محافظ المنوفية: حريصون على التعاون مع التعليم العالي لصالح أبنائنا    رئيس جامعة أسيوط يهنئ الدكتور الحسن قطب لفوزه بجائزة الشارقة في المالية العامة    «التضامن» تقر قيد وتوفيق أوضاع 5 جمعيات في 5 محافظات    غداً.. بدء صرف مقررات يونيو لمستفيدي بطاقات التموين عبر 40 ألف منفذ    التضامن تنظم معرض «ديارنا للحرف اليدوية والتراثية» في إطار جولاته بالبنوك    ارتفاع أسعار البيض اليوم السبت بالأسواق (موقع رسمي)    الحج السياحي 2025 | تقنيات وخدمات جديدة بمخيمات حجاج ال 5 نجوم    وزير الري يتابع منظومة المياه بالمنيا وبني سويف    بنمو 22%.. صادرات الملابس تتجاوز مليار دولار خلال أول 4 أشهر من 2025    7 شهداء بينهم عائلة كاملة إثر قصف الاحتلال مدينتي غزة وخان يونس    وزير الخارجية والهجرة يستقبل سكرتير عام الأمم المتحدة السابق    رسوم ترامب والسباق الانتخابي الكوري الجنوبي: من يحسم المواجهة؟    الرئيس السوري أحمد الشرع يجري زيارة رسمية إلى الكويت غدا    الأمم المتحدة: الكارثة الإنسانية بقطاع غزة في أسوأ حالاتها منذ بداية حرب الإبادة    مقتل شاب في قصف إسرائيلي استهدف سيارته في جنوب لبنان    رغم رفض إسرائيل.. مصدر سعودي يؤكد ل CNN سفر وزير الخارجية إلى الضفة الغربية الأحد    ريبيرو يقود مران الأهلي اليوم.. لأول مرة    عادل عبدالرحمن: الأهلي يحتاج لهذه الصفقات قبل كأس العالم للأندية    مدينة ميونخ تميمة حظ باريس لاقتناص دوري أبطال أوروبا.. ما القصة؟    اليوم| إقامة الجولة الأخيرة في دوري المحترفين    مفاجأة.. الأهلي يقترب من اللعب في الإسماعيلية الموسم المقبل    الزمالك وفاركو.. استعداد أمني مشدد لتأمين مباراة الجولة الأخيرة من بطولة الدوري    وكيل تعليم كفر الشيخ يتابع امتحانات الشهادة الإعدادية من غرفة العمليات    اليوم الثامن من ذي الحجة.. الحجاج يقصدون منى في يوم التروية    حادث انفجار خط غاز أكتوبر.. دفاع الضحايا يطلب ضم رئيس جهاز المدينة متهماً    بالمواعيد.. تشغيل عدد من القطارات المخصوصة خلال بعض أيام عطلة عيد الأضحى    أول تعليق من أمينة خليل بعد حفل زفافها على أحمد زعتر (صور)    بعد "ري ستارت".. تامر حسني يطرب جمهور دبي في ليلة لا تنسى    انطلاق التسجيل في الدورة الثانية لمهرجان VS-FILM للأفلام القصيرة جدًا    غياب "ضحية النمر" عن أولى جلسات محاكمة مدربة الأسود.. والده يكشف التفاصيل    شريف مدكور يكشف تفاصيل إصابته بالسرطان    وزيرة التضامن توجه فرق الإغاثة والتدخل السريع والهلال الأحمر المصري برفع درجات الاستعداد لمواجهة موجة التقلبات الجوية    الصحة: رفع درجة الاستعداد الصحي في محافظة الإسكندرية بسبب الأحوال الجوية الاستثنائية    تحرك عاجل من الصحة بشأن أحداث الطقس بالإسكندرية    تحذيرات في واشنطن بعد فرار 250 مليون نحلة من شاحنة مقلوبة.. تفاصيل الحادث وجهود الإنقاذ    وزير الصحة يتفقد عددًا من المنشآت بالبحيرة ومطروح    محافظ مطروح يتفقد امتحانات الشهادة الإعدادية    شهيدان وعشرات الجرحى برصاص الاحتلال غرب رفح الفلسطينية    الاحتلال يدمر منازل 14 عائلة فى جباليا شمال قطاع غزة    ثروت سويلم: بحب الأهلي ومنظومته.. وبتمنى الأندية تمشي على نفس النهج    وزير العمل يؤكد حرص مصر على تعزيز التعاون مع صربيا في كافة المجالات    تعويض الطلاب عن تأخر توزيع أوراق امتحان اللغة العربية بعدد من لجان كفر الشيخ    نجاة شخص وزوجته بعد تعرض سيارتهما للدهس من جانب نقل في الجيزة    رغم تعديل الطرق الصوفية لموعده...