وزارة «العمل» تصدر قرارًا بتحديد الإجازات الدينية للمسيحيين    شُعبة الساعات تبحث تعاونًا جديدًا مع مديرية التموين بالقاهرة لزيادة استقرار السوق    السعودية: ندعو الإمارات إلى وقف أي دعم عسكري للمجلس الانتقالي الجنوبي باليمن    روسيا تشدد موقفها في محادثات السلام بعد اتهام أوكرانيا بمهاجمة مقر إقامة بوتين    القاهرة الإخبارية: الجيش اللبناني يتسلم سلاحًا وذخائر من مخيم عين الحلوة    مدرب السودان: هدفنا الفوز في أمم أفريقيا حتى لو واجهنا البرازيل والأرجنتين    قائمة منتخب اليد لمعسكر الإعداد لبطولة إفريقيا    المقاولون العرب يحرز الهدف الثالث أمام الأهلي    بي إن سبورتس: برشلونة يقترب من ضم حمزة عبد الكريم بعد تقديم العرض الأخير    وزير التعليم يكلف نادية مستشارا ومشرفًا عامًا على شؤون المعلمين    كشف ملابسات إطلاق أعيرة نارية في الهواء بسوهاج    حصاد الأوبرا 2025.. مليون مشاهد وألف فعالية إبداعية على المسارح    منصور هندي عضو مجلس نقابة الموسيقيين يتعرض لحادث سير    خالد الجندي: القبر مرحلة في الطريق لا نهاية الرحلة    محافظ الغربية يتفقد عيادتي التأمين الصحي بمدينة طنطا    محافظ الجيزة يعقد اللقاء الأسبوعي لبحث شكاوى المواطنين    عاجل.. المشدد 5 سنوات لل «العميل صفر» بتهمة التحريض على «ثورة المفاصل» والتهديد بقتل مرضى القلب    حصاد الشرقية 2025.. تنفيذ 209 مشروعات خدمية بتكلفة 2.6 مليار جنيه    ‌الإمارات تعلن إنهاء وجودها العسكري في اليمن    دينا وائل ترفض المواجهة وتهرب مجددًا فى الحلقة 17 من مسلسل ميد تيرم    تنظيم القاعدة يبحث في حضرموت عن ثغرة للعودة    التشكيل الرسمي لمباراة نيجيريا ضد أوغندا في كأس أمم أفريقيا 2025    كشف ملابسات مشاجرة بالجيزة وضبط طرفيها    مران الزمالك – الفريق يستأنف التدريبات بقيادة عبد الرؤوف.. وتصعيد عمار ياسر    خالد الجندى: العمر نعمة كبرى لأنها فرصة للتوبة قبل فوات الأوان    اختيار الدكتور جودة غانم بالأمانة الفنية للمجلس الوطنى للتعليم والبحث والابتكار    محافظ قنا يشارك في فعاليات اليوم العالمي لذوي الهمم بكورنيش النيل    حبس رمضان صبحي سنة مع الشغل    رئيس جامعة قناة السويس يهنئ السيسي بالعام الميلادي الجديد    الرئيس الإيراني يتوعد برد "قاس ومؤسف" على تهديدات ترامب    بيراميدز يخطف حامد حمدان من الأهلي    الأمانة العامة لمجلس النواب تبدأ في استقبال النواب الجدد اعتبارا من 4 يناير    مهرجان المنصورة الدولي لسينما الأطفال يكشف عن بوستر دورته الأولى    الصحة: تقديم 22.8 مليون خدمة طبية بالشرقية وإقامة وتطوير المنشآت بأكثر من ملياري جنيه خلال 2025    الزراعة: تحصين 1.35 مليون طائر خلال نوفمبر.. ورفع جاهزية القطعان مع بداية الشتاء    وكيل صحة سوهاج يلتقى أطباء قسم العظام بمستشفى طهطا لبحث تطوير الخدمات    وزير الداخلية يعقد اجتماعا مع القيادات الأمنية عبر تقنية (الفيديو كونفرانس)    إصابة شخصين فى حادث تصادم سيارتين بقنا    الجامعة الأمريكية بالقاهرة في 2025، عام من الابتكارات والتأثير على المستوى العالمي    وزارة العدل تقرر نقل مقرات 7 لجان لتوفيق المنازعات في 6 محافظات    معهد الأورام يستقبل وفدا من هيئة الهلال الأحمر الإماراتي