آخر كلمات الفنان لطفى لبيب قبل وفاته..متقلقوش عليا وراض بكل شىء    "حماة الوطن" يدعو المصريين بالخارج إلى المشاركة بكثافة في انتخابات "الشيوخ"    مخطط رأس الأفعى الإخوانية.. مصر تخوض معركة جديدة ضد التنظيم الإرهابي سلاحها الإعلام والفكر    دقت ساعة الحسم    «العمل» توفر فرص توظيف بمصنع هياكل معدنية في الأردن (الرواتب والمزايا)    وظائف الإسكان 2025.. التخصصات المطلوبة والشروط وآخر موعد للتقديم    وزيرة التخطيط والتعاون تطلق "منصة بيانات أهداف التنمية المستدامة بالمحافظات"    احسب قبضك.. تغذية ماكينات الATM لصرف معاشات أغسطس بالزيادة الجديدة خلال ساعات بالإسكندرية    النيابة العامة: الاتجار بالبشر جريمة منظمة تتطلب مواجهة شاملة    رصد أول موجة تسونامي في كاليفورنيا الأمريكية    الخارجية الفلسطينية: إعلان نيويورك فرصة تاريخية لتجسيد حل الدولتين    ملحمة مصرية ل«دعم غزة»    لافتة هادئة.. لاعبو ليفربول يرتدون قمصانا خاصة في مباراة اليوم    الزمالك يستعد للإعلان عن صفقة جديدة اليوم    "سمعنا كلام كتير".. شوبير يكشف تحرك الأهلي سريعا تجاه إمام عاشور    مصرع 3 فتيات وإصابة 14 في حادث انقلاب ميني باص على الصحراوي الشرقي بالمنيا    الأرصاد تُعلن تراجع الحرارة والقاهرة تسجل 35 درجة    انتشال جثمان غريق شهر العسل في الإسكندرية    بسبب السير عكس الاتجاه.. إصابة 5 أشخاص في تصادم 4 سيارات على الطريق الزراعي بالقليوبية    امتحانات تمهيدية.. تعليمات هامة من "التعليم" بشأن طلاب رياض أطفال المصريين بالخارج    تنسيق المرحلة الأولى 2025.. 3 خطوات للحصول على بطاقة الترشيح ورابط تحميلها    «التضامن» تستعرض جهود «التدخل السريع» في عدد من المحافظات    ما معنى (ورابطوا) في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا)؟.. عالم أزهري يوضح    علي جمعة يكشف عن حقيقة إيمانية مهمة وكيف نحولها إلى منهج حياة    هل التفاوت بين المساجد في وقت ما بين الأذان والإقامة فيه مخالفة شرعية؟.. أمين الفتوى يجيب    «الرعاية الصحية» تطلق مشروع «رعايتك في بيتك» لخدمة المواطنين بمنازلهم    محافظ أسوان يوجه بسرعة الانتهاء من مبنى الغسيل الكلوي فى مستشفى كوم أمبو    مسؤول مستشفيات الأمانة الطبية بالإسكندرية: جاهزون لتطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل    من هم «بنو معروف» المؤمنون بعودة «الحاكم بأمر الله»؟!    - هجوم بالشوم على موظف في قرية أبو صير بالبدرشين    أول رواية كتبها نجيب محفوظ وعمره 16 سنة!    «البترول» تعلن السيطرة على حريق سفينة حاويات بمنطقة رأس غارب    33 لاعبا فى معسكر منتخب 20 سنة استعدادا لكأس العالم    نجاح 37 حكمًا و51 مساعدًا في اختبارات اللياقة البدنية    رابطة الأندية: لن نلغي الهبوط في الموسم الجديد    ليلى علوي تعيد ذكريات «حب البنات» بصور نادرة من الكواليس    انخفاض أرباح مرسيدس-بنز لأكثر من النصف في النصف الأول من 2025    وزير الخارجية يبحث مع سيناتور أمريكي