انطلاق الاحتفالات الشعبية بمولد «الشاذلي» والليلة الختامية يوم «عرفة»    نتيجة الصف الرابع الابتدائي 2025 بالشرقية وخطوات الاستعلام برقم الجلوس (الموعد و الرابط)    أخصائية نفسية: طلاب الثانوية العامة قد يلجأون للانتحار بسبب الضغط النفسي    دعاء المطر والرعد كما ورد عن النبي (ردده الآن)    أفضل دعاء في العشر الأوائل من ذي الحجة.. ردده الآن للزوج والأبناء وللمتوفي ولزيادة الرزق    جدل بين أولياء الأمور حول «البوكليت التعليمى»    جراديشار: شاركت في مباراة بيراميدز ولم أكن أعرف أسماء لاعبي الأهلي    «تنسيق الجامعات 2025»: 12 جامعة أهلية جديدة تنتظر قبول الدفعة الأولى    ماس كهربائي يتسبب في نشوب حريق بمنزلين في سوهاج    محافظة قنا: الالتزام بالإجراءات الوقائية في التعامل مع حالة ولادة لمصابة بالإيدز    موعد أذان فجر السبت 4 من ذي الحجة 2025.. ودعاء في جوف الليل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 31-5-2025 في محافظة قنا    تغييرات مفاجئة تعكر صفو توازنك.. حظ برج الدلو اليوم 31 مايو    الجماع بين الزوجين في العشر الأوائل من ذي الحجة .. هل يجوز؟ الإفتاء تحسم الجدل    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات الأخرى اليوم السبت 31 مايو 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالله إبراهيم: دخلاء على السرد «يعبثون» بالرواية العربية
نشر في صوت البلد يوم 06 - 08 - 2017

عبدالله إبراهيم ناقد وأكاديمي عراقي، مختصّ بالدراسات السردية. حاصل على جائزة الملك فيصل العالمية في الآداب لعام 2014، وجائزة الشيخ زايد لعام 2013. نال درجة الدكتوراه في الآداب العربية عام 1991 من كلية الآداب - جامعة بغداد. عمل أستاذاً للدراسات الأدبية والنقدية في عدد مِن الجامعات العربية. صدر له أكثر من عشرين كتاباً، آخرها «موسوعة السرد العربي» في تسعة أجزاء في عام 2016. يرى أن الرواية في صعود مثير للعجب، في حين ينحسر الشعر وهو باحث مشارك في الموسوعة العالمية (Cambridge History of Arabic Literature)... كما صدر له «السرد النسوي»، «التخيل التاريخي».هنا حوار معه:
- أنجزت «موسوعة السرد العربي»، فهل نتوقع منك عملاً مماثلاً عن الشعر؟
ليس من واردي إثبات أمر السرد ونفي الشعر، فما لذلك أكتب، غير أنني أرى في القول بغلبة الشعر على السرد خدعة تنبغي إعادة النظر فيها، فلم يشكل الشعر في تقديري غير نشاط ثانوي في الآداب العربية، وكان السرد قديماً وحديثاً هو الأكثر تأثيراً، فالمرويات السردية تؤلّف مدوَّنة لا سبيل إلى حصرها، كالمقامات، والحكايات الخرافية، والسير الشعبية، والسير الموضوعية، والسير الذاتية، والنوادر، والطرف، وقصص الحيوان، ومرويات الإسراء والمعراج، وقصص الأنبياء، والإسرائيليات، وكتب الأخبار والتراجم، ومدوّنات الارتحال في دار الإسلام وخارجها، وكتب المسالك والممالك، فضلاً عن قصص العجائب والغرائب، وكانت تتداول لدى النسّاخ في بغداد ودمشق والقاهرة وغرناطة وقرطبة وفاس ومراكش وأصفهان وسمرقند وبخارى، ومثلها الأشهر «ألف ليلة وليلة»، و «سيرة سيف بن ذي يزن»، و «سيرة الأميرة ذات الهمّة»، و «سيرة عنترة بن شداد» و «سيرة أبي زيد الهلالي»، و «سيرة الظاهر بيبرس». أما في العصور الحديثة، فهنالك القصة القصيرة، ثم الرواية التي غطت معظم نتاج الثقافة الأدبية. هذه التركة الهائلة هي الحامل الحقيقي لهويّة الأمّة في الماضي والحاضر. لا تمكن مقارنة الشعر، لا من ناحية الوظيفة ولا من ناحية الكم والنوع، بتلك التركة الضخمة التي صاغت مشاعر الأمة، وعبّرت عن عواطفها وتصوراتها تجاه ذاتها، وتجاه الأمم الأخرى.
