أوكرانيا تطالب روسيا بتعويضات مناخية بقيمة 43 مليار دولار في كوب 30    ترامب: جميع دول العالم ترغب في الانضمام إلى مجلس السلام حول غزة    بحضور ماسك ورونالدو، ترامب يقيم عشاء رسميا لولي العهد السعودي (فيديو)    ترتيب الدوري الإيطالي قبل انطلاق الجولة القادمة    شبانة: الأهلي أغلق باب العودة أمام كهربا نهائيًا    نمو الطلب على السلع المصنعة في أمريكا خلال أغسطس    "الوطنية للانتخابات": إلغاء نتائج 19 دائرة سببه مخالفات جوهرية أثرت على إرادة الناخب    "النواب" و"الشيوخ" الأمريكي يصوتان لصالح الإفراج عن ملفات إبستين    فرحات: رسائل السيسي ترسم ملامح برلمان مسؤول يدعم الدولة    شمال سيناء تنهي استعداداتها لانتخابات مجلس النواب 2025    النيابة العامة تُحوِّل المضبوطات الذهبية إلى احتياطي إستراتيجي للدولة    أقرب إلى الخلع، وزير الآثار الأسبق يكشف مفاجآت عن وثيقة الجواز والطلاق في عصر الفراعنة    انقلاب جرار صيانة في محطة التوفيقية بالبحيرة.. وتوقف حركة القطارات    نشأت الديهي: لا تختاروا مرشحي الانتخابات على أساس المال    مصرع شاب وإصابة اثنين آخرين في انقلاب سيارتي تريلا بصحراوي الأقصر    ما هي أكثر الأمراض النفسية انتشارًا بين الأطفال في مصر؟.. التفاصيل الكاملة عن الاضطرابات النفسية داخل مستشفيات الصحة النفسية    مصرع شاب وإصابة اثنين في انقلاب سيارتي تريلا بالأقصر    إحالة مخالفات جمعية منتجي الأرز والقمح للنيابة العامة.. وزير الزراعة يكشف حجم التجاوزات وخطة الإصلاح    النائب العام يؤكد قدرة مؤسسات الدولة على تحويل الأصول الراكدة لقيمة اقتصادية فاعلة.. فيديو    في ذكرى رحيله.. أبرز أعمال مارسيل بروست التي استكشفت الزمن والذاكرة والهوية وطبيعة الإنسان    معرض «الأبد هو الآن» يضيء أهرامات الجيزة بليلة عالمية تجمع رموز الفن والثقافة    أبرزهم أحمد مجدي ومريم الخشت.. نجوم الفن يتألقون في العرض العالمي لفيلم «بنات الباشا»    سويسرا تلحق بركب المتأهلين لكأس العالم 2026    جميع المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم 2026    شجار جماعي.. حادثة عنف بين جنود الجيش الإسرائيلي ووقوع إصابات    قوات الاحتلال تطرد عائلة الشهيد صبارنة من منزلها وتغلقه    وزير الدفاع الروسي: قوات الصواريخ والمدفعية تلعب الدور الحاسم في تدمير العدو    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    إنهاء تعاقد مُعلم في نجع حمادي بتهمة التعدي على تلميذ    عاجل مستشار التحول الرقمي: ليس كل التطبيقات آمنة وأحذر من استخدام تطبيقات الزواج الإلكترونية الأجنبية    أحمد موسى: الرئيس دائمًا يؤكد قيمة الوحدة الوطنية.. ودعم البوتاجاز مثال على اهتمام الدولة    الأحزاب تتوحد خلف شعار النزاهة والشفافية.. بيان رئاسي يهز المشهد الانتخابي    وزارة الاتصالات تنفذ برامج تدريبية متخصصة في الأمن السيبراني على مستوى 14 محافظة    آسر نجل الراحل محمد صبري: أعشق الزمالك.. وأتمنى أن أرى شقيقتي رولا أفضل مذيعة    أسامة كمال: الجلوس دون تطوير لم يعد مقبولًا في زمن التكنولوجيا المتسارعة    دينا محمد صبري: كنت أريد لعب كرة القدم منذ صغري.. وكان حلم والدي أن أكون مهندسة    الفنانون يدعمون تامر حسنى فى أزمته الصحية.. هنا الزاهد ودياب: تقوم بالسلامة    أحمد الشناوي: الفار أنقذ الحكام    