شواغل مصر حول السد الإثيوبى    ملك المغرب يؤكد استعداد بلاده لحوار صريح وأخوي مع الجزائر حول القضايا العالقة بين البلدين    انتخابات مجلس الشيوخ.. الآليات والضوابط المنظمة لتصويت المصريين فى الخارج    تنسيق الجامعات.. تفاصيل الدراسة ببرنامج الهندسة الإنشائية ب"هندسة حلوان"    نجاح التشغيل التجريبي للخط التجاري الإقليمي "القاهرة- أربيل" عبر ميناء سفاجا    وفري في الميزانية، طريقة عمل الآيس كوفي في البيت زي الكافيهات    قافلة طبية توقع الكشف على 1586 مواطنا في "المستعمرة الشرقية" بالدقهلية (صور)    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 1447-2026    حظك اليوم الأربعاء 30 يوليو وتوقعات الأبراج    "البترول" تتلقى إخطارًا باندلاع حريق في غرفة ماكينات مركب الحاويات PUMBA    وزير الثقافة: جوائز الدولة هذا العام ضمت نخبة عظيمة.. ونقدم برنامجا متكاملا بمهرجان العلمين    متابعة تطورات حركة جماعة الإخوان الإرهابية مع الإعلامية آلاء شتا.. فيديو    منافسة غنائية مثيرة في استاد الإسكندرية بين ريهام عبد الحكيم ونجوم الموسيقى العربية.. صور    الخارجية الباكستانية تعلن عن مساعدات إنسانية طارئة لقطاع غزة    عاجل- ترمب: زوجتي ميلانيا شاهدت الصور المروعة من غزة والوضع هناك قاس ويجب إدخال المساعدات    رسميًا بعد الانخفاض الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 30 يوليو 2025    سبب غياب كريم فؤاد عن ودية الأهلي وإنبي وموعد عودته    السيطرة على حريق هائل بشقة سكنية في المحلة الكبرى    عمرو الجناينى: تفاجأت باعتزال شيكابالا.. ولم أتفاوض مع أحمد عبد القادر    عيار 21 الآن يسجل رقمًا جديدًا.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 30 يوليو بعد الانخفاض بالصاغة    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر يرد في هذه الحالة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فكرة ترجمات معاني القرآن الكريم في اللغات الأوروبية
نشر في صوت البلد يوم 17 - 01 - 2018

عندما استقر المسلمون في بعض البلدان المجاورة للغرب (أوروبا)، بخاصة في بلاد الشام وفلسطين ومصر، ثم بعد ذلك في قلب أوروبا بالأندلس، بدأ الاهتمام يتزايد بما جاء به هؤلاء العرب من مفاهيم دينية جديدة تُغاير المفاهيم اليهودية والمسيحية المنتشرة في تلك البلاد حتى ذلك الحين. من هنا، بدأ الأوروبيون السعي وراء معرفة ما جاء به هؤلاء القادمون من قلب صحراء شبه الجزيرة العربية، لتفسيره بما يحقق مصالحهم وحاجاتهم ولأجل دحض ما جاء به هؤلاء الجُدُد على الخريطة العالمية، ومن ثم تمت ترجمة معاني النص القرآني إلى لغات كثيرة، واحتوت النصوص المترجمة على تشويه بوعي أحياناً، وبغير وعي أحياناً أخرى، ولكن هذه الأنواع من الترجمة حملت في داخلها أهدافاً وأبعاداً سياسية بالدرجة الأولى. ولأن القرآن يمثل جوهر الإسلام، فلم تكن محاولة الغرب تفسير معاني القرآن الكريم وترجمتها إلا محاولة لتفسير الإسلام، ومن ثم الشرق.
