جامعة عين شمس تفتح باب التقديم لشهادات تخصصية من جامعة هارفارد لأعضاء هيئة التدريس    اختبار أول وصلة ميكروويف تجارية في العالم بسرعة 50 جيجابت /ثانية    وصول سفن أسطول الصمود إلى قاعدة إسرائيلية بأسدود    القبض على سائق ميكروباص تعدى على قائد أتوبيس سياحى بالزاوية الحمراء (فيديو)    وزير الصحة يكلف بتطوير مستشفى قلاوون التاريخي للرمد بالجمالية    تركيا.. زلزال بقوة 5 درجات يضرب بحر مرمرة    الأوبرا تمد فترة التسجيل في مسابقات مهرجان الموسيقى العربية ال33 حتى 6 أكتوبر    نونو مينديز يضم لامين يامال لقائمة ضحاياه برفقة محمد صلاح    الإصلاح والنهضة: انتخابات النواب أكثر شراسة ونسعى لزيادة المشاركة إلى 90%    بكالوريوس وماجستير ودكتوراه، درجات علمية جديدة بكلية التكنولوجيا الحيوية بمدينة السادات    إعلام فلسطيني: غارات إسرائيلية مكثفة على مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة    غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء فى قطاع إلى 66.225 شهيدا منذ بدء العدوان    الكرملين: الاتصالات بين الإدارتين الروسية والأمريكية تتم عبر "قنوات عمل"    مخاوف أمريكية من استغلال ترامب "الغلق" فى خفض القوى العاملة الفيدرالية    المجلس القومي للمرأة يستكمل حملته الإعلامية "صوتك أمانة"    ديكيداها الصومالي يرحب بمواجهة الزمالك في ذهاب دور ال32 بالكونفدرالية في القاهرة    البلدوزر بخير.. أرقام عمرو زكى بعد شائعة تدهور حالته الصحية    النائب ياسر الهضيبي يتقدم باستقالته من مجلس الشيوخ    إخلاء سبيل سيدتين بالشرقية في واقعة تهديد بأعمال دجل    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ وحدات "ديارنا" بمدينة أكتوبر الجديدة    نجل غادة عادل يكشف كواليس علاقة والدته بوالده    وزير الخارجية يتوجه إلى باريس لدعم حملة ترشح خالد العنانى فى اليونيسكو    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 2أكتوبر 2025.. موعد أذان العصر وجميع الفروض    لأول مرة.. الرقابة المالية تصدر ضوابط إنشاء المنصات الرقمية للاستثمار في وثائق صناديق الملكية الخاصة    طرق الوقاية من فيروس HFMD    «أطفال بنها» تنجح في استخراج مسمار دباسة اخترق جدار بطن طفل    14 مخالفة مرورية لا يجوز التصالح فيها.. عقوبات رادعة لحماية الأرواح وضبط الشارع المصري    شيخ الأزهر يستقبل «محاربة السرطان والإعاقة» الطالبة آية مهني الأولى على الإعدادية مكفوفين بسوهاج ويكرمها    بقيمة 500 مليار دولار.. ثروة إيلون ماسك تضاعفت مرتين ونصف خلال خمس سنوات    السيولة المحلية بالقطاع المصرفي ترتفع إلى 13.4 تريليون جنيه بنهاية أغسطس    برناردو سيلفا: من المحبط أن نخرج من ملعب موناكو بنقطة واحدة فقط    «غرقان في أحلامه» احذر هذه الصفات قبل الزواج من برج الحوت    بتكريم رواد الفن.. مهرجان القاهرة للعرائس يفتتح دورته الجديدة (صور)    بين شوارع المدن المغربية وهاشتاجات التواصل.. جيل زد يرفع صوته: الصحة والتعليم قبل المونديال    المصري يختتم استعداداته لمواجهة البنك الأهلي والكوكي يقود من المدرجات    وست هام يثير جدلا عنصريا بعد تغريدة عن سانتو!    