بدء التصويت في انتخابات مجلس الشيوخ بسفارات مصر بالسعودية والكويت والأردن    انتخابات الشيوخ 2025.. توافد لافت ورسائل دعم للدولة المصرية خلال تصويت المصريين بالسعودية    توقيع بروتوكول تعاون بين الجمارك والغرفة التجارية بالقاهرة لتيسير الإجراءات الجمركية    استشهاد 23 فلسطينيا في قصف إسرائيلي متواصل على غزة    الدفاع الروسية: اعتراض وتدمير 112 طائرة مسيرة أوكرانية    مواعيد مباريات السبت 2 أغسطس 2025.. البدري ضد كهربا وافتتاح أمم إفريقيا للمحليين    مواعيد مباريات اليوم السبت 2- 8- 2025 والقنوات الناقلة    ماسكيرانو: نحلم باستمرار ميسي مع إنتر ميامي.. والقرار بيده    22 شهيدا في غزة.. بينهم 12 أثناء انتظار المساعدات    الرئيس البرازيلي: نستعد للرد على الرسوم الجمركية الأمريكية    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب شمال باكستان    مصطفى عبده يكتب: خيانة مكتملة الأركان    ذات يوم.. 02 أغسطس 1990.. اتصالات هاتفية بالرئيس مبارك والملكين فهد وحسين لإبلاغهم بمفاجأة احتلال العراق للكويت ومحاولات الاتصال بصدام حسين تفشل بحجة «التليفون بعيد عنه»    أسعار الأسماك بكفر الشيخ اليوم    الهيئة الوطنية للانتخابات: سفراء مصر بالخارج يدعمون التصويت    استقرار أسعار العملات العربية في بداية تعاملات اليوم 2 أغسطس 2025    أيمن يونس: شيكابالا سيتجه للإعلام.. وعبد الشافي سيكون بعيدا عن مجال كرة القدم    تعرف على منافسات مصر بسابع أيام دورة الألعاب الأفريقية للمدارس بالجزائر    يحيى عطية الله يعود إلى الوداد بعد موافقة سوتشي الروسي    «مياه الإسكندرية» تنهي استعداداتها لتأمين انتخابات مجلس الشيوخ    الطقس اليوم السبت 2-8-2025.. أجواء حارة ورطبة نهارًا على أغلب الأنحاء    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على طرق القاهرة والجيزة    أخبار مصر: مفاجأة بمنزل البلوجر أم مكة، وفاة غامضة لعم أنغام، ترامب يهدد بوتين ب"النووي"، مأساة في زفة عريس بكفر الشيخ    وفاة عم أنغام .. وشقيقه: الوفاة طبيعية ولا توجد شبهة جنائية    القاهرة الإخبارية تعرض تقريرا عن مجلس الشيوخ.. ثمرة عقود من التجربة الديمقراطية    حملة «100 يوم صحة» تقدم 26.7 مليون خدمة طبية مجانية خلال 17 يوما    جنين تم تجميده عام 1994.. ولادة أكبر طفل في العالم    أسعار السبائك الذهبية اليوم السبت 2-8-2025 بعد الارتفاع القياسي العالمي    90 دقيقة تأخيرات «بنها وبورسعيد».. السبت 2 أغسطس 2025    "تيسلا" مطالبة ب 242 مليون دولار كتعويض عن حادث مميت    وفاة والد معتمد جمال مدرب الزمالك السابق    حروق طالت الجميع، الحالة الصحية لمصابي انفجار أسطوانة بوتاجاز داخل مطعم بسوهاج (صور)    أسعار الفراخ والبيض في أسواق وبورصة الشرقية اليوم السبت 2-8-2025    سعر الأرز الشعير والأبيض اليوم السبت 2-8-2025 في أسواق الشرقية    الأجهزة الأمنية تداهم منزل البلوجر «أم مكة» في شبرا الخيمة وتتحفظ على معدات التصوير    رسميًا.. وزارة