بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 تصوّر الكثيرون أن أوضاع الشعب الإيراني ستتغير إلى الأفضل، وأن الثورة الوليدة وقتها ستجلب الحرّية والديمقراطية والتغيير، بعد أن أزالت نظام الشاه ودحرت النفوذ الأجنبي. وتوقعوا أن الحياة الكريمة ستكون للجميع؛ ولكن التغيير قد جاء بطريقة ليست كالطريقة التي اعتقدها الكثيرون، وعواقبها كانت غير متوقعة؛ خاصة بالنسبة للنساء الإيرانيات؛ فهن لسن أحسن حالاً عما كن عليه من قبل؛ بل يقول المحللون الإيرانيون أنهن أصبحن أسوأ حالاً حتى من أيام الفرس والأكاسرة، وهي الأنظمة التي كانت تعدّ المرأة مشاعاً تمتهن كرامتها بشتى السبل. أي أن حال المرأة الإيرانية مثل مثيلتها في أنحاء العالم؛ ولكنه قد يكون أسوأ، يأخذ اللون الأزرق القاتم والأسود في بعض الأحيان لون زيّها، ولون ظلام السجون التي تجد نفسها بداخلها بأسباب متعددة. حاولنا في هذا التقرير أن نحصرها، كما ندعوكم أن تضيفوا للقائمة ما تعرفون من أسباب لاعتقال المرأة في إيران. من حق البوليس أن يراقب المظهر الذي تظهر به النساء 1. ارتداء زي مخالف للشريعة الإيرانية!! ظلّ البوليس الإيراني ولعدة أشهر؛ وحتى الآن ينفّذ حملة ضخمة تستهدف القبض على النساء اللاتي يُعتبرن مُخالِفات للشريعة الإسلامية -من وجهة نظرهم طبعاً- وذلك في إطار ما يُعرف ببرنامج "القبضة الحديدية" الذي يهدف إلى فرض نظام اجتماعي في إيران يجبر المرأة على ارتداء زيّ بمواصفات معينة، وُضعت مسبقاً من قِبَل الجهات المعنيّة وأوّلها البوليس الإيراني طبعاً. ووفق هذا البرنامج من حق البوليس أن يراقب المظهر الذي تظهر به النساء؛ للتأكد من أن أحجبتهن تغطي رؤوسهن بالكامل، ومن أن ملابسهن فضفاضة، وأنهن لا يضعن الكثير من مواد التجميل. في البداية لم يعبأ الجمهور الإيراني كثيراً بالحملة على أساس أنه سبق لمثل هذه الحملات أن شنّت عدة مرّات على مضيّ السنوات العشر الماضية؛ لكن الحملة الأخيرة التي بدأت في إبريل الماضي، مع اقترانها باستخدام البوليس للقوة، بدأت بإزعاج الكثيرين. ووفقاً لهذا البرنامج، وطبقاً لإحصائيات رسمية نشرها البوليس الإيراني، تلقّت نحو 17,000 امرأة إنذارات لعدم ارتدائهن ملابس محتشمة في مطار طهران. وتم احتجاز 850 امرأة تقريباً بشكل مؤقت. على أن يتمّ أولاً إنذار النساء اللاتي يخرجن على قانون اللباس بارتداء ملابس أكثر حشمة، ولاحظ أيضاً أن هذا القانون لم يحدد ما نوع هذه الملابس التي تصفها الحكومة بأنها أكثر حشمة؛ ولذلك نجد أنه في بعض الحالات يتم اعتقال النساء اللاتي تكون أجسادهن وشعورهن غير مغطاة تماماً، إلى أن يتم الاتصال بعائلاتهن لجلب ملابس محتشمة أكثر، وهذا يعتبر مجرد تحذير فقط، أما إذا انتَهك هؤلاء النساء قانون اللباس مرة أخرى؛ فيمكن أن تتم محاكمتهن أمام المحكمة!! ولكي ينفّذ هذا القانون لا بد من استخدام القسوة بالطبع من قبل رجال الشرطة، الذين صوّرت لهم وكالات الأنباء والمواقع الإلكترونية الإيرانية وعبر هواتف