لدعم المرضى    محافظ المنوفية يضع حجر الأساس لإنشاء دار المناسبات الجديدة بحي شرق شبين الكوم    مصرع تاجر مخدرات وضبط آخرين في مداهمة بؤرة إجرامية ببني سويف    معبد الكرنك يشهد أولى الجولات الميدانية لملتقى ثقافة وفنون الفتاة والمرأة    فيديو.. متحدث الأوقاف يوضح أهداف برنامج «صحح قراءتك»    المركزي والتصدير الإفريقي يوقعان مذكرة لإنشاء بنك للذهب في مصر    تراجع معظم مؤشرات البورصة بمستهل تعاملات الثلاثاء    بنك مصر يخفض أسعار الفائدة على عدد من شهاداته الادخارية    رئيس جامعة الجيزة الجديدة: تكلفة مستشفى الجامعة تقدر بنحو 414 مليون دولار    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-12-2025 في محافظة الأقصر    «هتحبس ليه؟ فرحي باظ وبيتي اتخرب».. أول تعليق من كروان مشاكل بعد أنباء القبض عليه    اليوم.. طقس شديد البرودة ليلا وشبورة كثيفة نهارا والعظمي بالقاهرة 20 درجة    التموين تعلن اعتزامها رفع قيمة الدعم التمويني: 50 جنيه لا تكفي    القبض على المتهمين بقتل شاب فى المقطم    إعلام فلسطيني: طائرات الاحتلال تشن غارات شرقي مخيم المغازي وسط قطاع غزة    بيان ناري من جون إدوارد: وعود الإدارة لا تنفذ.. والزمالك سينهار في أيام قليلة إذا لم نجد الحلول    الناقدة مها متبولي: الفن شهد تأثيرًا حقيقيًا خلال 2025    ما أهم موانع الشقاء في حياة الإنسان؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المكتبات الرقميّة بصفتها رفوفاً شبكيّة لتجميع أوعية المعرفة
نشر في صوت البلد يوم 11 - 12 - 2017

إذا كان من تعريف لمعنى الثورة في الحديث عن تأثير المعلوماتيّة والاتّصالات المتطوّرة، فالأرجح أنه يتعلق بتغلغلها في ثنايا الحياة اليوميّة، بداية من العلوم ووصولاً إلى المنازل، وتغيير مناحيها كلّها. ولعل شيئاً لم يتأثر بتلك الثورة أكثر من الأشياء المتّصلة بالكتابة وتناقل المعلومات والمعارف، وهي أمور تقف المكتبة في القلب منها. ويعتبر الانتقال في المكتبة من صورتها التقليديّة المستندة إلى تراكم الكتب، إلى مشهديّة رقميّة تنبع من قلب ثورة المعلوماتيّة والاتّصالات، نموذجاً مكثّفاً عن تلك الثورة.
في ذلك السياق، صدر أخيراً كتاب من تأليف عربي عنوانه «المكتبات الرقميّة: تحديات الحاضر وآفاق المستقبل» عن «مكتبة الملك فهد» في الرياض، وهو من تأليف الدكتور عبد المجيد بوعزة. ويتميّز بكثافة مادته وسهولته في طرح موضوعاته، ما يجعله مدخلاً إلى التعرّف إلى أساسيّات ذلك المجال.
ووفق الكتاب، يدلّ مفهوم المكتبة الرقميّة Digital Library على نظام معلوماتي تكون فيه موارد المكتبة متوافرة في شكل قابل لأن يعالج بواسطة الكومبيوتر. وفي ذلك النظام، تستند وظائف الاقتناء والحفظ والاسترجاع والإتاحة وغيرها، إلى تقنيات الرَقْمَنَة Digitization.
ويشير المؤلّف إلى أنّ المكتبة الرقميّة (التي تعرف أيضاً تحت مسمّى الافتراضيّة Virtual Library) عُرّفَت بأكثر من طريقة كأن توصف بأنّها مجموعة إلكترونيّة منظّمة تتألّف من مواد موزّعة ومخزّنة على شبكة اتصال رقمي ما يمّكن من الوصول إليها والبحث فيها. كذلك جرى تعريفها بأنها «مكتبة بلا جدران»، و «الرفوف الافتراضيّة التي تختصر المسافة بين الوصول إلى الكتاب وعمليات اقتنائه» وغيرهما.