التعليم العالي تعلن عن القائمة الكاملة ل الجامعات الحكومية والأهلية والخاصة والمعاهد المعتمدة في مصر    تنسيق المرحلة الثانية 2025.. قائمة الكليات المتاحة لعلمي علوم ورياضة ومؤشرات الحد الأدنى    جريمة تهز سيوة.. مقتل 4 أفراد من أسرة واحدة وإصابة ابنهم    الصفاقسي التونسي يكشف تفاصيل التعاقد مع علي معلول    استشارية أسرية: الزواج التقليدي لا يواكب انفتاح العصر    مقتل 4 أشخاص في إطلاق نار داخل حانة بولاية مونتانا الأمريكية    تشيع جنازة عريس لحق بعروسه بعد ساعات من وفاتها بكفر الشيخ    عمرو دياب يشعل العلمين في ليلة غنائية لا تُنسى    محافظ سوهاج يقرر غلق محلين بسبب مشاجرة بعض العاملين وتعطيل حركة المواطنين    إصابة 5 عمال في مشاجرة بسوهاج لتنافس على الزبائن    محمد ممدوح عن «روكي الغلابة»: «كان نفسي اشتغل مع دنيا سمير غانم من زمان» (فيديو)    تحبي تكوني «strong independent woman» ماذا تعرفي عن معناها؟ (فيديو)    كما كشف في الجول – النجم الساحلي يعلن عودة كريستو قادما من الأهلي    أبرزها رفع المعاش واعتماد لائحة الإعانات.. قرارات الجمعية العمومية لاتحاد نقابات المهن الطبية    الشباب المصري يصدر تقريره الأول حول تصويت المصريين بالخارج في انتخابات مجلس الشيوخ    حسام موافي ينصح الشباب: مقاطعة الصديق الذي علمك التدخين حلال    منها «الذهاب بكثرة إلى الحمام ».. 6 علامات مبكرة تدل على سرطان البروستاتا يتم تجاهلها    رئيس أركان حرب القوات المسلحة يشهد فعاليات اليوم العلمى ل«الفنية العسكرية»    للرزق قوانين    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ د. يسري جبر يوضح    أمين الفتوى: البيت مقدم على العمل والمرأة مسؤولة عن أولادها شرعًا    هل أعمال الإنسان قدر أم من اختياره؟ أمين الفتوى يجيب    وزير الأوقاف يؤدي صلاة الجمعة من مسجد الإمام الحسين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فكرة ترجمات معاني القرآن الكريم في اللغات الأوروبية
نشر في صوت البلد يوم 17 - 01 - 2018

عندما استقر المسلمون في بعض البلدان المجاورة للغرب (أوروبا)، بخاصة في بلاد الشام وفلسطين ومصر، ثم بعد ذلك في قلب أوروبا بالأندلس، بدأ الاهتمام يتزايد بما جاء به هؤلاء العرب من مفاهيم دينية جديدة تُغاير المفاهيم اليهودية والمسيحية المنتشرة في تلك البلاد حتى ذلك الحين. من هنا، بدأ الأوروبيون السعي وراء معرفة ما جاء به هؤلاء القادمون من قلب صحراء شبه الجزيرة العربية، لتفسيره بما يحقق مصالحهم وحاجاتهم ولأجل دحض ما جاء به هؤلاء الجُدُد على الخريطة العالمية، ومن ثم تمت ترجمة معاني النص القرآني إلى لغات كثيرة، واحتوت النصوص المترجمة على تشويه بوعي أحياناً، وبغير وعي أحياناً أخرى، ولكن هذه الأنواع من الترجمة حملت في داخلها أهدافاً وأبعاداً سياسية بالدرجة الأولى. ولأن القرآن يمثل جوهر الإسلام، فلم تكن محاولة الغرب تفسير معاني القرآن الكريم وترجمتها إلا محاولة لتفسير الإسلام، ومن ثم الشرق.
