تنسيق الجامعات 2025، آخر موعد للتسجيل باختبارات القدرات    قصة الانتخابات البرلمانية في مصر.. من 1976 الانتخابات التي غيرت وجه الحياة السياسية إلى 2025 "انتخابات الصفقات الغامضة".. شهادة صحفية تكشف المستور فى عصر السادات وتنذر بمخاطر كبرى    وكيل أوقاف الإسماعيلية يشدد على تثقيف الأئمة ويتوعد المقصرين ( صور)    تفاصيل اجتماع وزير التموين بقيادات "العامة للجملة" لمتابعة مخزون السلع الأساسية    رسميا، تراجع مفاجئ في سعر الدولار أمام الجنيه    منظمات إسرائيلية تتهم حكومة نتنياهو بارتكاب إبادة جماعية في غزة    الكرملين: عملية تطبيع العلاقات بين روسيا وأمريكا تسير في مكانها    حماس تدعو إلى تصعيد المظاهرات أمام سفارات إسرائيل وأمريكا.. واعتبار 3 أغسطس يوما لنصرة غزة    برنامج الأغذية العالمي: كميات المساعدات الإنسانية اللازمة لا تدخل إلى غزة    دياز يصل ألمانيا تمهيدًا للانضمام إلى بايرن ميونخ    تعرف على تفاصيل مفاوضات أليو ديانج وبيراميدز    إدارة ريال مدريد تفتح ملف التجديدات.. وتضع كارفاخال وروديجر ضمن أولوياتها    إحالة سارة خليفة و27 متهما آخرين للجنايات في قضية المخدرات التخليقية    الأرصاد: انخفاض تدريجي في درجات الحرارة يبدأ غدًا ويصل إلى 4 درجات    الأزهر يعلن جدول امتحانات الدور الثاني للثانوية الأزهرية 2025.. البداية 18 أغسطس    انتشال جثة مسنة وإنقاذ نجلها في انهيار عقار سكني بطنطا    أبرزهم إليسا، نجوم الفن يتوافدون على مراسم ثاني أيام عزاء زياد الرحباني    بدء فعاليات اجتماع المجلس الأعلى للثقافة لتصويت على جوائز الدولة    فيديو ل "مركز معلومات مجلس الوزراء" يكشف جهود الدولة لتطوير المنظومة الصحية في مصر    خلال زيارة مفاجئة.. محافظ الدقهلية يشدد على انتظام العمل وحسن استقبال المرضى بعيادة التأمين الصحي بجديلة..صور    أفضل وأسوأ المشروبات خلال موجات الحر الشديدة    مطروح: مصرع شخص وإصابة 59 في انقلاب أتوبيس رحلات على الطريق الدولي الساحلي    "الفجر" ترصد لحظة وصول محافظ الدقهلية لموقع كسر خط المياه لمتابعة تنفيذ أعمال الصيانه    «التضامن» توافق على إشهار جمعيتين في محافظة البحيرة    رئيس «جهار» يستقبل وفدا من منظمة دعم أداء النظم الصحية والابتكار العالمية    وزير العمل: التعليم الفني يشهد طفرة كبيرة في السنوات الأخيرة بتعاون وجهود ملحوظة من القطاع الخاص    انتظار صدور حكم في قضية سرقة عملات ذهبية أثرية من متحف ألماني    رصيف محطة هاتشيسون رقم 1 بميناء السخنة يستقبل السفينة ZHEN HUA 36 المخصصة لنقل الأوناش الثقيلة    نقيب المهندسين ل طلاب الثانوية العامة: احذروا من الالتحاق بمعاهد غير معتمدة.. لن نقيد خريجيها    ثنائي المصري أحمد وهب وأحمد شرف ضمن معسكر منتخب الشباب استعدادًا لبطولة كأس العالم بشيلي    أسعار الخضروات والفاكهة اليوم الثلاثاء في شمال سيناء    معيط: دمج مراجعتي صندوق النقد يمنح مصر وقتًا أوسع لتنفيذ الإصلاحات    ارتفاع حصيلة ضحايا إطلاق النار فى نيويورك ل5 أشخاص بينهم ضابط شرطة    دخول 9 شاحنات مساعدات إنسانية إلى معبر كرم أبو سالم تمهيدًا لدخولها لقطاع غزة    وزير التنمية المحلية: شركاء التنمية حليف قوي في دفع العمل البيئي والمناخي في مصر    وظائف قيادية وإشرافية شاغرة بمديرية التعليم في شمال سيناء (التخصصات والشروط)    ضياء رشوان: الأصوات المشككة لن تسكت.. والرئيس السيسي قال ما لم يقله