أسعار الذهب اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025    الاتصالات: الأكاديمية العسكرية توفر سبل الإقامة ل 30095 طالب بمبادرة الرواد الرقمين    أكثر من 30 إصابة في هجوم روسي بطائرات مسيرة على مدينة خاركيف شرق أوكرانيا    زيلينسكي يزور تركيا لإحياء مساعي السلام في أوكرانيا    ترامب يوجه رسالة خاصة ل كريستيانو رونالدو: أعتقد أن بارون يحترمني كوالده أكثر قليلا الآن    جامايكا وسورينام يكملان الملحق العالمي المؤهل لكأس العالم    غلق الطريق الصحراوى من بوابات الإسكندرية لوجود شبورة مائية تعيق الرؤية    خيرية أحمد، فاكهة السينما التي دخلت الفن لظروف أسرية وهذه قصة الرجل الوحيد في حياتها    شهر جمادي الثاني وسر تسميته بهذا الاسم.. تعرف عليه    الرئيس السيسي: البلد لو اتهدت مش هتقوم... ومحتاجين 50 تريليون جنيه لحل أزماتها    إسعاد يونس ومحمد إمام ومى عز الدين يوجهون رسائل دعم لتامر حسنى: الله يشفيك ويعافيك    ارتفاع أسعار الذهب في بداية تعاملات البورصة.. الأربعاء 19 نوفمبر    البيت الأبيض: اتفاقية المعادن مع السعودية مماثلة لما أبرمناه مع الشركاء التجاريين الآخرين    بشري سارة للمعلمين والمديرين| 2000 جنيه حافز تدريس من أكتوبر 2026 وفق شروط    حقيقة ظهور فيروس ماربورج في مصر وهل الوضع أمن؟ متحدث الصحة يكشف    شبانة: الأهلي أغلق باب العودة أمام كهربا نهائيًا    أوكرانيا تطالب روسيا بتعويضات مناخية بقيمة 43 مليار دولار في كوب 30    ترتيب الدوري الإيطالي قبل انطلاق الجولة القادمة    النيابة العامة تُحوِّل المضبوطات الذهبية إلى احتياطي إستراتيجي للدولة    "النواب" و"الشيوخ" الأمريكي يصوتان لصالح الإفراج عن ملفات إبستين    شمال سيناء تنهي استعداداتها لانتخابات مجلس النواب 2025    "الوطنية للانتخابات": إلغاء نتائج 19 دائرة سببه مخالفات جوهرية أثرت على إرادة الناخب    فرحات: رسائل السيسي ترسم ملامح برلمان مسؤول يدعم الدولة    نشأت الديهي: لا تختاروا مرشحي الانتخابات على أساس المال    انقلاب جرار صيانة في محطة التوفيقية بالبحيرة.. وتوقف حركة القطارات    مصرع شاب وإصابة اثنين آخرين في انقلاب سيارتي تريلا بصحراوي الأقصر    ما هي أكثر الأمراض النفسية انتشارًا بين الأطفال في مصر؟.. التفاصيل الكاملة عن الاضطرابات النفسية داخل مستشفيات الصحة النفسية    مصرع شاب وإصابة اثنين في انقلاب سيارتي تريلا بالأقصر    إحالة مخالفات جمعية منتجي الأرز والقمح للنيابة العامة.. وزير الزراعة يكشف حجم التجاوزات وخطة الإصلاح    النائب العام يؤكد قدرة مؤسسات الدولة على تحويل الأصول الراكدة لقيمة اقتصادية فاعلة.. فيديو    أبرزهم أحمد مجدي ومريم الخشت.. نجوم الفن يتألقون في العرض العالمي لفيلم «بنات الباشا»    في ذكرى رحيله.. أبرز أعمال مارسيل بروست التي استكشفت الزمن والذاكرة والهوية وطبيعة الإنسان    معرض «الأبد هو الآن» يضيء