غير أن دراسة ترجمات القرآن الكريم المختلفة، تكشف لنا أن هناك تحولات في تفسير النص القرآني اختلفت باختلاف الحضارات والأزمان التي تمت فيها الترجمة، وذلك بقصد أن تفي بأغراض مُعينة، ذلك أن كل مُترجم هو أيضاً مُفسّر، ولا يمكن تفسيره أن يجيء محايداً أو موضوعياً، لهذا جاءت كل ترجمة محكومة بقيود اجتماعية وحضارية وسياسية معينة، فقد تم مثل هذه الترجمات من أجل خدمة مصالح وأهداف معينة، ويتضح ذلك من التغيرات التي طرأت على موقف الغرب من القرآن الكريم والإسلام، عبر العصور التاريخية المتطورة.
ففي العصور الوسطى التي شهدت ظهور الإسلام قوة سياسية على المسرح العالمي، ثم زحف الإمبراطورية الإسلامية تجاه قارات ثلاث في وقت واحد، وفي فترة زمنية قصيرة نسبياً (القرنين السابع والثامن الميلاديين) بدأت تظهر إشكالية موقف أوروبا من الإسلام، كنتيجة لوصول الفتوحات الإسلامية إلى قلب أوروبا الشرقية، ثم تطورت تلك المواقف إلى مرحلة الصدام عندما فتح المسلمون إسبانيا في القرن الثامن الميلادي، وكان أول رد فعل للمسيحيين الإسبان أساسه عدم معرفتهم بالإسلام، فقد بدا الإسلام للمسيحيين في العصور الوسطى نظاماً حياتياً ومُجتمعياً ودينياً مختلفاً، وأصبح بالنسبة إليهم تحدياً، ثم أخذ يمثل مشكلة عميقة الأغوار، وصارت معرفة بعض الحقائق عن تلك المشكلة من الأهمية بمكان.
محاولة لترجمة القرآن الكريم
ولما تغلغل الإسلام بين الناس، عمد رجال الدين المسيحي، بصفة خاصة، إلى مناقشة تعاليمه بهدف دحضها، ولهذا لا نتعجب أن تمت أول محاولة لترجمة القرآن الكريم في أسبانيا وعلى أيدي رجال الدين أنفسهم، فقام الراهب بطرس المبجل Peter the Venerable بالمحاولة الأولى لإزاحة الجهل الغربي عن القرآن الكريم، في القرن الثاني عشر الميلادي، بهدف إعلام المسيحيين الغربيين بالإسلام، كمحاولة في مساعدة الإرساليات التي ذهبت لإعادة تنصير الأهالي في الأراضي التي أُعيدت إلى المسيحية، لهذا عند زيارته بعض الأديرة (دير كلوني) في عامي 1141 و1142، أعدّ خطة لدراسة القرآن الكريم، وترجمته، وعلى رغم ادعائه أنه لم يُغير شيئاً من المعنى؛ إلا لكي يوضح النص، إلا أنه حذف أجزاء بأكملها، وأخطأ في الترجمة، وأعاد ترتيب السور، وأضاف من عنده ليشرح السور المنفصلة ويصل بعضها ببعض، واستخلص نتائج لا وجود لها ولا صلة بينها وبين القرآن الكريم البتة، ولم تكن هذه الترجمة أبداً، ترجمة مخلصة صادقة، وكاملة للنص القرآني، وعلى رغم عدم تداولها بسبب عدم ظهور الطباعة، إلا أنها ظلت الترجمة الوحيدة حتى القرن الرابع عشر الميلادي، حين قام ريمون ليل بترجمة أخرى للقرآن إلى اللغة اللاتينية، إلا أنه بعد العثور على ترجمة أخرى في إسطنبول القديمة بتركيا في مكتبة القديسين المبشرين بالمسيحية بعنوان «القرآن أبيتوم Alcorani Epitome»، تبين أن ترجمة دير كلوني لم تكن الوحيدة.