زيورخ السويسري يرد على المفاوضات مع لاعب الزمالك    تحريات لكشف ملابسات العثور على جثة شخص في الطالبية    أحمد فؤاد ل مصطفى محمد: عُد للدورى المصرى قبل أن يتجاوزك الزمن    جامعة طيبة التكنولوجية بالأقصر تطلق مؤتمرها الرابع لشباب التكنولوجيين منتصف ديسمبر    فضيحة الفساد في كييف تُسقط محادثات ويتكوف ويرماك في تركيا    مشروبات طبيعية تساعد على النوم العميق للأطفال    وزير المالية: مبادرة جديدة لدعم ريادة الأعمال وتوسيع نظام الضريبة المبسطة وحوافز لأول 100 ألف مسجل    فيلم وهم ل سميرة غزال وفرح طارق ضمن قائمة أفلام الطلبة فى مهرجان الفيوم    طيران الإمارات يطلب 65 طائرة إضافية من بوينغ 777X بقيمة 38 مليار دولار خلال معرض دبي للطيران 2025    «مصر العليا للكهرباء»: 4.3 مليار جنيه مشروعات للغير وفائض تشغيل كبير    مديرة وحدة علاج الاضطرابات النفسية تحذر من الآثار السلبية للتنمر على نفسية الطفل    هيئة الدواء: نعتزم ضخ 150 ألف عبوة من عقار الديجوكسين لعلاج أمراض القلب خلال الفترة المقبلة    "تعليم القاهرة" تشدد على أهمية تطبيق لائحة التحفيز التربوي والانضباط المدرسي    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    هل يجوز أداء العشاء قبل الفجر لمن ينام مبكرًا؟.. أمين الفتوى يجيب    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    الشيخ رمضان عبد المعز يبرز الجمال القرآني في سورة الأنبياء    التنسيقية تنظم رابع صالون سياسي للتعريف ببرامج المرشحين بالمرحلة الثانية لانتخابات النواب    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر: مقارنة المهور هي الوقود الذي يشعل نيران التكلفة في الزواج    كيف يحدث هبوط سكر الدم دون الإصابة بمرض السكري؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"جبريل".. فيلم ألماني عن علاقة حب عربية جريئة
نشر في صوت البلد يوم 08 - 03 - 2018

من ضمن عروض مهرجان برلين السينمائي ال68 المنتهي حديثا، قدمت المخرجة الألمانية الشابة هنريكا كول ضمن قسم “بانوراما” فيلمها الروائي الطويل الأول “جبريل”، بحضور جمهور ألماني غفير، وهو فيلم جريء في مشاهده الحميمة وفكرته أيضا.
يصعب كثيرا معرفة الدافع الذي جعل المخرجة الألمانية الشابة هنريكا كول (34 سنة) تختار موضوع فيلمها الروائي الطويل الأول “جبريل”، الذي شاهدناه في عروض قسم “بانوراما” بمهرجان برلين السينمائي.
الفيلم كما يوحي عنوانه ذو الاسم العربي، لا علاقة له بموضوع الساعة في أوروبا والعالم، أي الإرهاب أو تجنيد الأوروبيات في صفوف التنظيمات المتطرفة مثل “داعش” وأمثالها، وهو ما تضمّنه فيلم آخر في “بانوراما”، هو فيلم “بروفايل” لمخرجه الكازخستاني تيمور بيكمامبيتوف، بل إن البطولة الحقيقية للفيلم أو الشخصية التي تستولي على المساحة الأكبر منه، هي شخصية فتاة عربية شابة، أو بالأحرى امرأة مطلقة، هي “مريم” التي ترعى بناتها الثلاث ووالدتها العجوز، وهي مقيمة في ألمانيا، متمكنة من اللغتين الألمانية والعربية، لديها عمل ما، تدبّر أمور المنزل مع والدتها، تجد وقتا للذهاب إلى الحفلات التي تقيمها صديقاتها.
نراها في المشهد الأول من الفيلم منطلقة، حاسرة الرأس، ينسدل شعرها الطويل الأسود على ظهرها، ترقص على إيقاعات الموسيقى دلالة على تحرّرها من الصورة السائدة التقليدية للمرأة العربية.