أهرامات الجيزة بليلة عالمية تجمع رموز الفن والثقافة    سويسرا تلحق بركب المتأهلين لكأس العالم 2026    الأحزاب تتوحد خلف شعار النزاهة والشفافية.. بيان رئاسي يهز المشهد الانتخابي    جميع المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم 2026    شجار جماعي.. حادثة عنف بين جنود الجيش الإسرائيلي ووقوع إصابات    آسر نجل الراحل محمد صبري: أعشق الزمالك.. وأتمنى أن أرى شقيقتي رولا أفضل مذيعة    أسامة كمال: الجلوس دون تطوير لم يعد مقبولًا في زمن التكنولوجيا المتسارعة    دينا محمد صبري: كنت أريد لعب كرة القدم منذ صغري.. وكان حلم والدي أن أكون مهندسة    أحمد الشناوي: الفار أنقذ الحكام    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    عاجل مستشار التحول الرقمي: ليس كل التطبيقات آمنة وأحذر من استخدام تطبيقات الزواج الإلكترونية الأجنبية    جامعة طيبة التكنولوجية بالأقصر تطلق مؤتمرها الرابع لشباب التكنولوجيين منتصف ديسمبر    تحريات لكشف ملابسات العثور على جثة شخص في الطالبية    زيورخ السويسري يرد على المفاوضات مع لاعب الزمالك    أحمد فؤاد ل مصطفى محمد: عُد للدورى المصرى قبل أن يتجاوزك الزمن    مشروبات طبيعية تساعد على النوم العميق للأطفال    طيران الإمارات يطلب 65 طائرة إضافية من بوينغ 777X بقيمة 38 مليار دولار خلال معرض دبي للطيران 2025    فيلم وهم ل سميرة غزال وفرح طارق ضمن قائمة أفلام الطلبة فى مهرجان الفيوم    هيئة الدواء: نعتزم ضخ 150 ألف عبوة من عقار الديجوكسين لعلاج أمراض القلب خلال الفترة المقبلة    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    هل يجوز أداء العشاء قبل الفجر لمن ينام مبكرًا؟.. أمين الفتوى يجيب    التنسيقية تنظم رابع صالون سياسي للتعريف ببرامج المرشحين بالمرحلة الثانية لانتخابات النواب    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر: مقارنة المهور هي الوقود الذي يشعل نيران التكلفة في الزواج    كيف يحدث هبوط سكر الدم دون الإصابة بمرض السكري؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المؤتلف والمختلف بين القصة القصيرة والرواية
نشر في صوت البلد يوم 18 - 10 - 2017

إلى وقت قريب كانت الرواية تُعرَّف بأنها قصة طويلة، والقصة القصيرة رواية قصيرة، بل ما زالت الرواية في كثير من المراجع والكتب تندرج تحت مسمى القصة من حيث التصنيف، للتفريق بينها وبين الشعر والمسرحية وغيرها من فنون الأدب. غير أن التطور المتسارع في كلا الفنين (القصة والرواية)، والتمرد على قواعد كتابتهما وقوالبهما الأكاديمية، والنزوع إلى التجريب عند كثير ممن يكتبهما، أثار جملة من التساؤلات عن العلاقة بين القصة القصيرة والرواية، وهل بقيت أي مصداقية للرأي الكلاسيكي السابق؟ أم هما فنان مختلفان لكل منهما شخصيته واستقلاليته؟ حول هذه الإشكالية جاءت آراء مجموعة من مبدعي القصة والرواية وكذلك النقاد ..