وكانت هناك محاولة ثانية لترجمة معاني القرآن الكريم في الأندلس بطليطلة، حيث قام دون أبراهام بناء على طلب الملك ألفونس العاشر (1252 - 1248) بترجمة سورة المعارج إلى الإسبانية، ومنذ ذلك الوقت أخذت الكنيسة الكاثوليكية تهتم بما جاء به الإسلام، ليس بهدف التعرف إلى هذا الدين الجديد ودراسته موضُوعياً، ولكن بغرض دحض هذا الدين الجديد، ومحاربة أفكاره وقيمه، ومفاهيمه، وإقناع الناس بأن الرسول محمد الذي جاء بهذا الدين الجديد ليس نبياً، وإنما قام بتأليف القرآن، بعد أن تتلمذ على أيدي بعض الرهبان والأحبار المسيحيين.
ثم خفقت الاهتمامات الجادة بالإسلام في الغرب خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر، بسبب الصراعات الداخلية في أوروبا نفسها، بينما كانت إمبراطورية الإسلام قد اتسعت رقعتها إلى حدود الصين والهند، بعيداً من أوروبا، الأمر الذي جعل الأوروبيين لا يعودون يرون فيه القوة الخطرة التي تهدد أوروبا، إلا أن خطر الإسلام على أوروبا عاد مرة أخرى، وازداد هذه المرة اقتراباً على أيدي العثمانيين الذين أصبحوا مُحكمين قبضتهم على البلقان، وسقطت القسطنطينية عام 1453، وباتت هنغاريا مُهددة، ومن ثم بات على الأوروبيين أن يقوموا باحتواء هذا الخطر الإسلامي العائد هذه المرة بقوة، والعمل على تحجيمه، فظهرت محاولات عدة لترجمة القرآن الكريم، قام بها كل من: جون السيجوفي John Of Segovia، ونيكولاس القوصي Nicholas Of Cusa، وإينياسس سيلفياس Aeneasis Silvius، وجون جيرمين Jean Germain.
وبعد اختراع الطباعة عام 1450، انتشرت ترجمات القرآن، بلغات أوروبية مختلفة، ومنذ ذلك الحين تتابعت الترجمات، فظهرت الترجمة الإيطالية عام 1547 التي كانت أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم كاملاً إلى لغة أوروبية حديثة.
وعاد الإسلام في القرن السادس عشر قوة عالمية، إذ شهد هذا القرن ثلاث إمبراطوريات إسلامية كبيرة. العثمانيون في آسيا الصغرى وشرق أوروبا، والصفويون في إيران، والمغول في الهند، وكان خطر العثمانيين هو أشد الأخطار بالنسبة إلى أوروبا المسيحية، وكان اعتلاء السلطان سليمان القانوني (1520 - 1566) العرش بداية لسلسلة هجمات عثمانية على هنغاريا والنمسا، فتم له فتح بلغراد عام 1521، وحوصرت فيينا عام 1529، وبحلول عام 1541، كان جزء كبير من هنغاريا تحت الحكم العثماني، وفي عام 1542 بات سقوط ألمانيا قاب قوسين أو أدنى، الأمر الذي دفع كثراً من الكُتاب ورجال الدين الأوروبيين إلى الاعتقاد بقرب نهاية العالم.
ومنذ منتصف القرن السابع عشر بدأ اهتمام بعض الديبلوماسيين الأوروبيين الذين عاشوا في البلاد الإسلامية، بدراسة اللغة العربية وبدراسة كتاب المسلمين في بلاد الشرق، وبدأت تظهر مؤلفات جديدة، وبرزت ظاهرة أدبية أطلق عليها في ما بعد «الاستشراق Orientalisme» فظهرت ترجمات عدة للقرآن الكريم باللغة الفرنسية، ولعل أولاها ترجمة أندريه دو ريير عام 1647 الذي كان قنصلاً لفرنسا في مصر بين عامي 1647 و1775.
