تنسيق الجامعات 2025، فتح موقع التنسيق أمام الطلاب للتسجيل.. 10 خطوات لكتابة الرغبات وطريقة ترتيبها.. ومفاجآت بشأن مؤشرات القبول بالكليات    نائب رئيس جامعة الإسكندرية يزور فرع الجامعة في تشاد    هيئة الإسعاف: نجحنا في نقل 30 ألف طفل مبتسر بشكل آمن خلال 2025    «التضامن» تقر تعديل وتوفيق أوضاع جمعيتين في القاهرة والبحيرة    السيسي يصدر قانونا مهما، تعرف عليه    التحليل الفني لمؤشرات البورصة المصرية اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025    أسعار الأسماك اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025 في شمال سيناء    المشاط: 22.2 مليار دولار إجمالي تمويلات المؤسسة الدولية الإسلامية لمصر    رصيف محطة هاتشيسون بميناء السخنة يستقبل 3 اوناش عملاقة من طراز STS    منال عوض تبحث الموقف الحالي للتعاون مع شركاء التنمية والمشروعات البيئية الحالية    وزير الخارجية: مصر لن تقبل بتصفية القضية الفلسطينية    وزير الخارجية يؤكد على استمرار مصر في جهودها الحثيثة للوساطة للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار    برنامج الأغذية العالمي: حاجة ملحة لزيادة المساعدات لغزة قبل فوات الأوان    الكشف عن ترتيب محمد صلاح في أفضل صفقات الدوري الإنجليزي عبر التاريخ    «مفاوضات صعبة».. الكشف عن آخر تطورات موقف ديانج مع الأهلي    وزير الشباب والرياضة يُطلق «يوم مصر الرياضية» احتفالًا بأول إنجاز أوليمبي مصري    إحالة عاطل للجنايات بتهمة تزوير مستندات والنصب على راغبي السفر بالقاهرة    حر نار.. حالة الطقس اليوم بالبلاد وارتفاع شديد في درجات الحرارة    التعليم تعلن عن وظائف بمدارس التكنولوجيا التطبيقية.. الشروط والتفاصيل    مصرع أستاذ جامعي في حادث انقلاب سيارة بالشرقية    ضبط 4 أطنان دقيق «مدعم وحر» في حملات تموينية على الأسواق خلال 24 ساعة    «الداخلية»: ضبط 117 ألف مخالفة مرورية وفحص 3014 سائقا خلال 24 ساعة    خالد سليم وهشام خرما في ختام فعاليات صيف الأوبرا 2025 باستاد الإسكندرية    يوسف معاطي يكشف كواليس وأسرار من مسيرته الفنية: "سعاد حسني تمنت العودة للمسرح ومحمود ياسين انسحب بسبب المرض"    الصحة: إصدار 28 ألف قرار علاج على نفقة الدولة لمرضى التصلب المتعدد    «الصحة» توقع مذكرة تفاهم لتطوير رعاية مرضى التصلب المتعدد    رئيس هيئة الرقابة الصحية: التأمين الصحي الشامل يحفز القطاع الخاص لتحسين جودة الرعاية الأولية    وزير العمل: التعليم الفني يشهد طفرة كبيرة في السنوات الأخيرة بتعاون وجهود ملحوظة من القطاع الخاص    معيط: دمج مراجعتي صندوق النقد يمنح مصر وقتًا أوسع لتنفيذ الإصلاحات    نقيب المهندسين ل طلاب الثانوية العامة: احذروا من الالتحاق بمعاهد غير معتمدة.. لن نقيد خريجيها    ارتفاع حصيلة ضحايا إطلاق النار فى نيويورك ل5 أشخاص بينهم ضابط شرطة    رئيس اتحاد طنجة: عبد الحميد معالي اختار الانضمام إلى الزمالك عن أندية أوروبا    كريم رمزي يعلق على ستوري عبد القادر.. ويفجر مفاجأة بشأن موقف الزمالك    ثنائي المصري أحمد وهب وأحمد شرف ضمن معسكر منتخب الشباب استعدادًا لبطولة كأس العالم بشيلي    إسرائيل ترفض إتهامات جماعات حقوقية إسرائيلية لها بارتكاب إبادة جماعية في غزة    مصرع 30 شخصًا في العاصمة الصينية بكين جراء الأمطار الغزيرة    من «ظلمة» حطام غزة إلى «نور» العلم فى مصر    بدء اختبارات مشروع تنمية المواهب بالتعاون بين الاتحادين الدولي والمصري لكرة القدم    وزير الثقافة يشهد العرض المسرحي «حواديت» على مسرح سيد درويش بالإسكندرية    لا تليق بمسيرتي.. سميرة صدقي تكشف سبب رفضها لبعض الأدوار في الدراما    تحت عنوان «إتقان العمل».. أوقاف قنا تعقد 126 قافلة دعوية    السيطرة على حريق