ماهية الشكل السردي
بداية يقول القاص والروائي التونسي «إبراهيم درغوثي» .. تشترك القصة القصيرة والرواية في فن السرد عامة، أي إنهما وسيلتان إبداعيتان يستطيع الكاتب من خلالهما تبليغ رسالة سردية، تُحاكي الواقع وتعبر عنه، ولئن اتفق هذان الفنان في أُسّ الكتابة، فإنهما يختلفان في شكل الإبلاغ وطريقته، فلا القصة القصيرة رواية قصيرة، ولا الرواية قصة طويلة؛ لأن القصة هي فن الإيجاز البليغ الذي يترك للقارئ فرصة تخيل النهايات الممكنة والمستحيلة، بينما الرواية هي القول على القول حد الإشباع والتخمة. القصة القصيرة باب يفتحه السارد، وهو يختار من الكلمات ما يرصّف به جدار القول القصير بتأنّ وتؤدة، فلا مكان لكلمة خارج إطار البناء السردي، ولا لجملة تشرّع للاستطراد في الزمان والمكان ولشخصيات لا محل لها في الإعراب، بينما الرواية هي فن التوسّع في البناء حتى الآفاق البعيدة لممكنات اللغة السردية. في هذا الشكل لا يمكن للقصة القصيرة أن تكون رواية قصيرة؛ لأن للرواية القصيرة شروطها الإبداعية الخاصة، وتقنيات كتابتها ومجازاتها القولية وانزياحاتها البلاغية التي تشترك في جوانب منها مع القصة القصيرة، ولكنها تختلف عنها في جوانب أخرى. كما لا يمكن للرواية أن تكون قصة طويلة؛ لأنها ستكون قصة مترهّلة بما لا تحتمل من إضافات يمكن الاستغناء عنها عند القيام بعمليات التشذيب والحذف. إن للرواية شروطها الفنية الخاصة بها، كما للقصة القصيرة شروطها، يأتلفان فيها ويختلفان، لتظل لكل واحدة منهما نكهتها الخاصة التي تميزها عن الأخرى.
وجهان للعملية السردية
ويرى القاص والروائي وكاتب أدب الأطفال المصري «محسن يونس» الأمر قائلاً .. أكتب القصة القصيرة، وكذا الرواية للكبار والصغار، ولا أجد نفسي منحازًا لأي من الوجهتين، المسألة عندي هي الرضوخ لرؤية ما تظل على إلحاحها المتواصل، حتى تتحقق كتابة، فتراها إما قصة أو نصًا روائيًا. فالعمل الروائي لا يختلف عن القصة القصيرة، فهما ابنان شرعيان للسرد. يمكننا اختصار المسألة في أن أحدهما يميل إلى القبض، بينما الآخر يميل إلى البسط، قدرة الأول – القصة القصيرة- على الاختصار، والتحديد، وقص لسان الفضفضة، إلى جانب قدرته على طرح رؤيته من خلال التركيز، بعكس الثاني – الرواية – فقدرته تأتي من قيمة الفضفضة غير المجانية، المحكمة بمشهدية قادرة على تعدد أطياف المجاز، والخيال المرتبط، مع ذلك، بالوحدة والتنوع داخل المتن. ما وصلت إليه توًا يقول بأن الابنين الشرعيين للسرد، ليسا توأمين، يتشابهان في الملامح والمشاعر والانفعالات، بل هما مختلفان، وينبغي عليهما أن يكونا مختلفين، لكل منهما شخصيته التي تقوم عليها جادة الاختلاف، ومشروعية كل منهما على التجريب في المستحيل ذاته.
ما بين الحدث والشخصية
ويرى القاص والروائي اليمني «وجدي الأهدل» أنه إذا كان محور النص السردي هو «الحدث» فإنه يُصنف كقصة. أما إذا كان محور النص السردي هو «الشخصية» فإنه يُصنف حينئذ كرواية. ليس عدد الكلمات أو الورق مهمًا، المهم هو إلى أين يمضي السرد، هل باتجاه بلورة الحدث؟ أم بلورة الشخصيات؟ ولدينا نموذج أدبي رفيع المستوى يمكن الاستشهاد به، ألا وهو «في خطو السرطان» للروائي الألماني غونتر غراس. ورغم أن هذا العمل تربو صفحاته على المئتي صفحة، ويحفل بعدد كبير نسبيًا من الشخصيات، إلا أن غونتر غراس كتب على غلافه «قصة» ولم يُصنفه كرواية. وحينما نقرأ «في خطو السرطان» سوف نفهم السبب، ذلك أن فكرة الكتاب تتمحور حول السفينة الألمانية «غوستلوف» التي غرقت في الحرب العالمية الثانية، وحول كل من له علاقة بها من قريب أو بعيد، فاهتمامه هنا لم يكن منصبًا على الشخصيات وعوالمها الداخلية، وإنما على تتبع مسار حدث معين، منذ مصرع فيلهلم غوستلوف النازي المتعصب، الذي سميت السفينة باسمه، وحتى غرق السفينة «غوستلوف» بثلاثة طوربيدات من غواصة سوفييتية. تتميز الرواية أيضًا بعنصر «التفاصيل» ووصف الشخصيات، بينما في العمل القصصي غير مرغوب بهذه التفاصيل، بل عدم وجودها يعد دليلاً على مدى جودتها.