بحث مريم
عن ماذا تبحث مريم؟ ماذا تريد بالضبط وقد تركت وراءها في المنزل بناتها الثلاث؟ لا شك أنها تشعر بالوحدة، بالرغبة، بالحرمان، تقضي ساعات الليل وحدها أمام شاشة التلفزيون، تشاهد المسلسلات العاطفية المصرية وتتقلّب في فراشها.
ذات يوم يطلب منها زوجان من أصدقائها توصيل طرد ما إلى صديق لهما في السجن، فهما ذاهبان في عطلة لزيارة الأهل في لبنان، تقبل مريم ببساطة، وعندما تذهب إلى السجن، تلتقي ب”جبريل” وهو شاب عربي الأصل، وسيم، يذكرها بأنه سبق أن شاهدها قبل فترة في ذلك الحفل الذي رأيناه في بداية الفيلم، وأنه أعجب بها منذ ذلك الحين.
وتتكرّر زيارات مريم إلى جبريل الذي يقضي حكما بالسجن لسنوات، لكننا لا نعرف ما طبيعة التهمة التي أدين بها، وليس مهما أن نعرف، بل يكفي أنه ليس مدانا في إحدى قضايا الإرهاب، ربما يكون قد انحرف ومارس السرقة، فهو لم يكمل تعليمه الثانوي، لكنه رغم ذلك يبدي ذات مرة رغبته في الدراسة العليا. إنه على النقيض من مريم التي تبدو قابضة على مصيرها بنفسها، لكنها الآن بدأت تفقد توازنها بشكل أو آخر، فهي قد وقعت ببساطة في الحب، ذلك الحب المستحيل، مع شاب لا تعرفه جيدا، لا يمكنها أن تراه سوى في زيارات قصيرة تحت ظروف معينة تخضع لقواعد السجون، كيف يمكن لمثل هذه العلاقة الغريبة أن تستمر؟
يحصل جبريل بطريقة ما على جهاز هاتف محمول يتم تهريبه له داخل السجن، يصبح الوسيلة الأساسية في التواصل اليومي مع مريم، وعندما تأتي هي لزيارته، تتلامس الأيدي، يختلس العاشقان قبلة في حجرة الزيارة، يعود بعدها إلى زنزانته، وتعود هي إلى بيتها، يمارس الاثنان الاستمناء تلذّذا بتوهّم ملامسة الآخر في الظلام تحت الفراش.
هل يمكن أن يستمر الأمر على هذا الحال؟ المخرجة تقسم فيلمها إلى أقسام حسب فصول السنة، وعندما يحل الخريف، يتشاجر جبريل ومريم، هو يفقد أعصابه بفعل تجربة السجن القاسية مهما توفرت الأشياء الأساسية، ثم يزداد الأمر قسوة عندما يكتشف حراس السجن وجود الهاتف المحمول في حوزته، وهو من الممنوعات في السجن، فيصادرونه ويتم استجوابه وإعادة النظر في موقفه.
وبعد أن كان قد حصل على فترة يوضع خلالها تحت الاختبار تمهيدا لإطلاق سراحه نتيجة لحسن سيرته وسلوكه داخل السجن، تلغى هذه الفترة وتمتد فترة سجنه فيسقط في الإحباط.
والفيلم يقول إن هناك دائما أملا ما رغم الواقع المستحيل، وأن الإنسان يمكنه أن يخترق الصعاب ويجعلها ممكنة، “دعنا نتزوج”.. تهمس مريم بهذه العبارة ويتلقفها هو ويعيد التفكير فيها ويقبلها، وبعد فترة تبدأ المراسم: من السجن حيث يوجد جبريل من ناحية، ومن منزل مريم من ناحية أخرى.. عبر الهاتف، في أغرب عملية زواج يمكن أن تشاهدها في السينما وفي الواقع بالطبع. ويحضر الشيخ الذي يعقد القران إلى منزل مريم بينما تشعر والدتها بالاستياء الشديد، فهي تعتبر تصرّف ابنتها نوعا من الجنون، إذ تقول لها “لقد تخلصنا من قبل من رجل وغد -إشارة إلى طلاق مريم من زوجها السابق- وأنت الآن تكرّرين الخطأ نفسه!”.