أحد من الزعماء العرب    بفرمان من ريبيرو.. الأهلي يتراجع عن صفقته الجديدة.. شوبير يكشف    مصرع 30 شخصًا في العاصمة الصينية بكين جراء الأمطار الغزيرة    يوسف معاطي: سعاد حسني لم تمت موتة عادية.. وهنيدي أخف دم كوميديان    قناة الأهلي: عبد القادر يريد الرحيل عن الأهلي والانتقال للزمالك    موعد بداية العام الدراسي الجديد 2026    بدء اختبارات مشروع تنمية المواهب بالتعاون بين الاتحادين الدولي والمصري لكرة القدم    وزير الثقافة يشهد العرض المسرحي «حواديت» على مسرح سيد درويش بالإسكندرية    في عامها الدراسي الأول.. جامعة الفيوم الأهلية تعلن المصروفات الدراسية للعام الجامعي 2025/2026    صراع على السلطة في مكان العمل.. حظ برج الدلو اليوم 29 يوليو    غادة عادل vs صبا مبارك.. انطلاق تصوير «وتر حساس» الجزء الثاني    محافظ سوهاج يوجه بتوفير فرصة عمل لسيدة كفيفة بقرية الصلعا تحفظ القرآن بأحكامه    سعر السمك البلطي والمرجان والجمبري بالأسواق اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025    «النادي ممكن يتقفل».. رسائل نارية من نصر أبوالحسن لجماهير الإسماعيلي    «البيئة» تصدر 1742 ترخيصًا لإدارة المخلفات    لجنة للمرور على اللجان الانتخابية بالدقهلية لبحث جاهزيتها لانتخابات الشيوخ    لها مفعول السحر.. رشة «سماق» على السلطة يوميًا تقضي على التهاب المفاصل وتخفض الكوليسترول.    مي كساب بإطلالة جديدة باللون الأصفر.. تصميم جذاب يبرز قوامها    ما الوقت المناسب بين الأذان والإقامة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل "الماكياج" عذر يبيح التيمم للنساء؟.. أمينة الفتوى تُجيب    إلقاء بقايا الطعام في القمامة.. هل يجوز شرعًا؟ دار الإفتاء توضح    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الموت ينتظر الفقراء في «البر التاني» صورة قاتمة لسينما واقعية
نشر في صوت البلد يوم 09 - 11 - 2017

في عرضة الأول في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي لم يحظ فيلم «البر التاني» للمخرج على إدريس بالجائزة التي كانت متوقعة له، حيث ذهب امتياز الفوز لفيلم «يوم للستات» ولكنه لم يفقد قيمته كعمل فني مهم يطرح قضية اجتماعية على قدر من الخطورة.
ولما كان الأمر كذلك أعيد عرض الفيلم مره أخرى في مهرجان السينما الروائية كحالة فنية إنسانية فريدة، تجسد حياة الفقراء في مصر ونزوعهم للفرار من الموت المحقق إلى الموت الاحتمالي، على اعتبار أنه قدر كل إنسان، سواء ظل في مكانه أو جاب الأرض طولاً وعرضاً.
على هذه الخلفية كانت المجازفة أمراً طبيعياً في صراع الجوع والفقر والمرض، فالسفر إلى إيطاليا عبر البحر المتوسط بدون أوراق رسمية هو حيلة الأبطال ووسيلتهم الوحيدة للخلاص من مصيرهم المحتوم في الداخل المؤلم، الذي يفترسهم بلا رحمة.
الفيلم يقدم نماذج من الشباب العاطل عن العمل، في واحدة من القرى المصرية التي يعيش أهلها على الكفاف، ويتحملون شظف العيش ويأملون في غد أفضل يعلقون عليه أحلامهم التي كاد الواقع أن يحولها إلى كوابيس، فالمثال الذي يقدمه علي إدريس كعنوان لفيلمه يتحدد بين عبد العزيز مخيون الأب الكفيف المسن والأم عفاف شعيب والابن محمد علي، الوجه الجديد الذي يلعب دور البطولة في التراجيديا الإنسانية الموجعة، هذه الأسرة لا تملك من حطام الدنيا غير ما يكفي قوت يومها الضروري، فهم يعملون عملاً يدوياً بدائياً يحصلون منه أجراً بسيطاً للغاية.