وبذا، يتبيّن أنّ مصطلح «المكتبة الرقميّة» استخدم أولاً للإشارة إلى طريقة في الترميز تتضمن وضع المحتوى الورقي في ملفات وبيانات رقميّة. وتدريجاً، تراكم مفهوم قوامه أنّها مساحة للانتقال من الإتاحة المباشرة للكتب إلى إتاحتها من بُعد، إضافة إلى تطوّر في شكل المكتبة ونشاطاتها بمعنى انتقالها إلى صيغ افتراضيّة.
مراوحة بين الرقمي والافتراضي
تملك تلك المكتبة وجوداً ماديّاً، بل هي عبارة عن نصوص رقميّة أتيحت للعرض بواسطة تقنية «النص المترابط» («هايبرتكست» Hypertext) الذي يجعلها متاحة على شبكة الإنترنت.
ويطّلع الجمهور على محتوياتها من بُعد، بل لا يكون الاتّصال بها إلا عبر الكومبيوتر، ما يتيح أيضاً إمكان الحصول على الكتب ونسخها إلكترونيّاً.
ويشير الكاتب إلى أنّ عمليات البحث في المكتبات الرقميّة تتطلّب استخدام أدوات متطوّرة، هي التي ظهرت مع انتشار ال «ويب».
وتشمل مجلّدات مفهرسة وفق موضوعاتها، ومحرّكات البحث، وأدوات التفتيش الفائقة («ميتاسيرش» Meta Search)، إضافة إلى اعتماد سُبُل رقميّة في إعداد كشوف المعلومات. وتنهض بتلك المهمات برمجيّات مختصة تحمل مسمّيات كالعناكب وزواحف ال «ويب» Web Crawlers، والديدان الإلكترونيّة والبرامج المؤتمتة للتجميع المعلومات ومتابعتها وهي التي يشار إليها مجازاً باسم «روبوتات الإنترنت»، على رغم كونها مجرد برامج رقميّة! وثمّة من يرى أنّه لا توجد اختلافات بين مصطلحي «المكتبات الرقميّة» و«المكتبات الافتراضيّة». إذ يؤكّد الدكتور سعد الهجرسي (وهو مختص مصري بالمكتبات، يحمل درجة دكتوراه في المكتبات والمعلومات) أنّه «في معايير دقيقة، هما وجهان يعبّران عن مفهوم واحد». وهناك أيضاً من يعتبر أنّ بينهما علاقة ترادف، لكنها لا تتم من دون تجاوز. ويرجع ذلك إلى ارتباط الرقمي بآليّة صنع النص، فيرافق تنفيذ الأفكار، ثم يتابع نشرها عبر الحاسوب. وينسجم هذا الوصف مع مصطلح المكتبات الرقميّة. في المقابل، يرتبط الافتراضي بمكان وجود المكتبة، وهو يشير إلى أنها موجودة حقاً في عالم الإلكترونيّات، على رغم أنها لا ترى عياناً ولا تملك وجوداً ماديّاً تقليديّاً.
واستطراداً، يتناول الكاتب أهم القضايا المتّصلة بموضوع المكتبات الرقميّة، خصوصاً بيئتها وتنظيمها ومجموعاتها، والمعالجة الببليوغرافيّة للوثائق، وآليات استرجاع المعلومات، وطرق القراءة الحديثة، والمجموعات الخاصة، وحفظ مجموعات الكتب، والانعكاسات الفكرية التي أفرزتها المكتبات الافتراضيّة.
وجه شبكي للجمهور
في خضم تلك البيئة الرقميّة يجدر التساؤل: هل حدثت قطيعة بين المكتبات التقليدية والمكتبات الرقميّة على مستوى الوظائف؟ يورد الكاتب رأياً لمختص غربي مفاده أنّ التغيير الكبير الذي حصل مع ظهور المكتبات الرقميّة يتمثّل في الفصل الزمني والفضائي بين المجموعات الوثائقيّة من جهة، وبين المكتبيّين من الجهة الأخرى. إذ بات الأخيرون مدعوين إلى التعامل مع موارد المعلومات مِن بُعد، وتقلصّ دورهم الفني التقليدي المتمثّل في إدارة المجموعات، لمصلحة نهوضهم بدور الوسيط.
