يمتلك الناقد خيري دومة حساسية خاصة في التعامل مع النصوص وسبر أغوارها، إذ يقيم توازناً بين التنظير والتطبيق والتحليل. هو ورئيس قسم اللغة العربية في كلية الآداب في جامعة القاهرة، ومن أهم كتبه «تداخل الأنواع في القصة المصرية القصيرة»، «أنت، ضمير المخاطب في السرد العربي»، ودخل عالم الترجمة بسبعة كتب حتى الآن، منها «القصة، الرواية، المؤلف: دراسات في نظرية الأنواع الأدبية المعاصرة»، «الإمبراطورية ترد بالكتابة: آداب ما بعد الاستعمار بين النظرية والتطبيق»، «المتحدثون: الأدب وانفجار الحديث»، «مطاردة العلامات... علم العلامات والأدب والتفكيك».. هنا حوار معه: - مَن الأكثر تأثيراً في مشوارك الأكاديمي ولماذا؟ كثر جداً. وربما أظلم نفسي لو أشرتُ إلى ناقد أو كاتب واحد. كل مَن بذر فكرة صغيرة أرهفت حساسيتي لنصوص الأدب ترك أثراً لا ينمحي في تكويني الأكاديمي والعلمي والإنساني. أحب مثلاً طريقة عبدالمحسن طه بدر وسيد البحراوي في تطويع النصوص الأدبية المراوغة لمنظور كل منهما المنهجي. وأحب حساسية شكري عياد ولمحاته في تاريخ الأنواع الأدبية المختلفة من الأساطير إلى القصص القصيرة، ومن الأدب العربي إلى الآداب الأوروبية. وأحب ذكاء صلاح فضل وجابر عصفور في توظيف كل منهما أدواته النقدية لقراءة نص جديد. أحب لغة مصطفى ناصف التي تهوم وتقترب من المعنى لكنها لا تعطيك إياه أبداً. - ما مشروعك النقدي الذي تسعى لتحقيقه؟ - أنظر إلى مشروعي الأساسي في النقد باعتباره استكمالاً لما بدأه نقاد كبار مثل شكري عياد وعلي الراعي ورجاء النقاش. وأهم ملمح في هذا المشروع هو الوصول إلى القارئ العام - وربما المستمعين – ولكن من دون التخلي عن الأصول العلمية للنقد من ناحية وعن حساسية الناقد لنصوص الأدب الجميلة من ناحية ثانية، وعن قدرة النقد على التقييم من ناحية ثالثة. - ما رأيك في دور المركز القومي للترجمة، وهل يقوم بالدور المنوط به، وماذا ينقصه حتى يقوم بدورة على الوجه الأمثل؟ ما من شك أن هذا الكيان الذي ولد من وقت قريب نسبياً لعب دوراً كبيراً في مشروع اللحاق بما يقدمه العالم من فنون وآداب وعلوم، وهي مهمة ما كان لها أن تتم لولا همة القائمين على فكرة إنشائه. وهو يحتاج في رأيي إلى إعادة إنشاء ككثير من مؤسساتنا المهمة التي ضربتها البيروقراطية والشللية والتوظيف القائم على منطق القبيلة قبل أي منطق آخر. - يتعرض النقد العربي لانتقاد شديد، ويراه البعض أنه لا يواكب الحركة الإبداعية، وغير قادر على توجيهها، فكيف ترد على ذلك؟ النقد يستحق، من غير شك، كل ما يوجه إليه من هجوم، لأنه غارق في مشكلات تقنية من ناحية ومشكلات ادعاء المعرفة الصعبة من ناحية أخرى، بينما تضيع نصوص الأدب الجميلة الكثيرة التي تملأ الساحة من دون أن يتابعها أو يراها أحد في سياقها الأوسع. المؤسسات النقدية في بلادنا تتعرض إلى خطر داهم وتتوزعها الهموم من كل اتجاه. ووسائل الإعلام الجديدة أكلت المساحة المتاحة للناقد الأدبي ووضعت وظيفته في مكان التابع البائس. - هل النقد الأكاديمي في برج عاجٍ وغير مشتبك مع الحياة الإبداعية، منفصل عنها، وإن كان ذلك صحيحاً فكيف يمكن تغيير هذا الوضع؟ النقد الأكاديمي في النهاية أحد أنواع النقد. ودوره قائم على التأصيل والتعمق في دراسة الظواهر الأدبية، واكتشاف طرق جديدة في دراستها، وعبور أسوار الأكاديمية إلى مجال عام محفوف بالمخاطر. هو ضروري، لأنه يسمح للمنهج أن يقوم بدوره في دراسة الظواهر وتقييمها، لكنه يحتاج بالطبع إلى مواهب خاصة في مخاطبة القارئ العام ومغازلة اهتماماته غير الأكاديمية. - يطالب البعض بإلغاء درجة أستاذ متفرغ بوصفها «تحايلاً» على القانون، على أن تتعاقد الجامعة مع مَن ترى أنها في حاجة إلى خبراتهم؟ تقوم المعرفة العلمية، خصوصاً في حالة العلوم الاجتماعية والإنسانية، على التراكم، فالجديد فيها لا يلغي القديم وإنما يبني عليه ويطوره وربما ينقلب عليه في النهاية، وهو أمر لازم لتطور العلم. ولهذا فوجود أساتذة كبار يملكون خبرة ممتدة هو أمر ضروري جداً في تكوين الباحثين والأجيال الجديدة من الدارسين. الشرط الوحيد ألا يتجمد هؤلاء الكبار وأن يكونوا منفتحين على هذه الأجيال الشابة وقادرين على إدراك قانون الزمن المتغير. - هل تعريب التعليم في مصر يصب في صالح اللغة العربية؟ تعريب العلوم يصب بالتأكيد في صالح اللغة العربية، ولكن تكمن المشكلة في آلية تنفيذ ذلك، فاستخدام اللغة العربية في الجامعة أو في العلوم الطبيعية له حسنات كبيرة جداً، حيث يجعل العربية قادرة على استيعاب المصطلحات الأجنبية، والتعبير عن المشكلات الدقيقة للعلوم، لكن مَن يفعلون ذلك يواجهون مشكلة في التواصل مع العالم، والعلماء المصريون متفوقون على مستوى العالم لأنهم يستخدمون في العلوم الطبيعية اللغة الإنكليزية. - هل الجامعات الحكومية في مصر مهدّدة في وجودها في ظل تزايد أعداد الجامعات الخاصة؟ التعليم الخاص تشرف عليه الدولة من بعيد ويشرف هو على نفسه، ويتقدم ويطور الطلبة. أولادنا نحب أن نعلمهم في مدارس خاصة، لأن المدارس الحكومية لم تعد موجودة، فالطلاب لا يذهبون إليها ولا المدرسون. المدرسة تركت حتى تموت. وهذا يحدث في جامعة القاهرة، والجامعات الحكومية، بسبب مزاحمة الجامعات الخاصة. البلد لا يريد أن يصرف على الجامعات الحكومية وبات من الأفضل أن يعلم الأهالي أبناءهم في جامعات خاصة. - لك سبعة كتب مترجمة مهمة عن النقد عامة، فما الذي شدّك إلى عالم الترجمة؟ الترجمة كانت علامة مضيئة في قسم اللغة العربية بدءاً من طه حسين وسهير القلماوي. الأسماء الكبيرة من قسم اللغة العربية برزت لأنها اتصلت باللغات الثانية، وعرفت مكانتها في العالم. ومن هذا المنطلق عملتُ في المركز القومي للترجمة لسنوات، وأنا مستمتع جداً بالتعامل مع عالم الترجمة، ومعرفة كيف يفكر العالم في المشكلات التي نفكر فيها، وإذا لم تعرف كيف يفكر العالم ستظل منغلقاً على نفسك. لديَّ مشاريع كبيرة في الترجمة. - هل هناك سمة موحدة يشترك فيها الأدب العربي؟ الشفوية هي الأصل، في الأدب العربي. وفي الحقيقة الأدب العربي هو لون من الأدب الشفوي. الشعر كان يروى وبعد ذلك يجمع في دواوين، وكذا الحكايات والأخبار، والمقامات. البعد الشفوي في الإبداع العربي حيوي وحيوي جداً في الأدب العربي، وألف ليلة وليلة نموذج رئيسي للأدب الشفوي العربي، الآداب الحديثة العربية ظلت متأثرة بالبعد الشفوي حتى الآن، فعلى سبيل المثال قصص يوسف إدريس، محمد المخزني قائمة على الظل الشفوي في حديثهم، فالسارد يحنو على قارئه ويحدث جمهوره ويتفاعل معهم، والأعمال التي خرجت من نطاق الشفوية كان تأثيرها أقل، لأننا بنينا طوال التاريخ على أننا مستمعين، متأثرين جدًا بالصوت، فكل الكتابة العربية القديمة مبنية على الشفوية. - وهل ذلك سبب أن كل النصوص العربية نصوص مفتوحة؟ بالضبط، فألف ليلة وليلة كان من الممكن أن تصبح أكثر من حجمها أكثر من 100 مرة، لأنها قابلة للإضافة، وكذا المقامات التي يختلف في عددها لأنها قابلة الإضافة، وسبب ذلك الظل الشعبي في أدبنا. وهناك تخصص خطير جداً في قسم اللغة العربية يجب أن يحيا في شكل مختلف تماماً هو الأدب الشعبي، الذي بإمكانه أن يدرس هذه الظاهرة في أدبنا، ولماذا نصوصنا مفتوحة، كل الكتب مفتوحة الجوانب قابلة للإضافة، وهذه استراتيجية كبيرة جداً في الأدب العربي، فهذه الخاصية لم تؤثر في أدبنا فقط بل أثرت في أدب العالم، فكتاب أميركا اللاتينية أخذوا هذه الخاصية من الأدب العربي، ليس فقط العالم السحري، وإنما في الروايات المفتوحة، والسرد الذي ليس له حبكة مغلقة، ويستوعب. وهذه الخاصية يجب أن تحترم وتدرس بعناية. وأدعو زملائي في الأدب القديم إلى التركيز على هذا البعد، وكيف أغلق هذه الأدب في هذا الشكل وكيف كان قبل عملية التدوين والغلق، فمنطقة الشفوية إن لم يعمل فيها الخيال لن تأتي بجديد، فالأدب العربي أكثر الآداب العالمية شفاهة. - إذاً ما زال مفهومنا عن الأدب الشعبي قاصراً؟ نعم، لدينا مفهوم قاصر للأدب الشعبي فالأدب الشعبي يشمل المعلقات، والأدب القديم ينتمي إلى هذه الزاوية ولا يجب أن ينظر إليه على أنه أدب رسمي يحقق فقط، فهذا لن يكشف لنا كيف كان هذا الأدب الرسمي قبل التدوين، ففكرة اختلاف الروايات في القصيدة الواحدة آثار من الشفوية، التي تظهر حتى في عناوين مصادرنا العربية مثل «الأغاني» مصنف الأصبهاني التي من الممكن أن تكون ألف وأكثر، المقامات، ألف ليلة وليلة، والخيال مفتوح على أكثر من ألف ليلة وليلة، كتب الرسائل، الأخبار، العقد الفريد، وفكرة العقد، فالحلقات العقد يمكن أن تنتهي في مسافة صغيرة ويمكن ألا تنتهي، والأصبهاني جامع لا مؤلف، فالأدب العربي أدب شفوي جمع بطريقة معينة تدخل فيها الجامعون إضافة وحذفاً. يمتلك