تجلس في المقهى شارد الذهن.. تأمر عيناك (عينيك) كي تطوف في أرجاء المكان علك تشعر به. لكنها تأبى ذلك.. يتأرجح عقلك بين جزيئات الواقع وفتات الخيال. هل تذكر حقا انك طردت من وظيفتك؟ لا اعتقد. فحياتك أضحت سلسله من الإخفاقات.. هل تذكر حقا انك معزول عن الآخرين؟ لا انك لا تذكر.. فقد قمت ببناء جدار بينك وبين الآخرين. لعلك لا تشعر به. لكن لا يهم.. يكفى انك حي وأن هناك نفس يتردد بين ضلوعك. الجميع من حولك يتحدث وأنت صامت حتى عندما سألك النادل عما تريد فأشرت له بيدك طالبا قهوة فجاءك بعصير ليمون لم تعترض. لكن لا يهم.. أنها الحياة حيث تختار فيذهب خيارك كزبد البحر المتناثر. ما هي معلوماتك عن الحياة؟ هل سمعت عن حراك سياسي بدأ ينتاب المجتمع؟ لا تدرى.. لان (لأن) معلوماتك عن السياسة هي معلومات طبيب عن الفن الهندسي. لا فارق هنالك لأنك دوما تقولها. يكفيني أنى حي وأن هناك نفس يتردد بين ضلوعي. هل تذكر كيف وصل بك الحال لذلك؟ إن كنت حقا لا تذكر فلتتركني أنعش ذاكرتك قليلا. الذاكرة هي الكيان الذي أصبحنا لا نملك سواه..فلنحاول أن نحتفظ به إذا. كانت تقول لك دوما: "حاول ألا تنسى ملامحك.. ولا تعتقد أن الحياة بهذا السوء لأنها ستزداد تعقيدا". لحظتها كنت تبحر في ملامح وجهها الذي يحمل أثرا لجمال انزوى وتلاشى في التجاعيد التي تملئه (تملؤه) والتي تذكرك بالممرات والخنادق.. رغم كبر سنها إلا انك كنت تجد في عينيها لياقة شابه في العشرين. وكنت عندما تجلس معها تنسى هموم يوم طال معه العذاب. لكنك كنت تصغي لما تقول عسى أن يرطب كلامها على جروحك المتناثرة. وقد كان يقوم بذلك.... بيد انك بدأت تتذكر اشعر ببريق دمعة حزينة في عيناك (عينيك). لكن دعنى أكمل عسى أن تلملم أشلاء ذاكرتك. ما عرفت يوما كيف تعيش تلك السيدة.. كل ما تعرفه أنها كانت وحيده (وحيدة). كانت تتقبل نفور الناس منها بنظرة ساخرة.. أتذكر؟ أتذكر حين نصحك الناس بالابتعاد عنها لأنها (مخاويه عفاريت).. وكنت أنت تسخر منهم قائلا: "هل تعرفون من أنا؟! أنا ذلك (العفريت) الذي يحيا معها". كانت ثيابها دوما رثه (رثة).. دائما تجدها تغدو وتجئ حامله تلك (البوقجه) القماشيه المتسخة التي دوما ما حلمت أن تعرف ماذا تحوى (تحوي). لكنك لم تبالي (لم تبالِ) بكل ذلك.. فقد وجدت لديها ما لم تجده عند احد من قبل.... الدفء.. هل تذكر ذلك اليوم عندما قالت لك: "أريد منك أن تجاوبني على سؤال" "تفضلي" نظرت لك طويلا ثم قالت: "كيف تراني؟!" أتذكر؟! رغم بساطة السؤال إلا انه جاءك صادما مفاجئا. ولا تعرف لم رحت تفكر ولم تشكلت تلك الصورة في ذهنك.. حتى قطعت هي سيل أفكارك قائله: "أريد أن تجاوبني بكل صراحة دون مواراة أو تملق". بعد لحظة صمت قلت: "حسنا.. أصارحك القول أنى أراك نموذج حي لتلك الأمة". "كيف؟!" لكنك تركتها ورحلت. أخذت تركض و تركض حتى انقطعت أنفاسك.. وفي لحظه بدا لك أن رئتاك تنتقمان منك بطريقتها الخاصة. أتذكر انك تركتها وهربت لأنك لم تستطيع أن تحتمل. لم تستطع أن توضح لها الصورة التي جالت بذهنك وقتها.. تلك الصورة التي نبتت بداخلك في لحظه ولم تفارق خيالك حتى وأنت تعدو مبتعداً.. صورة الجوهر الذي توارى تحت أنقاض الجهل والفقر والتخلف.. فتحولت الصورة إلى مسخ. مسخ كريه الرائحة. لعلك تذكر انه كان أخر لقاء جمعكما. لا تدرى لم اختفت من الحي. هل أحزنها فراقك؟ أم أنها كانت تنتظر منك ردا يخالف رأى الناس؟! لعلها كانت تنتظر منك أن تكون مغايرا للآخرين.... لا تدرى.... لكنك من يومها يا صديقي وأنت على هذا الحال. ولم تعد ذاكرتك ذات قيمه. لقد نسيت ملامحك التي نصحتك هي بألا تنساها. هل تعرف لم؟! لأنك ما عدت تكترث سوى بأنك حي وأن هناك نفس يتردد بين ضلوعك.
مصطفى جمال هاشم الكلمات بالفنط العريض بين قوسين هي تصحيح لبعض الأخطاء اللغوية. التعليق قصة جيدة، نجحت –رمزياً- في تجسيد حالتنا. لكن هناك جملة زائدة وهي التي تبدأ ب"صورة الجوهر...."، لأن معناها نجحت القصة كلها في تجسيده. أرجوك اهتم بتحسين النحو وتركيب الجملة حتى تظهر إمكانياتك كاملة. د. سيد البحراوي أستاذ الأدب العربي الحديث بكلية الآداب، جامعة القاهرة