إذا ما شهدت القارة الأوروبية إفلاسا يؤدّي إلى انزلاق العالم في براثنه, فلن يكون ذلك من جراء الافتقار إلى إيجاد أفكار متعلقة بكيفية الخروج من مستنقع الديون السيادية الأوروبية. فقد كانت الإدارة الأمريكية تحديدًا مصرّة على أن الأوروبيين يجب أن يرفعوا حجم خطة الإنقاذ المالي, وهذا يعكس رؤية وزير الخزانة الأميركي تيموثي جايتنر و التي تري أن المخرج الوحيد من هذه الأزمة المالية هو هزيمتها. وفي السياق ذاته, شهدت اجتماعات صندوق النقد الدولي في عطلة الأسبوع الأخيرة حديثًا حوْل السماح لليونان بعدم سداد ديونها المقدّرة بنحو 485 مليار دولار, ثم إعادة رسملة البنوك الأوروبية و التعهد بتقديم تريليون دولار إضافي, يُحتمل أن يقوم البنك المركزي الأوروبي بإمدادها, و ذلك بغرض تمويل كل من إسبانيا و إيطاليا, و من ثم, السيطرة على انتشار عدوى الانهيار الاقتصادي اليوناني. ويبدو أن هذه الخطّة مبشّرة للغاية أكثر من خطّة السياسة الحالية؛ و التي تتضمّن تعزيز مبلغ الإنقاذ المالي المُقدَّر بحوالي 600 مليار دولار, في الوقت ذاته, مطالبة كل من اليونان و الدول التي تحيط بها ازمة الديون هي الأخرى مثل أيرلندا و البرتغال بخفض العجز في سداد الديون. وتبقى الإجابة على هذه المسألة من ألمانيا,و التّي تعتبر المحرِّك الاقتصادي لأوروبا, بجملة واحدة " ليس بهذه السرعة". حيث تؤكد المستشارة الألمانية انجليا ميركل وزير المالية الألماني فولفجانج شويبله عن عزم ألمانيا بذل أقصى ما بوسعها لمنع انهيار اليورو, ولكن تبقى هناك معوقات بمختلف أنواعها؛ من عوائق قانونية و اقتصادية, تُعيق اتخاذ إجراء جذري . ومن جانبها, صرّحت ميركل يوم الأحد الماضي " أن الجميع في حاجة لاتخاذ خطوات يُمكن السيطرة عليها". و تأتي الخُطوة القادمة الخميس القادم لتشهد تصويت البرلمان الألماني على الخطط القائمة, ثم تليها مجموعة من عمليات التصويت في مجالس نيابية أخري, ثم التصديق على دفعة ماليّة قدرها أحد عشر مليار دولار أميركي كمساعدة لليونان مطلع شهر أكتوبر_ مع افتراض تنفيذها لإجراءات التقشف في البلاد. وحتى الآن قد أدركت الأحداث الراهنة بالفعل هذا النهج؛ حيث تم الموافقة على هذه الخطط بشكل مؤقت في الحادي و العشرين من شهر يوليو الماضي. و منذ ذلك الحين, قامت الأسواق بإسقاط أزمة اليونان من حساباتها, كما تشككت في قدرة إيطاليا على السيطرة على دينها الذي يبلغ 2.3 تريليون دولار أميركي. إذ بإمكان إيطاليا تمويل نفسها الآن, وذلك يرجع إلى عزم البنك المركزي الأوروبي على شراء السندات الإيطالية فحسب. و هذا يعتبر "بديل مؤقّت". كما يبدو أن حالة الانكماش العالمي الحاد لا مفر منها ما لم تعرض القوى الاقتصادية الكبرى _و تحديدًا ألمانيا و البنك المركزي الأوروبي_ بشكل واضح و صريح خطتها لإعادة هيكلة الدول المتعسرة (مثل اليونان), بينما تقوم أيضاً بدعْم الدول التي من الممكن إصلاحها اقتصاديا (مثل إيطاليا و إسبانيا). و جميعنا يتفهّم ورطة الحكومة الألمانية في هذا الأمر؛ حيث لم يعد هناك أي اهتمام من جانب دافعي الضرائب الألمانية في إنقاذ اليونان من حالة الإسراف التي عليها أكثر من اهتمام دافعي الضرائب بالولايات المتحدة الأميركية بإنقاذ بورصة وول ستريت. كما أنه ليس بإمكان المستشارة الألمانية القيام بفتح عملية التمويل دون التعرّض لردود فعل عنيفة قد تطيح بحكومتها, خاصّة مع ضعف شعبيتها في البرلمان. و عليه, لابد أن تواجه ميركل المسألة بحزم و ذلك للحفاظ على تحالفها و ضمان التزام كل من اليونان و الدول الأخرى المتقبلة للإنقاذ المالي باستخدام المعونة بحكمة قبل أن تأخذها. إلّا أنه على الرغم من ذلك, لا يمكن إنقاذ اليونان حتّى مع تنفيذها لخطة التقشّف؛ حيث تحتاج اليونان إلى إعفاء من الديون, و إجراء إصلاحات, بالإضافة إلى انطلاقة قوية نحو النمو. ففي واقع الأمر, ينظر البعض إلى قلة الكفاءة اليونانية, و التهرّب الضريبي, بالإضافة إلى الفساد المتفشّي داخلها, على أنه أمر غير معقول, بالفعل مثلما اتهمهم الشعب الألماني بهذا الأمر من قبل. و من الواضح أيضاً استفادة الواردات الألمانية من قلة القدرة التنافسية لدى منطقة جنوبي أوروبا في ظل الاتحاد النقدي, كما أن المستفيد النهائي من الإنقاذ المالي لليونان سيشمل البنوك الألمانية التي ستعود الأموال التي أقرضتها لليونان إليها مرة أخرى _دون دراسة متأنية. و في النهاية, من المحتمل أن يتوقف أمر الاقتصاد العالمي على كيفية مواجهة ميركل للأزمة في الأيام القادمة. و لم نرى أي من الساسة الألمان ما بعد الحرب العالمية الثانية من يتحلّى بالقيادة الجريئة داخل بلاده, حيث كانت هذه القيادة الجريئة مرتبطة بدكتاتور عربد فترة طويلة و ووصم القيادة الجريئة باسم سيئ. فالساسة الألمان يفضلون كلمات مثل "التضامن" و "المسئولية", و هو لحسن الحظ ما تحتاجه ألمانيا في الموقف الحالي. و عليه, فلندع برلين تفكّر في المهمة قبل القيام بالمضي قدمًا في تنفيذها.