5 دول لن تشهد انتخابات مجلس الشيوخ.. سوريا والسودان وإسرائيل أبرزهم    محافظ القليوبية يتابع أعمال النظافة ورفع الإشغالات بالخصوص    الرئيس الإيراني يبدأ زيارة رسمية إلى باكستان السبت لتعزيز التعاون الثنائي    ملك المغرب يعطي تعليماته من أجل إرسال مساعدة إنسانية عاجلة لفائدة الشعب الفلسطيني    الرئاسة الفلسطينية: مصر لم تقصر في دعم شعبنا.. والرئيس السيسي لم يتوان لحظة عن أي موقف نطلبه    فرنسا تطالب بوقف أنشطة "مؤسسة غزة الإنسانية" بسبب "شبهات تمويل غير مشروع"    القوات الأوكرانية خسرت 7.5 آلاف عسكري في تشاسوف يار    البرلمان اللبناني يصادق على قانوني إصلاح المصارف واستقلالية القضاء    تقرير: مانشستر يونايتد مهتم بضم دوناروما حارس مرمى باريس سان جيرمان    عدي الدباغ معروض على الزمالك.. وإدارة الكرة تدرس الموقف    خالد الغندور يوجه رسالة بشأن زيزو ورمضان صبحي    راديو كتالونيا: ميسي سيجدد عقده مع إنتر ميامي حتى 2028    أبرزهم آرنولد.. ريال مدريد يعزز صفوفه بعدة صفقات جديدة في صيف 2025    مصر تتأهل لنهائي بطولة العالم لناشئي وناشئات الإسكواش بعد اكتساح إنجلترا    جنوب سيناء تكرم 107 متفوقين في التعليم والرياضة وتؤكد دعمها للنوابغ والمنح الجامعية    تحقيقات موسعة مع متهم طعن زوجته داخل محكمة الدخيلة بسبب قضية خلع والنيابة تطلب التحريات    محافظ القاهرة يقود حملة لرفع الإشغالات بميدان الإسماعيلية بمصر الجديدة    نيابة البحيرة تقرر عرض جثة طفلة توفيت فى عملية جراحية برشيد على الطب الشرعى    مراسل "الحياة اليوم": استمرار الاستعدادات الخاصة بحفل الهضبة عمرو دياب بالعلمين    مكتبة الإسكندرية تُطلق فعاليات مهرجان الصيف الدولي في دورته 22 الخميس المقبل    ضياء رشوان: تظاهرات "الحركة الإسلامية" بتل أبيب ضد مصر كشفت نواياهم    محسن جابر يشارك في فعاليات مهرجان جرش ال 39 ويشيد بحفاوة استقبال الوفد المصري    أسامة كمال عن المظاهرات ضد مصر فى تل أبيب: يُطلق عليهم "متآمر واهبل"    نائب محافظ سوهاج يُكرم حفظة القرآن من ذوي الهمم برحلات عمرة    أمين الفتوى يحذر من تخويف الأبناء ليقوموا الصلاة.. فيديو    ما كفارة عدم القدرة على الوفاء بالنذر؟ أمين الفتوى يجيب    القولون العصبي- إليك مهدئاته الطبيعية    جامعة أسيوط تطلق فعاليات اليوم العلمي الأول لوحدة طب المسنين وأمراض الشيخوخة    «بطولة عبدالقادر!».. حقيقة عقد صفقة تبادلية بين الأهلي وبيراميدز    النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بعدد من مدارس التعليم الفني ب الشرقية (الأماكن)    لتسهيل نقل الخبرات والمهارات بين العاملين.. جامعة بنها تفتتح فعاليات دورة إعداد المدربين    محقق الأهداف غير الرحيم.. تعرف على أكبر نقاط القوة والضعف ل برج الجدي    وزير العمل يُجري زيارة مفاجئة لمكتبي الضبعة والعلمين في مطروح (تفاصيل)    هيئة الدواء المصرية توقّع مذكرة تفاهم مع الوكالة الوطنية للمراقبة الصحية البرازيلية    قتل ابنه الصغير بمساعدة الكبير ومفاجآت في شهادة الأم والابنة.. تفاصيل أغرب حكم للجنايات المستأنفة ضد مزارع ونجله    الشيخ خالد الجندي: الحر الشديد فرصة لدخول الجنة (فيديو)    عالم بالأوقاف: الأب الذي