- إذاً، ما سبب شيوع أن العرب أمة شعر لا أمة سرد؟
- يعود ذلك إلى الاهتمام الرسمي بالشعر في قصور الخلفاء والولاة والأمراء في الماضي، وحضورهم في المنابر والمحافل والمناسبات ووسائل الإعلام في العصر الحديث، وحضور الشعر مرتبط بوجود الشعراء في المجالس والأندية والقصور، وما دام السرد يروى بعيداً من ذلك، أو يقرأ في البيوت أو المكتبات، فقد تم إهماله لأن رسالته تتجه إلى ناحية لا صلة لها بالثقافة الرسمية في الغالب، فارتسم تصور خاطئ بأنه قليل، وغير مهم. ذلك الخطأ بدأ يتعرَّض للتعديل، فثمة مراجعة جادة للسرد العربي القديم بأنواعه كافة، وإلى ذلك فقد انتزعت الرواية المكانة الأولى في العصر الحديث، وهي في صعود مثير للعجب، فيما انحسرت وظيفة الشعر، ويعود ذلك إلى انهيار قيمة القول الشعري، لأنه عجز عن تمثيل الأحوال الاجتماعية، ما أدى إلى العزوف عنه. هذه الحقيقة ينبغي الالتفات إليها، وإبطال المسلّمة القائلة بأننا أمّة شعر فقط، فإذا كان لا بد من وصف يندرج في تاريخ الأدب العربي، فالصواب هو القول بأننا أمّة سرد لأن السرد نهض بمهمة تمثيل الأحوال العامة للأمة أكثر مما قام به الشعر.
- هناك خلاف بين نقاد الأدب على ريادة الرواية العربية، ما تفسيرك لموضوع نشأة الرواية، بخاصة أنك أرجعت ظهورها إلى منتصف القرن التاسع عشر؟
أصبح هذا الموضوع مثار نقاش منذ نحو ربع قرن، والتفسير الذي قدّمته لنشأة السردية العربية الحديثة متصل بعملي على تفكيك المركزية الغربية، إذ رأيت أن الخطاب الاستعماري قدّم تفسيراً جاهزاً للظواهر الثقافية يوافق شروطه، فانتهى إلى أنه لا رواية عند العرب إن لم تمتثل لشروط الرواية الغربية، فنفى عنهم الرواية حتى عثر على رواية «زينب» لهيكل التي تتوافق جزئياً مع تلك الشروط، فقال أنها الرواية الأولى، وطمس نحو مئة رواية قبلها بدأت برواية خليل الخوري الموسومة «وي، إذن، لست بأفرنجي» التي صدرت عام 1859، وليس لدينا رواية قبلها، في ما أعلم، وظهرت عشرات الرويات خلال القرن التاسع عشر، وبذلك اختطت الرواية لنفسها طريقاً خاصاً، هو الآن مثار عجب الجميع.