قطر تستنكر فشل مجلس الأمن فى اعتماد قرار بشأن المعاناة الإنسانية فى غزة    لهجومه على مصر بمجلس الأمن، خبير مياه يلقن وزير خارجية إثيوبيا درسًا قاسيًا ويكشف كذبه    الكشف على 103 حالة من كبار السن وصرف العلاج بالمجان ضمن مبادرة "لمسة وفاء"    ياسين منصور وعبدالحفيظ ونجل العامري وجوه جديدة.. الخطيب يكشف عن قائمته في انتخابات الأهلي    " تعليم الإسكندرية" تحقق فى مشاجرة بين أولياء أمور بمدرسة شوكت للغات    جاء من الهند إلى المدينة.. معلومات لا تعرفها عن شيخ القراء بالمسجد النبوى    تفاصيل انطلاق الدورة ال7 من معرض "تراثنا" بمشاركة أكثر من 1000 عارض    تموين القليوبية يضبط 10 أطنان سكر ومواد غذائية غير مطابقة ويحرر 12 محضرًا مخالفات    حمادة عبد البارى يعود لمنصب رئاسة الجهاز الإدارى لفريق يد الزمالك    السفير التشيكي يزور دير المحرق بالقوصية ضمن جولته بمحافظة أسيوط    رئيس الوزراء: الصحة والتعليم و"حياة كريمة" فى صدارة أولويات عمل الحكومة    استقالة 14 عضوا من مجلس الشيوخ لعزمهم الترشح في البرلمان    تحذيرات مهمة من هيئة الدواء: 10 أدوية ومستلزمات مغشوشة (تعرف عليها)    القائم بأعمال وزير البيئة في جولة مفاجئة لمنظومة جمع قش الأرز بالدقهلية والقليوبية    وزير الخارجية يلتقي وزير الخارجية والتعاون الدولي السوداني    هل الممارسة الممنوعة شرعا مع الزوجة تبطل عقد الزواج.. دار الإفتاء تجيب    انهيار سلم منزل وإصابة سيدتين فى أخميم سوهاج    «المستشفيات التعليمية» توقع بروتوكول تعاون مع جامعة المنصورة الجديدة لتدريب طلاب الطب    «الداخلية»: القبض على مدرس بتهمة التعدي بالضرب على أحد الطلبة خلال العام الماضي    دعاء صلاة الفجر ركن روحي هام في حياة المسلم    حماية العقل بين التكريم الإلهي والتقوى الحقيقية    «التضامن الاجتماعي» بالوادي الجديد: توزيع مستلزمات مدرسية على طلاب قرى الأربعين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعر المصري علاء خالد الشعر معزول اليوم !
نشر في صوت البلد يوم 30 - 12 - 2018

علاء خالد، شاعر وروائي مصري، وأحد مؤسسي مجلة أمكنة في الإسكندرية، يعتبر من الأسماء المجددة في قصيدة النثر المصرية في الثمانينيات والتسعينيات. تتوزع كتاباته بين الشعر والنثر والمقالات، صدر له مؤخرا، عن دار الشروق، رواية بعنوان "أشباح بيت هاينريش بُل".
في هذا الحوار، يحاول خالد تتبّع مسار الشعر المصري الجديد، ورصد التحولات التي طرأت على قصيدة النثر في مصر، منذ السبعينيات حتى الآن، من حيث اللغة والبناء والأسلوب، ومحاولات تعاطيها مع العالم الخارجي.
في البداية، يتحدث خالد عن الشعر بشكل عام، ويقول إن الشعر حاليا في العالم كله معزول ويعيش فقط على منح التفرغ داخل الأكاديميات والجامعات، ولا يوجد ما يمثل شعرية عالمية، بالرغم من كونية الحياة الآن، ولكنها كونية لا تصنع نموذجا إنسانيا. فالفكرة أو المرجع المشترك تلاشى وسط هذا التجزيء للحياة، بالرغم من المشتركات العديدة التي صنعتها الميديا، ولكن أغلبها استهلاكية، أو تأتي من جهة الخوف. هذا التجزيء انعكس على الشعر؛ والشاعر الآن برغم اتصاله بسياق عالمي فهو منفصل، وبالتالي هناك سرد لتجربة ذاتية بلا أي مرجع داخلي أو خارجي. تجربة بها ضبابية مستقبلية، وانفصال عن الماضي. يمكن القول إنها تجربة ذاتية معلقة، ربما تعيش فقط داخل اللغة.