بمولدات كهرباء بالوادي الجديد.. والمحافظة: عودة الخدمة في أقرب وقت- صور    مرشح الجبهة الوطنية: تمكين الشباب رسالة ثقة من القيادة السياسية    «النادي ممكن يتقفل».. رسائل نارية من نصر أبوالحسن لجماهير الإسماعيلي    صراع على السلطة في مكان العمل.. حظ برج الدلو اليوم 29 يوليو    توماس جورجيسيان يكتب: دوشة دماغ.. وكلاكيت كمان وكمان    غادة عادل vs صبا مبارك.. انطلاق تصوير «وتر حساس» الجزء الثاني    محافظ سوهاج يوجه بتوفير فرصة عمل لسيدة كفيفة بقرية الصلعا تحفظ القرآن بأحكامه    الرئيس الفلسطيني يثمن نداء الرئيس السيسي للرئيس الأمريكي من أجل وقف الحرب في غزة    الاندبندنت: ترامب يمنح ستارمر "الضوء الأخضر" للاعتراف بدولة فلسطينية    أخبار 24 ساعة.. انطلاق القطار الثانى لتيسير العودة الطوعية للأشقاء السودانيين    لها مفعول السحر.. رشة «سماق» على السلطة يوميًا تقضي على التهاب المفاصل وتخفض الكوليسترول.    للحماية من التهاب المرارة.. تعرف على علامات حصوات المرارة المبكرة    مي كساب بإطلالة جديدة باللون الأصفر.. تصميم جذاب يبرز قوامها    ما الوقت المناسب بين الأذان والإقامة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل "الماكياج" عذر يبيح التيمم للنساء؟.. أمينة الفتوى تُجيب    إلقاء بقايا الطعام في القمامة.. هل يجوز شرعًا؟ دار الإفتاء توضح    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبير عبدالحافظ تترجم وتحلل عالم خوسيه ماريا ميرنيو
نشر في صوت البلد يوم 24 - 07 - 2017

تنتمي المختارات القصصية التي يضمها هذا الكتاب للروائي والقاص الأسباني خوسيه ماريا ميرنيو إلى ثلاث مجموعات قصصية الأولى "قصص المملكة السرية" الصادرة عام 1982 والثانية "المسافر المفقود" الصادرة عام 1990، والثالثة "قصص حي الريفوخيو" الصادرة عام 1994، وترتكز القصص على الفانتازيا كعنصر أساسي في كتابات ميرينو.
قدمت الناقدة والمترجمة د. عبير محمد عبدالحافظ للمختارات الصادرة عن مشروع كلمة بأبوظبي بدراسة كاشفة تحليلية عن ميرينو وكتاباته راصدة لمراحل مشروعه الإبداعي الشعري والروائي والقصصي، فبدأت بجيله جيل 1975 حيث قالت "قبل صدور روايته الأولي عام 1976 بعنوان "رواية اندريس تشوث" أصدر خوسيه ماريا ميرينو ديوانين شعريين، وهما: "مكان في تاريفيا" 1972، و"عيد ميلاد بعيدا عن البيت" 1973.
وحين نشر ميرينو روايته الأولي انضم، بهذا الشكل، إلى باقة الكتاب الذين تزامن نتاجهم الأدبي مع الحقبة الأخيرة من دكتاتورية الجنرال فرانثيسكو فرانكو، وبداية التحول إلي حقبة الديمقراطية، لذلك أطلق على هذه المجموعة من الكتاب عدد من التسميات، إلا أن تسمية "جيل 1975" أو "جيل الديمقراطية" التصقت بهم، كما أطلق عليهم أحد النقاد "جيل 1968" في إشارة إلى تأثرهم بالأحداث التي عرفت ب "مايو باريس" وهو ما انعكس في كتابة هذا الجيل الذي ولد أغلب كتابه في الأعوام ما بين 1936 و1945، وهذا يعني أنهم قد عاشوا طفولتهم في الأجواء القاسية لفترة ما بعد الحرب الأهلية الإسبانية، كما تزامنت سنوات شبابهم ودراستهم في الجامعة مع فترة الدكتاتورية الصعبة، والتمرد الشديد المناهض لحكم فرانكوا.
وأضافت أدبيا تأثر أبناء هذا الجيل بالفترة التي أطلق عليها "أدب المجتمع" في الإعوام ما بين 1950 و1960، وعاشوا طفولتهم تحت التأثير المباشر للحرب الأهلية، كما عاشوا شبابهم وتشكيلهم الجامعي في أقصي سنوات الدكتاتورية، وفي أقصي سنوات الوعي الكامل لمعاداة الفرانكوية، ومن وجهة النظر الأدبية أصبحوا منذ شبابهم المبكر المرجعية المباشرة ل "الإدب الاجتماعي" الذي كتب في إسبانيا في الفترة من 1950 – 1960، وربما كان هذا هو سبب ردة فعلهم ضد التيار، فهاجموا الكتابة المباشرة والداعين إلى الالتزام الحرفي بالشكل.