وفي نفسٍ مُشابِه، يرى الكاتب أنّ الوظائف التقليديّة للمكتبة تشهد حالياً تغييراً في الشكل وليس الأصل، بمعنى أنّ مهمّات المكتبة باتت تمحوّر على المجموعات الإلكترونيّة مع ما يتبعها من تقديم خدمات للجمهور عبر الشبكة.
وعلى نطاق واسع، يُنظَر إلى الانتقاء واقتناء موارد المعلومات من شبكة ال «ويب»، باعتباره من أبرز وظائف المكتبة الرقميّة، فيما تتمحور الوظائف الرِئيسيّة لنظيراتها التقليديّة في اقتناء أوعية المعلومات (لفائف البرديات، أوراق المخطوطات، الكتب...)، بما يتوافق مع حاجات المستفيدين منها.
واستطراداً، تشمل معايير الاقتناء أشياء كجودة الوعاء المعرفي وكلفته.
ومع ظهور الإنترنت، طرحت مشكلة كيفية التعرف إلى الجمهور وملامحه واختيار الموارد المناسبة له. وعلى الشبكة، يبدو ذلك الجمهور غير معروف تماماً، خصوصاً أن أفراده يحصلون على خدمات المعلومات مِن بُعد، ما يعني عدم حضورهم جسديّاً إلى المكتبة.
وبذا، صار لزاماً على المكتبات الرقميّة إنجاز دراسات واسعة للتعرّف إلى المستفيدين الذين يدخلون موقع المكتبة على الشبكة، وهي غالباً ما تستند إلى عدد زيارات الفرد، ونشاطه على ال «ويب»، والمعلومات التي يطلبها وغيرها.
إشكاليّة الوعاء المعرفي في المخازن الرقميّة
على غرار نظيرتها التقليديّة، يشمل عمل المكتبة الرقميّة مسألة اختيار المصادر، بل إنها تعوّض المصادر الورقيّة، بل حتى بعض الأوعية الإلكترونيّة كالأقراص المدمجة، عبر اعتمادها على مصادر على شبكة الانترنت. كما يتولى موقعها الشبكي إعلام الجمهور عن مصادر إلكترونيّة تراها مهمّة، بفضل استفادتها من تقنيات تتعلّق ب «ترصّد المواقع» أو اليقظة المعلوماتيّة. ويعني ذلك المصطلح العمل باستمرار على متابعة تلك الموارد الإلكترونيّة، لجهة ظهور مصادر جديدة أو إحداث تغييرات وتبدّلات في ما هو قائم منها.
وتنخرط المكتبة الرقميّة أيضاً في وظيفة فهرسة المصادر. وبهدف تعريف الجمهور بمصادر المعلومات العامة المتوفّرة على الإنترنت، تعمل المكتبات الرقميّة على فهرستها ووضعها في صفحات مخصّصة للروابط الإلكترونيّة. وهنالك تجارب مهمة في الفهرسة من بينها «المشروع التعاوني لفهرسة الموارد» Cooperation Resource Catalog الذي يسمح بذلك على شكل المخطط التقني المعروف باسم «دبلن كور» Dublin Core الذي تستخدمه «مكتبة الكونغرس». ويتيح المخطط استخدام مجموعة صغيرة من الكلمات كي تصف الطيف الواسع لمصادر ال»ويب»، إضافة إلى مصادر أخرى كالكتب والأسطوانات المدمجة واللوحات الفنيّة وغيرها.
ويتيح «المشروع التعاوني...» تجديد الروابط الإلكترونيّة، وإنشاء صفحات «ويب» تتضمن أجزاءً من قاعدة معلوماته، إضافة إلى توصيف الموارد.
وتنهض المكتبة الرقميّة أيضاً بوظيفة الاتّصال وإدارة حقوق الملكيّة الفكريّة. كما يهتم المختص بالمعلومات بمسألة حق الوصول إلى الموارد الإلكترونيّة في أشكالها كلّها.
وكذلك تتولّى المكتبة الرقميّة إنتاج موارد إلكترونية كما تجعلها متاحة عبر الشبكة. وتعمل على نشر أوعيّة المعرفة الورقيّة التي تملكها بعد تحويلها إلى هيئة رقميّة، خصوصاً الأطروحات الجامعيّة، والكتب التي لا تخضع لحقوق التأليف المالي. وبقول آخر، يضحي مختص المعلومات ناشراً يتابع عملية الرَقْمَنَة، بما فيها اختيار النصوص، مع مراعاة جوانب الملكية الفكريّة فيها.