ترجمات كثيرة للقرآن الكريم
وفي القرن الثامن عشر، ظهرت في فرنسا واحدة من أكثر الترجمات الفرنسية انتشاراً وشهرة، وهي ترجمة الكونت «دي بولتفيليه» التي صدرت عام 1730، تلك الترجمة التي انتقلت إلى معظم اللغات الأوروبية على رغم عدم دقتها العلمية، ولا أمانتها التي ندد بها بعض علماء عصر التنوير، بخاصة في إنكلترا. وفي عام 1783، ظهرت في فرنسا ترجمة مهمة بالفرنسية لكلود سافاري الذي عاش في مصر خمس سنوات ليتعلم اللغة العربية ويُترجم القرآن، وكانت هذه الترجمة الوحيدة التي نقلت عبقرية الأسلوب والصيغ النبوية للنص الأصلي، وظهرت أول ترجمة إلى اللغة الإنكليزية على يد ألكسندر روس عام 1648، نقلاً عن ترجمة أندريه دو ريير الفرنسية، ومن ثم لم تكن هذه الترجمة دقيقة، واحتوت على أخطاء كثيرة، ومُغالطات واضحة عن الإسلام.
وفي القرن العشرين، ظهرت ترجمات كثيرة للقرآن الكريم باللغات الأوروبية، اتسمت غالبيتها بالحيادية، وتخلص المترجمون الأوروبيون من عقدة «دحض الدين الإسلامي ومحاربته»، وتشويه صورة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، بل حاولوا بغالبيتهم نقل النص القرآني بأمانة وصدق، ودقة علمية ولغوية، مع بعض الشروحات الجانبية للمزيد من التوضيح. وفي أواخر القرن ذاته، ظهرت أحدث الترجمات للمترجم الفرنسي المشهور جاك بيرك عام 1990، وترجمة الكاتب اليهودي أندريه شواركي في العام ذاته، وقد أحدثت كل منهما ضجة في العالم الإسلامي والغرب، بخاصة في القاهرة، حيث أمر شيخ الأزهر جاد الحق علي جاد الحق بتشكيل لجنة علمية عام 1995؛ لمراجعة ترجمة جاك بيرك وخلصت اللجنة إلى أن هذه الترجمة غير أمينة واعتبرتها مُحرمة، واتهمت مؤلفها بالجهل باللغة العربية، على رغم أنه كان عضواً في مجمع اللغة العربية بالقاهرة لمدة عشرين سنة.
وربما أحدث ذلك صحوة من جانب المترجمين المسلمين فشهد القرن العشرين بعض الترجمات من قبل المسلمين، والتي بدأت عام 1936؛ عندما أصدر مجلس الوزراء المصري قراراً رسمياً بموافقته على ترجمة معاني القرآن الكريم ترجمة رسمية تقوم بها مشيخة الأزهر بمساعدة وزارة الأوقاف العمومية، وذلك وفقاً لفتوى جماعة كبار العلماء أساتذة كلية الشريعة، وكانت مشيخة الأزهر برئاسة محمد مصطفى المراغي الذي كان أيضاً رئيس جماعة كبار العلماء التي أصدرت قرارها الموافقة على ترجمة معاني القرآن الكريم. وكانت هذه أولى المحاولات من قبل المسلمين لأجل ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأجنبية، بخاصة الإنكليزية، ثم الألمانية، والإسبانية، والفرنسية، والإيطالية، وفي ما بعد إلى معظم لغات العالم.
عندما استقر المسلمون في بعض البلدان المجاورة للغرب (أوروبا)، بخاصة في بلاد الشام وفلسطين ومصر، ثم بعد ذلك في قلب أوروبا بالأندلس، بدأ الاهتمام يتزايد بما جاء به هؤلاء العرب من مفاهيم دينية جديدة تُغاير المفاهيم اليهودية والمسيحية المنتشرة في تلك البلاد حتى ذلك الحين. من هنا، بدأ الأوروبيون السعي وراء معرفة ما جاء به هؤلاء القادمون من قلب صحراء شبه الجزيرة العربية، لتفسيره بما يحقق مصالحهم وحاجاتهم ولأجل دحض ما جاء به هؤلاء الجُدُد على الخريطة العالمية، ومن ثم تمت ترجمة معاني النص القرآني إلى لغات كثيرة، واحتوت النصوص المترجمة على تشويه بوعي أحياناً، وبغير وعي أحياناً أخرى، ولكن هذه الأنواع من الترجمة حملت في داخلها أهدافاً وأبعاداً سياسية بالدرجة الأولى. ولأن القرآن يمثل جوهر الإسلام، فلم تكن محاولة الغرب تفسير معاني القرآن الكريم وترجمتها إلا محاولة لتفسير الإسلام، ومن ثم الشرق.