وفي محاولة للخلاص من حالة الضنك يتطوع الابن الأكبر بالسفر إلى إيطاليا عبر البحر، ليضع حداً للظروف الصعبة والفقر المدقع، وعليه تبدأ خطوات البحث عن تدبير مصاريف السفر للمتعهد، فيتم رهن الغالي والنفيس بغير ضمانات، ولأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، يذهب الابن في رحلة الموت والمقامرة مع عدد من شباب القرية إلى بلاد الرغد المنتظر، على متن عبارة متهالكة يقودها سمسار تخصص في عمليات التهريب، ينصب نفسه قبطاناً ويفرض سطوته بالقوة والبلطجة على كل ركاب العبارة، ليتمكن من السيطرة عليهم لتجنب أي من حالات التمرد والعصيان، ولضمان الانصياع الكامل يجردهم من جميع أسلحة المقاومة والدفاع عن النفس، بما في ذلك الأدوات البسيطة اللازمة لاستعمالهم الشخصي، كالمقص والسكين وقصافة الأظافر وغيرها.
وهنا يشير المخرج إلى عملية التجريد الكاملة التي بدأت بالفلوس والحقائب والأمتعة، وانتهت بالتجريد المعنوي والتخلي عن قناعات الهوية والوطنية والانتماء، مروراً بحالات السحق والمحق كثمن فادح مستحق دفعه لمن يستسلم لغواية السفر والهجرة غير الشرعية، بدون أي غطاء قانوني من أي نوع، وهو ما تبين خلال تفاصيل الرحلة القاتلة، وكشفت عنه الحوادث المفاجئة إبان خرق العبارة، وتآكل أجزاء منها وعدم قدرتها على مواجهة الأنواء والأعاصير في غسق الليل المظلم، وسط عجز قائدها السمسار العجوز وهلع الشباب المشحونين على متنها كالبضائع الرخيصة! ناهيك عن الخلافات والصراعات والمعارك الصغيرة التي نشبت بين الركاب المنكوبين في رحلتهم السرية المحفوفة بالخطر واستسلامهم لعمليات الابتزاز التي مورست عليهم من خفر السواحل بالقرب من الشواطئ الإيطالية توطئه للموافقة على دخولهم المياه الدولية في الميناء المنشود، كعلامة لوصولهم لبر الأمان، وهي نقطة التماس مع الحلم الذي ظل يراودهم طوال رحلتهم الشاقة الطويلة، وانفرجت أساريرهم برؤية المعالم الإيطالية عن بعد وهي تتلألأ تحت ضوء طالما ظلوا يتخيلونه في اليقظة وفي المنام، قبل أن يستفيقوا على فاجعة تحطم العبارة المتهالكة وصرخات ما قبل الغرق طلباً للإنقاذ، مع رجع الصدى المتبدد في الفضاء المطلق بعرض البحر وظلمة الليل الحالك، والمحاولات اليائسة من البعض للنجاة باستخدام العوامات التي باتوا يتقاتلون عليها كونها الوسيلة المتاحة للفرار من الموت، الذي ظنوه احتمالياً، فصار في لحظة شبحا يتربص بهم ليسرق أعمارهم الخضراء الغضة في غمرة الإيهام بالحلم الوردي الذي ينتظرهم في البر التاني.
الفيلم تميز بعمق التناول وإبهار الصورة وسرعة الإيقاع المناسب للحالة الدرامية المستهدفة ودفء الحوار الدارج والعفوي بين الأبطال، كما لعبت الإضاءة فيه دوراً مهماً في عملية الإقناع وتباين مستويات الصورة بين الليل والنهار والحالات الدلالية المقصودة بكل معانيها ودرجات تأثيرها.
في عرضة الأول في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي لم يحظ فيلم «البر التاني» للمخرج على إدريس بالجائزة التي كانت متوقعة له، حيث ذهب امتياز الفوز لفيلم «يوم للستات» ولكنه لم يفقد قيمته كعمل فني مهم يطرح قضية اجتماعية على قدر من الخطورة.
ولما كان الأمر كذلك أعيد عرض الفيلم مره أخرى في مهرجان السينما الروائية كحالة فنية إنسانية فريدة، تجسد حياة الفقراء في مصر ونزوعهم للفرار من الموت المحقق إلى الموت الاحتمالي، على اعتبار أنه قدر كل إنسان، سواء ظل في مكانه أو جاب الأرض طولاً وعرضاً.
على هذه الخلفية كانت المجازفة أمراً طبيعياً في صراع الجوع والفقر والمرض، فالسفر إلى إيطاليا عبر البحر المتوسط بدون أوراق رسمية هو حيلة الأبطال ووسيلتهم الوحيدة للخلاص من مصيرهم المحتوم في الداخل المؤلم، الذي يفترسهم بلا رحمة.