لهذا فإن أوائل كتاب هذا الجيل عمل وأعلى من تحديث الرواية الإسبانية، عبر إدراج مجموعة من تقنيات الإبداع الجديدة، لربطها بالاتجاهات الطليعية التي تسببت الحرب الأهلية والدكتاتورية في قطع الصلات معها علي مدار سنوات طويلة.
لغة أم نص أم خطاب
وفي عام 1960 نجح هذا الجيل في التواصل مع التيارات الأوروبية الأخري فضلا عن تيارات الكتابة الجديدة في أميركا اللاتينية، مستغلين أي انفراجة يبديها النظام الفرانكوي، بالاضافة إلى الاتجاهات الفكرية اليسارية التي صبت بدورها في أحداث 1968، كما تبنوا مجموعة من المفاهيم بشأن مستقبل الرواية والقصة مثيرة للجدل، وعلى رأسها الرأي الذي كان منتشرا حول الرواية والقصة وهل هي لغة أم نص أم خطاب، ومن ثم فقد دعت إلى هدم مفهوم الفكرة الأساسية للعمل وملخصه، وتحلل الشخوص، والأكثر أهمية هو البنية والتقنيات، فرفعوا شعار "موت الرواية"، وأخذوا يرددونه بشكل مستمر.
توقفت عبدالحافظ تحليليا مع أعمال خوسيه ماريا ميرينو الروائية ورأت أنه أحد أهم الروائيين في القرن العشرين، لكن على الجانب الآخر كرس اهتماماً خاصاً للقصة القصيرة، وأجاد فنها وبرع فيه كأحسن ما يكون، وضاهى فيها أهم الكتاب في الأدب الناطق بالإسبانية وعلي رأسهم كلارين، وبيكر، وكونكييرو، وكيروجا، وبورخيس، وكورتاثار، الذين ورث عنهم الملكة الفريدة في تركيز نص القصة في أقل عدد ممكن من الصفحات، السمة التي يعتبرها ميرينو من أهم خصائص القصة القصيرة "إنني أفهم أن القصة القصيرة الجيدة تستلزم تغليف عالمها الخاص في مساحة من الضوء الخاص، وأن تمنح شخوصها ملكات ومواقف وأحداث، ودمج كل هذه العناصر في موضوع القصة الأساسي، أو في إلي درجة أن القارئ يجد نفسه مدفوعاً دون خيار منه لكي يصل إلي النهاية".
وأكدت عبدالحافظ إن قصص ميرينو تقدم مفهوماً موحداً لمشروعه وطريقة تشكيله، والإصرار علي كتابتها، إذ تتفتح القصة كنبتة من خلال الكلمات، مثلما يعترف ميرينو نفسه، هذه القصص تتقاسم مع الروايات الحيز الفانتازي والأسطوري ذاته لمفهوم ما وراء الأدب، وذلك بهدف عرض الحياة اليومية من خلال إعادة تمثيلها في قالب خيالي. إنه الواقع اليومي، الذي يشتمل في طياته على مناطق سرية أو غير قابلة للتفسير، أكثر بكثير مما قد تعكسه المظاهر. بشكل آخر فإن القارئ يصبح قادراً على الولوج إلى فضاءات تختلط فيها جوانب المنطق مع الكتابة الفانتازية، التي تسيطر عليها الرؤى، والأساطير، والعوالم الموازية، وما وراء الأدب، إلى جانب مادية الكتابة.
وحول مجموعته القصصية الأولي "قصص العالم السري" (1982) قالت "يستحضر ميرينو أماكن طفولته ومراهقته في مدينة ليون، بعبارة أخرى يقتحم الحياة اليومية لمن حوله من خلال قالب فانتازي, يعطي تأثيراً خيالياً ومفاجئاً لكل ما كان يبدو طبيعياً ومعتاداً. فالمكان العادي يتحول إلى مملكة سرية حدودها غير مرئية. وفي هذا العمل، يربط الكاتب بين الحقيقة والخيال، وما هو أكثر من ذلك، فإن فضاءً واقعياً لا أهمية ولا حدود ظاهرة له يتحول إلى عالم سري بلا حدود مرئية، من ناحية أخرى، فإنه يعمل - في هذا الكتاب - على إبداع عموده الفقري، أي ما هو واقعي ومتخيل، وتحديداً "عكس الجانب الواقعي".
ورأت أن الكاتب عالج الحرب الأهلية وما بعدها في عدة قصص، وخاصة في قصتي "الهارب من الجندية"، وهي حكاية رائعة تتعمق في مشاعر امرأة هرب زوجها من الجبهة في أثناء الحرب، بينما قصة " المنزل ذو المدخلين" تحول الواقع من خلال عينين مندهشتين ورؤى عدد من الصغار خلال فترة ما بعد الحرب في مدينة ليون.