يرفض الشرع ويُصر على قائمة المنقولات «آثم»    تمهيدا لدخولها الخدمة.. تعليمات بسرعة الانتهاء من مشروع محطة رفع صرف صحي الرغامة البلد في أسوان    ليستوعب 190 سيارة سيرفيس.. الانتهاء من إنشاء مجمع مواقف كوم أمبو في أسوان    تعاون مصري - سعودي لتطوير وتحديث مركز أبحاث الجهد الفائق «EHVRC»    كبدك في خطر- إهمال علاج هذا المرض يصيبه بالأورام    محافظ سوهاج يشهد تكريم أوائل الشهادات والحاصلين على المراكز الأولى عالميا    الوطنية للصلب تحصل على موافقة لإقامة مشروع لإنتاج البيليت بطاقة 1.5 مليون طن سنويا    وزير البترول يبحث مع "السويدى إليكتريك" مستجدات مجمع الصناعات الفوسفاتية بالعين السخنة    هشام يكن: انضمام محمد إسماعيل للزمالك إضافة قوية    ضبط طفل قاد سيارة ميكروباص بالشرقية    حملة «100 يوم صحة»: تقديم 23 مليونًا و504 آلاف خدمة طبية خلال 15 يوماً    انطلاق المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل من محافظة مطروح    SN أوتوموتيف تطلق السيارة ڤويا Free الفاخرة الجديدة في مصر.. أسعار ومواصفات    خبير علاقات دولية: دعوات التظاهر ضد مصر فى تل أبيب "عبث سياسي" يضر بالقضية الفلسطينية    بدء الدورة ال17 من الملتقى الدولي للتعليم العالي"اديوجيت 2025" الأحد المقبل    يديعوت أحرونوت: نتنياهو وعد بن غفير بتهجير الفلسطينيين من غزة في حال عدم التوصل لصفقة مع الفصائل الفلسطينية    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل برنامج التصميم الداخلي الإيكولوجي ب "فنون تطبيقية" حلوان    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    طارق الشناوي: لطفي لبيب لم يكن مجرد ممثل موهوب بل إنسان وطني قاتل على الجبهة.. فيديو    أمانة الاتصال السياسي ب"المؤتمر" تتابع تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 31-7-2025    فوضى في العرض الخاص لفيلم "روكي الغلابة".. والمنظم يتجاهل الصحفيين ويختار المواقع حسب أهوائه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تشكيليا يرسمون وجه مصر128
نشر في صوت البلد يوم 01 - 10 - 2017

شكّل غياب وزير الثقافة المصري حلمي النمنم عن افتتاح الدورة التاسعة والثلاثين (من 20 سبتمبر إلى 8 أكتوبر)، للمعرض العام تساؤلًا كبيرا، إذ لم يكن معتادًا في السنوات الماضية أن يعتذر وزير الثقافة عن الحدث الجماعي الذي يعده التشكيليون بمثابة “رسم وجه مصر بألوان الطيف المختلفة”.
خالد سرور رئيس قطاع الفنون التشكيلية الذي تولى افتتاح المعرض بقصر الفنون بدار الأوبرا المصرية لم يقدّم بدوره تفسيرًا لغياب الوزير، وأشار في حديثه إلى أن المعرض العام مناسبة متجددة تقدم رصدًا مهمًّا للمشهد التشكيلي المصري المعاصر وهذا المقصد هو جوهر وجود هذه الفعالية الفنية القومية على خارطة الأنشطة التشكيلية السنوية.
تُمثل دورية انعقاد المعرض العام بانتظام امتدادًا معرفيًّا يمكن من خلاله رصد وتحليل المنحنى الدال على مسيرة التشكيل المصري الرائد سواء إيجابًا أو سلبًا، ومن ثم فإن سرور يتطلع إلى أن تكون هذه الدورة دافعًا جديدًا محفزًا لفناني مصر لطرح تجارب جديدة وجريئة، وأن يأتي هذا الحوار البصري الإبداعي لائقًا بمكانة التشكيل المصري وريادته.