غير أن دراسة ترجمات القرآن الكريم المختلفة، تكشف لنا أن هناك تحولات في تفسير النص القرآني اختلفت باختلاف الحضارات والأزمان التي تمت فيها الترجمة، وذلك بقصد أن تفي بأغراض مُعينة، ذلك أن كل مُترجم هو أيضاً مُفسّر، ولا يمكن تفسيره أن يجيء محايداً أو موضوعياً، لهذا جاءت كل ترجمة محكومة بقيود اجتماعية وحضارية وسياسية معينة، فقد تم مثل هذه الترجمات من أجل خدمة مصالح وأهداف معينة، ويتضح ذلك من التغيرات التي طرأت على موقف الغرب من القرآن الكريم والإسلام، عبر العصور التاريخية المتطورة.
ففي العصور الوسطى التي شهدت ظهور الإسلام قوة سياسية على المسرح العالمي، ثم زحف الإمبراطورية الإسلامية تجاه قارات ثلاث في وقت واحد، وفي فترة زمنية قصيرة نسبياً (القرنين السابع والثامن الميلاديين) بدأت تظهر إشكالية موقف أوروبا من الإسلام، كنتيجة لوصول الفتوحات الإسلامية إلى قلب أوروبا الشرقية، ثم تطورت تلك المواقف إلى مرحلة الصدام عندما فتح المسلمون إسبانيا في القرن الثامن الميلادي، وكان أول رد فعل للمسيحيين الإسبان أساسه عدم معرفتهم بالإسلام، فقد بدا الإسلام للمسيحيين في العصور الوسطى نظاماً حياتياً ومُجتمعياً ودينياً مختلفاً، وأصبح بالنسبة إليهم تحدياً، ثم أخذ يمثل مشكلة عميقة الأغوار، وصارت معرفة بعض الحقائق عن تلك المشكلة من الأهمية بمكان.
محاولة لترجمة القرآن الكريم
ولما تغلغل الإسلام بين الناس، عمد رجال الدين المسيحي، بصفة خاصة، إلى مناقشة تعاليمه بهدف دحضها، ولهذا لا نتعجب أن تمت أول محاولة لترجمة القرآن الكريم في أسبانيا وعلى أيدي رجال الدين أنفسهم، فقام الراهب بطرس المبجل Peter the Venerable بالمحاولة الأولى لإزاحة الجهل الغربي عن القرآن الكريم، في القرن الثاني عشر الميلادي، بهدف إعلام المسيحيين الغربيين بالإسلام، كمحاولة في مساعدة الإرساليات التي ذهبت لإعادة تنصير الأهالي في الأراضي التي أُعيدت إلى المسيحية، لهذا عند زيارته بعض الأديرة (دير كلوني) في عامي 1141 و1142، أعدّ خطة لدراسة القرآن الكريم، وترجمته، وعلى رغم ادعائه أنه لم يُغير شيئاً من المعنى؛ إلا لكي يوضح النص، إلا أنه حذف أجزاء بأكملها، وأخطأ في الترجمة، وأعاد ترتيب السور، وأضاف من عنده ليشرح السور المنفصلة ويصل بعضها ببعض، واستخلص نتائج لا وجود لها ولا صلة بينها وبين القرآن الكريم البتة، ولم تكن هذه الترجمة أبداً، ترجمة مخلصة صادقة، وكاملة للنص القرآني، وعلى رغم عدم تداولها بسبب عدم ظهور الطباعة، إلا أنها ظلت الترجمة الوحيدة حتى القرن الرابع عشر الميلادي، حين قام ريمون ليل بترجمة أخرى للقرآن إلى اللغة اللاتينية، إلا أنه بعد العثور على ترجمة أخرى في إسطنبول القديمة بتركيا في مكتبة القديسين المبشرين بالمسيحية بعنوان «القرآن أبيتوم Alcorani Epitome»، تبين أن ترجمة دير كلوني لم تكن الوحيدة.