الذاكرة والفانتازيا
وتستعيد بعض القصص الأخرى عنصر الذاكرة، التي تتسم بقدر غير قليل من الفانتازيا، كما تشمل بعض القصص أحداثاً حقيقية مثل "هؤلاء الموجودون هناك في الأعلى"، وتظهر في قصص أخري بعض الشخصيات الشهيرة في مدينة ليون، مثل خينارين، وهو سكير شهير كان معروفاً عام 1929 ظهر في قصة "خينارين والسيد المحافظ". وشخصية جوندو، سكير آخر لا تُعرف عنه تفاصيل كثيرة، ويظهر في قصة "الليلة الأكثر طولاً". وفي قصة "الرفيق" أو "المتحف" التي تركز حياة الشخصية في البحث عن الفضاء المفقود في ذاكرتهم. مع ذلك، يغلب على معظم تلك الأعمال القصصية التمجيد لعنصر الفانتازيا الشعبية، أسوة بالكاتب الإسباني الكلاسيكي بيكر، إذ تطرح مواقف غير قابلة للتفسير، وأحداثاً غير قابلة للقياس، ودائماً ما تنتهي القصص بخاتمة لا يقبلها العقل. فنرى مثلاً مولد رجل شيخ من قطعة خشب كنوع من الثأر والانتقام من أهالي بلدته. وفي قصة "الميلاد في غرفة المهملات"، تتجسد رسومات الكنيسة وتبدأ في مهاجمة من ينهبونها، بعد أن تستيقظ من سباتها، بينما في قصة "العدو في زجاجة" تنطلق عينان من زجاجة نبيذ معتق وتحدثان هلعاً مثل يوم القيامة.
وأشارت عبدالحافظ إلى إن عناصر مثل "ما وراء الأدب" والتطور الخيالي والفانتازي مثلما يحدث في بعض روايات ميرينو هي الركيزة المركزية في القصص التي يضمها كتاب "المسافر المفقود" (1990). مع ذلك، فإنه لا يلجأ إلى هذه التقنية أو أي تفنيات أدبية مجانية، بل إلى تحولات ضرورية للترتيب الحقيقي، تماماً كما يفعل الكبار كتاب الرواية الجيليقية والأميركية اللاتينية الناطقة بالإسبانية، ينطلق ميرينو من ما هو واقعي ويومي معتاد في جميع كتاباته ليخرج منه إلى ما هو مفاجئ وقادر على تغيير منطقية الأحداث المتعارف عليها، بعد ذلك تنفصل الأشياء عن واقعها الحقيقي الذي بدت عليه في بداية الأمر، لتتحول إلى كيان يبدو مشابهاً أو يمكن أن يكون. في القصة الأولي للكتاب المذكور يختلط الواقع بعملية الإبداع؛ نجد بطل العمل يسكر مجريات واقعه اليومي حين يظهر له خيال أحد المسافرين المفقودين، ويتمكن من عقله، ويملي عليه مادة أدبية يكتبها لتصبح رواية، ويتواصل الخلط بين الواقع والخيال، ويفرض منطقه الخاص، وكل ذلك في أثناء سفر ذلك الشخص المفقود إلى زوجته بمدينة مليلة.
وسرعان ما يتضح لبطل العمل أن الحياة تبدو وكأنها تتطابق مع الخيال الروائي الذي يُملي عليه على نحو عجيب، فيقلد الواقع الأدب، أو يتبع خطواته بكل صدق. وفي السياق نفسه يمكن الإشارة إلى مجموعة أخرى من القصص، هناك على سبيل المثال "كلمات العالم"، حين يتحول أحد الأساتذة الجامعيين في مجال اللغويات إلى إنسان متلعثم يفقد القدرة على الحديث، أو قصة "المشاهد المتخيلة"، حين يتحول أحد النحاتين إلى ضحية، بسبب تحول مفاجئ للعمل الذي أبدعه، ويكتسب العمل الفني واقعاً حياتياً يومياً.
ويمكن أن نضم إلى العملين السابقين أيضاً "الميدان الريفي"، و"أوكساكوالكو" بسبب تناولهما أيضا العملية الكتابية ومسيرة الإبداع الأدبي، ولكن من الضروري الإشارة إلى الوجه الماوراء أدبي، كما في قصة "الشخص المستغرق" حيث تتسلط على الكاتب شخصية البطل وواقعها الفني، فيعيش مستغرقاً في شخصية بطل الرواية خلال عملية الكتابة.
وعن عمله "قصص حي الريفوخيو" (1994) رأت عبدالحافظ أن ميرينو يصل إلى أقصى درجات النضج كراو للأحداث، فيخلق مجموعة من العوالم الخيالية لا مثيل لها، وتستكمل هذه المجموعة التقنية والخطوط الفنية العريضة التي يتبعها ميرينو، وهي تضم أغلب نقاط الرؤي التي تعرض لها في قصصه السابقة، مع التركيز على نظرته الخاصة ورؤيته للأشياء والواقع من حوله، وعملية نقل الأشياء من الحياة إلى مستوى آخر من خلال الكتابة، إذ يتحول ما هو يومي إلي إبداع خيالي، وينقلب كل ما هو معقول ومنطقي إلى مجهول ومدهش يصعب تجنبه في الوقت نفسه.