وفي السياق عينه، تهتم المكتبة الافتراضيّة بحفظ الموارد الرقميّة، آخذة بعين الاعتبار المخاطر التي تتعرض لها، ويمكن أن تتسبب في ضياعها. إذ تتأثّر أوعية المعرفة الرقميّة بالتطور التقني والتغيير السريع في التجهيزات الإلكترونيّة، خصوصاً نوعيّة الحواسيب وبرمجيّات الكومبيوتر. ونتج مِن ذلك أن بعض النصوص الرقميّة بدأت تختفي لأنه لم يعد بالإمكان قراءتها بسبب تغير طرق الترميز وظهور معايير جديدة في التعرّف إليها. وكخلاصة، صار المختص بالمعلومات مدعواً لإعادة تسجيل المعلومات الرقميّة بانتظام في أوعية معرفة جديدة، وفقاً لما يستجدّ من تحديثات في برامج الكومبيوتر والإنترنت.
إذا كان من تعريف لمعنى الثورة في الحديث عن تأثير المعلوماتيّة والاتّصالات المتطوّرة، فالأرجح أنه يتعلق بتغلغلها في ثنايا الحياة اليوميّة، بداية من العلوم ووصولاً إلى المنازل، وتغيير مناحيها كلّها. ولعل شيئاً لم يتأثر بتلك الثورة أكثر من الأشياء المتّصلة بالكتابة وتناقل المعلومات والمعارف، وهي أمور تقف المكتبة في القلب منها. ويعتبر الانتقال في المكتبة من صورتها التقليديّة المستندة إلى تراكم الكتب، إلى مشهديّة رقميّة تنبع من قلب ثورة المعلوماتيّة والاتّصالات، نموذجاً مكثّفاً عن تلك الثورة.
في ذلك السياق، صدر أخيراً كتاب من تأليف عربي عنوانه «المكتبات الرقميّة: تحديات الحاضر وآفاق المستقبل» عن «مكتبة الملك فهد» في الرياض، وهو من تأليف الدكتور عبد المجيد بوعزة. ويتميّز بكثافة مادته وسهولته في طرح موضوعاته، ما يجعله مدخلاً إلى التعرّف إلى أساسيّات ذلك المجال.
ووفق الكتاب، يدلّ مفهوم المكتبة الرقميّة Digital Library على نظام معلوماتي تكون فيه موارد المكتبة متوافرة في شكل قابل لأن يعالج بواسطة الكومبيوتر. وفي ذلك النظام، تستند وظائف الاقتناء والحفظ والاسترجاع والإتاحة وغيرها، إلى تقنيات الرَقْمَنَة Digitization.
ويشير المؤلّف إلى أنّ المكتبة الرقميّة (التي تعرف أيضاً تحت مسمّى الافتراضيّة Virtual Library) عُرّفَت بأكثر من طريقة كأن توصف بأنّها مجموعة إلكترونيّة منظّمة تتألّف من مواد موزّعة ومخزّنة على شبكة اتصال رقمي ما يمّكن من الوصول إليها والبحث فيها. كذلك جرى تعريفها بأنها «مكتبة بلا جدران»، و «الرفوف الافتراضيّة التي تختصر المسافة بين الوصول إلى الكتاب وعمليات اقتنائه» وغيرهما.
وبذا، يتبيّن أنّ مصطلح «المكتبة الرقميّة» استخدم أولاً للإشارة إلى طريقة في الترميز تتضمن وضع المحتوى الورقي في ملفات وبيانات رقميّة. وتدريجاً، تراكم مفهوم قوامه أنّها مساحة للانتقال من الإتاحة المباشرة للكتب إلى إتاحتها من بُعد، إضافة إلى تطوّر في شكل المكتبة ونشاطاتها بمعنى انتقالها إلى صيغ افتراضيّة.
مراوحة بين الرقمي والافتراضي
تملك تلك المكتبة وجوداً ماديّاً، بل هي عبارة عن نصوص رقميّة أتيحت للعرض بواسطة تقنية «النص المترابط» («هايبرتكست» Hypertext) الذي يجعلها متاحة على شبكة الإنترنت.
ويطّلع الجمهور على محتوياتها من بُعد، بل لا يكون الاتّصال بها إلا عبر الكومبيوتر، ما يتيح أيضاً إمكان الحصول على الكتب ونسخها إلكترونيّاً.