روح مصرية شعبية
يُشارك في الدورة ال39 من “المعرض العام” 128 فنانًا تتجاوز أعمارهم الثلاثين عامًا ويمثلون أجيالًا وتيارات وميادين مختلفة، من بينهم هشام نوار، صبري عبدالغني، محسن منصور، رباب نمر، إيمان حكيم، عبدالسلام عيد، آدم حنين، عبدالوهاب عبدالمحسن، عادل ثروت، عصام درويش، مصطفى حسني، أحمد السطوحي، أيمن لطفي، سهير عثمان، سعيد بدر، صلاح المليجي، مصطفى عبدالمعطي، أحمد عبدالكريم، حمدي أبوالمعاطي، عزالدين نجيب، مرفت الشاذلي، إضافة إلى غيرهم من الفنانين التشكيليين.
سادت الملامح والوجوه المصرية كثيرًا خصوصًا في إطار الأحياء الشعبية والقرى الريفية والصعيد، وتناسجت المشاهد اليومية البسيطة والعابرة مع الأساطير والحكايا التراثية والقصص والسير والملاحم المرويّة جيلًا بعد جيل، وتنوعت الجذور المستمدة منها تجليات الفنانين المعاصرين ما بين عناصر الفن الفرعوني ووحدات الفن الإسلامي في انصهار مع اتجاهات الفن الحديثة الوافدة، كما يتجلى على سبيل المثال في أعمال عبدالوهاب عبدالمحسن وعادل ثروت وصبري عبدالغني ورباب نمر.
هذه الروح الشعبية يمكن استشفافها أيضًا في مفردات وخامات بعض الأعمال كما لدى الفنان عبدالسلام عيد، حيث يتعاطى مع الحبال والكراتين والأوراق وغيرها من منسوجات البيئة التي يصورها، فيبدو التكوين الكلي منسجمًا مع ذاته، مثلما أن الثيمات التشكيلية تتلاقى وتتجاور لدى الفنان وتمتزج في بوتقة واحدة تتسع للتصوير والنحت والكولاج معًا.
المجسّمات، في جانب آخر من المعرض العام، كما لدى مصطفى حسني وعصام درويش تحتفي بالانطلاق وليس بالسكون، وتحفّز الكتلة المهيمنة على الفراغ الجسد الإنساني على التحول إلى طاقة لا محدودة وتأتي تشكيلات الطيور والحيوانات لتفسح مجالًا أرحب للحركة وتغذية الشعور بالقدرة على تجاوز ما هو كائن إلى أفق جديد متسع.
مكرمون ومنسحبون
المكرّمون في المعرض العام أربعة من الفنانين الكبار اختيرت أعمال لهم للعرض منفردة في “قاعة الباب” بدار الأوبرا المصرية احتفاءً بدورهم الممتد في حركة التشكيل، وهم جابر حجازي، سعيد حداية، أحمد شيحا، جميل شفيق.
التشكيلي جابر حجازي (1936-2016)، رسّخ ريادته مبكرًا في ساحة التجريد المصري الحديث وتحررت لديه الكتلة النحتية من عقالها وانطلقت بشحنة تعبيرية عارمة وتخلت عن الثبات الهرمي المعتاد لتبحث عن توازن إيقاعي من نوع فريد.
والفنان سعيد حداية (1937)، هو أحد كبار فناني الجرافيك الذين حلّوا إشكالية المواءمة بين الهوية المصرية والحداثة الأوروبية ونجح في تحقيق تلك المعادلة الصعبة بغير تنازل عن قيم الشكل الحداثي المعاصر ولا عن علامات ودوال الروح الشعبية بمخزونها التراثي الممتد عبر التاريخ.
التشكيلي أحمد شيحا (1945) فنان مهموم عادة بامتلاك شكل خاص يحمل رؤى فكرية حول مصر النهضة والحضارة ومشغول بتحقيق هوية ذاتية كبصمة فريدة تتناغم مع الهوية الحضارية من خلالها يتواصل مع ذائقة الشعب ويحلم بأن يحرك سواكنه ويتخذ من رموز الحضارة المصرية القديمة وشواهدها ومومياواتها ومن تجليات بعض الحقب التاريخية المتعاقبة مثيرات بصرية محركة للخيال عبر صياغات تشكيلية معاصرة.