انحسار الوعي
لا يعتقد خالد أن إحدى مشكلات قصيدة النثر حاليا، هي الإفراط في النثرية، ولكن انحسار الوعي الذاتي داخل أداءات اضطرارية لا تولّد تنوعا أو تفردا في الأسلوب أو الشكل. الإفراط في النثرية، من وجهة نظره، جاء بسبب غياب المرجع الذاتي أو الجمعي، الذي يتم معه الجدل. فالجدل مع الشكل محسوم قبل أن تبدأ القصيدة. هذا الجدل مع المرجع الذاتي أو الجمعي هو الذي يمنح الشكل تفرّده. أحيانا هناك قصائد تقوم على شرح لمعنى واضح، أو تقوم بصياغة فلسفية لمشهد ومحاولة تأويله، وأحيانا تتبلور القصيدة بحكمة واضحة، أو بمدخل غرائبي أو حكائي، بينما قليلة هي القصائد التي تخرج من معنى غامض غير واضح يتم الجدل معه عبر القصيدة. ربما لهذا السبب لا تحدث ترددات داخل القصيدة، بل نرى إيقاعا ثابتا للغة، في انتظار مفارقة ما أو غرابة للنص أو قوة للفكرة. فاللغة تصف، أكثر من كونها جزءا متحركا حيويا يعيش تحولات القصيدة، وهذه النثرية المفرطة تلغي هذا المكان الآخر/ المشهد/ المرجع البعيد الغائب، والذي يعد أحد قطبي حركة القصيدة، وتشغل مكانه بالتفريعات أو بالتزيّد.
يتحدث خالد عن أسباب تغيّر شكل القصيدة النثرية الجديدة عنها في السابق، ويقول إن هذا السرد المفتوح غيَّب معه الشكل القصصي الذي كان يسم القصيدة من قبل، أو فكرة "المشهد الشعري" الذي يميل أكثر إلى الوصف السينمائي، وحدث نوع من السيولة الأوسع للذات التي تبنى عليها شعريتها. ربما اتساع العالم من حول هذه الذات أوجد هذا الفراغ وغيَّر الحساسية وألغى حدود "المشهد". ويمكن أن نرى في هذا التغير وجهاً إيجابياً كونه يعود بالفكرة الشعرية إلى مصدر صاف خاص بها، وإن كان لم يتحقق هنا، فهو في سبيله إلى هذا، ولكنه ما زال عالقا أيضا في الشكل، كما في المعنى.
يضيف خالد، أن هناك رغبة في القصيدة الجديدة في صنع لغة محايدة من دون مجاز جزئي، لكنه مجاز يشمل القصيدة ككل. اللغة وصفية تقريرية، حتى ولو غاب "المشهد الشعري"، فهناك مشهدية داخل الذات أو خارجها، يتم وصفها شعريا، مع ندرة التركيبات البلاغية، والتحولات الأسلوبية، أو الغوص داخل معنى غامض؛ فالغموض في هذه القصائد ليس من عراك اللغة مع اللاوعي، بقدر ما هو ضبابية المشهد الشعري على صاحبه.
غياب المرجع
يرى خالد أن هناك غيابا حاليا في القصيدة الجديدة للمرجع الديني/ السلطوي/ الثقافي/ العائلي/ الأبوي/ "التابو بشكل عام"، وبالتالي غياب مفهوم التنوير بشكله القديم، وأصبح "المرجع" هو الحياة/ العالم، باتساعه وتشتته وعدميته، وهي قصيدة لا تعايش تابوهات كالجنس أو الدين، وتمثل عالم ما بعد التابوهات. ليس معنى هذا تجاوزها للتابوهات، ولكنها ليست من أولويات هذه القصيدة، لأن اتساع مشهد العالم والذات جعل من المستحيل تحديد نقاط أو أهداف محددة للتحرر الشخصي، وهو جزء فارق عن كتابة التسعينيات وما قبلها. بالإضافة إلى أن الجسد ليس مكان صراع أو تحقق أو تحرر، كما في قصيدة التسعينيات، الجسد هنا ليس له أي تمثيل ثقافي.