وكانت هناك محاولة ثانية لترجمة معاني القرآن الكريم في الأندلس بطليطلة، حيث قام دون أبراهام بناء على طلب الملك ألفونس العاشر (1252 - 1248) بترجمة سورة المعارج إلى الإسبانية، ومنذ ذلك الوقت أخذت الكنيسة الكاثوليكية تهتم بما جاء به الإسلام، ليس بهدف التعرف إلى هذا الدين الجديد ودراسته موضُوعياً، ولكن بغرض دحض هذا الدين الجديد، ومحاربة أفكاره وقيمه، ومفاهيمه، وإقناع الناس بأن الرسول محمد الذي جاء بهذا الدين الجديد ليس نبياً، وإنما قام بتأليف القرآن، بعد أن تتلمذ على أيدي بعض الرهبان والأحبار المسيحيين.
ثم خفقت الاهتمامات الجادة بالإسلام في الغرب خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر، بسبب الصراعات الداخلية في أوروبا نفسها، بينما كانت إمبراطورية الإسلام قد اتسعت رقعتها إلى حدود الصين والهند، بعيداً من أوروبا، الأمر الذي جعل الأوروبيين لا يعودون يرون فيه القوة الخطرة التي تهدد أوروبا، إلا أن خطر الإسلام على أوروبا عاد مرة أخرى، وازداد هذه المرة اقتراباً على أيدي العثمانيين الذين أصبحوا مُحكمين قبضتهم على البلقان، وسقطت القسطنطينية عام 1453، وباتت هنغاريا مُهددة، ومن ثم بات على الأوروبيين أن يقوموا باحتواء هذا الخطر الإسلامي العائد هذه المرة بقوة، والعمل على تحجيمه، فظهرت محاولات عدة لترجمة القرآن الكريم، قام بها كل من: جون السيجوفي John Of Segovia، ونيكولاس القوصي Nicholas Of Cusa، وإينياسس سيلفياس Aeneasis Silvius، وجون جيرمين Jean Germain.
وبعد اختراع الطباعة عام 1450، انتشرت ترجمات القرآن، بلغات أوروبية مختلفة، ومنذ ذلك الحين تتابعت الترجمات، فظهرت الترجمة الإيطالية عام 1547 التي كانت أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم كاملاً إلى لغة أوروبية حديثة.
وعاد الإسلام في القرن السادس عشر قوة عالمية، إذ شهد هذا القرن ثلاث إمبراطوريات إسلامية كبيرة. العثمانيون في آسيا الصغرى وشرق أوروبا، والصفويون في إيران، والمغول في الهند، وكان خطر العثمانيين هو أشد الأخطار بالنسبة إلى أوروبا المسيحية، وكان اعتلاء السلطان سليمان القانوني (1520 - 1566) العرش بداية لسلسلة هجمات عثمانية على هنغاريا والنمسا، فتم له فتح بلغراد عام 1521، وحوصرت فيينا عام 1529، وبحلول عام 1541، كان جزء كبير من هنغاريا تحت الحكم العثماني، وفي عام 1542 بات سقوط ألمانيا قاب قوسين أو أدنى، الأمر الذي دفع كثراً من الكُتاب ورجال الدين الأوروبيين إلى الاعتقاد بقرب نهاية العالم.
ومنذ منتصف القرن السابع عشر بدأ اهتمام بعض الديبلوماسيين الأوروبيين الذين عاشوا في البلاد الإسلامية، بدراسة اللغة العربية وبدراسة كتاب المسلمين في بلاد الشرق، وبدأت تظهر مؤلفات جديدة، وبرزت ظاهرة أدبية أطلق عليها في ما بعد «الاستشراق Orientalisme» فظهرت ترجمات عدة للقرآن الكريم باللغة الفرنسية، ولعل أولاها ترجمة أندريه دو ريير عام 1647 الذي كان قنصلاً لفرنسا في مصر بين عامي 1647 و1775.