أما الفنان جميل شفيق (1938-2016) فهو عاشق الحبر الأسود كعازف على آلة موسيقية يجعل من أنغامها المنفردة أوركسترا بأكمله، ولديه القدرة دائمًا على جعل درجات الظلال والخطوط النحيلة بالغة الرهافة قادرة على صنع منظومة ألوان شديدة الثراء تكوّنها عين الخيال لديه ولدى مشاهدي أعماله في آن.
على الرغم من اتساع المعرض العام لتجاور أعمال 128 فنانًا في الفضاء الفسيح لدار الأوبرا المصرية فإن بعض الفنانين تغيبوا عن المعرض واعتذروا عنه وانسحبوا منه احتجاجًا على أسلوب عرض الأعمال أو لأسباب إدارية وتنظيمية أخرى.
من هؤلاء التشكيلي أحمد مصطفى الذي اعتذر عن عدم المشاركة احتجاجًا على عرض لوحته بقاعة في متحف محمود مختار بدلًا من قصر الفنون، والفنان محمد عبلة الذي اعتذر بسبب عدم تلقيه “دعوة رسمية” من قطاع الفنون التشكيلية وتمت دعوته للمشاركة باتصال هاتفي.
كذلك انسحبت الفنانة سحر الأمير اعتراضًا على وضع عملها ضمن أعمال “النسيج” على الرغم من كونه في “التصوير”، وانسحب التشكيلي محمد اللبان احتجاجًا على عرض عمله المصنوع من الجرانيت بطريقة ارتآها لا تخدم مشاهدته بوضوح من الاتجاهات كلها.
أزمة الاختيار
إشكالية أخرى واجهت المعرض العام في دورته التاسعة والثلاثين هي استبعاد بعض الفنانين من المشاركة في المعرض من قبل لجنة الفرز وتحكيم الأعمال الفنية حيث أثار عدد من هؤلاء التشكيليين المستبعدين ضجة حول أحقيتهم في المشاركة الأمر الذي دفع القوميسير العام للمعرض حمدي عبدالله إلى التوضيح أن هناك أساسيات موضوعية تحكم اختيار الأعمال المشاركة.
وفي كلمة بعنوان “المعرض العام.. تاريخ وقيمة” أوضح حمدي عبدالله أن هناك معايير حاكمة للانتقاء منها القيمة الفنية والابتكارية للأعمال وتقديمها صورة واقعية لما تحويه حركة الفن التشكيلي المصري في مجالات وتيارات متميزة، وقال القوميسير العام “هذه أهم الأسس وراء اختيار الأعمال المقدمة للمعرض العام”.
وذهبت داليا مصطفى رئيسة الإدارة المركزية لمراكز الفنون إلى أن الدورة ال39 من المعرض العام تبرهن على أن هذا الحدث، دون غيره، هو “المرآة الحقيقية للحركة التشكيلية المصرية التي تعكس صورة واقعية لما وصل إليه الفن المصري بشكل عام وما حققه كل فنان من تقدم وتطور في تجربته بشكل خاص”.
من بين منجزات المعرض إتاحته الأعمال الفنية للجمهور بسهولة، كما أنه وفّر للمختصين والمهتمين والمتلقين عددًا من الدراسات النقدية والأبحاث التي ترصد تأثير الحركة الفنية المصرية في ما يحدث من تغيرات عالمية وتأثّرها به ومدى قدرة الفن المصري على الحفاظ على أصالته وهويته.
...
كاتب من مصر
شكّل غياب وزير الثقافة المصري حلمي النمنم عن افتتاح الدورة التاسعة والثلاثين (من 20 سبتمبر إلى 8 أكتوبر)، للمعرض العام تساؤلًا كبيرا، إذ لم يكن معتادًا في السنوات الماضية أن يعتذر وزير الثقافة عن الحدث الجماعي الذي يعده التشكيليون بمثابة “رسم وجه مصر بألوان الطيف المختلفة”.
خالد سرور رئيس قطاع الفنون التشكيلية الذي تولى افتتاح المعرض بقصر الفنون بدار الأوبرا المصرية لم يقدّم بدوره تفسيرًا لغياب الوزير، وأشار في حديثه إلى أن المعرض العام مناسبة متجددة تقدم رصدًا مهمًّا للمشهد التشكيلي المصري المعاصر وهذا المقصد هو جوهر وجود هذه الفعالية الفنية القومية على خارطة الأنشطة التشكيلية السنوية.