تحضر في القصائد الجديدة، من وجهة نظر خالد، بعض المراجع العائلية كالأب والأم، بما تحمله من ترميز سلطوي، ولكنه يشكل إيقاعا خافتا في القصائد، وأحيانا يتم التماهي والتعايش معه. فالعائلة لم تعد تشكل سلطة واضحة، والذات ليست مفصولة عن الكتابة، والقصيدة تمثل مكانا للتداخل بين التجربة الشخصية والجماعية والتبادل فيما بينهما. وتحديد العلاقة مع السلطة ليس من أولويات القصيدة. يضيف خالد، أنه ليس هناك تأكيد للذات أو للتجربة الفردية، والتي ربما هي الأخرى ذابت في المشهد الأوسع للحياة، ولكن ليس بشكل عبثي كما حدث أحيانا في التسعينيات، أو بشكل تنويري لغوي في السبعينيات، ولكن بسخرية ملتزمة لها حس أخلاقي وهي تراقب خراب العالم واتساعه من حولها.
التجربة الشخصية داخل الشعر الجديد الآن ذائبة في ثنايا "مشهد سائل" لم يتشكل بعد، يتسم بالغموض والتشتت وعدم القدرة على ضم هذا التبعثر والتجزيء. ربما هناك إحساس باللاجدوى غيَّب هذه الفردية وغيَّب معها فكرة المقاومة ذاتها.
أصبح للحياة الشخصية داخل القصيدة مجال ترميز واسع يصل إلى حدود التجريد السوريالي، هذا الاتساع حول الذات حوّلها إلى نموذج، بالرغم من أنها تسعى للتطابق مع نفسها بدون ادعاءات، وتتحرك من نفس موقعها القديم الهامشي المضاد للسلطة، لأن كل ما تقدر عليه هذه الذات الهامشية الحديثة هو الإزاحة وليس الانقلاب. كما أن هناك أحيانا تأكيدا على مفهوم الشاعر/ النص، كبديل عن الإنسان/ المجتمع. ويعتقد خالد أن هذه الخصيصة جاءت من شعر السبعينيات، ولكن بشكل عارض، تظهر معه أحيانا الرغبة في كتابة نص معرفي شعري ينحو إلى التحليل والتفلسف.

يستعيد خالد فكرة الزمن في القصائد الجديدة، ويقول إنه لا يوجد مكان للتذكر/ الماضي، حيث يعيش المرجع بشكل ما، إلا فيما ندر. ما يعني مواجهة الحاضر بثقله بدون لغة قادرة على المراوحة والقفز بين أزمنة شعرية غامضة، بالإضافة إلى ندرة حضور الزمن المستقبلي، كما كان في شعر التسعينيات، على سبيل المثال. ويشير هذا إلى معايشة الحاضر بدون أمل، بعد فقدان الأمل المرتبط بالتغيير. إذن الزمن هو واقع محض، لذا لا تحمل اللغة أي مثيرات تحفزها على القفز أو تجاوز المأزق. وفي بعض القصائد هناك تقلص للشريط الحيوي الذي يعمل عليه الشعر، بعد خروج الماضي/ التذكر، وأيضا المستقبل/ الحلم والذات غير المقاومة. يتبقى شريط ضيق لمغامرة اللغة والروح معا. ربما هذا الضيق هو سبب اللغة التقريرية أو بزوغ الحكمة الجاهزة، واختراع الأساطير والحكايات، وربما التمادي في الغرائبية، أو استخدام الترميز بشكل موسع. جميعها شكلت المنقذ من هذا الحصار الذي فرضه غياب الماضي والمستقبل معا.
تمرّد على المجال العام
يرى خالد أن القصيدة الجديدة بدأت في التمرد على المجال العام، وتجاهلته. ويذكر المدينة كمثال للمجال العام، ويقول المدينة غائبة داخل القصائد، ليس لها الحضور السابق في التسعينيات. ولكن هناك استعادة لعقود شعرية وفكرية أسبق، من خلال العودة إلى الطبيعة وحضور عوالمها مثل: الشجر، النهر، الطيور، الجبال، القوارب، المياه، البحار، الليل، النهار. وهو جزء من عالم الحكايات المستخدمة؛ فتجربة القصيدة تحدث وسط هذا العالم الطبيعي.
أما عن المرأة وحضورها، يقول خالد إن حضورها أكثر كثافة داخل القصائد الجديدة، ربما لقدرتها على التركيز على المكان الأصلي لحاجتها، والذي تقيم معه جدلها، وتشيد منه قصيدتها. فحضور الحب/ الصداقة/ الآخر، وكلها مراجع أصلية لها، هي المحرك لقصائدها. بالإضافة إلى ظهور الرجل في قصائدها كمشارك أو إنسان. بمعنى أن الاثنين تساويا بسبب قسوة واتساع العالم من حولهما، لتبدو فكرة النسوية غائبة في القصائد الجديدة.