عمق التجارب الحياتية
ويرى القاص والروائي السوري «عدنان فرزات» أن كل من القصة والرواية ينضويان في النهاية تحت غطاء السرد، أي أنهما من جنس أدبي واحد، والذي حدث في السنوات الأخيرة، هو اختلاط السرد القصصي – تحديدًا – بالخاطرة، فكثيرون يكتبون خاطرة معتقدين أنها قصة قصيرة. وهنا المشكلة أكبر من أي تقارب بين القصة والرواية، ولكن في المفهوم الفني، لا يمكن اعتبار القصة رواية قصيرة أو «مكثفة»، ولا يمكن اعتبار الرواية قصة طويلة، لأن لكل واحدة منهما غلافها الفني الذي يؤطرها، وإن كنتُ ضد تحديد عدد الكلمات لكل منهما حتى يستحق اسمه. الرواية أحيانًا يمكن اختزالها بعدد كلمات أقل مما يشترطه الصارمون في تحديد جنس الرواية وفق عدد الكلمات. لذلك هؤلاء فقط هم الذين يعيدون الرواية القصيرة إلى خانة القصة الطويلة. كذلك بالنسبة للقصة القصيرة، فهي ليست رواية مكثفة، إنما هي حكاية تبدأ وتنتهي بحدث واحد على الأغلب، وبشخصية واحدة أو عدد قليل جدًا من الشخصيات. من الظلم أن نبدل التسميات أو «نكيفّها» بين فنين مختلفين لا يجمع بينهما سوى رداء اسمه السرد، وبإمكانك أن تقول: سردًا طويلًا أو سردًا قصيرًا، ولكن ليس بوسعك أن تطلق مصطلحًا آخر من شأنه أن يكون مجحفًا بأحد الفنين.
الرواية هي الأخت الكبرى للقصة القصيرة، إن صح التعبير، الأخت الكبرى لديها عمق وتجارب في الحياة أكثر، ولكن هذا لا يقلل من شأن حكاية الأخت الأصغر التي تحكي بإيجاز ما حصل لها أمس أو اليوم، وليس على مدى سنوات مثل الأخت الكبرى.
متعة القارئ بعيداً عن التصنيفات
ويقول القاص والروائي الأردني «محمود الريماوي» إن هناك بطبيعة الحال عناصر مشتركة بين القصة القصيرة والرواية، فهما ينتميان معًا لحقل السرد، وليس هناك بين ألوان التعبير ما هو أقرب من القصة إلى الرواية أو الرواية إلى القصة. كتب كثير من القاصين روايات، وكثرة من الروائيين كتبوا قصصًا (ماركيز، كافكا، همنغواي، نجيب محفوظ، يوسف إدريس) لكن هؤلاء وأولئك لم يكتبوا مسرحًا، مع أن النصوص المسرحية تنتمي أيضًا إلى عالم السرد. تضم الرواية حكايات وقصصًا قصيرة، لكنها ليست قصة طويلة. كان هذا التعريف واردًا في النصف الأول من القرن العشرين، قبل أن يتم التقعيد وضع واعد وضع قواعد) للرواية. فقد كانت الرواية توصف بأنها قصة طويلة، والمسرحية تُنعت على أنها رواية. قد تحمل القصة ملامح الرواية إذا كانت تضم حشدًا من الشخوص، أو تتناول فترات زمنية طويلة في حياة الشخوص، أو تمعن في وصف المكان، أو إذا كان حجمها يمتد إلى بضعة آلاف من الكلمات. لكننا نصفُها كما هي بأنها قصة ذات سمات روائية. يوسف إدريس مثلا كتب قصصًا من هذا النوع، وكُتبت قصص أمريكية حديثة بعد عام 2000 تحمل هذه السمات. وهناك أيضا الرواية القصيرة (نوفيلا) وهذه تجمع بين سمات فنّي القصة والرواية. بيد أن القارئ في النهاية لا الناقد الصارم أو الأكاديمي المختص يبحث عما يثير المتعة الفنية لديه، بصرف النظر عن التسميات والتصنيفات. ولا أحد يلومه.
