأتركك بمفردك لا يسأل عنك أحد". وصبرك للأسف قلة حيلة، وأنا والله مقدرة ما أنت فيه، ولكن لو وضعت نفسك مكانها وسمعت عتابك لها بأن تفعل ما تفعل معك مما يغضبك بينك وبينها لعلمت أنك تقتلينها بكلامك هذا؛ فهي لا حيلة لها فيما تفعل؛ فهل نلوم برّاد الشاي الموضوع على النار لأنه يخرج بخارا، ونحن نعلم أن النار التي تشتعل تحته هي التي تفعل. يعني كلامك وإن كان معقولا جدا في عتابها يصلح في عتاب من لا تعاني مثل ما تعانيه هذه الأم المكلومة، الثكلى. والأفضل تجاهل قولها، والتصنع بقبوله حتى يفتح الله عليها برضاه فيرزقها الصبر، والقوة، والطمأنينة إن شاء الله.
كذلك صديقتي تعلقك بأخ لا أعرف تماما مبرارته لعدم السؤال عنكم، ولا الوقوف إلى جانبك في محنتك مع خطيبك أخو زوجته، ولا عدم تلبية طلباتك البسيطة التي لن تكلفه شيئا. الأفضل في التعامل مع مثل هذا الأخ بما يليق بعدم اهتمامه بك وبأمك؛ لأن اهتمامك بتصرفاته وغضبك منها يزيد الأمر سوءا عليك وبالطبع على أمك. ولا أرى صديقتي من سبيل للخروج من هذه المحنة إلا باللجوء إلى الله (تبارك وتعالى) الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه.
فهو الله السميع القريب مجيب الدعاء. هو (تبارك وتعالى) الذي بيده الخير لك ولأمك، وهو الذي يمكنه شفاء قلب أمك من حزنها على فقيدها، وأن يربط على قلبها كما ربط على قلب أم سيدنا موسى (عليه السلام) عندما ألقت بابنها بيديها في البحر طاعة لأمر الله.
والله تبارك وتعالى أيضا صديقتي قادر على أن يعجل لك بنصيبك في الزواج من صاحب الدين، والخلق الذي يسعدك فتسعد بسعادتك أمك، وهو القادر على أن يملأ فراغ حياتك بالعمل النافع، والمفيد، وقادر على أن تسكن الطمأنينة والسكينة قلبك لتكوني لأمك خير معين، وخير رفيق في رحلة الحياة.
ونصيحتي لك صديقتي هي: أن تخرج أمك لزيارة الأماكن المقدسة، وأن تتوجه لله تبارك وتعالى بالصلاة والدعاء، وأن تسأل الله أن يجعل الصبر، والرضا بقضائه من نصيبها. وأن تشتدي أنت في العبادة والتقرب بالصلاة والدعاء والاستغفار والتسبيح الذي أخرج نبي الله يونس (عليه السلام) من بطن الحوت، وأن تسألي الله مجيب الدعوات أن يرزقك بالزوج الطيب الصالح الذي يسعدك ويسعد أمك، ويحوّل حياتكما من الألم والحزن إلى الرضا والسعادة إن شاء الله.