ويشير الكاتب إلى أنّ عمليات البحث في المكتبات الرقميّة تتطلّب استخدام أدوات متطوّرة، هي التي ظهرت مع انتشار ال «ويب».
وتشمل مجلّدات مفهرسة وفق موضوعاتها، ومحرّكات البحث، وأدوات التفتيش الفائقة («ميتاسيرش» Meta Search)، إضافة إلى اعتماد سُبُل رقميّة في إعداد كشوف المعلومات. وتنهض بتلك المهمات برمجيّات مختصة تحمل مسمّيات كالعناكب وزواحف ال «ويب» Web Crawlers، والديدان الإلكترونيّة والبرامج المؤتمتة للتجميع المعلومات ومتابعتها وهي التي يشار إليها مجازاً باسم «روبوتات الإنترنت»، على رغم كونها مجرد برامج رقميّة! وثمّة من يرى أنّه لا توجد اختلافات بين مصطلحي «المكتبات الرقميّة» و«المكتبات الافتراضيّة». إذ يؤكّد الدكتور سعد الهجرسي (وهو مختص مصري بالمكتبات، يحمل درجة دكتوراه في المكتبات والمعلومات) أنّه «في معايير دقيقة، هما وجهان يعبّران عن مفهوم واحد». وهناك أيضاً من يعتبر أنّ بينهما علاقة ترادف، لكنها لا تتم من دون تجاوز. ويرجع ذلك إلى ارتباط الرقمي بآليّة صنع النص، فيرافق تنفيذ الأفكار، ثم يتابع نشرها عبر الحاسوب. وينسجم هذا الوصف مع مصطلح المكتبات الرقميّة. في المقابل، يرتبط الافتراضي بمكان وجود المكتبة، وهو يشير إلى أنها موجودة حقاً في عالم الإلكترونيّات، على رغم أنها لا ترى عياناً ولا تملك وجوداً ماديّاً تقليديّاً.
واستطراداً، يتناول الكاتب أهم القضايا المتّصلة بموضوع المكتبات الرقميّة، خصوصاً بيئتها وتنظيمها ومجموعاتها، والمعالجة الببليوغرافيّة للوثائق، وآليات استرجاع المعلومات، وطرق القراءة الحديثة، والمجموعات الخاصة، وحفظ مجموعات الكتب، والانعكاسات الفكرية التي أفرزتها المكتبات الافتراضيّة.
وجه شبكي للجمهور
في خضم تلك البيئة الرقميّة يجدر التساؤل: هل حدثت قطيعة بين المكتبات التقليدية والمكتبات الرقميّة على مستوى الوظائف؟ يورد الكاتب رأياً لمختص غربي مفاده أنّ التغيير الكبير الذي حصل مع ظهور المكتبات الرقميّة يتمثّل في الفصل الزمني والفضائي بين المجموعات الوثائقيّة من جهة، وبين المكتبيّين من الجهة الأخرى. إذ بات الأخيرون مدعوين إلى التعامل مع موارد المعلومات مِن بُعد، وتقلصّ دورهم الفني التقليدي المتمثّل في إدارة المجموعات، لمصلحة نهوضهم بدور الوسيط.
وفي نفسٍ مُشابِه، يرى الكاتب أنّ الوظائف التقليديّة للمكتبة تشهد حالياً تغييراً في الشكل وليس الأصل، بمعنى أنّ مهمّات المكتبة باتت تمحوّر على المجموعات الإلكترونيّة مع ما يتبعها من تقديم خدمات للجمهور عبر الشبكة.
وعلى نطاق واسع، يُنظَر إلى الانتقاء واقتناء موارد المعلومات من شبكة ال «ويب»، باعتباره من أبرز وظائف المكتبة الرقميّة، فيما تتمحور الوظائف الرِئيسيّة لنظيراتها التقليديّة في اقتناء أوعية المعلومات (لفائف البرديات، أوراق المخطوطات، الكتب...)، بما يتوافق مع حاجات المستفيدين منها.
واستطراداً، تشمل معايير الاقتناء أشياء كجودة الوعاء المعرفي وكلفته.