عبث البحث عن ملامح مشتركة
وفي الأخير .. ترى الناقدة والأكاديمية الجزائرية «فاطمة نصير» أن نقطة التقاء القصة والرواية تكمن في أنّ كلتاهما تنطويان تحت قبّة السرديات، أمّا خارج هذا الحيّز فكلّ بحث عن عرى وثقى بين القصة والرواية عبث منسلّ من غياب الرؤية بكلتيهما كنمطين سرديين، إذ لكلّ منهما خصوصيته الفارقة عن الآخر، وعليه لا يمكن اعتبار «القصّة القصيرة» رواية قصيرة، ولن تكون «الرواية» في أيّ حال من الأحوال قصة طويلة، لعدّة اعتبارات لا يسهل حصرها، أهمّ تلك الاعتبارات، البناء اللاّمتماثل بين النّص القصصي والنّص والروائي، وكذا التحوّلات المتسارعة في صياغة النصوص الروائية من جهة، والنصوص القصصية من جهة أخرى، التي صارت أكثر انحرافًا عن المعيارية، بل أكثر تمرّدًا عن التقيّد بقوالب مشتركة في إخراج النصوص، وذلك أحد آثار الخلخلة الحداثوية في السرديات بشكل عام. فإن كانت الروايات الكلاسيكية تنهض على مكوّنات مشتركة، والقصص القصيرة يستقيم عودها على شبه مخطط موحّد البنى والمكوّنات، وتظلّ التغييرات تطال فقط المضامين بمستويات متفاوتة، ولطالما اشتركت الروايات الكلاسيكية حتى في النهايات، ذلك ليس عيبًا أو قدحًا في النّصوص الكلاسيكية، وإنّما إشارة وتوضيحًا بأنّ ما يحدث على مستوى حقل السرديات (الرواية القصة القصيرة)، تحوّلات مزّقت البنيات وفكّكتها، وهدمت الصياغات الجاهزة والقوالب المتفق عليها، وأعلت من شأن حضور الأسئلة والإشكالات النارية الحارقة في النصوص القصصية والروائية على حدّ السواء. إن الرواية يمكن اعتبارها معادلًا موضوعيًا للحياة من خلال الحركية والتموّجات المتداخلة في نصّ واحد، كما أن فضاء الصفحات في الرواية يتيح للكاتب أن يفرّع الموضوعات والأسئلة من بعضها بعضا، بينما القصّة القصيرة محدودة الصفحات والكلمات، يتمّ طرحها بشكل مكثّف مع عدم وجود مساحة كما الرواية.
إلى وقت قريب كانت الرواية تُعرَّف بأنها قصة طويلة، والقصة القصيرة رواية قصيرة، بل ما زالت الرواية في كثير من المراجع والكتب تندرج تحت مسمى القصة من حيث التصنيف، للتفريق بينها وبين الشعر والمسرحية وغيرها من فنون الأدب. غير أن التطور المتسارع في كلا الفنين (القصة والرواية)، والتمرد على قواعد كتابتهما وقوالبهما الأكاديمية، والنزوع إلى التجريب عند كثير ممن يكتبهما، أثار جملة من التساؤلات عن العلاقة بين القصة القصيرة والرواية، وهل بقيت أي مصداقية للرأي الكلاسيكي السابق؟ أم هما فنان مختلفان لكل منهما شخصيته واستقلاليته؟ حول هذه الإشكالية جاءت آراء مجموعة من مبدعي القصة والرواية وكذلك النقاد ..