من أكثر الشعراء العرب، الذي يعتقد خالد بسيطرة حضوره الرؤيوي على المشهد الشعري العربي الحالي، هو وديع سعادة. فكرته الجمالية المهجرية المتخلصة من السياقات الاجتماعية والمرجعية وكل أشكال الكتابة الثابتة كالمشهد أو الصورة، وجملته التي تحمل زمنا خاصا بها، هو ما حفظ له ولها البقاء. بالإضافة إلى ارتباطه بلحظة تاريخية لا يحكمها هدف، وتظهر فيها سيولة حقيقية في كل شيء، لأن شعريته لا تطرح عداء أو مضادة أو مقاومة، أو تدخل القارئ في صراع مع مرجع ما، لكنها شعرية صافية كأي تجربة وجودية حقيقية تقفز بك خارج الواقع المعيش بكل تعقيداته. تجربة استثنت حواجز كثيرة لكي تعبر من العدم.
علاء خالد، شاعر وروائي مصري، وأحد مؤسسي مجلة أمكنة في الإسكندرية، يعتبر من الأسماء المجددة في قصيدة النثر المصرية في الثمانينيات والتسعينيات. تتوزع كتاباته بين الشعر والنثر والمقالات، صدر له مؤخرا، عن دار الشروق، رواية بعنوان "أشباح بيت هاينريش بُل".
في هذا الحوار، يحاول خالد تتبّع مسار الشعر المصري الجديد، ورصد التحولات التي طرأت على قصيدة النثر في مصر، منذ السبعينيات حتى الآن، من حيث اللغة والبناء والأسلوب، ومحاولات تعاطيها مع العالم الخارجي.
في البداية، يتحدث خالد عن الشعر بشكل عام، ويقول إن الشعر حاليا في العالم كله معزول ويعيش فقط على منح التفرغ داخل الأكاديميات والجامعات، ولا يوجد ما يمثل شعرية عالمية، بالرغم من كونية الحياة الآن، ولكنها كونية لا تصنع نموذجا إنسانيا. فالفكرة أو المرجع المشترك تلاشى وسط هذا التجزيء للحياة، بالرغم من المشتركات العديدة التي صنعتها الميديا، ولكن أغلبها استهلاكية، أو تأتي من جهة الخوف. هذا التجزيء انعكس على الشعر؛ والشاعر الآن برغم اتصاله بسياق عالمي فهو منفصل، وبالتالي هناك سرد لتجربة ذاتية بلا أي مرجع داخلي أو خارجي. تجربة بها ضبابية مستقبلية، وانفصال عن الماضي. يمكن القول إنها تجربة ذاتية معلقة، ربما تعيش فقط داخل اللغة.
انحسار الوعي
لا يعتقد خالد أن إحدى مشكلات قصيدة النثر حاليا، هي الإفراط في النثرية، ولكن انحسار الوعي الذاتي داخل أداءات اضطرارية لا تولّد تنوعا أو تفردا في الأسلوب أو الشكل. الإفراط في النثرية، من وجهة نظره، جاء بسبب غياب المرجع الذاتي أو الجمعي، الذي يتم معه الجدل. فالجدل مع الشكل محسوم قبل أن تبدأ القصيدة. هذا الجدل مع المرجع الذاتي أو الجمعي هو الذي يمنح الشكل تفرّده. أحيانا هناك قصائد تقوم على شرح لمعنى واضح، أو تقوم بصياغة فلسفية لمشهد ومحاولة تأويله، وأحيانا تتبلور القصيدة بحكمة واضحة، أو بمدخل غرائبي أو حكائي، بينما قليلة هي القصائد التي تخرج من معنى غامض غير واضح يتم الجدل معه عبر القصيدة. ربما لهذا السبب لا تحدث ترددات داخل القصيدة، بل نرى إيقاعا ثابتا للغة، في انتظار مفارقة ما أو غرابة للنص أو قوة للفكرة. فاللغة تصف، أكثر من كونها جزءا متحركا حيويا يعيش تحولات القصيدة، وهذه النثرية المفرطة تلغي هذا المكان الآخر/ المشهد/ المرجع البعيد الغائب، والذي يعد أحد قطبي حركة القصيدة، وتشغل مكانه بالتفريعات أو بالتزيّد.