ترجمات كثيرة للقرآن الكريم
وفي القرن الثامن عشر، ظهرت في فرنسا واحدة من أكثر الترجمات الفرنسية انتشاراً وشهرة، وهي ترجمة الكونت «دي بولتفيليه» التي صدرت عام 1730، تلك الترجمة التي انتقلت إلى معظم اللغات الأوروبية على رغم عدم دقتها العلمية، ولا أمانتها التي ندد بها بعض علماء عصر التنوير، بخاصة في إنكلترا. وفي عام 1783، ظهرت في فرنسا ترجمة مهمة بالفرنسية لكلود سافاري الذي عاش في مصر خمس سنوات ليتعلم اللغة العربية ويُترجم القرآن، وكانت هذه الترجمة الوحيدة التي نقلت عبقرية الأسلوب والصيغ النبوية للنص الأصلي، وظهرت أول ترجمة إلى اللغة الإنكليزية على يد ألكسندر روس عام 1648، نقلاً عن ترجمة أندريه دو ريير الفرنسية، ومن ثم لم تكن هذه الترجمة دقيقة، واحتوت على أخطاء كثيرة، ومُغالطات واضحة عن الإسلام.
وفي القرن العشرين، ظهرت ترجمات كثيرة للقرآن الكريم باللغات الأوروبية، اتسمت غالبيتها بالحيادية، وتخلص المترجمون الأوروبيون من عقدة «دحض الدين الإسلامي ومحاربته»، وتشويه صورة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، بل حاولوا بغالبيتهم نقل النص القرآني بأمانة وصدق، ودقة علمية ولغوية، مع بعض الشروحات الجانبية للمزيد من التوضيح. وفي أواخر القرن ذاته، ظهرت أحدث الترجمات للمترجم الفرنسي المشهور جاك بيرك عام 1990، وترجمة الكاتب اليهودي أندريه شواركي في العام ذاته، وقد أحدثت كل منهما ضجة في العالم الإسلامي والغرب، بخاصة في القاهرة، حيث أمر شيخ الأزهر جاد الحق علي جاد الحق بتشكيل لجنة علمية عام 1995؛ لمراجعة ترجمة جاك بيرك وخلصت اللجنة إلى أن هذه الترجمة غير أمينة واعتبرتها مُحرمة، واتهمت مؤلفها بالجهل باللغة العربية، على رغم أنه كان عضواً في مجمع اللغة العربية بالقاهرة لمدة عشرين سنة.
وربما أحدث ذلك صحوة من جانب المترجمين المسلمين فشهد القرن العشرين بعض الترجمات من قبل المسلمين، والتي بدأت عام 1936؛ عندما أصدر مجلس الوزراء المصري قراراً رسمياً بموافقته على ترجمة معاني القرآن الكريم ترجمة رسمية تقوم بها مشيخة الأزهر بمساعدة وزارة الأوقاف العمومية، وذلك وفقاً لفتوى جماعة كبار العلماء أساتذة كلية الشريعة، وكانت مشيخة الأزهر برئاسة محمد مصطفى المراغي الذي كان أيضاً رئيس جماعة كبار العلماء التي أصدرت قرارها الموافقة على ترجمة معاني القرآن الكريم. وكانت هذه أولى المحاولات من قبل المسلمين لأجل ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأجنبية، بخاصة الإنكليزية، ثم الألمانية، والإسبانية، والفرنسية، والإيطالية، وفي ما بعد إلى معظم لغات العالم.
عندما استقر المسلمون في بعض البلدان المجاورة للغرب (أوروبا)، بخاصة في بلاد الشام وفلسطين ومصر، ثم بعد ذلك في قلب أوروبا بالأندلس، بدأ الاهتمام يتزايد بما جاء به هؤلاء العرب من مفاهيم دينية جديدة تُغاير المفاهيم اليهودية والمسيحية المنتشرة في تلك البلاد حتى ذلك الحين. من هنا، بدأ الأوروبيون السعي وراء معرفة ما جاء به هؤلاء القادمون من قلب صحراء شبه الجزيرة العربية، لتفسيره بما يحقق مصالحهم وحاجاتهم ولأجل دحض ما جاء به هؤلاء الجُدُد على الخريطة العالمية، ومن ثم تمت ترجمة معاني النص القرآني إلى لغات كثيرة، واحتوت النصوص المترجمة على تشويه بوعي أحياناً، وبغير وعي أحياناً أخرى، ولكن هذه الأنواع من الترجمة حملت في داخلها أهدافاً وأبعاداً سياسية بالدرجة الأولى. ولأن القرآن يمثل جوهر الإسلام، فلم تكن محاولة الغرب تفسير معاني القرآن الكريم وترجمتها إلا محاولة لتفسير الإسلام، ومن ثم الشرق.