ماهية الشكل السردي
بداية يقول القاص والروائي التونسي «إبراهيم درغوثي» .. تشترك القصة القصيرة والرواية في فن السرد عامة، أي إنهما وسيلتان إبداعيتان يستطيع الكاتب من خلالهما تبليغ رسالة سردية، تُحاكي الواقع وتعبر عنه، ولئن اتفق هذان الفنان في أُسّ الكتابة، فإنهما يختلفان في شكل الإبلاغ وطريقته، فلا القصة القصيرة رواية قصيرة، ولا الرواية قصة طويلة؛ لأن القصة هي فن الإيجاز البليغ الذي يترك للقارئ فرصة تخيل النهايات الممكنة والمستحيلة، بينما الرواية هي القول على القول حد الإشباع والتخمة. القصة القصيرة باب يفتحه السارد، وهو يختار من الكلمات ما يرصّف به جدار القول القصير بتأنّ وتؤدة، فلا مكان لكلمة خارج إطار البناء السردي، ولا لجملة تشرّع للاستطراد في الزمان والمكان ولشخصيات لا محل لها في الإعراب، بينما الرواية هي فن التوسّع في البناء حتى الآفاق البعيدة لممكنات اللغة السردية. في هذا الشكل لا يمكن للقصة القصيرة أن تكون رواية قصيرة؛ لأن للرواية القصيرة شروطها الإبداعية الخاصة، وتقنيات كتابتها ومجازاتها القولية وانزياحاتها البلاغية التي تشترك في جوانب منها مع القصة القصيرة، ولكنها تختلف عنها في جوانب أخرى. كما لا يمكن للرواية أن تكون قصة طويلة؛ لأنها ستكون قصة مترهّلة بما لا تحتمل من إضافات يمكن الاستغناء عنها عند القيام بعمليات التشذيب والحذف. إن للرواية شروطها الفنية الخاصة بها، كما للقصة القصيرة شروطها، يأتلفان فيها ويختلفان، لتظل لكل واحدة منهما نكهتها الخاصة التي تميزها عن الأخرى.
وجهان للعملية السردية
ويرى القاص والروائي وكاتب أدب الأطفال المصري «محسن يونس» الأمر قائلاً .. أكتب القصة القصيرة، وكذا الرواية للكبار والصغار، ولا أجد نفسي منحازًا لأي من الوجهتين، المسألة عندي هي الرضوخ لرؤية ما تظل على إلحاحها المتواصل، حتى تتحقق كتابة، فتراها إما قصة أو نصًا روائيًا. فالعمل الروائي لا يختلف عن القصة القصيرة، فهما ابنان شرعيان للسرد. يمكننا اختصار المسألة في أن أحدهما يميل إلى القبض، بينما الآخر يميل إلى البسط، قدرة الأول – القصة القصيرة- على الاختصار، والتحديد، وقص لسان الفضفضة، إلى جانب قدرته على طرح رؤيته من خلال التركيز، بعكس الثاني – الرواية – فقدرته تأتي من قيمة الفضفضة غير المجانية، المحكمة بمشهدية قادرة على تعدد أطياف المجاز، والخيال المرتبط، مع ذلك، بالوحدة والتنوع داخل المتن. ما وصلت إليه توًا يقول بأن الابنين الشرعيين للسرد، ليسا توأمين، يتشابهان في الملامح والمشاعر والانفعالات، بل هما مختلفان، وينبغي عليهما أن يكونا مختلفين، لكل منهما شخصيته التي تقوم عليها جادة الاختلاف، ومشروعية كل منهما على التجريب في المستحيل ذاته.
