التفجيرات الدامية التي شهدها العراق يوم الإثنين الماضي الموافق 10 من الشهر الجاري في العديد من المدن الشمالية والجنوبية في آن واحد، وحصدت أرواح أكثر من مائة قتيل وثلاثمائة وخمسين جريحا تحمل عدة تساؤلات حول الجهة المنفذة لها. وبالرغم من أنه حتى كتابة هذه السطور لم يعلن أي تنظيم تبنيه هذه التفجيرات التي تمت بالتزامن وبتنسيق عالٍ، إلا أن أصابع الاتهام الأمريكية والعراقية توجّهت على الفور صوب تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين والذي صار يُعرف بدولة العراق الإسلامية.. لكن لماذا؟ الإجابة تكمن في عدة أمور أولها كبر حجم هذه التفجيرات والتي وصلت إلى 60 تفجيراً في عدة أماكن مختلفة في يوم واحد. وهو ما يعني أن التنظيم القائم عليها لا بد أن يكون له انتشار كبير في مختلف أنحاء البلاد. ويعد "القاعدة" من أكبر هذه التنظيمات، اللهم إلا إذا كانت هناك عدة تنظيمات صغيرة قامت بالتنسيق فيما بينها، وإن كان هذا الاحتمال مستبعداً إلى حد كبير. الأمر الثاني: هو أن هذه التفجيرات تأتي بعد فترة وجيزة من مقتل أكبر قائدين لتنظيم دولة العراق الإسلامية التابعة ل"القاعدة" في البلاد وهما: أبو عمر البغدادي أمير الدولة، وأبو حمزة المهاجر أو أبو أيوب المصري زعيم تنظيم قاعدة العراق، ووزير حرب دولة العراق الإسلامية. لذا فإن هناك بعض التحليلات التي تربط بين الهجمات الأخيرة ومقتل هذين القائدين على اعتبار أن التنظيم يرغب في إثبات وجوده وبقائه قائلاً "نحن هنا"، كما أنه يرغب في الانتقام لهما.. ولعل هذا الأمر وارد خاصة وأن التنظيم قام بتفجيرات مماثلة نهاية العام الماضي ضد بعض المناطق الحيوية بما فيها بعض الوزارات، ونفس الأمر قام به قبل حوالي شهرين.. إذن كل هذه التفجيرات تشير إلى أن التنظيم لم يمُتْ خاصة بعدما تردد أن "القاعدة" في طريقها إلى الزوال بعد هزيمتها من قبل جماعة الصحوات التي أسستها الدولة من العراقيين السنة لمواجهة "القاعدة" الذين يستهدفون المدنيين، كما تردد أيضا أن دور "القاعدة" سيتراجع بعد قرار الرئيس الأمريكي أوباما إعادة انتشار بعض القوات الأمريكية في البلاد، وإعلان الانسحاب في أغسطس القادم. وبالتالي لن يكون هناك مبرر لبقاء التنظيم في ظل زوال الاحتلال.. إذن هذه التفجيرات بفرض أنها تحمل توقيع "القاعدة" تستهدف عدة أمور، لعل أهمها كما قلنا رغبة التنظيم في التأكيد على أنه لا يتأثر برحيل قياداته الكاريزمية.. فما حدث للبغدادي والمصري، حدث لأبي مصعب الزرقاوي مؤسس التنظيم عام 2006.. وبالرغم مما قيل في حينها عن أن "القاعدة" في طريقها إلى زوال، إلا أن هذا لم يحدث، وها هو البغدادي يتولى زمام التنظيم أربع سنين متصلة قام خلالها بالتخطيط للمزيد من العمليات دون أن تنجح القوات الأمريكية والعراقية المتحالفة معها في الوصول إليه. وهو ما دفع بعض المحللين إلى القول بأن حادث مقتل زعميي "القاعدة" الذي وصفه نائب الرئيس الأمريكي بأنه ضربة قاصمة للتنظيم، هو دليل فشل القوات الأمريكية؛ لأن أمر القضاء عليهما استغرق أربع سنوات كاملة. الفراغ السياسي هو السبب هناك بعض التحليلات تربط بين الهجمات الأخيرة وحالة عدم الاستقرار السياسي التي تشهدها البلاد منذ الانتخابات التي جرت في مارس الماضي، وبدلا من أن تؤدي إلى حدوث حالة من الاستقرار السياسي، ساهمت في زيادة حدة الخلافات حتى داخل الطائفة الواحدة كالطائفة الشيعية التي يتنازعها رئيس الوزراء نوري المالكي ونظيره السابق إياد علاوي. الأمر الذي أدى إلى عدم تشكيل الحكومة الجديدة حتى الآن.. وبالرغم من أن هذا أمر وارد كما حدث في بريطانيا مؤخراً، لكن تم احتواء الأمر بسرعة، ورأينا رئيس الوزراء جوردن براون يتنازل لخصمه كاميرون حتى لا يتم إجراء انتخابات جديدة تكلف البلاد والمواطنين ملايين الجنيهات الإسترلينية.. لكن في العراق مضى شهران دون التوصل لأية نتائج ملموسة بشأن تشكيل الحكومة. دلالات الهجمات على أية حال فإن الهجمات الأخيرة تحمل العديد من الدلالات، أبرزها ما يلي: 1- بقاء القوات الأمريكية لفترة أطول في البلاد، كذلك زيادة تدخلها في عمل القوات العراقية التي لا تزال غير مسيطرة على الأمور بشكل كبير. 2- إمكانية وقوع هجمات مضادة من قبل القوى الشيعية، خاصة وأن الانفجارات التي وقعت في المدن الشيعية الجنوبية كانت هي الأعنف من حيث قوتها وحجم الخسائر المادية والبشرية أيضا. 3- الدفع باتجاه الانتهاء من المفاوضات السياسية الخاصة بتشكيل الحكومة في أسرع وقت، على اعتبار أن حالة التشرذم السياسي قد أعطت الفرصة لوقوع مزيد من عمليات العنف.. اللهم إلا إذا كان للقادة السياسيين في العراق رأي آخر، بمعنى أنهم سيستمرون في خلافاتهم السياسية والحديث عمن يستحق رئاسة الحكومة، بغضّ النظر عن معاناة الشعب الذي يعدّ هو الخاسر الوحيد من هذه الهجمات وغيرها.