غير أن دراسة ترجمات القرآن الكريم المختلفة، تكشف لنا أن هناك تحولات في تفسير النص القرآني اختلفت باختلاف الحضارات والأزمان التي تمت فيها الترجمة، وذلك بقصد أن تفي بأغراض مُعينة، ذلك أن كل مُترجم هو أيضاً مُفسّر، ولا يمكن تفسيره أن يجيء محايداً أو موضوعياً، لهذا جاءت كل ترجمة محكومة بقيود اجتماعية وحضارية وسياسية معينة، فقد تم مثل هذه الترجمات من أجل خدمة مصالح وأهداف معينة، ويتضح ذلك من التغيرات التي طرأت على موقف الغرب من القرآن الكريم والإسلام، عبر العصور التاريخية المتطورة.
ففي العصور الوسطى التي شهدت ظهور الإسلام قوة سياسية على المسرح العالمي، ثم زحف الإمبراطورية الإسلامية تجاه قارات ثلاث في وقت واحد، وفي فترة زمنية قصيرة نسبياً (القرنين السابع والثامن الميلاديين) بدأت تظهر إشكالية موقف أوروبا من الإسلام، كنتيجة لوصول الفتوحات الإسلامية إلى قلب أوروبا الشرقية، ثم تطورت تلك المواقف إلى مرحلة الصدام عندما فتح المسلمون إسبانيا في القرن الثامن الميلادي، وكان أول رد فعل للمسيحيين الإسبان أساسه عدم معرفتهم بالإسلام، فقد بدا الإسلام للمسيحيين في العصور الوسطى نظاماً حياتياً ومُجتمعياً ودينياً مختلفاً، وأصبح بالنسبة إليهم تحدياً، ثم أخذ يمثل مشكلة عميقة الأغوار، وصارت معرفة بعض الحقائق عن تلك المشكلة من الأهمية بمكان.
محاولة لترجمة القرآن الكريم
ولما تغلغل الإسلام بين الناس، عمد رجال الدين المسيحي، بصفة خاصة، إلى مناقشة تعاليمه بهدف دحضها، ولهذا لا نتعجب أن تمت أول محاولة لترجمة القرآن الكريم في أسبانيا وعلى أيدي رجال الدين أنفسهم، فقام الراهب بطرس المبجل Peter the Venerable بالمحاولة الأولى لإزاحة الجهل الغربي عن القرآن الكريم، في القرن الثاني عشر الميلادي، بهدف إعلام المسيحيين الغربيين بالإسلام، كمحاولة في مساعدة الإرساليات التي ذهبت لإعادة تنصير الأهالي في الأراضي التي أُعيدت إلى المسيحية، لهذا عند زيارته بعض الأديرة (دير كلوني) في عامي 1141 و1142، أعدّ خطة لدراسة القرآن الكريم، وترجمته، وعلى رغم ادعائه أنه لم يُغير شيئاً من المعنى؛ إلا لكي يوضح النص، إلا أنه حذف أجزاء بأكملها، وأخطأ في الترجمة، وأعاد ترتيب السور، وأضاف من عنده ليشرح السور المنفصلة ويصل بعضها ببعض، واستخلص نتائج لا وجود لها ولا صلة بينها وبين القرآن الكريم البتة، ولم تكن هذه الترجمة أبداً، ترجمة مخلصة صادقة، وكاملة للنص القرآني، وعلى رغم عدم تداولها بسبب عدم ظهور الطباعة، إلا أنها ظلت الترجمة الوحيدة حتى القرن الرابع عشر الميلادي، حين قام ريمون ليل بترجمة أخرى للقرآن إلى اللغة اللاتينية، إلا أنه بعد العثور على ترجمة أخرى في إسطنبول القديمة بتركيا في مكتبة القديسين المبشرين بالمسيحية بعنوان «القرآن أبيتوم Alcorani Epitome»، تبين أن ترجمة دير كلوني لم تكن الوحيدة.