- هل استطاعت الرواية إنطاق المسكوت عنه، وتحطيم الثوابت الباقية من ميراث التخلف والتطلع إلى وعود الزمن المقبل بلوازم التقدم؟
لطالما قلت أن الرواية هي «ديوان العرب»، لأنها قامت بتمثيل متنوّع لأحوال المجتمعات العربية، بخاصة فضح الاستبداد السياسي والاجتماعي والديني، وانتهاك الحريات الفردية والجماعية، ومعلوم أن السرد لا يسجل واقعاً، بل يقوم بتركيب عوالم متخيّلة مناظرة للعوالم الواقعيّة. لقد تزحزحت الوظيفة التقليدية للرواية من كونها حكاية متخيّلة إلى خطاب رمزي باحث في الشأن العام، فبالتمثيل السردي أضحت الرواية العربية سجلاً نتلمّس فيه ما يثير الهلع في النفوس عن البطانة المركّبة للجماعات القبلية والمذهبية والعرقية، فهي «ديوان» كاشف الاحتقانات الفردية في مجتمعات تتوهّم بأنها طاهرة لا يأتيها الإثم على الإطلاق.
- هل يمكن الاطمئنان إلى رسوخ الرواية العربية من ناحية الأبنية والأساليب؟
على رغم ما قدمته الرواية من تحديث للغة العربية، والانتقال بها من اللغة المعيارية إلى لغة التداول الأدبي، وما اختطته من طرق سرد جديرة بالتقدير، وما قامت به من دور جليل في تمثيل الأحوال الاجتماعية، فإن أي نوع أدبي جامح ينطوي على جرثومة فنائه، إذا مضى غير آبه بما يتعرّض له من أخطار. والأخطار التي بدأت تتسرّب إلى جسد الرواية العربية يمثّلها الدخلاء على السرد، وهم زُمر من الجاهلين بمعايير الكتابة من نواحي اللغة، والأسلوب، والبناء، والحبكة، والتمثيل السردي. واصطلحت عليهم عبارة ب «خدّج السرد» حيناً، و «غشماء السرد» حيناً آخر، فلا يعرفون أثر «العبث» الذي يقومون به، تظهرهم دور النشر التي تدفع بهم إلى الأضواء مقابل ما دفعوا لها من أموال، فالارتزاق متبادل بينهم وبين بعض الناشرين، وبعض البلاد جعل منهم نجوماً تعويضاً عن نقص لا يخفى في آدابه، وينبغي أن يتدرّب هؤلاء في معاهد السرد، ومعاهد السرد هي تجارب كبار الكتّاب في العالم، لمعرفة أصول الكتابة وفصولها. الكتابة الإنشائية، والعواطف المائعة، والثرثرة اللغوية، وغياب الحبكات الناظمة، وافتقار الشخصيات للعمق النفسي، تشكل مصدر خطر على الرواية العربية.
- هل تعتقد أنك نِلت ما تستحق في مقابل جهد استمر ربع قرن في إنجاز موسوعة السرد العربي؟
مُنحتُ جائزتا الملك فيصل والشيخ زايد على بعض مؤلّفاتي في دراسة السرد العربي الحديث، ومعظمها اندرج، لاحقاً، في «موسوعة السرد العربي، فإن جاءتني جوائز أخرى لتقدير هذا الجهد بعد اكتماله، فلا بأس، حتى من باب ترسيخ الاعتراف بالدراسات السردية الحديثة.
- هل تريد القول أن الجوائز تحقق الاعتراف بالكاتب، فيكون قد تخطّى العقبات التي تعترض غالبية الروائيين والنقاد؟
- نعم، تلفت الجوائز الكبيرة الاهتمام العالمي والمحلي بالكتّاب، فقد حملت نوبل كثيراً من الكتاب، ورمتهم في خضم تداول الأدب في العالم، وجعلت منهم أعلاماً بعد أن كان ذكرهم خاملاً في بلادهم، وينطبق هذا جزئياً على الجوائز العربية التي ما زالت حديثة عهد، ولم تعثر على طريقة لتحقيق ذلك، وأتمنى ألا يقتصر الأمر على قيمة مالية تمنح للكاتب بل إدارج مؤلفاته في تيار الثقافة القومية والعالمية كما تفعل نوبل، والبوكر الإنكليزية، والغونكور الفرنسية، وربما تكون بوكر العربية قد حققت طرفاً من ذلك، لكن الجوائز الأخرى في حاجة ماسة إلى خطة تنشيط الأدب بما يربط بين أهمية الجائزة وأهمية الكاتب الذي نالها.