اليومي .. متخيل
في هذه المجموعة أيضا يصل ميرينو إلى قمة نضجه كروائي، ويبدع كأفضل ما يكون تلك العوالم المتخيلة والتي لا يوجد فيها أي شيء مخطط له من قبل، ويبدو الكتاب في مجمله مفهوماً بشكل واضح، ويلخص أو يوسع رؤية أعماله السابقة، لأنه يظل وفياً لرؤيته للواقع وتمسكه بالعملية الإبداعية في مناطقها الغامضة، ويحكم المزيد من التأكيد إلى أن تصل إلى أبعد حدٍ ممكن، أي العلاقة بين ما هو معاش وما هو مكتوب، ويتحول اليومي إلى متخيل ومادة للخيال، له مظهر واقعي أكثر من الواقع المحسوس، أو أن ما هو واضح ومنطقي ينفجر فجأة في عالم مجهول.
إن القصص الثلاث عشرة تصل بإبداع المؤلف وكتابته الشخصية إلى أبعد مما أراده ميرينو من مكانة معترف بها، وهو ما يظهر في قصة "المترجم الخائن"، بينما في "حفلة" يتم الكشف عن أماكن غير معروفة من قبل، وفي "من أجل المعرفة العامة" تبدو عوالم متوازية ومتداخلة فيما بينها، أما في "المادة الصامتة" فيعرض لوجود مجموعة من الأشخاص الفضائيين، أما في قصته "الطيور" فيقدم اختفاء بعض الأشخاص على نحو غير طبيعي. ويكتنف جميع القصص المشار إليها أماكن وفضاءات لم يكشف النقاب عنها من قبل، فضلاً أجواء مثيرة ومقلقة.
ونبهت عبدالحافظ إلى أن نشر ميرينو كتابه "50 قصة وأسطورة واحدة" (1997) ضمنه بعض القصص التي لم ينشرها في كتبه السابقة، وهي ستة نصوص تساعد على اكتمال وجهة النظر الأدبية للكاتب من خلال تسليط الضوء على موضوعاته المفضلة.
وقالت "هكذا نجد قصة (عندما يستيقظ النزيل)، ترتبط بقصص أخرى له تتعلق بالفساد السياسي، ويكتسب السرد شكل التحقيق القانوني، ويطرح حدود قضية أن تكون أو لا تكون - بقاء الأشياء واختفائها - من خلال تحولات البطل واختفائه في بعض الأحيان، الذي يتحول إلى مادة فاسدة ورمز للفساد السياسي. في قصة "العراف المرتبك" نجد شخصية الأب التوراتي خوسيه، مفسر الأحلام، تصبح مادة يستغلها الكاتب لاستعادة موضوعاته التي تتناول الحدود الفاصلة بين الحلم والإغفاءة، وكيف أن الأحلام يمكنها التحكم في الواقع.
وفي قصة "الرحلة السابعة" يحل الأدبي محل الواقع، فشخصية السندباد البحري الشهيرة تتحول إلى شخص حقيقي يحمل اسم سمبا، وهو شخص من أصل عربي اعتاد السفر، وكان البطل الراوية قد انبهر بهذه الشخصية في طفولته فإذا به يفاجأ عندما يكبر بوجودها أمام عينيه.
أما قصة "صوت الماء" فتندرج في إطار النوعية التي تتناول عالم التنبؤات، وتعرض للعالم الذي يمس المنطقة الفاصلة بين الحياة والموت. وتقف قصة "فاكهة البحر" في منطقة ما بين الأسطورة والفانتازيا، فتحكي في إطار فكاهي ساخر اصطياد إحدى جنيات البحر.
وأشارت إلى أن قصة "الفقريات والجنيات" هي القصة الأقدم في هذه المختارات حسب الكاتب، ويصفها بأنها أسطورة، تتزامن مع روايته "رواية اندريس تشوث"، التي تتناول موضوع الخيال العلمي، وتتسم بطبيعة رمزية، كما تتناول صراع الإنسان من أجل البقاء، وظاهرة الانتخاب الطبيعي للفصائل الحية.
تنتمي المختارات القصصية التي يضمها هذا الكتاب للروائي والقاص الأسباني خوسيه ماريا ميرنيو إلى ثلاث مجموعات قصصية الأولى "قصص المملكة السرية" الصادرة عام 1982 والثانية "المسافر المفقود" الصادرة عام 1990، والثالثة "قصص حي الريفوخيو" الصادرة عام 1994، وترتكز القصص على الفانتازيا كعنصر أساسي في كتابات ميرينو.
قدمت الناقدة والمترجمة د. عبير محمد عبدالحافظ للمختارات الصادرة عن مشروع كلمة بأبوظبي بدراسة كاشفة تحليلية عن ميرينو وكتاباته راصدة لمراحل مشروعه الإبداعي الشعري والروائي والقصصي، فبدأت بجيله جيل 1975 حيث قالت "قبل صدور روايته الأولي عام 1976 بعنوان "رواية اندريس تشوث" أصدر خوسيه ماريا ميرينو ديوانين شعريين، وهما: "مكان في تاريفيا" 1972، و"عيد ميلاد بعيدا عن البيت" 1973.