غير أن دراسة ترجمات القرآن الكريم المختلفة، تكشف لنا أن هناك تحولات في تفسير النص القرآني اختلفت باختلاف الحضارات والأزمان التي تمت فيها الترجمة، وذلك بقصد أن تفي بأغراض مُعينة، ذلك أن كل مُترجم هو أيضاً مُفسّر، ولا يمكن تفسيره أن يجيء محايداً أو موضوعياً، لهذا جاءت كل ترجمة محكومة بقيود اجتماعية وحضارية وسياسية معينة، فقد تم مثل هذه الترجمات من أجل خدمة مصالح وأهداف معينة، ويتضح ذلك من التغيرات التي طرأت على موقف الغرب من القرآن الكريم والإسلام، عبر العصور التاريخية المتطورة.
ففي العصور الوسطى التي شهدت ظهور الإسلام قوة سياسية على المسرح العالمي، ثم زحف الإمبراطورية الإسلامية تجاه قارات ثلاث في وقت واحد، وفي فترة زمنية قصيرة نسبياً (القرنين السابع والثامن الميلاديين) بدأت تظهر إشكالية موقف أوروبا من الإسلام، كنتيجة لوصول الفتوحات الإسلامية إلى قلب أوروبا الشرقية، ثم تطورت تلك المواقف إلى مرحلة الصدام عندما فتح المسلمون إسبانيا في القرن الثامن الميلادي، وكان أول رد فعل للمسيحيين الإسبان أساسه عدم معرفتهم بالإسلام، فقد بدا الإسلام للمسيحيين في العصور الوسطى نظاماً حياتياً ومُجتمعياً ودينياً مختلفاً، وأصبح بالنسبة إليهم تحدياً، ثم أخذ يمثل مشكلة عميقة الأغوار، وصارت معرفة بعض الحقائق عن تلك المشكلة من الأهمية بمكان.
محاولة لترجمة القرآن الكريم
ولما تغلغل الإسلام بين الناس، عمد رجال الدين المسيحي، بصفة خاصة، إلى مناقشة تعاليمه بهدف دحضها، ولهذا لا نتعجب أن تمت أول محاولة لترجمة القرآن الكريم في أسبانيا وعلى أيدي رجال الدين أنفسهم، فقام الراهب بطرس المبجل Peter the Venerable بالمحاولة الأولى لإزاحة الجهل الغربي عن القرآن الكريم، في القرن الثاني عشر الميلادي، بهدف إعلام المسيحيين الغربيين بالإسلام، كمحاولة في مساعدة الإرساليات التي ذهبت لإعادة تنصير الأهالي في الأراضي التي أُعيدت إلى المسيحية، لهذا عند زيارته بعض الأديرة (دير كلوني) في عامي 1141 و1142، أعدّ خطة لدراسة القرآن الكريم، وترجمته، وعلى رغم ادعائه أنه لم يُغير شيئاً من المعنى؛ إلا لكي يوضح النص، إلا أنه حذف أجزاء بأكملها، وأخطأ في الترجمة، وأعاد ترتيب السور، وأضاف من عنده ليشرح السور المنفصلة ويصل بعضها ببعض، واستخلص نتائج لا وجود لها ولا صلة بينها وبين القرآن الكريم البتة، ولم تكن هذه الترجمة أبداً، ترجمة مخلصة صادقة، وكاملة للنص القرآني، وعلى رغم عدم تداولها بسبب عدم ظهور الطباعة، إلا أنها ظلت الترجمة الوحيدة حتى القرن الرابع عشر الميلادي، حين قام ريمون ليل بترجمة أخرى للقرآن إلى اللغة اللاتينية، إلا أنه بعد العثور على ترجمة أخرى في إسطنبول القديمة بتركيا في مكتبة القديسين المبشرين بالمسيحية بعنوان «القرآن أبيتوم Alcorani Epitome»، تبين أن ترجمة دير كلوني لم تكن الوحيدة.