ما بين الحدث والشخصية
ويرى القاص والروائي اليمني «وجدي الأهدل» أنه إذا كان محور النص السردي هو «الحدث» فإنه يُصنف كقصة. أما إذا كان محور النص السردي هو «الشخصية» فإنه يُصنف حينئذ كرواية. ليس عدد الكلمات أو الورق مهمًا، المهم هو إلى أين يمضي السرد، هل باتجاه بلورة الحدث؟ أم بلورة الشخصيات؟ ولدينا نموذج أدبي رفيع المستوى يمكن الاستشهاد به، ألا وهو «في خطو السرطان» للروائي الألماني غونتر غراس. ورغم أن هذا العمل تربو صفحاته على المئتي صفحة، ويحفل بعدد كبير نسبيًا من الشخصيات، إلا أن غونتر غراس كتب على غلافه «قصة» ولم يُصنفه كرواية. وحينما نقرأ «في خطو السرطان» سوف نفهم السبب، ذلك أن فكرة الكتاب تتمحور حول السفينة الألمانية «غوستلوف» التي غرقت في الحرب العالمية الثانية، وحول كل من له علاقة بها من قريب أو بعيد، فاهتمامه هنا لم يكن منصبًا على الشخصيات وعوالمها الداخلية، وإنما على تتبع مسار حدث معين، منذ مصرع فيلهلم غوستلوف النازي المتعصب، الذي سميت السفينة باسمه، وحتى غرق السفينة «غوستلوف» بثلاثة طوربيدات من غواصة سوفييتية. تتميز الرواية أيضًا بعنصر «التفاصيل» ووصف الشخصيات، بينما في العمل القصصي غير مرغوب بهذه التفاصيل، بل عدم وجودها يعد دليلاً على مدى جودتها.
عمق التجارب الحياتية
ويرى القاص والروائي السوري «عدنان فرزات» أن كل من القصة والرواية ينضويان في النهاية تحت غطاء السرد، أي أنهما من جنس أدبي واحد، والذي حدث في السنوات الأخيرة، هو اختلاط السرد القصصي – تحديدًا – بالخاطرة، فكثيرون يكتبون خاطرة معتقدين أنها قصة قصيرة. وهنا المشكلة أكبر من أي تقارب بين القصة والرواية، ولكن في المفهوم الفني، لا يمكن اعتبار القصة رواية قصيرة أو «مكثفة»، ولا يمكن اعتبار الرواية قصة طويلة، لأن لكل واحدة منهما غلافها الفني الذي يؤطرها، وإن كنتُ ضد تحديد عدد الكلمات لكل منهما حتى يستحق اسمه. الرواية أحيانًا يمكن اختزالها بعدد كلمات أقل مما يشترطه الصارمون في تحديد جنس الرواية وفق عدد الكلمات. لذلك هؤلاء فقط هم الذين يعيدون الرواية القصيرة إلى خانة القصة الطويلة. كذلك بالنسبة للقصة القصيرة، فهي ليست رواية مكثفة، إنما هي حكاية تبدأ وتنتهي بحدث واحد على الأغلب، وبشخصية واحدة أو عدد قليل جدًا من الشخصيات. من الظلم أن نبدل التسميات أو «نكيفّها» بين فنين مختلفين لا يجمع بينهما سوى رداء اسمه السرد، وبإمكانك أن تقول: سردًا طويلًا أو سردًا قصيرًا، ولكن ليس بوسعك أن تطلق مصطلحًا آخر من شأنه أن يكون مجحفًا بأحد الفنين.
الرواية هي الأخت الكبرى للقصة القصيرة، إن صح التعبير، الأخت الكبرى لديها عمق وتجارب في الحياة أكثر، ولكن هذا لا يقلل من شأن حكاية الأخت الأصغر التي تحكي بإيجاز ما حصل لها أمس أو اليوم، وليس على مدى سنوات مثل الأخت الكبرى.