تُمثل دورية انعقاد المعرض العام بانتظام امتدادًا معرفيًّا يمكن من خلاله رصد وتحليل المنحنى الدال على مسيرة التشكيل المصري الرائد سواء إيجابًا أو سلبًا، ومن ثم فإن سرور يتطلع إلى أن تكون هذه الدورة دافعًا جديدًا محفزًا لفناني مصر لطرح تجارب جديدة وجريئة، وأن يأتي هذا الحوار البصري الإبداعي لائقًا بمكانة التشكيل المصري وريادته.
روح مصرية شعبية
يُشارك في الدورة ال39 من “المعرض العام” 128 فنانًا تتجاوز أعمارهم الثلاثين عامًا ويمثلون أجيالًا وتيارات وميادين مختلفة، من بينهم هشام نوار، صبري عبدالغني، محسن منصور، رباب نمر، إيمان حكيم، عبدالسلام عيد، آدم حنين، عبدالوهاب عبدالمحسن، عادل ثروت، عصام درويش، مصطفى حسني، أحمد السطوحي، أيمن لطفي، سهير عثمان، سعيد بدر، صلاح المليجي، مصطفى عبدالمعطي، أحمد عبدالكريم، حمدي أبوالمعاطي، عزالدين نجيب، مرفت الشاذلي، إضافة إلى غيرهم من الفنانين التشكيليين.
سادت الملامح والوجوه المصرية كثيرًا خصوصًا في إطار الأحياء الشعبية والقرى الريفية والصعيد، وتناسجت المشاهد اليومية البسيطة والعابرة مع الأساطير والحكايا التراثية والقصص والسير والملاحم المرويّة جيلًا بعد جيل، وتنوعت الجذور المستمدة منها تجليات الفنانين المعاصرين ما بين عناصر الفن الفرعوني ووحدات الفن الإسلامي في انصهار مع اتجاهات الفن الحديثة الوافدة، كما يتجلى على سبيل المثال في أعمال عبدالوهاب عبدالمحسن وعادل ثروت وصبري عبدالغني ورباب نمر.
هذه الروح الشعبية يمكن استشفافها أيضًا في مفردات وخامات بعض الأعمال كما لدى الفنان عبدالسلام عيد، حيث يتعاطى مع الحبال والكراتين والأوراق وغيرها من منسوجات البيئة التي يصورها، فيبدو التكوين الكلي منسجمًا مع ذاته، مثلما أن الثيمات التشكيلية تتلاقى وتتجاور لدى الفنان وتمتزج في بوتقة واحدة تتسع للتصوير والنحت والكولاج معًا.
المجسّمات، في جانب آخر من المعرض العام، كما لدى مصطفى حسني وعصام درويش تحتفي بالانطلاق وليس بالسكون، وتحفّز الكتلة المهيمنة على الفراغ الجسد الإنساني على التحول إلى طاقة لا محدودة وتأتي تشكيلات الطيور والحيوانات لتفسح مجالًا أرحب للحركة وتغذية الشعور بالقدرة على تجاوز ما هو كائن إلى أفق جديد متسع.
مكرمون ومنسحبون
المكرّمون في المعرض العام أربعة من الفنانين الكبار اختيرت أعمال لهم للعرض منفردة في “قاعة الباب” بدار الأوبرا المصرية احتفاءً بدورهم الممتد في حركة التشكيل، وهم جابر حجازي، سعيد حداية، أحمد شيحا، جميل شفيق.
التشكيلي جابر حجازي (1936-2016)، رسّخ ريادته مبكرًا في ساحة التجريد المصري الحديث وتحررت لديه الكتلة النحتية من عقالها وانطلقت بشحنة تعبيرية عارمة وتخلت عن الثبات الهرمي المعتاد لتبحث عن توازن إيقاعي من نوع فريد.
والفنان سعيد حداية (1937)، هو أحد كبار فناني الجرافيك الذين حلّوا إشكالية المواءمة بين الهوية المصرية والحداثة الأوروبية ونجح في تحقيق تلك المعادلة الصعبة بغير تنازل عن قيم الشكل الحداثي المعاصر ولا عن علامات ودوال الروح الشعبية بمخزونها التراثي الممتد عبر التاريخ.