يتحدث خالد عن أسباب تغيّر شكل القصيدة النثرية الجديدة عنها في السابق، ويقول إن هذا السرد المفتوح غيَّب معه الشكل القصصي الذي كان يسم القصيدة من قبل، أو فكرة "المشهد الشعري" الذي يميل أكثر إلى الوصف السينمائي، وحدث نوع من السيولة الأوسع للذات التي تبنى عليها شعريتها. ربما اتساع العالم من حول هذه الذات أوجد هذا الفراغ وغيَّر الحساسية وألغى حدود "المشهد". ويمكن أن نرى في هذا التغير وجهاً إيجابياً كونه يعود بالفكرة الشعرية إلى مصدر صاف خاص بها، وإن كان لم يتحقق هنا، فهو في سبيله إلى هذا، ولكنه ما زال عالقا أيضا في الشكل، كما في المعنى.
يضيف خالد، أن هناك رغبة في القصيدة الجديدة في صنع لغة محايدة من دون مجاز جزئي، لكنه مجاز يشمل القصيدة ككل. اللغة وصفية تقريرية، حتى ولو غاب "المشهد الشعري"، فهناك مشهدية داخل الذات أو خارجها، يتم وصفها شعريا، مع ندرة التركيبات البلاغية، والتحولات الأسلوبية، أو الغوص داخل معنى غامض؛ فالغموض في هذه القصائد ليس من عراك اللغة مع اللاوعي، بقدر ما هو ضبابية المشهد الشعري على صاحبه.
غياب المرجع
يرى خالد أن هناك غيابا حاليا في القصيدة الجديدة للمرجع الديني/ السلطوي/ الثقافي/ العائلي/ الأبوي/ "التابو بشكل عام"، وبالتالي غياب مفهوم التنوير بشكله القديم، وأصبح "المرجع" هو الحياة/ العالم، باتساعه وتشتته وعدميته، وهي قصيدة لا تعايش تابوهات كالجنس أو الدين، وتمثل عالم ما بعد التابوهات. ليس معنى هذا تجاوزها للتابوهات، ولكنها ليست من أولويات هذه القصيدة، لأن اتساع مشهد العالم والذات جعل من المستحيل تحديد نقاط أو أهداف محددة للتحرر الشخصي، وهو جزء فارق عن كتابة التسعينيات وما قبلها. بالإضافة إلى أن الجسد ليس مكان صراع أو تحقق أو تحرر، كما في قصيدة التسعينيات، الجسد هنا ليس له أي تمثيل ثقافي.

تحضر في القصائد الجديدة، من وجهة نظر خالد، بعض المراجع العائلية كالأب والأم، بما تحمله من ترميز سلطوي، ولكنه يشكل إيقاعا خافتا في القصائد، وأحيانا يتم التماهي والتعايش معه. فالعائلة لم تعد تشكل سلطة واضحة، والذات ليست مفصولة عن الكتابة، والقصيدة تمثل مكانا للتداخل بين التجربة الشخصية والجماعية والتبادل فيما بينهما. وتحديد العلاقة مع السلطة ليس من أولويات القصيدة. يضيف خالد، أنه ليس هناك تأكيد للذات أو للتجربة الفردية، والتي ربما هي الأخرى ذابت في المشهد الأوسع للحياة، ولكن ليس بشكل عبثي كما حدث أحيانا في التسعينيات، أو بشكل تنويري لغوي في السبعينيات، ولكن بسخرية ملتزمة لها حس أخلاقي وهي تراقب خراب العالم واتساعه من حولها.
التجربة الشخصية داخل الشعر الجديد الآن ذائبة في ثنايا "مشهد سائل" لم يتشكل بعد، يتسم بالغموض والتشتت وعدم القدرة على ضم هذا التبعثر والتجزيء. ربما هناك إحساس باللاجدوى غيَّب هذه الفردية وغيَّب معها فكرة المقاومة ذاتها.