وحين نشر ميرينو روايته الأولي انضم، بهذا الشكل، إلى باقة الكتاب الذين تزامن نتاجهم الأدبي مع الحقبة الأخيرة من دكتاتورية الجنرال فرانثيسكو فرانكو، وبداية التحول إلي حقبة الديمقراطية، لذلك أطلق على هذه المجموعة من الكتاب عدد من التسميات، إلا أن تسمية "جيل 1975" أو "جيل الديمقراطية" التصقت بهم، كما أطلق عليهم أحد النقاد "جيل 1968" في إشارة إلى تأثرهم بالأحداث التي عرفت ب "مايو باريس" وهو ما انعكس في كتابة هذا الجيل الذي ولد أغلب كتابه في الأعوام ما بين 1936 و1945، وهذا يعني أنهم قد عاشوا طفولتهم في الأجواء القاسية لفترة ما بعد الحرب الأهلية الإسبانية، كما تزامنت سنوات شبابهم ودراستهم في الجامعة مع فترة الدكتاتورية الصعبة، والتمرد الشديد المناهض لحكم فرانكوا.
وأضافت أدبيا تأثر أبناء هذا الجيل بالفترة التي أطلق عليها "أدب المجتمع" في الإعوام ما بين 1950 و1960، وعاشوا طفولتهم تحت التأثير المباشر للحرب الأهلية، كما عاشوا شبابهم وتشكيلهم الجامعي في أقصي سنوات الدكتاتورية، وفي أقصي سنوات الوعي الكامل لمعاداة الفرانكوية، ومن وجهة النظر الأدبية أصبحوا منذ شبابهم المبكر المرجعية المباشرة ل "الإدب الاجتماعي" الذي كتب في إسبانيا في الفترة من 1950 – 1960، وربما كان هذا هو سبب ردة فعلهم ضد التيار، فهاجموا الكتابة المباشرة والداعين إلى الالتزام الحرفي بالشكل.
لهذا فإن أوائل كتاب هذا الجيل عمل وأعلى من تحديث الرواية الإسبانية، عبر إدراج مجموعة من تقنيات الإبداع الجديدة، لربطها بالاتجاهات الطليعية التي تسببت الحرب الأهلية والدكتاتورية في قطع الصلات معها علي مدار سنوات طويلة.
لغة أم نص أم خطاب
وفي عام 1960 نجح هذا الجيل في التواصل مع التيارات الأوروبية الأخري فضلا عن تيارات الكتابة الجديدة في أميركا اللاتينية، مستغلين أي انفراجة يبديها النظام الفرانكوي، بالاضافة إلى الاتجاهات الفكرية اليسارية التي صبت بدورها في أحداث 1968، كما تبنوا مجموعة من المفاهيم بشأن مستقبل الرواية والقصة مثيرة للجدل، وعلى رأسها الرأي الذي كان منتشرا حول الرواية والقصة وهل هي لغة أم نص أم خطاب، ومن ثم فقد دعت إلى هدم مفهوم الفكرة الأساسية للعمل وملخصه، وتحلل الشخوص، والأكثر أهمية هو البنية والتقنيات، فرفعوا شعار "موت الرواية"، وأخذوا يرددونه بشكل مستمر.
توقفت عبدالحافظ تحليليا مع أعمال خوسيه ماريا ميرينو الروائية ورأت أنه أحد أهم الروائيين في القرن العشرين، لكن على الجانب الآخر كرس اهتماماً خاصاً للقصة القصيرة، وأجاد فنها وبرع فيه كأحسن ما يكون، وضاهى فيها أهم الكتاب في الأدب الناطق بالإسبانية وعلي رأسهم كلارين، وبيكر، وكونكييرو، وكيروجا، وبورخيس، وكورتاثار، الذين ورث عنهم الملكة الفريدة في تركيز نص القصة في أقل عدد ممكن من الصفحات، السمة التي يعتبرها ميرينو من أهم خصائص القصة القصيرة "إنني أفهم أن القصة القصيرة الجيدة تستلزم تغليف عالمها الخاص في مساحة من الضوء الخاص، وأن تمنح شخوصها ملكات ومواقف وأحداث، ودمج كل هذه العناصر في موضوع القصة الأساسي، أو في إلي درجة أن القارئ يجد نفسه مدفوعاً دون خيار منه لكي يصل إلي النهاية".
وأكدت عبدالحافظ إن قصص ميرينو تقدم مفهوماً موحداً لمشروعه وطريقة تشكيله، والإصرار علي كتابتها، إذ تتفتح القصة كنبتة من خلال الكلمات، مثلما يعترف ميرينو نفسه، هذه القصص تتقاسم مع الروايات الحيز الفانتازي والأسطوري ذاته لمفهوم ما وراء الأدب، وذلك بهدف عرض الحياة اليومية من خلال إعادة تمثيلها في قالب خيالي. إنه الواقع اليومي، الذي يشتمل في طياته على مناطق سرية أو غير قابلة للتفسير، أكثر بكثير مما قد تعكسه المظاهر. بشكل آخر فإن القارئ يصبح قادراً على الولوج إلى فضاءات تختلط فيها جوانب المنطق مع الكتابة الفانتازية، التي تسيطر عليها الرؤى، والأساطير، والعوالم الموازية، وما وراء الأدب، إلى جانب مادية الكتابة.