متعة القارئ بعيداً عن التصنيفات
ويقول القاص والروائي الأردني «محمود الريماوي» إن هناك بطبيعة الحال عناصر مشتركة بين القصة القصيرة والرواية، فهما ينتميان معًا لحقل السرد، وليس هناك بين ألوان التعبير ما هو أقرب من القصة إلى الرواية أو الرواية إلى القصة. كتب كثير من القاصين روايات، وكثرة من الروائيين كتبوا قصصًا (ماركيز، كافكا، همنغواي، نجيب محفوظ، يوسف إدريس) لكن هؤلاء وأولئك لم يكتبوا مسرحًا، مع أن النصوص المسرحية تنتمي أيضًا إلى عالم السرد. تضم الرواية حكايات وقصصًا قصيرة، لكنها ليست قصة طويلة. كان هذا التعريف واردًا في النصف الأول من القرن العشرين، قبل أن يتم التقعيد وضع واعد وضع قواعد) للرواية. فقد كانت الرواية توصف بأنها قصة طويلة، والمسرحية تُنعت على أنها رواية. قد تحمل القصة ملامح الرواية إذا كانت تضم حشدًا من الشخوص، أو تتناول فترات زمنية طويلة في حياة الشخوص، أو تمعن في وصف المكان، أو إذا كان حجمها يمتد إلى بضعة آلاف من الكلمات. لكننا نصفُها كما هي بأنها قصة ذات سمات روائية. يوسف إدريس مثلا كتب قصصًا من هذا النوع، وكُتبت قصص أمريكية حديثة بعد عام 2000 تحمل هذه السمات. وهناك أيضا الرواية القصيرة (نوفيلا) وهذه تجمع بين سمات فنّي القصة والرواية. بيد أن القارئ في النهاية لا الناقد الصارم أو الأكاديمي المختص يبحث عما يثير المتعة الفنية لديه، بصرف النظر عن التسميات والتصنيفات. ولا أحد يلومه.
عبث البحث عن ملامح مشتركة
وفي الأخير .. ترى الناقدة والأكاديمية الجزائرية «فاطمة نصير» أن نقطة التقاء القصة والرواية تكمن في أنّ كلتاهما تنطويان تحت قبّة السرديات، أمّا خارج هذا الحيّز فكلّ بحث عن عرى وثقى بين القصة والرواية عبث منسلّ من غياب الرؤية بكلتيهما كنمطين سرديين، إذ لكلّ منهما خصوصيته الفارقة عن الآخر، وعليه لا يمكن اعتبار «القصّة القصيرة» رواية قصيرة، ولن تكون «الرواية» في أيّ حال من الأحوال قصة طويلة، لعدّة اعتبارات لا يسهل حصرها، أهمّ تلك الاعتبارات، البناء اللاّمتماثل بين النّص القصصي والنّص والروائي، وكذا التحوّلات المتسارعة في صياغة النصوص الروائية من جهة، والنصوص القصصية من جهة أخرى، التي صارت أكثر انحرافًا عن المعيارية، بل أكثر تمرّدًا عن التقيّد بقوالب مشتركة في إخراج النصوص، وذلك أحد آثار الخلخلة الحداثوية في السرديات بشكل عام. فإن كانت الروايات الكلاسيكية تنهض على مكوّنات مشتركة، والقصص القصيرة يستقيم عودها على شبه مخطط موحّد البنى والمكوّنات، وتظلّ التغييرات تطال فقط المضامين بمستويات متفاوتة، ولطالما اشتركت الروايات الكلاسيكية حتى في النهايات، ذلك ليس عيبًا أو قدحًا في النّصوص الكلاسيكية، وإنّما إشارة وتوضيحًا بأنّ ما يحدث على مستوى حقل السرديات (الرواية القصة القصيرة)، تحوّلات مزّقت البنيات وفكّكتها، وهدمت الصياغات الجاهزة والقوالب المتفق عليها، وأعلت من شأن حضور الأسئلة والإشكالات النارية الحارقة في النصوص القصصية والروائية على حدّ السواء. إن الرواية يمكن اعتبارها معادلًا موضوعيًا للحياة من خلال الحركية والتموّجات المتداخلة في نصّ واحد، كما أن فضاء الصفحات في الرواية يتيح للكاتب أن يفرّع الموضوعات والأسئلة من بعضها بعضا، بينما القصّة القصيرة محدودة الصفحات والكلمات، يتمّ طرحها بشكل مكثّف مع عدم وجود مساحة كما الرواية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.