قد لا يعرف الكثير منا سوى أهرام الجيزة الثلاثة، خوفو وخفرع ومنقرع، وبعضنا يعرف أيضا هرمي سقارة وميدوم، لكن الواقع أن في مصر عددا هائلا من الأهرام، يصل إلى حوالي 90 هرما، وكثير من هذه الأهرام ذات حضور طاغٍ وأشكال متميزة جدا وتستحق بالتأكيد الذهاب لرؤيتها، فمن المؤسف أن السياح يأتون من شتى أنحاء العالم لرؤية العجائب التي تمتلئ بها أرضنا، بينما نمتلئ نحن تجاهها باللامبالاة. يمثل الهرم شكلا فريدا في الأشكال الهندسية، وربما يعبر اختيار هذا الشكل ليحوي مرقد الفرعون الأبدي كتعبير عن رغبة الإنسان أو الروح في الصعود من الأرض إلى السماء.
بدأ الأمر ببناء الأهرام المدرجة والتي كانت تصنع على شكل مصاطب يتناقص حجمها كلما اتجهنا لأعلى، مثل هرم سقارة (الذي يعرف أيضا بهرم زوسر) وهرم ميدوم، لكن هذه لم تكن أهراما حقيقية.
ما نتحدث عنه هنا هو هرم ذو شكل غريب يدعى الهرم المحني Bent Pyramid، وهو يوجد في دهشور، على بُعد حوالي 40 كيلومترا جنوبالقاهرة. وقد بناه الملك سنفرو حوالي عام 2596 قبل الميلاد. وسنفرو هو والد الملك خوفو صاحب الهرم الأكبر المعروف، وهو أيضا صاحب هرم ميدوم المدرج. بعد بناء هرم ميدوم أراد سنفرو إنهاء مرحلة الأهرام المدرجة وبناء هرم حقيقي أملس الجوانب. وقد اختار دهشور لهذا الهدف.
كان الشكل الهرمي قالبا فنيا في مرحلة التجريب، حيث لم يصل المهندسون المصريون القدماء بعدُ إلى الحرفية الكاملة في عملية بنائه. فعندما بدأ بناء الهرم كان المهندسون قد اختاروا أن يكون ميل الجوانب 60 درجة، لكن بعد بناء جزء كبير منه وجد المهندسون أن توزيع الثقل بالداخل غير صحيح وأنه ينهار من الداخل باستمرار البناء، فاضطروا إلى تعديل الزاوية وخفضها إلى 54 درجة، لكن مرة أخرى ظهرت شروخ في الجدران الداخلية، وهكذا اضطروا إلى تعديل الزاوية مرة أخرى إلى 43 درجة، وذلك بعد أن وصل ارتفاع البناء إلى 45 مترا، مع وضع دعامات داخلية لتدعيم البناء، وقد نجح تغيير الزاوية في تقليل وزن الجزء الأخير من الهرم بشكل كبير. وقد أدى تغيير الزوايا المتتالي هذا إلى منح المبنى هذا الشكل الغريب والملفت للنظر.
وللهرم المحني هرم صغير تابع لدفن الملكة، ويربط بينهما ممر تحت الأرض طوله 25 مترا، بحيث يمكن لروح الملك أن تستخدمه لزيارة روح الملكة في العالم الآخر!
يقع الهرم المحني كمرحلة وسطية أو انتقالية ما بين الأهرام المدرجة والأهرام الحقيقية، فبعد بناء هذا الهرم، وفشل المهندسين في صنع هرم حقيقي، لم يحبط هذا الأمر سنفرو بل بدأ مباشرة ببناء أول هرم حقيقي وصحيح الشكل، مستفيدا هذه المرة من كل الأخطاء السابقة، وهكذا كان الهرم الأحمر في منطقة دهشور أيضا. هذه المرة بدأ البناءون بالبناء بالزاوية التي انتهوا إليها أخيرا وهي 43، مع وضع قاعدة حجرية ليستقر عليها البناء (وقد كان للهرم قشرة حمراء لامعة لكن اللصوص سرقوا حجارتها على مر العصور). وبعد الهرم الأحمر قام ببناء الهرم الأسود على غير مبعدة منه (والذي لم يتبقّ منه اليوم سوى كتلة سوداء هائلة شائهة المعالم)، وبذلك يكون سنفرو قد بنى أربعة أهرام، وقد فتح بتجاربه هذه الطريق لابنه وسلفه خوفو ليصنع الهرم الأكبر أعظم أثر وجد على وجه الأرض.
ومازال الهرم المحني يقف بحجمه الهائل ك"خطأ" ضخم! لكن بالرغم من كل عيوبه إلا أنه خطأ جميل ومبهر!ذ