ومع ظهور الإنترنت، طرحت مشكلة كيفية التعرف إلى الجمهور وملامحه واختيار الموارد المناسبة له. وعلى الشبكة، يبدو ذلك الجمهور غير معروف تماماً، خصوصاً أن أفراده يحصلون على خدمات المعلومات مِن بُعد، ما يعني عدم حضورهم جسديّاً إلى المكتبة.
وبذا، صار لزاماً على المكتبات الرقميّة إنجاز دراسات واسعة للتعرّف إلى المستفيدين الذين يدخلون موقع المكتبة على الشبكة، وهي غالباً ما تستند إلى عدد زيارات الفرد، ونشاطه على ال «ويب»، والمعلومات التي يطلبها وغيرها.
إشكاليّة الوعاء المعرفي في المخازن الرقميّة
على غرار نظيرتها التقليديّة، يشمل عمل المكتبة الرقميّة مسألة اختيار المصادر، بل إنها تعوّض المصادر الورقيّة، بل حتى بعض الأوعية الإلكترونيّة كالأقراص المدمجة، عبر اعتمادها على مصادر على شبكة الانترنت. كما يتولى موقعها الشبكي إعلام الجمهور عن مصادر إلكترونيّة تراها مهمّة، بفضل استفادتها من تقنيات تتعلّق ب «ترصّد المواقع» أو اليقظة المعلوماتيّة. ويعني ذلك المصطلح العمل باستمرار على متابعة تلك الموارد الإلكترونيّة، لجهة ظهور مصادر جديدة أو إحداث تغييرات وتبدّلات في ما هو قائم منها.
وتنخرط المكتبة الرقميّة أيضاً في وظيفة فهرسة المصادر. وبهدف تعريف الجمهور بمصادر المعلومات العامة المتوفّرة على الإنترنت، تعمل المكتبات الرقميّة على فهرستها ووضعها في صفحات مخصّصة للروابط الإلكترونيّة. وهنالك تجارب مهمة في الفهرسة من بينها «المشروع التعاوني لفهرسة الموارد» Cooperation Resource Catalog الذي يسمح بذلك على شكل المخطط التقني المعروف باسم «دبلن كور» Dublin Core الذي تستخدمه «مكتبة الكونغرس». ويتيح المخطط استخدام مجموعة صغيرة من الكلمات كي تصف الطيف الواسع لمصادر ال»ويب»، إضافة إلى مصادر أخرى كالكتب والأسطوانات المدمجة واللوحات الفنيّة وغيرها.
ويتيح «المشروع التعاوني...» تجديد الروابط الإلكترونيّة، وإنشاء صفحات «ويب» تتضمن أجزاءً من قاعدة معلوماته، إضافة إلى توصيف الموارد.
وتنهض المكتبة الرقميّة أيضاً بوظيفة الاتّصال وإدارة حقوق الملكيّة الفكريّة. كما يهتم المختص بالمعلومات بمسألة حق الوصول إلى الموارد الإلكترونيّة في أشكالها كلّها.
وكذلك تتولّى المكتبة الرقميّة إنتاج موارد إلكترونية كما تجعلها متاحة عبر الشبكة. وتعمل على نشر أوعيّة المعرفة الورقيّة التي تملكها بعد تحويلها إلى هيئة رقميّة، خصوصاً الأطروحات الجامعيّة، والكتب التي لا تخضع لحقوق التأليف المالي. وبقول آخر، يضحي مختص المعلومات ناشراً يتابع عملية الرَقْمَنَة، بما فيها اختيار النصوص، مع مراعاة جوانب الملكية الفكريّة فيها.
وفي السياق عينه، تهتم المكتبة الافتراضيّة بحفظ الموارد الرقميّة، آخذة بعين الاعتبار المخاطر التي تتعرض لها، ويمكن أن تتسبب في ضياعها. إذ تتأثّر أوعية المعرفة الرقميّة بالتطور التقني والتغيير السريع في التجهيزات الإلكترونيّة، خصوصاً نوعيّة الحواسيب وبرمجيّات الكومبيوتر. ونتج مِن ذلك أن بعض النصوص الرقميّة بدأت تختفي لأنه لم يعد بالإمكان قراءتها بسبب تغير طرق الترميز وظهور معايير جديدة في التعرّف إليها. وكخلاصة، صار المختص بالمعلومات مدعواً لإعادة تسجيل المعلومات الرقميّة بانتظام في أوعية معرفة جديدة، وفقاً لما يستجدّ من تحديثات في برامج الكومبيوتر والإنترنت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.