وحول مجموعته القصصية الأولي "قصص العالم السري" (1982) قالت "يستحضر ميرينو أماكن طفولته ومراهقته في مدينة ليون، بعبارة أخرى يقتحم الحياة اليومية لمن حوله من خلال قالب فانتازي, يعطي تأثيراً خيالياً ومفاجئاً لكل ما كان يبدو طبيعياً ومعتاداً. فالمكان العادي يتحول إلى مملكة سرية حدودها غير مرئية. وفي هذا العمل، يربط الكاتب بين الحقيقة والخيال، وما هو أكثر من ذلك، فإن فضاءً واقعياً لا أهمية ولا حدود ظاهرة له يتحول إلى عالم سري بلا حدود مرئية، من ناحية أخرى، فإنه يعمل - في هذا الكتاب - على إبداع عموده الفقري، أي ما هو واقعي ومتخيل، وتحديداً "عكس الجانب الواقعي".
ورأت أن الكاتب عالج الحرب الأهلية وما بعدها في عدة قصص، وخاصة في قصتي "الهارب من الجندية"، وهي حكاية رائعة تتعمق في مشاعر امرأة هرب زوجها من الجبهة في أثناء الحرب، بينما قصة " المنزل ذو المدخلين" تحول الواقع من خلال عينين مندهشتين ورؤى عدد من الصغار خلال فترة ما بعد الحرب في مدينة ليون.
الذاكرة والفانتازيا
وتستعيد بعض القصص الأخرى عنصر الذاكرة، التي تتسم بقدر غير قليل من الفانتازيا، كما تشمل بعض القصص أحداثاً حقيقية مثل "هؤلاء الموجودون هناك في الأعلى"، وتظهر في قصص أخري بعض الشخصيات الشهيرة في مدينة ليون، مثل خينارين، وهو سكير شهير كان معروفاً عام 1929 ظهر في قصة "خينارين والسيد المحافظ". وشخصية جوندو، سكير آخر لا تُعرف عنه تفاصيل كثيرة، ويظهر في قصة "الليلة الأكثر طولاً". وفي قصة "الرفيق" أو "المتحف" التي تركز حياة الشخصية في البحث عن الفضاء المفقود في ذاكرتهم. مع ذلك، يغلب على معظم تلك الأعمال القصصية التمجيد لعنصر الفانتازيا الشعبية، أسوة بالكاتب الإسباني الكلاسيكي بيكر، إذ تطرح مواقف غير قابلة للتفسير، وأحداثاً غير قابلة للقياس، ودائماً ما تنتهي القصص بخاتمة لا يقبلها العقل. فنرى مثلاً مولد رجل شيخ من قطعة خشب كنوع من الثأر والانتقام من أهالي بلدته. وفي قصة "الميلاد في غرفة المهملات"، تتجسد رسومات الكنيسة وتبدأ في مهاجمة من ينهبونها، بعد أن تستيقظ من سباتها، بينما في قصة "العدو في زجاجة" تنطلق عينان من زجاجة نبيذ معتق وتحدثان هلعاً مثل يوم القيامة.
وأشارت عبدالحافظ إلى إن عناصر مثل "ما وراء الأدب" والتطور الخيالي والفانتازي مثلما يحدث في بعض روايات ميرينو هي الركيزة المركزية في القصص التي يضمها كتاب "المسافر المفقود" (1990). مع ذلك، فإنه لا يلجأ إلى هذه التقنية أو أي تفنيات أدبية مجانية، بل إلى تحولات ضرورية للترتيب الحقيقي، تماماً كما يفعل الكبار كتاب الرواية الجيليقية والأميركية اللاتينية الناطقة بالإسبانية، ينطلق ميرينو من ما هو واقعي ويومي معتاد في جميع كتاباته ليخرج منه إلى ما هو مفاجئ وقادر على تغيير منطقية الأحداث المتعارف عليها، بعد ذلك تنفصل الأشياء عن واقعها الحقيقي الذي بدت عليه في بداية الأمر، لتتحول إلى كيان يبدو مشابهاً أو يمكن أن يكون. في القصة الأولي للكتاب المذكور يختلط الواقع بعملية الإبداع؛ نجد بطل العمل يسكر مجريات واقعه اليومي حين يظهر له خيال أحد المسافرين المفقودين، ويتمكن من عقله، ويملي عليه مادة أدبية يكتبها لتصبح رواية، ويتواصل الخلط بين الواقع والخيال، ويفرض منطقه الخاص، وكل ذلك في أثناء سفر ذلك الشخص المفقود إلى زوجته بمدينة مليلة.
