بالرغم من أننا كمصريين وعرب ومسلمين نتمنى تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية في أسرع وقت من أجل التفرغ لقضية تحرير الأرض المحتلة والأقصى الأسير الذي يعاني ويئنّ تحت وطأة حفنة من الشباب اليهودي المتطرف.. نقول بالرغم من ذلك لكن استرعى انتباهنا عدة أمور على الساحة الفلسطينية في الفترة الأخيرة بعضها مضيء وبعضها الآخر مظلم للأسف، لكن يبدو أن هذه الأمور كما قال الكثير من المراقبين ليست جديدة، وإنما هي كاشفة عن مواقف تاريخية مسبقة. عارف إن الكلام تقيل بعض الشيء.. ولكن سنوضح حالا. أولا: من الأمور المضيئة إفراج سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن 20 أسيرة فلسطينية؛ لمجرد رؤية شريط لجلعاد شاليط لم يستمر سوى دقيقة واحدة فقط.. هذه المساومة الفلسطينية التي قامت بها حماس بجهد وتأييد مصري تعني أنها -أي حماس- عازمة على عدم إطلاق سراح شاليط بلحمه وشحمه قبل الإفراج عن ألف أسير فلسطيني من شتى الفصائل وليس من حماس وحدها.. وهذه نقطة إيجابية تحسب لها على اعتبار أنها تنظر إلى قضية الأسرى من منظور فلسطيني قومي شامل، وليس من منظور فصائلي سياسي يفرق أكثر مما يجمع، وهو ما حرصت عليه حماس في قضية الأسيرات، فكلهن –باستثناء اثنتين منهما- من الضفة الغربية التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية وفق الوضع السياسي الراهن، كما أن خمسا منهن من حركة "فتح" مقابل أربع من حماس وثلاث من حركة الجهاد الإسلامي وواحدة من الجبهة الشعبية. يعني باختصارالأغلبية العظمى منهن لا ينتمين لحماس ولا يُقمن في غزة التي تسيطر عليها حماس.. ولا شك أن هذه نقطة مضيئة ينبغي أن تقابلها نقطة إيجابية من فتح التي تعتقل المئات من أنصار حماس في الضفة الغربية وترفض إطلاق سراحهم.. وهو ما جعل حماس ترفض لفترة قريبة فكرة المصالحة الوطنية حتى يتم إطلاق سراح هؤلاء خاصة وأنها -أي حماس- قامت بإطلاق سراح معتقلي فتح لديها قبل بداية حوارات المصالحة الوطنية التي ترعاها القاهرة. النقطة المضيئة الثانية في المشهد الفلسطيني هي ما ذكرته صحيفة الأهرام وانفردت به يوم السبت 3 أكتوبر بشأن بنود اتفاق المصالحة الوطنية الفلسطينية التي سيتم التوقيع عليها في 26 أكتوبر الحالي.. حيث تضمنت بعض بنود الاتفاق عودة السلطة الوطنية برئاسة محمود عباس إلى إدارة الأوضاع في غزة بالإضافة إلى الضفة، وكذلك عودة قوات السلطة إلى تولي المسئوليات الأمنية في غزة بما فيها معبر رفح البري، وبالتالي عودة المراقبين الأوروبيين، وكذلك عودة الحركة التجارية إلى القطاع وإنهاء الحصار المفروض عليه منذ سيطرة حماس عليه عام 2007. هذا الأمر يعد نقطة إيجابية أخرى تحسب لحماس التي كان يتردد من قبل أنها ترغب في إقامة إمارة إسلامية في غزة، كما تردد أنها لا تهتم بمعاناة وحصار الشعب الفلسطيني.. بل إن بنود الاتفاق لم تُشِر إلى اشتراط الحركة إطلاق سراح معتقليها أولا -كما كان تطالب به في الجولات السابقة للحوار- من أجل إتمام