رواية "العمر فرصة" تتحدث عنك أنت، وإن اختلف اسمك عن اسم بطل الرواية أو كان مجالك المهني غير مجال تصميم الإعلانات الذي تميّز فيه البطل؛ فهي رواية تنموية لا تكتفي بعرض المشكلة لكنها تقدّم أيضاً بعض الحلول، تابع معنا رحلة هذا الشاب التائه بين عواصف عدم الاستقرار الفكري والعائلي وكيفية وصوله للنجاح. الحلقة الخامسة من رواية "العمر فرصة".. متعة الإنجاز لقد كان وهو طفل يتمنى أن يصير رساماً؛ لكن أهل الخبرة الكبار شرحوا له أن الرسم هواية فقط ولا يصحّ أن يتحول إلى عمل..؟! إنما من الممكن أن يكون مهندس ديكور.. فقرر أن يصبح هذا الشخص.. وعندما اكتشف ضعفه في مادة الرياضيات أدرك أن دراسة الهندسة أمر صعب المنال؛ فاكتفى بإشباع موهبته بالرسم دخل المنزل، ثم التحق بالجامعة لدراسة التجارة ولم يسأل نفسه للحظة ما العلاقة بين الرسم والمحاسبة؟ وبعد هذه السنين الطوال من التخبّط هل يعرف الآن ماذا يريد؟ إنه لا يريد سوى التخصص في عمل يبرز مواهبه المكبوته؛ ولكن هيهات.. أين هو من ذلك؟ وقبل أن يواصل التجوال بخاطره بين الماضي الحالم والحاضر القاسي والمستقبل المجهول رنّ جرس الهاتف؛ فرفعت أخته أميرة السماعة قائلة: - ألو.. وعليكم السلام.. نعم موجود ثم اتجهت بالهاتف إليه وعلى وجهها ابتسامة مُغرِضة وهي تقول: - تفضّل يا سيدي! ثم تراجعت مسرعة نحو المطبخ وهي تصرخ: - أمي.. أمي.. هناك بنت صوتها رقيق جداً تسأل عن الأستاذ نادر امتقع وجه الأم وشرد عقلها للحظة قبل أن تلتفت لابنتها معنّفة: - كُفّي عن الدلع يا أميرة وأعدّي المائدة بسرعة؛ فوالدك على وشك الاستيقاظ وعلى الرغم من لهجتها اللامبالية؛ إلا أنها تحركت لتقف بالقرب من نادر وهي تسترق السمع؛ بينما الظنون المزعجة تنهش قلبها قبل عقلها وهي تتساءل في صمت: - من هذه الفتاة اللعوب التي تسعى لخطف ابنها مستغلة براءته وطيبة قلبه؟ أما نادر فقد تناول السماعة وهو لا يقل ذهولاً عن الأم والابنة معاً؛ فهو منذ أنهى دراسته لم يتكلم مع فتيات غير الأقارب المقربين؛ فهل هي دعابة تقليد أصوات يمارسها أحد زملائه؟ لا.. فالزملاء المشهورون بهذا النوع من المزاح لا تسمح علاقتهم به بتجاوز الحدود لهذه الدرجة، دفعته تلك الخواطر السريعة للتردد في الكلام حتى بادرت الفتاة المتصلة بالحديث - ألو - ألو - الأستاذ نادر - نعم - معك سوزان شبل - أهلاً - آه.. يبدو أنك لا تعرف اسمي.. أنا سكرتيرة الأستاذ علي - أهلاً بك و.. ولكن من الأستاذ علي -الأستاذ علي صادق - أهلاً بك وبالأستاذ؛ ولكن ما علاقتي بالأستاذ علي؟.. يبدو أن هناك سوء تفاهم، أرجو أن تتأكدي من الرقم المطلوب و.. - يا أستاذ نادر أنا سكرتيرة شركة (إبداع الغد للدعاية والإعلان) توتّرت أعصاب الفتى وانقبضت عضلاته وردّ في تلعثم: - نعم.. نعم.. أنا آسف لسوء فهمي.. أرجو أن تقبلي اعتذاري - لا داعي للأسف؛ فأنا لا أتصل لألومك؛ ولكني أتصل لأهنئك على فوزك بالمسابقة وأدعوك لمقابلة الأستاذ علي صادق - رئيس مجلس الإدارة- اليوم في الساعة الثامنة مساءً. في هذه الليلة شعر نادر بالسرور الحقيقي وعرف أن السعادة لا تأتي بمشاهدة مسرحية هزلية ولا تضييع الوقت في لعب النرد أو التفرّغ لألعاب الكمبيوتر.. إن السعادة تأتي مع النجاح والإنجاز... فمتعة الإنجاز لا تضاهيها