- هل استفاد الروائيون في الخليج والجزيرة العربية من تقنيات الكتابة السردية عند غيرهم من الروائيين العرب والأجانب؟
ينبغي القول أن الرواية في الخليج وشبه الجزيرة العربية هي جزء من حركة السرد العربي الحديث، وهي امتداد للرواية العربية في البلاد التي ارتادت كتابة الرواية منذ القرن التاسع عشر. كما ينبغي الاعتراف بتأخر ظهور الرواية في هذه المنطقة لأسباب اجتماعية وثقافية. والتأخر التاريخي لا يقصد به التأخر في توظيف طرائق السرد الحديثة، ويصح القول أن الرواية عالجت كثيراً من المشكلات الاجتماعية، مع مراعاة أن مجتمعات هذه المنطقة محافظة لا تقبل المسّ بالقيم التقليدية، وعليه فالكتابة السردية الحقيقية تعترضها بعض الصعاب، وينظر إليها بارتياب. إنني غير ميال إلى الانتقاص من شأن الكتابة على أسس جغرافية، فمعياري الجودة، وأجد في روايات رجاء عالم، إسماعيل فهد إسماعيل، وعلي المقري، وطالب الرفاعي، وجوخة الحارثي، على سبيل المال، ما يؤكد رسوخ تجارب الكتابة.
- تثار نقاشات كثيرة حول قدرة الجيل الجديد من الروائيين على التجاوز، كيف تتلقّى كتابات شباب السرد؟
باعتباري راصداً ومحللاً الظاهرة السردية أجدني متفاعلاً مع الروائيين الشباب، فبعد جيل الرواد الذي منح الكتابة الروائية شرعيةً في نحو منتصف القرن العشرين، ظهر الجيل الثاني في آخره، وباستثناءات قليلة لاحظت على رواياته الرتابة في حركة الأحداث السردية، والإغراق في الإنشاء، كتب هذا الجيل نصوصاً مسترسلة، فيها تكرار غير محمود في السرد على الإطلاق، وظنّي أن كثراً منهم ركنوا إلى ذلك، فانحسر تأثيرهم الإبداعي، وبقي تأثيرهم الشخصي، غير أنني أعول كثيراً على الجيل الثالث الذي لاحظت أنه ينهل من المكاسب الكبرى في الرواية، ويتفاعل معها، بكتابة باحثة في أحوال المجتمعات، والغوص فيها، ولم تنقصه الشجاعة في الإفصاح عن وجهات نظر كاشفة، لهذا استحقّ بعضهم التقدير النقدي، مثل أحمد سعداوي، وخالد خليفة، ويحيى أمقاسم، وشكري المبخوت، وحامد الناظر، ويوسف فاضل، وأحمد مراد، وسواهم من جيل ذكي، وحاد النظر، ومتمكن من شؤون السرد، أو هو في طريقه للتمكن منها. ولم يخل هذا الجيل من ظهور «غشماء» عاثوا فساداً في الكتابة، لكن هذا الجيل الجديد دفع بالرواية إلى منطقة حساسة في الرؤية وأسلوب الكتابة، والموضوع الجديد.