المحمول الشخصية مشاهد يتعاملون بخشونة مع نساء لا يرتدين ملابس محافظة ومحتشمة!! ولك أن تعلم أن استخدام العنف لم يكن سلوكاً فردياً لبعض ضباط الشرطة مثلما يقال في مصر عندما يستخدم شرطيّ العنف ضد امرأة أو رجل؛ ولكن استخدام العنف ضد "المرأة غير المحتشمة" في إيران جاء نزولاً على تعليمات قائد الشرطة في طهران؛ خاصة وأن هذه المشاهد صوّرت أمام الكاميرات بشكل متعمد من أجل الدعاية والترويج للحملة، بناء على قناعة منهم بأن هذه المشاهد التي تُظهر استخدام العنف والقسوة ستعمل على ردع الجريمة!! ولذلك تجد أنه من الطبيعي أن يقول البوليس الإيراني إن حملته تحقق نجاحاً رئيسياً وأن الإيرانيين يشعرون بمزيد من الأمن نتيجة للعملية. والجديد في هذه الحملة -كما نشرت صحيفة الجارديان البريطانية الأربعاء 28 إبريل الماضي- أن حملة الاعتقالات ستشمل السيدات اللاتي يرى الشرطي أنهن يمشين مثل العارضات أو حتى يرتدين حجاباً وعباءات غير مطابقة لمواصفات الزي الإسلامي، وهذا طبعاً يخضع لتقدير الشرطي!! مما يعني أنه لا غرابة أن يوقف شرطي في أحد شوارع طهران العاصمة سيدة أو فتاة جامعية ليتفحص شكلها ومظهرها ويبدي رأيه في ثيابها؛ رغم أنها ظاهرياً ترتدي حجاباً ورداء يغطي كل الجسم بما فيه الذراعين؛ ولكن من الوارد جداً ألا يعجبه هذا الزي ويقتادها إلى قسم الشرطة حتى يحضر أحد والديها ومعه عباءة سوداء تغطي الجسم من منبت الشعر وحتى أخمص القدم، وهذا هو الشكل المحتشم الوحيد الذي يعترف به الشرطي وفق قانونه الخاص وصلاحياته التي أعطتها له حكومة نجاد.
2. ممارسة الدعارة "فتيات الشوارع" نشر موقع "شيعة أون لاين" -الناطق باسم مدينة "قم" الإيرانية- مؤخراً تقريراً عن أوضاع وأرقام ما يُعرف بنساء الشوارع في إيران، جاء فيه أن الحد الأدنى لأعمار الفتيات اللاتي يتعرضن لفضّ البكارة بالإكراه قد انخفض إلى 12 سنة، وأن أغلبهن يتحولن إلى فتيات شوارع. ونقل الموقع المذكور عن "أمير مرتضوي" -نائب مدعي عام مدينة "مشهد"- أن هناك ستة آلاف وثلاث وخمسين امرأة ممن يُطلَق عليهن اسم نساء الشوارع في مدينة "مشهد" وحدها، وتتراوح أعمار أغلبهن ما بين 12 و25 عاماً. ولا تتصور أن هؤلاء السيدات بمعزل عن الأمن الإيراني؛ فهن أول من يتعرضن لحملات اعتقال أو -على الأقل- احتجاز في أقسام الشرطة لفترة طويلة، قبل أن يتحولن للقضاء ويسجنّ بتهم مختلفة أولها ممارسة الدعارة.
تُعتقل المراة الإيرانية إذا تظاهرت لأسباب سياسة أو اجتماعية 3. التظاهر ضد النظام: تتعرض المرأة الإيرانية للاعتقال أيضاً لو تظاهرت ضد النظام؛ سواء لأسباب سياسية أو لأسباب أخرى تتعلق بالمعيشة. وأبرز نموذج على هذا اعتقال النظام الإيراني للسيدة "زهراء جباري" في سجن إيفين بطهران تزامناً مع الانتفاضة ضد النظام الإيراني في "يوم القدس" 18 سبتمبر الماضي، وقد استعمل الجلادون شتى أنواع التعذيب ضدها، ومنها قلع أظافر قدميها لنزع الاعترافات منها حول تواجد شقيقها وشقيقتها في مدينة "أشرف".