المصالحة. فضيحة جولدستون وفي خضم هذه النقاط المضيئة ظهرت بقعة سوداء مظلمة بدّدت الآفاق الإيجابية القليلة التي شهدتها الساحة الفلسطينية.. هذه البقعة تمثلت في رفض السلطة الفلسطينية بزعامة الرئيس محمود عباس مناقشة تقرير المستشار اليهودي الجنوب إفريقي جولدستون أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وتأجيله لجلسة مارس القادم.. هذا التقرير الذي كشف عن ارتكاب القادة في إسرائيل لجرائم حرب في حرب غزة الأخيرة، وهو ما قد يجعلهم مطلوبين للاعتقال من قبل المحكمة الجنائية الدولية على غرار ما هو حادث بالنسبة للرئيس البشير.. بل إن وزير الدفاع الإسرائيلي خشي من الذهاب إلى باريس حتى لا يتم القبض عليه هناك.. السلطة حاولت على لسان محمود عباس التأكيد على أنها لم تطلب التأجيل؛ لأنها ليست عضوا بالمجلس، لكن الولاياتالمتحدة وإسرائيل وغيرها، بل وبعض الشخصيات الفتحاوية الكبيرة مثل نبيل عمرو أكدت أن أبو مازن هو الذي طلب تأجيل مناقشة التقرير إلى جلسة مارس القادم.. طب ليه كده؟!. هذه الدهشة لم تصبني أنا فقط، وإنما أصابت قيادة فتح ذاتها التي استنكرت.. فلماذا نرفض هذا التقرير الدولي الذي أنصف فيه كاتبه اليهودي الفلسطينيين؟ وما هو المقابل الذي حصل عليه أبو مازن؟ ثمن الصفقة صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية كشفت عن أن الكيان الصهيوني هدَّد سلطة رام الله برئاسة محمود عباس بعدة أشياء لسحب "تقرير جولدستون"، منها عرض شريط صوتي على وسائل الإعلام يتضمن مكالمةً هاتفيةً بين الطيب عبد الرحيم الأمين العام للرئاسة الفلسطينية ورئيس مكتب رئيس هيئة أركان الجيش الصهيوني جابي أشكنازي يقول فيه عبد الرحيم: "هذا هو الوقت المناسب للدخول إلى مخيمات اللاجئين بجباليا والشاطئ، وأن سقوط هذين المخيمين يؤدي إلى إنهاء سلطة حركة المقامة الإسلامية "حماس" في قطاع غزة، ويجعلها ترفع العلم الأبيض". وعندما قيل لعبد الرحيم إن: "مثل هذه الخطوة تؤدي إلى سقوط الكثير من الضحايا المدنيين"، عندها ردَّ بالقول: "كلهم انتخبوا حماس.. هم اختاروا مصيرهم وليس نحن". طبعا هذه التصريحات خطيرة أن تأتي على لسان مسئول كبير في السلطة الفلسطينية، وهي تؤكد ما كشفه فاروق قدومي رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير من تورط قيادات فتح مع اليهود في اغتيال الرئيس عرفات بالسم، هذا بالإضافة إلى فضائح محمد دحلان مسئول الأمن الوقائي السابق في غزة وعلاقاته المشبوهة مع إسرائيل.. فقد ساهم هذا الموقف في تعكير الصفو الفلسطيني من جديد. وبات يتردد الآن: ماذا ستفعل السلطة الفلسطينية؟ هل ستستمر في إنكار مسئوليتها عن عدم مناقشة التقرير كما قال أبو مازن أم إنها ستقر بالحقيقة التي كادها بعض المقربين منه؟ ثم ماذا عن التنازلات التي قدمتها حماس مؤخرا للسلطة خاصة فيما يتعلق بتسليمها غزة وفق الخطة المصرية؟ هل ستستمر حماس في التزامها أم إنها ستتراجع على اعتبار أن الشعب الفلسطيني كله بات يشك في هذه السلطة؟