عبدالله إبراهيم ناقد وأكاديمي عراقي، مختصّ بالدراسات السردية. حاصل على جائزة الملك فيصل العالمية في الآداب لعام 2014، وجائزة الشيخ زايد لعام 2013. نال درجة الدكتوراه في الآداب العربية عام 1991 من كلية الآداب - جامعة بغداد. عمل أستاذاً للدراسات الأدبية والنقدية في عدد مِن الجامعات العربية. صدر له أكثر من عشرين كتاباً، آخرها «موسوعة السرد العربي» في تسعة أجزاء في عام 2016. يرى أن الرواية في صعود مثير للعجب، في حين ينحسر الشعر وهو باحث مشارك في الموسوعة العالمية (Cambridge History of Arabic Literature)... كما صدر له «السرد النسوي»، «التخيل التاريخي».هنا حوار معه:
- أنجزت «موسوعة السرد العربي»، فهل نتوقع منك عملاً مماثلاً عن الشعر؟
ليس من واردي إثبات أمر السرد ونفي الشعر، فما لذلك أكتب، غير أنني أرى في القول بغلبة الشعر على السرد خدعة تنبغي إعادة النظر فيها، فلم يشكل الشعر في تقديري غير نشاط ثانوي في الآداب العربية، وكان السرد قديماً وحديثاً هو الأكثر تأثيراً، فالمرويات السردية تؤلّف مدوَّنة لا سبيل إلى حصرها، كالمقامات، والحكايات الخرافية، والسير الشعبية، والسير الموضوعية، والسير الذاتية، والنوادر، والطرف، وقصص الحيوان، ومرويات الإسراء والمعراج، وقصص الأنبياء، والإسرائيليات، وكتب الأخبار والتراجم، ومدوّنات الارتحال في دار الإسلام وخارجها، وكتب المسالك والممالك، فضلاً عن قصص العجائب والغرائب، وكانت تتداول لدى النسّاخ في بغداد ودمشق والقاهرة وغرناطة وقرطبة وفاس ومراكش وأصفهان وسمرقند وبخارى، ومثلها الأشهر «ألف ليلة وليلة»، و «سيرة سيف بن ذي يزن»، و «سيرة الأميرة ذات الهمّة»، و «سيرة عنترة بن شداد» و «سيرة أبي زيد الهلالي»، و «سيرة الظاهر بيبرس». أما في العصور الحديثة، فهنالك القصة القصيرة، ثم الرواية التي غطت معظم نتاج الثقافة الأدبية. هذه التركة الهائلة هي الحامل الحقيقي لهويّة الأمّة في الماضي والحاضر. لا تمكن مقارنة الشعر، لا من ناحية الوظيفة ولا من ناحية الكم والنوع، بتلك التركة الضخمة التي صاغت مشاعر الأمة، وعبّرت عن عواطفها وتصوراتها تجاه ذاتها، وتجاه الأمم الأخرى.
- إذاً، ما سبب شيوع أن العرب أمة شعر لا أمة سرد؟
- يعود ذلك إلى الاهتمام الرسمي بالشعر في قصور الخلفاء والولاة والأمراء في الماضي، وحضورهم في المنابر والمحافل والمناسبات ووسائل الإعلام في العصر الحديث، وحضور الشعر مرتبط بوجود الشعراء في المجالس والأندية والقصور، وما دام السرد يروى بعيداً من ذلك، أو يقرأ في البيوت أو المكتبات، فقد تم إهماله لأن رسالته تتجه إلى ناحية لا صلة لها بالثقافة الرسمية في الغالب، فارتسم تصور خاطئ بأنه قليل، وغير مهم. ذلك الخطأ بدأ يتعرَّض للتعديل، فثمة مراجعة جادة للسرد العربي القديم بأنواعه كافة، وإلى ذلك فقد انتزعت الرواية المكانة الأولى في العصر الحديث، وهي في صعود مثير للعجب، فيما انحسرت وظيفة الشعر، ويعود ذلك إلى انهيار قيمة القول الشعري، لأنه عجز عن تمثيل الأحوال الاجتماعية، ما أدى إلى العزوف عنه. هذه الحقيقة ينبغي الالتفات إليها، وإبطال المسلّمة القائلة بأننا أمّة شعر فقط، فإذا كان لا بد من وصف يندرج في تاريخ الأدب العربي، فالصواب هو القول بأننا أمّة سرد لأن السرد نهض بمهمة تمثيل الأحوال العامة للأمة أكثر مما قام به الشعر.