كل مطالبهن إحالة المسئولين عن موت أبنائهن إلى العدالة 4. التظاهر احتجاجاً على اختفاء أو مقتل أبنائهن صرّحت من قَبْلُ المعارضة الإيرانية أن السلطات أوقفت عشرات النساء اللاتي ينتمين لجماعة "أمهات في حالة حداد"؛ وذلك بعد أن تظاهرن في العاصمة طهران احتجاجاً على اختفاء أو مقتل أبنائهن خلال التظاهرات التي اجتاحت البلاد، عقب فوز الرئيس محمود أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية الماضية. كما أوضح الموقع الإلكتروني لزعيم المعارضة الإيرانية "مير حسين موسوي"، أن قوات الأمن اعتقلت نحو 30 من النساء اللاتي تجمّعن في إحدى حدائق طهران. ولمعلوماتك فإن جمعية "أمهات في حداد" تشكّلت إثر مقتل "ندا أغا سلطان" بالرصاص في 20 يونيو من العام الماضي، والتي أصبحت رمزاً للاحتجاج الشعبي وقمع السلطات، وقد أثار الفيديو الذي يصوّر موتها -والذي وضع على الإنترنت- شعوراً كبيراً بالتأثر والاستنكار في العالم. وكانت كل مطالب سيدات هذه الجمعية إحالة المسئولين عن موت أبنائهن إلى العدالة وإطلاق سراح السجناء السياسيين؛ ولكن الشرطة اعتقلت الكثيرات منهن؛ وخاصة من رفضن الامتثال لأوامر الشرطة بالتفرّق والتوقف عن الهتافات المعادية للنظام.
تعتقل إيران النساء إذا قُمن بأعمال تبشيرية للعقيدة البهائية 5. الانتماء للعقيدة البهائية نقلت تقارير في وقت لاحق أن السلطات الإيرانية اعتقلت عدداً من النساء لقيامهن بأعمال تبشيرية للعقيدة البهائية. كما أن وكالة "تابناك" الإيرانية للأنباء أوردت أنها لم تحدد عدد النساء اللاتي اعتقلن وتاريخ حدوث هذه الاعتقالات. ونقل موقع الوكالة الإلكتروني أن الأطراف التي تريد ضمّ الذكور الإيرانيين من الشباب للعقيدة البهائية "يستخدمون نساء جميلات كطُعم" للإيقاع بهم. كما اتهم الموقع إسرائيل بأنها "منحت قادة هذه المجموعة الفاسدة (البهائية) ملاذاً آمناً لديها لسنوات عدة، كما أن الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا قد وفّرتا لهم مليارات الدولارات للقيام بأعمالهم التبشيرية". يأتي هذا الاتهام لإسرائيل والولاياتالمتحدة بأنهما يقفان خلف استخدام النساء من أجل التبشير بالبهائية، وسط اتهامات من منظّمات دولية؛ وخاصة المعنية بمجال حقوق الإنسان بأنه منذ قدوم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى منصبه، تمّ "التحرّش بالبهائيين؛ حيث هوجموا بدنياً واعتقلوا وسجنوا، ولا تُستبعد النساء بالطبع من عمليات الاعتقال والسجن". وطبعاً كما قلنا في المقدمة، فإنه ليست هذه كل الأسباب التي تدفع الحكومة -ممثلة في أجهزتها الأمنية- لاعتقال النساء، كما أنه ليست كل الحالات تكون فيها المرأة ضحيّة بطش الحكومة.. فالمرأة داخل المجتمع الإيراني في كثير من الأحيان جانٍ في جريمة أيا كان نوعها؛ ولكن الغالب أيضاً أن تكون ضحية إما لمجتمع أو قوانين جائرة تجعلها رهينة تقدير شرطي يقذف بها في عربة الشرطة مقبوضاً عليها أو يطلق سراحها إطلاقاً مشروطاً.