وكانت هناك محاولة ثانية لترجمة معاني القرآن الكريم في الأندلس بطليطلة، حيث قام دون أبراهام بناء على طلب الملك ألفونس العاشر (1252 - 1248) بترجمة سورة المعارج إلى الإسبانية، ومنذ ذلك الوقت أخذت الكنيسة الكاثوليكية تهتم بما جاء به الإسلام، ليس بهدف التعرف إلى هذا الدين الجديد ودراسته موضُوعياً، ولكن بغرض دحض هذا الدين الجديد، ومحاربة أفكاره وقيمه، ومفاهيمه، وإقناع الناس بأن الرسول محمد الذي جاء بهذا الدين الجديد ليس نبياً، وإنما قام بتأليف القرآن، بعد أن تتلمذ على أيدي بعض الرهبان والأحبار المسيحيين.
ثم خفقت الاهتمامات الجادة بالإسلام في الغرب خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر، بسبب الصراعات الداخلية في أوروبا نفسها، بينما كانت إمبراطورية الإسلام قد اتسعت رقعتها إلى حدود الصين والهند، بعيداً من أوروبا، الأمر الذي جعل الأوروبيين لا يعودون يرون فيه القوة الخطرة التي تهدد أوروبا، إلا أن خطر الإسلام على أوروبا عاد مرة أخرى، وازداد هذه المرة اقتراباً على أيدي العثمانيين الذين أصبحوا مُحكمين قبضتهم على البلقان، وسقطت القسطنطينية عام 1453، وباتت هنغاريا مُهددة، ومن ثم بات على الأوروبيين أن يقوموا باحتواء هذا الخطر الإسلامي العائد هذه المرة بقوة، والعمل على تحجيمه، فظهرت محاولات عدة لترجمة القرآن الكريم، قام بها كل من: جون السيجوفي John Of Segovia، ونيكولاس القوصي Nicholas Of Cusa، وإينياسس سيلفياس Aeneasis Silvius، وجون جيرمين Jean Germain.
وبعد اختراع الطباعة عام 1450، انتشرت ترجمات القرآن، بلغات أوروبية مختلفة، ومنذ ذلك الحين تتابعت الترجمات، فظهرت الترجمة الإيطالية عام 1547 التي كانت أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم كاملاً إلى لغة أوروبية حديثة.
وعاد الإسلام في القرن السادس عشر قوة عالمية، إذ شهد هذا القرن ثلاث إمبراطوريات إسلامية كبيرة. العثمانيون في آسيا الصغرى وشرق أوروبا، والصفويون في إيران، والمغول في الهند، وكان خطر العثمانيين هو أشد الأخطار بالنسبة إلى أوروبا المسيحية، وكان اعتلاء السلطان سليمان القانوني (1520 - 1566) العرش بداية لسلسلة هجمات عثمانية على هنغاريا والنمسا، فتم له فتح بلغراد عام 1521، وحوصرت فيينا عام 1529، وبحلول عام 1541، كان جزء كبير من هنغاريا تحت الحكم العثماني، وفي عام 1542 بات سقوط ألمانيا قاب قوسين أو أدنى، الأمر الذي دفع كثراً من الكُتاب ورجال الدين الأوروبيين إلى الاعتقاد بقرب نهاية العالم.