أصبح للحياة الشخصية داخل القصيدة مجال ترميز واسع يصل إلى حدود التجريد السوريالي، هذا الاتساع حول الذات حوّلها إلى نموذج، بالرغم من أنها تسعى للتطابق مع نفسها بدون ادعاءات، وتتحرك من نفس موقعها القديم الهامشي المضاد للسلطة، لأن كل ما تقدر عليه هذه الذات الهامشية الحديثة هو الإزاحة وليس الانقلاب. كما أن هناك أحيانا تأكيدا على مفهوم الشاعر/ النص، كبديل عن الإنسان/ المجتمع. ويعتقد خالد أن هذه الخصيصة جاءت من شعر السبعينيات، ولكن بشكل عارض، تظهر معه أحيانا الرغبة في كتابة نص معرفي شعري ينحو إلى التحليل والتفلسف.

يستعيد خالد فكرة الزمن في القصائد الجديدة، ويقول إنه لا يوجد مكان للتذكر/ الماضي، حيث يعيش المرجع بشكل ما، إلا فيما ندر. ما يعني مواجهة الحاضر بثقله بدون لغة قادرة على المراوحة والقفز بين أزمنة شعرية غامضة، بالإضافة إلى ندرة حضور الزمن المستقبلي، كما كان في شعر التسعينيات، على سبيل المثال. ويشير هذا إلى معايشة الحاضر بدون أمل، بعد فقدان الأمل المرتبط بالتغيير. إذن الزمن هو واقع محض، لذا لا تحمل اللغة أي مثيرات تحفزها على القفز أو تجاوز المأزق. وفي بعض القصائد هناك تقلص للشريط الحيوي الذي يعمل عليه الشعر، بعد خروج الماضي/ التذكر، وأيضا المستقبل/ الحلم والذات غير المقاومة. يتبقى شريط ضيق لمغامرة اللغة والروح معا. ربما هذا الضيق هو سبب اللغة التقريرية أو بزوغ الحكمة الجاهزة، واختراع الأساطير والحكايات، وربما التمادي في الغرائبية، أو استخدام الترميز بشكل موسع. جميعها شكلت المنقذ من هذا الحصار الذي فرضه غياب الماضي والمستقبل معا.
تمرّد على المجال العام
يرى خالد أن القصيدة الجديدة بدأت في التمرد على المجال العام، وتجاهلته. ويذكر المدينة كمثال للمجال العام، ويقول المدينة غائبة داخل القصائد، ليس لها الحضور السابق في التسعينيات. ولكن هناك استعادة لعقود شعرية وفكرية أسبق، من خلال العودة إلى الطبيعة وحضور عوالمها مثل: الشجر، النهر، الطيور، الجبال، القوارب، المياه، البحار، الليل، النهار. وهو جزء من عالم الحكايات المستخدمة؛ فتجربة القصيدة تحدث وسط هذا العالم الطبيعي.
أما عن المرأة وحضورها، يقول خالد إن حضورها أكثر كثافة داخل القصائد الجديدة، ربما لقدرتها على التركيز على المكان الأصلي لحاجتها، والذي تقيم معه جدلها، وتشيد منه قصيدتها. فحضور الحب/ الصداقة/ الآخر، وكلها مراجع أصلية لها، هي المحرك لقصائدها. بالإضافة إلى ظهور الرجل في قصائدها كمشارك أو إنسان. بمعنى أن الاثنين تساويا بسبب قسوة واتساع العالم من حولهما، لتبدو فكرة النسوية غائبة في القصائد الجديدة.
من أكثر الشعراء العرب، الذي يعتقد خالد بسيطرة حضوره الرؤيوي على المشهد الشعري العربي الحالي، هو وديع سعادة. فكرته الجمالية المهجرية المتخلصة من السياقات الاجتماعية والمرجعية وكل أشكال الكتابة الثابتة كالمشهد أو الصورة، وجملته التي تحمل زمنا خاصا بها، هو ما حفظ له ولها البقاء. بالإضافة إلى ارتباطه بلحظة تاريخية لا يحكمها هدف، وتظهر فيها سيولة حقيقية في كل شيء، لأن شعريته لا تطرح عداء أو مضادة أو مقاومة، أو تدخل القارئ في صراع مع مرجع ما، لكنها شعرية صافية كأي تجربة وجودية حقيقية تقفز بك خارج الواقع المعيش بكل تعقيداته. تجربة استثنت حواجز كثيرة لكي تعبر من العدم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.