متعة * * * لم تقتصر فرحة نادر على الفوز بالمسابقة فقط؛ بل زادت مع إعلان صاحب الشركة منحه فترة تدريب بالشركة مدفوعة الأجر، ومعه أصحاب أبرز التصميمات المتقدمة للمسابقة؛ على أن يكون هناك مع نهاية فترة التدريب اختبار لقياس مدى تفاعلهم مع دروس التدريب، وسوف يكون هذا الاختبار عبارة عن خطة حملة إعلانية لأحد المنتجات الموجودة في السوق. ومع بداية فترة التدريب استمتع نادر كثيراً بالجو العملي الاحترافي؛ فالموضوعات مشوّقة والأساليب مبتكرة، ولم يبخل قائد العمل باستقطاب ضيف مختلف أسبوعياً ممن لهم علاقة مباشرة مع الإعلان؛ فهذا أستاذ جامعي، وذاك مخرج إعلانات، وثالث رئيس تحرير جريدة إعلانية.. باختصار.. كانت شهور التدريب هي أفضل بداية لحياة الشاب العملية، ولم يعكّر صفوها سوى بعض احتكاكات المهندس بسيوني -أحد الثلاثة المصممين الموجدين بالشركة- بهؤلاء المتدربين؛ فالمهندس بسيوني يسير على النمط الذي يعتبر كل مستجد عليه في مكان وجوده، ما هو إلا دخيل يجب محاربته.. إنه من ذلك الطراز الذي يتخيل أن المكان الذي سبق إليه هو ملكية خاصة ينبغي حمايته من المتطفلين، دون أن يضع حداً لفكرة الملكية الخاصة التي يتشبع بها؛ فلا فرق عنده بين شركة يتملّكها وبين مكان يعمل فيه مع آخرين، أو حتى مطعم يتردد عليه بانتظام ويعزّ عليه أن يرى شخصاً جديداً يرتاده!! وكانت حجته في مضايقة الوافدين الجدد وعلى رأسهم نادر؛ هو أنهم ليسوا أكاديميين.. فمهنة تصميم الإعلانات -من وجهة نظره- لا يصحّ أن يمارسها كل من هبّ ودبّ، وبالطبع لم يكن هذا الكلام سوى مبرر واهٍ لنفسه، وخصوصاً أن داليا -إحدى المنضمّات لقسم التصميم- كانت خريجة كلية الفنون الجميلة؛ ولكنها لم تسلم من ضرباته التي وجهها لها تحت شعار أن الفتيات لا يصلحن لهذه المهنة.
وفي أحد الأيام، وبينما نادر يعمل بجدّ مطبّقاً ما يتعلمه من المحاضرات التدريبية، اقترب منه بسوني وهو يقول: - يا ترى يا نادر ما هو المنتج الذي اخترته ليكون محور حملتك الدعائية؟ استبشر نادر بهذا السؤال خيراً؛ فلعله يكون بداية لعلاقة جديدة مع قائد فريقه؛ فالفتى لا يملك خبرة عملية للتعامل مع أصحاب النفوس البغيضة من زملاء العمل وأجاب في براءة: - لقد اخترت أحد أنواع المناديل الورقية. ردد بسيوني في استغراب: - المناديل الورقية.. ولماذا هذه السلعة بالذات؟ هنا وقع نادر في خطأ ضخم فقد انبرى يشرح أسبابه ودوافعه لهذا الاختيار.. ويا ليته توقّف عند هذا الحد؛ بل لقد واصل سرد تفاصيل خطته ومراحلها! متمنياً أن يجد عند زميله وقائد مجموعته بعض عبارات المدح والتقدير التي كان في اشتياق وظمأ لسماعها.. لكنه كان يجهل القاعدة الإدارية التي تقول: "إن زملاء العمل من الممكن أن يكونوا أفضل الأصدقاء خارج نطاق العمل؛ لكن داخله هم منافسون، في كثير من الأحيان يحارب كل واحد منهم ليصبح أكثر تفوقاً من أقرانه؛ سواء فعل ذلك عن عمد أو بحسن نية؛ فالنتيجة في النهاية لا تختلف كثيراً". وعلى الرغم من أهمية روح الودّ والتعاون التي يجب أن تسود العلاقات بين العاملين؛ فشيء من الحذر قد يفيد أحياناً.. ولكن نادر لم يملك هذا الحذر.. فكانت الأزمة شديدة، والمحنة عسيرة..؟! للقصة بقية
اقرأ أيضاً: مذاق النجاح.. الحلقة الرابعة من رواية "العمر فرصة"