ومنذ منتصف القرن السابع عشر بدأ اهتمام بعض الديبلوماسيين الأوروبيين الذين عاشوا في البلاد الإسلامية، بدراسة اللغة العربية وبدراسة كتاب المسلمين في بلاد الشرق، وبدأت تظهر مؤلفات جديدة، وبرزت ظاهرة أدبية أطلق عليها في ما بعد «الاستشراق Orientalisme» فظهرت ترجمات عدة للقرآن الكريم باللغة الفرنسية، ولعل أولاها ترجمة أندريه دو ريير عام 1647 الذي كان قنصلاً لفرنسا في مصر بين عامي 1647 و1775.
ترجمات كثيرة للقرآن الكريم
وفي القرن الثامن عشر، ظهرت في فرنسا واحدة من أكثر الترجمات الفرنسية انتشاراً وشهرة، وهي ترجمة الكونت «دي بولتفيليه» التي صدرت عام 1730، تلك الترجمة التي انتقلت إلى معظم اللغات الأوروبية على رغم عدم دقتها العلمية، ولا أمانتها التي ندد بها بعض علماء عصر التنوير، بخاصة في إنكلترا. وفي عام 1783، ظهرت في فرنسا ترجمة مهمة بالفرنسية لكلود سافاري الذي عاش في مصر خمس سنوات ليتعلم اللغة العربية ويُترجم القرآن، وكانت هذه الترجمة الوحيدة التي نقلت عبقرية الأسلوب والصيغ النبوية للنص الأصلي، وظهرت أول ترجمة إلى اللغة الإنكليزية على يد ألكسندر روس عام 1648، نقلاً عن ترجمة أندريه دو ريير الفرنسية، ومن ثم لم تكن هذه الترجمة دقيقة، واحتوت على أخطاء كثيرة، ومُغالطات واضحة عن الإسلام.
وفي القرن العشرين، ظهرت ترجمات كثيرة للقرآن الكريم باللغات الأوروبية، اتسمت غالبيتها بالحيادية، وتخلص المترجمون الأوروبيون من عقدة «دحض الدين الإسلامي ومحاربته»، وتشويه صورة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، بل حاولوا بغالبيتهم نقل النص القرآني بأمانة وصدق، ودقة علمية ولغوية، مع بعض الشروحات الجانبية للمزيد من التوضيح. وفي أواخر القرن ذاته، ظهرت أحدث الترجمات للمترجم الفرنسي المشهور جاك بيرك عام 1990، وترجمة الكاتب اليهودي أندريه شواركي في العام ذاته، وقد أحدثت كل منهما ضجة في العالم الإسلامي والغرب، بخاصة في القاهرة، حيث أمر شيخ الأزهر جاد الحق علي جاد الحق بتشكيل لجنة علمية عام 1995؛ لمراجعة ترجمة جاك بيرك وخلصت اللجنة إلى أن هذه الترجمة غير أمينة واعتبرتها مُحرمة، واتهمت مؤلفها بالجهل باللغة العربية، على رغم أنه كان عضواً في مجمع اللغة العربية بالقاهرة لمدة عشرين سنة.
وربما أحدث ذلك صحوة من جانب المترجمين المسلمين فشهد القرن العشرين بعض الترجمات من قبل المسلمين، والتي بدأت عام 1936؛ عندما أصدر مجلس الوزراء المصري قراراً رسمياً بموافقته على ترجمة معاني القرآن الكريم ترجمة رسمية تقوم بها مشيخة الأزهر بمساعدة وزارة الأوقاف العمومية، وذلك وفقاً لفتوى جماعة كبار العلماء أساتذة كلية الشريعة، وكانت مشيخة الأزهر برئاسة محمد مصطفى المراغي الذي كان أيضاً رئيس جماعة كبار العلماء التي أصدرت قرارها الموافقة على ترجمة معاني القرآن الكريم. وكانت هذه أولى المحاولات من قبل المسلمين لأجل ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأجنبية، بخاصة الإنكليزية، ثم الألمانية، والإسبانية، والفرنسية، والإيطالية، وفي ما بعد إلى معظم لغات العالم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.