التشكيلي أحمد شيحا (1945) فنان مهموم عادة بامتلاك شكل خاص يحمل رؤى فكرية حول مصر النهضة والحضارة ومشغول بتحقيق هوية ذاتية كبصمة فريدة تتناغم مع الهوية الحضارية من خلالها يتواصل مع ذائقة الشعب ويحلم بأن يحرك سواكنه ويتخذ من رموز الحضارة المصرية القديمة وشواهدها ومومياواتها ومن تجليات بعض الحقب التاريخية المتعاقبة مثيرات بصرية محركة للخيال عبر صياغات تشكيلية معاصرة.
أما الفنان جميل شفيق (1938-2016) فهو عاشق الحبر الأسود كعازف على آلة موسيقية يجعل من أنغامها المنفردة أوركسترا بأكمله، ولديه القدرة دائمًا على جعل درجات الظلال والخطوط النحيلة بالغة الرهافة قادرة على صنع منظومة ألوان شديدة الثراء تكوّنها عين الخيال لديه ولدى مشاهدي أعماله في آن.
على الرغم من اتساع المعرض العام لتجاور أعمال 128 فنانًا في الفضاء الفسيح لدار الأوبرا المصرية فإن بعض الفنانين تغيبوا عن المعرض واعتذروا عنه وانسحبوا منه احتجاجًا على أسلوب عرض الأعمال أو لأسباب إدارية وتنظيمية أخرى.
من هؤلاء التشكيلي أحمد مصطفى الذي اعتذر عن عدم المشاركة احتجاجًا على عرض لوحته بقاعة في متحف محمود مختار بدلًا من قصر الفنون، والفنان محمد عبلة الذي اعتذر بسبب عدم تلقيه “دعوة رسمية” من قطاع الفنون التشكيلية وتمت دعوته للمشاركة باتصال هاتفي.
كذلك انسحبت الفنانة سحر الأمير اعتراضًا على وضع عملها ضمن أعمال “النسيج” على الرغم من كونه في “التصوير”، وانسحب التشكيلي محمد اللبان احتجاجًا على عرض عمله المصنوع من الجرانيت بطريقة ارتآها لا تخدم مشاهدته بوضوح من الاتجاهات كلها.
أزمة الاختيار
إشكالية أخرى واجهت المعرض العام في دورته التاسعة والثلاثين هي استبعاد بعض الفنانين من المشاركة في المعرض من قبل لجنة الفرز وتحكيم الأعمال الفنية حيث أثار عدد من هؤلاء التشكيليين المستبعدين ضجة حول أحقيتهم في المشاركة الأمر الذي دفع القوميسير العام للمعرض حمدي عبدالله إلى التوضيح أن هناك أساسيات موضوعية تحكم اختيار الأعمال المشاركة.
وفي كلمة بعنوان “المعرض العام.. تاريخ وقيمة” أوضح حمدي عبدالله أن هناك معايير حاكمة للانتقاء منها القيمة الفنية والابتكارية للأعمال وتقديمها صورة واقعية لما تحويه حركة الفن التشكيلي المصري في مجالات وتيارات متميزة، وقال القوميسير العام “هذه أهم الأسس وراء اختيار الأعمال المقدمة للمعرض العام”.
وذهبت داليا مصطفى رئيسة الإدارة المركزية لمراكز الفنون إلى أن الدورة ال39 من المعرض العام تبرهن على أن هذا الحدث، دون غيره، هو “المرآة الحقيقية للحركة التشكيلية المصرية التي تعكس صورة واقعية لما وصل إليه الفن المصري بشكل عام وما حققه كل فنان من تقدم وتطور في تجربته بشكل خاص”.
من بين منجزات المعرض إتاحته الأعمال الفنية للجمهور بسهولة، كما أنه وفّر للمختصين والمهتمين والمتلقين عددًا من الدراسات النقدية والأبحاث التي ترصد تأثير الحركة الفنية المصرية في ما يحدث من تغيرات عالمية وتأثّرها به ومدى قدرة الفن المصري على الحفاظ على أصالته وهويته.
...
كاتب من مصر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.