- هناك خلاف بين نقاد الأدب على ريادة الرواية العربية، ما تفسيرك لموضوع نشأة الرواية، بخاصة أنك أرجعت ظهورها إلى منتصف القرن التاسع عشر؟
أصبح هذا الموضوع مثار نقاش منذ نحو ربع قرن، والتفسير الذي قدّمته لنشأة السردية العربية الحديثة متصل بعملي على تفكيك المركزية الغربية، إذ رأيت أن الخطاب الاستعماري قدّم تفسيراً جاهزاً للظواهر الثقافية يوافق شروطه، فانتهى إلى أنه لا رواية عند العرب إن لم تمتثل لشروط الرواية الغربية، فنفى عنهم الرواية حتى عثر على رواية «زينب» لهيكل التي تتوافق جزئياً مع تلك الشروط، فقال أنها الرواية الأولى، وطمس نحو مئة رواية قبلها بدأت برواية خليل الخوري الموسومة «وي، إذن، لست بأفرنجي» التي صدرت عام 1859، وليس لدينا رواية قبلها، في ما أعلم، وظهرت عشرات الرويات خلال القرن التاسع عشر، وبذلك اختطت الرواية لنفسها طريقاً خاصاً، هو الآن مثار عجب الجميع.
- هل استطاعت الرواية إنطاق المسكوت عنه، وتحطيم الثوابت الباقية من ميراث التخلف والتطلع إلى وعود الزمن المقبل بلوازم التقدم؟
لطالما قلت أن الرواية هي «ديوان العرب»، لأنها قامت بتمثيل متنوّع لأحوال المجتمعات العربية، بخاصة فضح الاستبداد السياسي والاجتماعي والديني، وانتهاك الحريات الفردية والجماعية، ومعلوم أن السرد لا يسجل واقعاً، بل يقوم بتركيب عوالم متخيّلة مناظرة للعوالم الواقعيّة. لقد تزحزحت الوظيفة التقليدية للرواية من كونها حكاية متخيّلة إلى خطاب رمزي باحث في الشأن العام، فبالتمثيل السردي أضحت الرواية العربية سجلاً نتلمّس فيه ما يثير الهلع في النفوس عن البطانة المركّبة للجماعات القبلية والمذهبية والعرقية، فهي «ديوان» كاشف الاحتقانات الفردية في مجتمعات تتوهّم بأنها طاهرة لا يأتيها الإثم على الإطلاق.
- هل يمكن الاطمئنان إلى رسوخ الرواية العربية من ناحية الأبنية والأساليب؟
على رغم ما قدمته الرواية من تحديث للغة العربية، والانتقال بها من اللغة المعيارية إلى لغة التداول الأدبي، وما اختطته من طرق سرد جديرة بالتقدير، وما قامت به من دور جليل في تمثيل الأحوال الاجتماعية، فإن أي نوع أدبي جامح ينطوي على جرثومة فنائه، إذا مضى غير آبه بما يتعرّض له من أخطار. والأخطار التي بدأت تتسرّب إلى جسد الرواية العربية يمثّلها الدخلاء على السرد، وهم زُمر من الجاهلين بمعايير الكتابة من نواحي اللغة، والأسلوب، والبناء، والحبكة، والتمثيل السردي. واصطلحت عليهم عبارة ب «خدّج السرد» حيناً، و «غشماء السرد» حيناً آخر، فلا يعرفون أثر «العبث» الذي يقومون به، تظهرهم دور النشر التي تدفع بهم إلى الأضواء مقابل ما دفعوا لها من أموال، فالارتزاق متبادل بينهم وبين بعض الناشرين، وبعض البلاد جعل منهم نجوماً تعويضاً عن نقص لا يخفى في آدابه، وينبغي أن يتدرّب هؤلاء في معاهد السرد، ومعاهد السرد هي تجارب كبار الكتّاب في العالم، لمعرفة أصول الكتابة وفصولها. الكتابة الإنشائية، والعواطف المائعة، والثرثرة اللغوية، وغياب الحبكات الناظمة، وافتقار الشخصيات للعمق النفسي، تشكل مصدر خطر على الرواية العربية.
- هل تعتقد أنك نِلت ما تستحق في مقابل جهد استمر ربع قرن في إنجاز موسوعة السرد العربي؟
مُنحتُ جائزتا الملك فيصل والشيخ زايد على بعض مؤلّفاتي في دراسة السرد العربي الحديث، ومعظمها اندرج، لاحقاً، في «موسوعة السرد العربي، فإن جاءتني جوائز أخرى لتقدير هذا الجهد بعد اكتماله، فلا بأس، حتى من باب ترسيخ الاعتراف بالدراسات السردية الحديثة.