الناقد خيري دومة حساسية خاصة في التعامل مع النصوص وسبر أغوارها، إذ يقيم توازناً بين التنظير والتطبيق والتحليل. هو ورئيس قسم اللغة العربية في كلية الآداب في جامعة القاهرة، ومن أهم كتبه «تداخل الأنواع في القصة المصرية القصيرة»، «أنت، ضمير المخاطب في السرد العربي»، ودخل عالم الترجمة بسبعة كتب حتى الآن، منها «القصة، الرواية، المؤلف: دراسات في نظرية الأنواع الأدبية المعاصرة»، «الإمبراطورية ترد بالكتابة: آداب ما بعد الاستعمار بين النظرية والتطبيق»، «المتحدثون: الأدب وانفجار الحديث»، «مطاردة العلامات... علم العلامات والأدب والتفكيك».. هنا حوار معه: - مَن الأكثر تأثيراً في مشوارك الأكاديمي ولماذا؟ كثر جداً. وربما أظلم نفسي لو أشرتُ إلى ناقد أو كاتب واحد. كل مَن بذر فكرة صغيرة أرهفت حساسيتي لنصوص الأدب ترك أثراً لا ينمحي في تكويني الأكاديمي والعلمي والإنساني. أحب مثلاً طريقة عبدالمحسن طه بدر وسيد البحراوي في تطويع النصوص الأدبية المراوغة لمنظور كل منهما المنهجي. وأحب حساسية شكري عياد ولمحاته في تاريخ الأنواع الأدبية المختلفة من الأساطير إلى القصص القصيرة، ومن الأدب العربي إلى الآداب الأوروبية. وأحب ذكاء صلاح فضل وجابر عصفور في توظيف كل منهما أدواته النقدية لقراءة نص جديد. أحب لغة مصطفى ناصف التي تهوم وتقترب من المعنى لكنها لا تعطيك إياه أبداً. - ما مشروعك النقدي الذي تسعى لتحقيقه؟ - أنظر إلى مشروعي الأساسي في النقد باعتباره استكمالاً لما بدأه نقاد كبار مثل شكري عياد وعلي الراعي ورجاء النقاش. وأهم ملمح في هذا المشروع هو الوصول إلى القارئ العام - وربما المستمعين – ولكن من دون التخلي عن الأصول العلمية للنقد من ناحية وعن حساسية الناقد لنصوص الأدب الجميلة من ناحية ثانية، وعن قدرة النقد على التقييم من ناحية ثالثة. - ما رأيك في دور المركز القومي للترجمة، وهل يقوم بالدور المنوط به، وماذا ينقصه حتى يقوم بدورة على الوجه الأمثل؟ ما من شك أن هذا الكيان الذي ولد من وقت قريب نسبياً لعب دوراً كبيراً في مشروع اللحاق بما يقدمه العالم من فنون وآداب وعلوم، وهي مهمة ما كان لها أن تتم لولا همة القائمين على فكرة إنشائه. وهو يحتاج في رأيي إلى إعادة إنشاء ككثير من مؤسساتنا المهمة التي ضربتها البيروقراطية والشللية والتوظيف القائم على منطق القبيلة قبل أي منطق آخر. - يتعرض النقد العربي لانتقاد شديد، ويراه البعض أنه لا يواكب الحركة الإبداعية، وغير قادر على توجيهها، فكيف ترد على ذلك؟ النقد يستحق، من غير شك، كل ما يوجه إليه من هجوم، لأنه غارق في مشكلات تقنية من ناحية ومشكلات ادعاء المعرفة الصعبة من ناحية أخرى، بينما تضيع نصوص الأدب الجميلة الكثيرة التي تملأ الساحة من دون أن يتابعها أو يراها أحد في سياقها الأوسع. المؤسسات النقدية في بلادنا تتعرض إلى خطر داهم وتتوزعها الهموم من كل اتجاه. ووسائل الإعلام الجديدة أكلت المساحة المتاحة للناقد الأدبي ووضعت وظيفته في مكان التابع البائس. - هل النقد الأكاديمي في برج عاجٍ وغير مشتبك مع الحياة الإبداعية، منفصل عنها، وإن كان ذلك صحيحاً فكيف يمكن تغيير هذا الوضع؟ النقد الأكاديمي في النهاية أحد أنواع النقد. ودوره قائم على التأصيل والتعمق في دراسة الظواهر الأدبية، واكتشاف طرق جديدة في دراستها، وعبور أسوار الأكاديمية إلى مجال عام محفوف بالمخاطر. هو ضروري، لأنه يسمح للمنهج أن يقوم بدوره في دراسة الظواهر وتقييمها، لكنه يحتاج بالطبع إلى مواهب خاصة في مخاطبة القارئ العام ومغازلة اهتماماته غير الأكاديمية. - يطالب البعض بإلغاء درجة أستاذ متفرغ بوصفها «تحايلاً» على القانون، على أن تتعاقد الجامعة مع مَن ترى أنها في حاجة إلى خبراتهم؟ تقوم المعرفة العلمية، خصوصاً في حالة العلوم الاجتماعية والإنسانية، على التراكم، فالجديد فيها لا يلغي القديم وإنما يبني عليه ويطوره وربما ينقلب عليه في النهاية، وهو أمر لازم لتطور العلم. ولهذا فوجود أساتذة كبار يملكون خبرة ممتدة هو أمر ضروري جداً في تكوين الباحثين والأجيال الجديدة من الدارسين. الشرط الوحيد ألا يتجمد هؤلاء الكبار وأن يكونوا منفتحين على هذه الأجيال الشابة وقادرين على إدراك قانون الزمن المتغير. - هل تعريب التعليم في مصر يصب في صالح اللغة العربية؟ تعريب العلوم يصب بالتأكيد في صالح اللغة العربية، ولكن تكمن المشكلة في آلية تنفيذ ذلك، فاستخدام اللغة العربية في الجامعة أو في العلوم الطبيعية له حسنات كبيرة جداً، حيث يجعل العربية قادرة على استيعاب المصطلحات الأجنبية، والتعبير عن المشكلات الدقيقة للعلوم، لكن مَن يفعلون ذلك يواجهون مشكلة في التواصل مع العالم، والعلماء المصريون متفوقون على مستوى العالم لأنهم يستخدمون في العلوم الطبيعية اللغة الإنكليزية. - هل الجامعات الحكومية في مصر مهدّدة في وجودها في ظل تزايد أعداد الجامعات الخاصة؟ التعليم الخاص تشرف عليه الدولة من بعيد ويشرف هو على نفسه، ويتقدم ويطور الطلبة. أولادنا نحب أن نعلمهم في مدارس خاصة، لأن المدارس الحكومية لم تعد موجودة، فالطلاب لا يذهبون إليها ولا المدرسون. المدرسة تركت حتى تموت. وهذا يحدث في جامعة القاهرة، والجامعات الحكومية، بسبب مزاحمة الجامعات الخاصة. البلد لا يريد أن يصرف على الجامعات الحكومية وبات من الأفضل أن يعلم الأهالي أبناءهم في جامعات خاصة. - لك سبعة كتب مترجمة مهمة عن النقد عامة، فما الذي شدّك إلى عالم الترجمة؟ الترجمة كانت علامة مضيئة في قسم اللغة العربية بدءاً من طه حسين وسهير القلماوي. الأسماء الكبيرة من قسم اللغة العربية برزت لأنها اتصلت باللغات الثانية، وعرفت مكانتها في العالم. ومن هذا المنطلق عملتُ في المركز القومي للترجمة لسنوات، وأنا مستمتع جداً بالتعامل مع عالم الترجمة، ومعرفة كيف يفكر العالم في المشكلات التي نفكر فيها، وإذا لم تعرف كيف يفكر العالم ستظل منغلقاً على نفسك. لديَّ مشاريع كبيرة في الترجمة. - هل هناك سمة موحدة يشترك فيها الأدب العربي؟ الشفوية هي الأصل، في الأدب العربي. وفي الحقيقة الأدب العربي هو لون من الأدب الشفوي. الشعر كان يروى وبعد ذلك يجمع في دواوين، وكذا الحكايات والأخبار، والمقامات. البعد الشفوي في الإبداع العربي حيوي وحيوي جداً في الأدب العربي، وألف ليلة وليلة نموذج رئيسي للأدب الشفوي العربي، الآداب الحديثة العربية ظلت متأثرة بالبعد الشفوي حتى الآن، فعلى سبيل المثال قصص يوسف إدريس، محمد المخزني قائمة على الظل الشفوي في حديثهم، فالسارد يحنو على قارئه ويحدث جمهوره ويتفاعل معهم، والأعمال التي خرجت من نطاق الشفوية كان تأثيرها أقل، لأننا بنينا طوال التاريخ على أننا مستمعين، متأثرين جدًا بالصوت، فكل الكتابة العربية القديمة مبنية على الشفوية. - وهل ذلك سبب أن كل النصوص العربية نصوص مفتوحة؟ بالضبط، فألف ليلة وليلة كان من الممكن أن تصبح أكثر من حجمها أكثر من 100 مرة، لأنها قابلة للإضافة، وكذا المقامات التي يختلف في عددها لأنها قابلة الإضافة، وسبب ذلك الظل الشعبي في أدبنا. وهناك تخصص خطير جداً في قسم اللغة العربية يجب أن يحيا في شكل مختلف تماماً هو الأدب الشعبي، الذي بإمكانه أن يدرس هذه الظاهرة في أدبنا، ولماذا نصوصنا مفتوحة، كل الكتب مفتوحة الجوانب قابلة للإضافة، وهذه استراتيجية كبيرة جداً في الأدب العربي، فهذه الخاصية لم تؤثر في أدبنا فقط بل أثرت في أدب العالم، فكتاب أميركا اللاتينية أخذوا هذه الخاصية من الأدب العربي، ليس فقط العالم السحري، وإنما في الروايات المفتوحة، والسرد الذي ليس له حبكة مغلقة، ويستوعب. وهذه الخاصية يجب أن تحترم وتدرس بعناية. وأدعو زملائي في الأدب القديم إلى التركيز على هذا البعد، وكيف أغلق هذه الأدب في هذا الشكل وكيف كان قبل عملية التدوين والغلق، فمنطقة الشفوية إن لم يعمل فيها الخيال لن تأتي بجديد، فالأدب العربي أكثر الآداب العالمية شفاهة. - إذاً ما زال مفهومنا عن الأدب الشعبي قاصراً؟ نعم، لدينا مفهوم قاصر للأدب الشعبي فالأدب الشعبي يشمل المعلقات، والأدب القديم ينتمي إلى هذه الزاوية ولا يجب أن ينظر إليه على أنه أدب رسمي يحقق فقط، فهذا لن يكشف لنا كيف كان هذا الأدب الرسمي قبل التدوين، ففكرة اختلاف الروايات في القصيدة الواحدة آثار من الشفوية، التي تظهر حتى في عناوين مصادرنا العربية مثل «الأغاني» مصنف الأصبهاني التي من الممكن أن تكون ألف وأكثر، المقامات، ألف ليلة وليلة، والخيال مفتوح على أكثر من ألف ليلة وليلة، كتب الرسائل، الأخبار، العقد الفريد، وفكرة العقد، فالحلقات العقد يمكن أن تنتهي في مسافة صغيرة ويمكن ألا تنتهي، والأصبهاني جامع لا مؤلف، فالأدب العربي أدب شفوي جمع بطريقة معينة تدخل فيها الجامعون إضافة وحذفاً.