عن الأسلوب
الجميع في بيت مريم في انتظار رنين الهاتف، ثم يأتي الاتصال من قبل جبريل من داخل السجن، وتتم المراسم على هذا النحو ثم تخلي لهما سلطات السجن في ما بعد، غرفة للاختلاء معا، يحضر جبريل الطعام ويقوم بطهيه وإعداده بنفسه.. يرتبكان أولا، ثم يمارسان الحب في مشهد مركب، بحيث يتناقض تماما مع الصورة العربية المتحفظة لمشاهد الفراش.
والحقيقة أن الفيلم بأسره محاولة لعرض الجانب الرومانسي في شخصيتي جبريل ومريم، كنموذجين للشباب العربي في ألمانيا، فمريم مثلا تجيد الألمانية، ولكنها تحتفظ بلغتها العربية، أما جبريل فيقول لها إن والده أراده أن يندمج بالكامل في المجتمع الألماني، لذا فقد حرم عليه وإخوته التحدث بالعربية.
كاميرا المصورة كارولينا شتاينبريتشر تركز معظم الوقت على وجهي الحبيبين في لقطات قريبة (كلوز أب) كما تركز على التلامس باليدين، على جانب من الوجه، على همسة ما، التفاتة من هنا أو من هناك.. تريد أن تعكس المشاعر، وتخترق النظرات إلى ما يعتمل في الصدور من مشاعر، ولكن الإفراط في اللقطات القريبة لوجه مريم حتى وهي مختلية بنفسها في منزلها يتناقض مع صورتها التي رأيناها في البداية كفتاة متحرّرة لا تعاني من القيود، ففي هذه اللقطات يشعر المشاهد بأن مريم أيضا سجينة داخل مشاعرها وداخل جسدها، بل وداخل حجرتها.
وفي أحد المشاهد نراها تتمايل على صوت الموسيقى وهي تدور في محيط المكان، بينما تظهر قضبان حديدية ضخمة في مقدّمة الصورة تحيط بها وتغلق عليها، فهل المقصود أن مريم أيضا سجينة تماما مثل جبريل؟ ولماذا اختارت المخرجة تجريد شخصية جبريل من ماضيها ومن علاقاتها الاجتماعية خارج السجن؟
ربما كانت الإجابة تكمن في الرغبة في تقديم قصة حب تبدو مستحيلة، لكنها تكتمل رغم ذلك بالزواج كما لو كان الاثنان بهذه الطريقة، يخلقان حريتهما بنفسيهما بغض النظر عن وجود الأسوار والقضبان، إنهما يبحثان عن التحقّق والحرية من خلال الحب.
والمخرجة هنريكا كول ولدت في بلاك فورست في ألمانيا عام 1984، ودرست علم الاجتماع في جامعة كولون، وبعد أن حصلت على شهادة الدبلوم في علم اجتماع السينما، درست الإنتاج السينمائي في معهد برلين للسينما والتلفزيون وتخرجت منه عام 2002، ومنذ 2014 بدأت تدرس الإخراج في جامعة بابلسبرغ، وخلال دراستها أخرجت عددا من الأفلام التسجيلية والقصيرة التي وجدت طريقها إلى بعض المهرجانات السينمائية.
من ضمن عروض مهرجان برلين السينمائي ال68 المنتهي حديثا، قدمت المخرجة الألمانية الشابة هنريكا كول ضمن قسم “بانوراما” فيلمها الروائي الطويل الأول “جبريل”، بحضور جمهور ألماني غفير، وهو فيلم جريء في مشاهده الحميمة وفكرته أيضا.
يصعب كثيرا معرفة الدافع الذي جعل المخرجة الألمانية الشابة هنريكا كول (34 سنة) تختار موضوع فيلمها الروائي الطويل الأول “جبريل”، الذي شاهدناه في عروض قسم “بانوراما” بمهرجان برلين السينمائي.