- هل تريد القول أن الجوائز تحقق الاعتراف بالكاتب، فيكون قد تخطّى العقبات التي تعترض غالبية الروائيين والنقاد؟
- نعم، تلفت الجوائز الكبيرة الاهتمام العالمي والمحلي بالكتّاب، فقد حملت نوبل كثيراً من الكتاب، ورمتهم في خضم تداول الأدب في العالم، وجعلت منهم أعلاماً بعد أن كان ذكرهم خاملاً في بلادهم، وينطبق هذا جزئياً على الجوائز العربية التي ما زالت حديثة عهد، ولم تعثر على طريقة لتحقيق ذلك، وأتمنى ألا يقتصر الأمر على قيمة مالية تمنح للكاتب بل إدارج مؤلفاته في تيار الثقافة القومية والعالمية كما تفعل نوبل، والبوكر الإنكليزية، والغونكور الفرنسية، وربما تكون بوكر العربية قد حققت طرفاً من ذلك، لكن الجوائز الأخرى في حاجة ماسة إلى خطة تنشيط الأدب بما يربط بين أهمية الجائزة وأهمية الكاتب الذي نالها.
- هل استفاد الروائيون في الخليج والجزيرة العربية من تقنيات الكتابة السردية عند غيرهم من الروائيين العرب والأجانب؟
ينبغي القول أن الرواية في الخليج وشبه الجزيرة العربية هي جزء من حركة السرد العربي الحديث، وهي امتداد للرواية العربية في البلاد التي ارتادت كتابة الرواية منذ القرن التاسع عشر. كما ينبغي الاعتراف بتأخر ظهور الرواية في هذه المنطقة لأسباب اجتماعية وثقافية. والتأخر التاريخي لا يقصد به التأخر في توظيف طرائق السرد الحديثة، ويصح القول أن الرواية عالجت كثيراً من المشكلات الاجتماعية، مع مراعاة أن مجتمعات هذه المنطقة محافظة لا تقبل المسّ بالقيم التقليدية، وعليه فالكتابة السردية الحقيقية تعترضها بعض الصعاب، وينظر إليها بارتياب. إنني غير ميال إلى الانتقاص من شأن الكتابة على أسس جغرافية، فمعياري الجودة، وأجد في روايات رجاء عالم، إسماعيل فهد إسماعيل، وعلي المقري، وطالب الرفاعي، وجوخة الحارثي، على سبيل المال، ما يؤكد رسوخ تجارب الكتابة.
- تثار نقاشات كثيرة حول قدرة الجيل الجديد من الروائيين على التجاوز، كيف تتلقّى كتابات شباب السرد؟
باعتباري راصداً ومحللاً الظاهرة السردية أجدني متفاعلاً مع الروائيين الشباب، فبعد جيل الرواد الذي منح الكتابة الروائية شرعيةً في نحو منتصف القرن العشرين، ظهر الجيل الثاني في آخره، وباستثناءات قليلة لاحظت على رواياته الرتابة في حركة الأحداث السردية، والإغراق في الإنشاء، كتب هذا الجيل نصوصاً مسترسلة، فيها تكرار غير محمود في السرد على الإطلاق، وظنّي أن كثراً منهم ركنوا إلى ذلك، فانحسر تأثيرهم الإبداعي، وبقي تأثيرهم الشخصي، غير أنني أعول كثيراً على الجيل الثالث الذي لاحظت أنه ينهل من المكاسب الكبرى في الرواية، ويتفاعل معها، بكتابة باحثة في أحوال المجتمعات، والغوص فيها، ولم تنقصه الشجاعة في الإفصاح عن وجهات نظر كاشفة، لهذا استحقّ بعضهم التقدير النقدي، مثل أحمد سعداوي، وخالد خليفة، ويحيى أمقاسم، وشكري المبخوت، وحامد الناظر، ويوسف فاضل، وأحمد مراد، وسواهم من جيل ذكي، وحاد النظر، ومتمكن من شؤون السرد، أو هو في طريقه للتمكن منها. ولم يخل هذا الجيل من ظهور «غشماء» عاثوا فساداً في الكتابة، لكن هذا الجيل الجديد دفع بالرواية إلى منطقة حساسة في الرؤية وأسلوب الكتابة، والموضوع الجديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.