وكانت هناك محاولة ثانية لترجمة معاني القرآن الكريم في الأندلس بطليطلة، حيث قام دون أبراهام بناء على طلب الملك ألفونس العاشر (1252 - 1248) بترجمة سورة المعارج إلى الإسبانية، ومنذ ذلك الوقت أخذت الكنيسة الكاثوليكية تهتم بما جاء به الإسلام، ليس بهدف التعرف إلى هذا الدين الجديد ودراسته موضُوعياً، ولكن بغرض دحض هذا الدين الجديد، ومحاربة أفكاره وقيمه، ومفاهيمه، وإقناع الناس بأن الرسول محمد الذي جاء بهذا الدين الجديد ليس نبياً، وإنما قام بتأليف القرآن، بعد أن تتلمذ على أيدي بعض الرهبان والأحبار المسيحيين.
ثم خفقت الاهتمامات الجادة بالإسلام في الغرب خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر، بسبب الصراعات الداخلية في أوروبا نفسها، بينما كانت إمبراطورية الإسلام قد اتسعت رقعتها إلى حدود الصين والهند، بعيداً من أوروبا، الأمر الذي جعل الأوروبيين لا يعودون يرون فيه القوة الخطرة التي تهدد أوروبا، إلا أن خطر الإسلام على أوروبا عاد مرة أخرى، وازداد هذه المرة اقتراباً على أيدي العثمانيين الذين أصبحوا مُحكمين قبضتهم على البلقان، وسقطت القسطنطينية عام 1453، وباتت هنغاريا مُهددة، ومن ثم بات على الأوروبيين أن يقوموا باحتواء هذا الخطر الإسلامي العائد هذه المرة بقوة، والعمل على تحجيمه، فظهرت محاولات عدة لترجمة القرآن الكريم، قام بها كل من: جون السيجوفي John Of Segovia، ونيكولاس القوصي Nicholas Of Cusa، وإينياسس سيلفياس Aeneasis Silvius، وجون جيرمين Jean Germain.
وبعد اختراع الطباعة عام 1450، انتشرت ترجمات القرآن، بلغات أوروبية مختلفة، ومنذ ذلك الحين تتابعت الترجمات، فظهرت الترجمة الإيطالية عام 1547 التي كانت أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم كاملاً إلى لغة أوروبية حديثة.
وعاد الإسلام في القرن السادس عشر قوة عالمية، إذ شهد هذا القرن ثلاث إمبراطوريات إسلامية كبيرة. العثمانيون في آسيا الصغرى وشرق أوروبا، والصفويون في إيران، والمغول في الهند، وكان خطر العثمانيين هو أشد الأخطار بالنسبة إلى أوروبا المسيحية، وكان اعتلاء السلطان سليمان القانوني (1520 - 1566) العرش بداية لسلسلة هجمات عثمانية على هنغاريا والنمسا، فتم له فتح بلغراد عام 1521، وحوصرت فيينا عام 1529، وبحلول عام 1541، كان جزء كبير من هنغاريا تحت الحكم العثماني، وفي عام 1542 بات سقوط ألمانيا قاب قوسين أو أدنى، الأمر الذي دفع كثراً من الكُتاب ورجال الدين الأوروبيين إلى الاعتقاد بقرب نهاية العالم.