الفيلم كما يوحي عنوانه ذو الاسم العربي، لا علاقة له بموضوع الساعة في أوروبا والعالم، أي الإرهاب أو تجنيد الأوروبيات في صفوف التنظيمات المتطرفة مثل “داعش” وأمثالها، وهو ما تضمّنه فيلم آخر في “بانوراما”، هو فيلم “بروفايل” لمخرجه الكازخستاني تيمور بيكمامبيتوف، بل إن البطولة الحقيقية للفيلم أو الشخصية التي تستولي على المساحة الأكبر منه، هي شخصية فتاة عربية شابة، أو بالأحرى امرأة مطلقة، هي “مريم” التي ترعى بناتها الثلاث ووالدتها العجوز، وهي مقيمة في ألمانيا، متمكنة من اللغتين الألمانية والعربية، لديها عمل ما، تدبّر أمور المنزل مع والدتها، تجد وقتا للذهاب إلى الحفلات التي تقيمها صديقاتها.
نراها في المشهد الأول من الفيلم منطلقة، حاسرة الرأس، ينسدل شعرها الطويل الأسود على ظهرها، ترقص على إيقاعات الموسيقى دلالة على تحرّرها من الصورة السائدة التقليدية للمرأة العربية.
بحث مريم
عن ماذا تبحث مريم؟ ماذا تريد بالضبط وقد تركت وراءها في المنزل بناتها الثلاث؟ لا شك أنها تشعر بالوحدة، بالرغبة، بالحرمان، تقضي ساعات الليل وحدها أمام شاشة التلفزيون، تشاهد المسلسلات العاطفية المصرية وتتقلّب في فراشها.
ذات يوم يطلب منها زوجان من أصدقائها توصيل طرد ما إلى صديق لهما في السجن، فهما ذاهبان في عطلة لزيارة الأهل في لبنان، تقبل مريم ببساطة، وعندما تذهب إلى السجن، تلتقي ب”جبريل” وهو شاب عربي الأصل، وسيم، يذكرها بأنه سبق أن شاهدها قبل فترة في ذلك الحفل الذي رأيناه في بداية الفيلم، وأنه أعجب بها منذ ذلك الحين.
وتتكرّر زيارات مريم إلى جبريل الذي يقضي حكما بالسجن لسنوات، لكننا لا نعرف ما طبيعة التهمة التي أدين بها، وليس مهما أن نعرف، بل يكفي أنه ليس مدانا في إحدى قضايا الإرهاب، ربما يكون قد انحرف ومارس السرقة، فهو لم يكمل تعليمه الثانوي، لكنه رغم ذلك يبدي ذات مرة رغبته في الدراسة العليا. إنه على النقيض من مريم التي تبدو قابضة على مصيرها بنفسها، لكنها الآن بدأت تفقد توازنها بشكل أو آخر، فهي قد وقعت ببساطة في الحب، ذلك الحب المستحيل، مع شاب لا تعرفه جيدا، لا يمكنها أن تراه سوى في زيارات قصيرة تحت ظروف معينة تخضع لقواعد السجون، كيف يمكن لمثل هذه العلاقة الغريبة أن تستمر؟
يحصل جبريل بطريقة ما على جهاز هاتف محمول يتم تهريبه له داخل السجن، يصبح الوسيلة الأساسية في التواصل اليومي مع مريم، وعندما تأتي هي لزيارته، تتلامس الأيدي، يختلس العاشقان قبلة في حجرة الزيارة، يعود بعدها إلى زنزانته، وتعود هي إلى بيتها، يمارس الاثنان الاستمناء تلذّذا بتوهّم ملامسة الآخر في الظلام تحت الفراش.
هل يمكن أن يستمر الأمر على هذا الحال؟ المخرجة تقسم فيلمها إلى أقسام حسب فصول السنة، وعندما يحل الخريف، يتشاجر جبريل ومريم، هو يفقد أعصابه بفعل تجربة السجن القاسية مهما توفرت الأشياء الأساسية، ثم يزداد الأمر قسوة عندما يكتشف حراس السجن وجود الهاتف المحمول في حوزته، وهو من الممنوعات في السجن، فيصادرونه ويتم استجوابه وإعادة النظر في موقفه.
وبعد أن كان قد حصل على فترة يوضع خلالها تحت الاختبار تمهيدا لإطلاق سراحه نتيجة لحسن سيرته وسلوكه داخل السجن، تلغى هذه الفترة وتمتد فترة سجنه فيسقط في الإحباط.