الفيلم يقدم نماذج من الشباب العاطل عن العمل، في واحدة من القرى المصرية التي يعيش أهلها على الكفاف، ويتحملون شظف العيش ويأملون في غد أفضل يعلقون عليه أحلامهم التي كاد الواقع أن يحولها إلى كوابيس، فالمثال الذي يقدمه علي إدريس كعنوان لفيلمه يتحدد بين عبد العزيز مخيون الأب الكفيف المسن والأم عفاف شعيب والابن محمد علي، الوجه الجديد الذي يلعب دور البطولة في التراجيديا الإنسانية الموجعة، هذه الأسرة لا تملك من حطام الدنيا غير ما يكفي قوت يومها الضروري، فهم يعملون عملاً يدوياً بدائياً يحصلون منه أجراً بسيطاً للغاية.
وفي محاولة للخلاص من حالة الضنك يتطوع الابن الأكبر بالسفر إلى إيطاليا عبر البحر، ليضع حداً للظروف الصعبة والفقر المدقع، وعليه تبدأ خطوات البحث عن تدبير مصاريف السفر للمتعهد، فيتم رهن الغالي والنفيس بغير ضمانات، ولأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، يذهب الابن في رحلة الموت والمقامرة مع عدد من شباب القرية إلى بلاد الرغد المنتظر، على متن عبارة متهالكة يقودها سمسار تخصص في عمليات التهريب، ينصب نفسه قبطاناً ويفرض سطوته بالقوة والبلطجة على كل ركاب العبارة، ليتمكن من السيطرة عليهم لتجنب أي من حالات التمرد والعصيان، ولضمان الانصياع الكامل يجردهم من جميع أسلحة المقاومة والدفاع عن النفس، بما في ذلك الأدوات البسيطة اللازمة لاستعمالهم الشخصي، كالمقص والسكين وقصافة الأظافر وغيرها.
وهنا يشير المخرج إلى عملية التجريد الكاملة التي بدأت بالفلوس والحقائب والأمتعة، وانتهت بالتجريد المعنوي والتخلي عن قناعات الهوية والوطنية والانتماء، مروراً بحالات السحق والمحق كثمن فادح مستحق دفعه لمن يستسلم لغواية السفر والهجرة غير الشرعية، بدون أي غطاء قانوني من أي نوع، وهو ما تبين خلال تفاصيل الرحلة القاتلة، وكشفت عنه الحوادث المفاجئة إبان خرق العبارة، وتآكل أجزاء منها وعدم قدرتها على مواجهة الأنواء والأعاصير في غسق الليل المظلم، وسط عجز قائدها السمسار العجوز وهلع الشباب المشحونين على متنها كالبضائع الرخيصة! ناهيك عن الخلافات والصراعات والمعارك الصغيرة التي نشبت بين الركاب المنكوبين في رحلتهم السرية المحفوفة بالخطر واستسلامهم لعمليات الابتزاز التي مورست عليهم من خفر السواحل بالقرب من الشواطئ الإيطالية توطئه للموافقة على دخولهم المياه الدولية في الميناء المنشود، كعلامة لوصولهم لبر الأمان، وهي نقطة التماس مع الحلم الذي ظل يراودهم طوال رحلتهم الشاقة الطويلة، وانفرجت أساريرهم برؤية المعالم الإيطالية عن بعد وهي تتلألأ تحت ضوء طالما ظلوا يتخيلونه في اليقظة وفي المنام، قبل أن يستفيقوا على فاجعة تحطم العبارة المتهالكة وصرخات ما قبل الغرق طلباً للإنقاذ، مع رجع الصدى المتبدد في الفضاء المطلق بعرض البحر وظلمة الليل الحالك، والمحاولات اليائسة من البعض للنجاة باستخدام العوامات التي باتوا يتقاتلون عليها كونها الوسيلة المتاحة للفرار من الموت، الذي ظنوه احتمالياً، فصار في لحظة شبحا يتربص بهم ليسرق أعمارهم الخضراء الغضة في غمرة الإيهام بالحلم الوردي الذي ينتظرهم في البر التاني.
الفيلم تميز بعمق التناول وإبهار الصورة وسرعة الإيقاع المناسب للحالة الدرامية المستهدفة ودفء الحوار الدارج والعفوي بين الأبطال، كما لعبت الإضاءة فيه دوراً مهماً في عملية الإقناع وتباين مستويات الصورة بين الليل والنهار والحالات الدلالية المقصودة بكل معانيها ودرجات تأثيرها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.