ومنذ منتصف القرن السابع عشر بدأ اهتمام بعض الديبلوماسيين الأوروبيين الذين عاشوا في البلاد الإسلامية، بدراسة اللغة العربية وبدراسة كتاب المسلمين في بلاد الشرق، وبدأت تظهر مؤلفات جديدة، وبرزت ظاهرة أدبية أطلق عليها في ما بعد «الاستشراق Orientalisme» فظهرت ترجمات عدة للقرآن الكريم باللغة الفرنسية، ولعل أولاها ترجمة أندريه دو ريير عام 1647 الذي كان قنصلاً لفرنسا في مصر بين عامي 1647 و1775.
ترجمات كثيرة للقرآن الكريم
وفي القرن الثامن عشر، ظهرت في فرنسا واحدة من أكثر الترجمات الفرنسية انتشاراً وشهرة، وهي ترجمة الكونت «دي بولتفيليه» التي صدرت عام 1730، تلك الترجمة التي انتقلت إلى معظم اللغات الأوروبية على رغم عدم دقتها العلمية، ولا أمانتها التي ندد بها بعض علماء عصر التنوير، بخاصة في إنكلترا. وفي عام 1783، ظهرت في فرنسا ترجمة مهمة بالفرنسية لكلود سافاري الذي عاش في مصر خمس سنوات ليتعلم اللغة العربية ويُترجم القرآن، وكانت هذه الترجمة الوحيدة التي نقلت عبقرية الأسلوب والصيغ النبوية للنص الأصلي، وظهرت أول ترجمة إلى اللغة الإنكليزية على يد ألكسندر روس عام 1648، نقلاً عن ترجمة أندريه دو ريير الفرنسية، ومن ثم لم تكن هذه الترجمة دقيقة، واحتوت على أخطاء كثيرة، ومُغالطات واضحة عن الإسلام.
وفي القرن العشرين، ظهرت ترجمات كثيرة للقرآن الكريم باللغات الأوروبية، اتسمت غالبيتها بالحيادية، وتخلص المترجمون الأوروبيون من عقدة «دحض الدين الإسلامي ومحاربته»، وتشويه صورة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، بل حاولوا بغالبيتهم نقل النص القرآني بأمانة وصدق، ودقة علمية ولغوية، مع بعض الشروحات الجانبية للمزيد من التوضيح. وفي أواخر القرن ذاته، ظهرت أحدث الترجمات للمترجم الفرنسي المشهور جاك بيرك عام 1990، وترجمة الكاتب اليهودي أندريه شواركي في العام ذاته، وقد أحدثت كل منهما ضجة في العالم الإسلامي والغرب، بخاصة في القاهرة، حيث أمر شيخ الأزهر جاد الحق علي جاد الحق بتشكيل لجنة علمية عام 1995؛ لمراجعة ترجمة جاك بيرك وخلصت اللجنة إلى أن هذه الترجمة غير أمينة واعتبرتها مُحرمة، واتهمت مؤلفها بالجهل باللغة العربية، على رغم أنه كان عضواً في مجمع اللغة العربية بالقاهرة لمدة عشرين سنة.
وربما أحدث ذلك صحوة من جانب المترجمين المسلمين فشهد القرن العشرين بعض الترجمات من قبل المسلمين، والتي بدأت عام 1936؛ عندما أصدر مجلس الوزراء المصري قراراً رسمياً بموافقته على ترجمة معاني القرآن الكريم ترجمة رسمية تقوم بها مشيخة الأزهر بمساعدة وزارة الأوقاف العمومية، وذلك وفقاً لفتوى جماعة كبار العلماء أساتذة كلية الشريعة، وكانت مشيخة الأزهر برئاسة محمد مصطفى المراغي الذي كان أيضاً رئيس جماعة كبار العلماء التي أصدرت قرارها الموافقة على ترجمة معاني القرآن الكريم. وكانت هذه أولى المحاولات من قبل المسلمين لأجل ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأجنبية، بخاصة الإنكليزية، ثم الألمانية، والإسبانية، والفرنسية، والإيطالية، وفي ما بعد إلى معظم لغات العالم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.