والفيلم يقول إن هناك دائما أملا ما رغم الواقع المستحيل، وأن الإنسان يمكنه أن يخترق الصعاب ويجعلها ممكنة، “دعنا نتزوج”.. تهمس مريم بهذه العبارة ويتلقفها هو ويعيد التفكير فيها ويقبلها، وبعد فترة تبدأ المراسم: من السجن حيث يوجد جبريل من ناحية، ومن منزل مريم من ناحية أخرى.. عبر الهاتف، في أغرب عملية زواج يمكن أن تشاهدها في السينما وفي الواقع بالطبع. ويحضر الشيخ الذي يعقد القران إلى منزل مريم بينما تشعر والدتها بالاستياء الشديد، فهي تعتبر تصرّف ابنتها نوعا من الجنون، إذ تقول لها “لقد تخلصنا من قبل من رجل وغد -إشارة إلى طلاق مريم من زوجها السابق- وأنت الآن تكرّرين الخطأ نفسه!”.
عن الأسلوب
الجميع في بيت مريم في انتظار رنين الهاتف، ثم يأتي الاتصال من قبل جبريل من داخل السجن، وتتم المراسم على هذا النحو ثم تخلي لهما سلطات السجن في ما بعد، غرفة للاختلاء معا، يحضر جبريل الطعام ويقوم بطهيه وإعداده بنفسه.. يرتبكان أولا، ثم يمارسان الحب في مشهد مركب، بحيث يتناقض تماما مع الصورة العربية المتحفظة لمشاهد الفراش.
والحقيقة أن الفيلم بأسره محاولة لعرض الجانب الرومانسي في شخصيتي جبريل ومريم، كنموذجين للشباب العربي في ألمانيا، فمريم مثلا تجيد الألمانية، ولكنها تحتفظ بلغتها العربية، أما جبريل فيقول لها إن والده أراده أن يندمج بالكامل في المجتمع الألماني، لذا فقد حرم عليه وإخوته التحدث بالعربية.
كاميرا المصورة كارولينا شتاينبريتشر تركز معظم الوقت على وجهي الحبيبين في لقطات قريبة (كلوز أب) كما تركز على التلامس باليدين، على جانب من الوجه، على همسة ما، التفاتة من هنا أو من هناك.. تريد أن تعكس المشاعر، وتخترق النظرات إلى ما يعتمل في الصدور من مشاعر، ولكن الإفراط في اللقطات القريبة لوجه مريم حتى وهي مختلية بنفسها في منزلها يتناقض مع صورتها التي رأيناها في البداية كفتاة متحرّرة لا تعاني من القيود، ففي هذه اللقطات يشعر المشاهد بأن مريم أيضا سجينة داخل مشاعرها وداخل جسدها، بل وداخل حجرتها.
وفي أحد المشاهد نراها تتمايل على صوت الموسيقى وهي تدور في محيط المكان، بينما تظهر قضبان حديدية ضخمة في مقدّمة الصورة تحيط بها وتغلق عليها، فهل المقصود أن مريم أيضا سجينة تماما مثل جبريل؟ ولماذا اختارت المخرجة تجريد شخصية جبريل من ماضيها ومن علاقاتها الاجتماعية خارج السجن؟
ربما كانت الإجابة تكمن في الرغبة في تقديم قصة حب تبدو مستحيلة، لكنها تكتمل رغم ذلك بالزواج كما لو كان الاثنان بهذه الطريقة، يخلقان حريتهما بنفسيهما بغض النظر عن وجود الأسوار والقضبان، إنهما يبحثان عن التحقّق والحرية من خلال الحب.
والمخرجة هنريكا كول ولدت في بلاك فورست في ألمانيا عام 1984، ودرست علم الاجتماع في جامعة كولون، وبعد أن حصلت على شهادة الدبلوم في علم اجتماع السينما، درست الإنتاج السينمائي في معهد برلين للسينما والتلفزيون وتخرجت منه عام 2002، ومنذ 2014 بدأت تدرس الإخراج في جامعة بابلسبرغ، وخلال دراستها أخرجت عددا من الأفلام التسجيلية والقصيرة التي وجدت طريقها إلى بعض المهرجانات السينمائية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.