وسرعان ما يتضح لبطل العمل أن الحياة تبدو وكأنها تتطابق مع الخيال الروائي الذي يُملي عليه على نحو عجيب، فيقلد الواقع الأدب، أو يتبع خطواته بكل صدق. وفي السياق نفسه يمكن الإشارة إلى مجموعة أخرى من القصص، هناك على سبيل المثال "كلمات العالم"، حين يتحول أحد الأساتذة الجامعيين في مجال اللغويات إلى إنسان متلعثم يفقد القدرة على الحديث، أو قصة "المشاهد المتخيلة"، حين يتحول أحد النحاتين إلى ضحية، بسبب تحول مفاجئ للعمل الذي أبدعه، ويكتسب العمل الفني واقعاً حياتياً يومياً.
ويمكن أن نضم إلى العملين السابقين أيضاً "الميدان الريفي"، و"أوكساكوالكو" بسبب تناولهما أيضا العملية الكتابية ومسيرة الإبداع الأدبي، ولكن من الضروري الإشارة إلى الوجه الماوراء أدبي، كما في قصة "الشخص المستغرق" حيث تتسلط على الكاتب شخصية البطل وواقعها الفني، فيعيش مستغرقاً في شخصية بطل الرواية خلال عملية الكتابة.
وعن عمله "قصص حي الريفوخيو" (1994) رأت عبدالحافظ أن ميرينو يصل إلى أقصى درجات النضج كراو للأحداث، فيخلق مجموعة من العوالم الخيالية لا مثيل لها، وتستكمل هذه المجموعة التقنية والخطوط الفنية العريضة التي يتبعها ميرينو، وهي تضم أغلب نقاط الرؤي التي تعرض لها في قصصه السابقة، مع التركيز على نظرته الخاصة ورؤيته للأشياء والواقع من حوله، وعملية نقل الأشياء من الحياة إلى مستوى آخر من خلال الكتابة، إذ يتحول ما هو يومي إلي إبداع خيالي، وينقلب كل ما هو معقول ومنطقي إلى مجهول ومدهش يصعب تجنبه في الوقت نفسه.
اليومي .. متخيل
في هذه المجموعة أيضا يصل ميرينو إلى قمة نضجه كروائي، ويبدع كأفضل ما يكون تلك العوالم المتخيلة والتي لا يوجد فيها أي شيء مخطط له من قبل، ويبدو الكتاب في مجمله مفهوماً بشكل واضح، ويلخص أو يوسع رؤية أعماله السابقة، لأنه يظل وفياً لرؤيته للواقع وتمسكه بالعملية الإبداعية في مناطقها الغامضة، ويحكم المزيد من التأكيد إلى أن تصل إلى أبعد حدٍ ممكن، أي العلاقة بين ما هو معاش وما هو مكتوب، ويتحول اليومي إلى متخيل ومادة للخيال، له مظهر واقعي أكثر من الواقع المحسوس، أو أن ما هو واضح ومنطقي ينفجر فجأة في عالم مجهول.
إن القصص الثلاث عشرة تصل بإبداع المؤلف وكتابته الشخصية إلى أبعد مما أراده ميرينو من مكانة معترف بها، وهو ما يظهر في قصة "المترجم الخائن"، بينما في "حفلة" يتم الكشف عن أماكن غير معروفة من قبل، وفي "من أجل المعرفة العامة" تبدو عوالم متوازية ومتداخلة فيما بينها، أما في "المادة الصامتة" فيعرض لوجود مجموعة من الأشخاص الفضائيين، أما في قصته "الطيور" فيقدم اختفاء بعض الأشخاص على نحو غير طبيعي. ويكتنف جميع القصص المشار إليها أماكن وفضاءات لم يكشف النقاب عنها من قبل، فضلاً أجواء مثيرة ومقلقة.
ونبهت عبدالحافظ إلى أن نشر ميرينو كتابه "50 قصة وأسطورة واحدة" (1997) ضمنه بعض القصص التي لم ينشرها في كتبه السابقة، وهي ستة نصوص تساعد على اكتمال وجهة النظر الأدبية للكاتب من خلال تسليط الضوء على موضوعاته المفضلة.
وقالت "هكذا نجد قصة (عندما يستيقظ النزيل)، ترتبط بقصص أخرى له تتعلق بالفساد السياسي، ويكتسب السرد شكل التحقيق القانوني، ويطرح حدود قضية أن تكون أو لا تكون - بقاء الأشياء واختفائها - من خلال تحولات البطل واختفائه في بعض الأحيان، الذي يتحول إلى مادة فاسدة ورمز للفساد السياسي. في قصة "العراف المرتبك" نجد شخصية الأب التوراتي خوسيه، مفسر الأحلام، تصبح مادة يستغلها الكاتب لاستعادة موضوعاته التي تتناول الحدود الفاصلة بين الحلم والإغفاءة، وكيف أن الأحلام يمكنها التحكم في الواقع.
وفي قصة "الرحلة السابعة" يحل الأدبي محل الواقع، فشخصية السندباد البحري الشهيرة تتحول إلى شخص حقيقي يحمل اسم سمبا، وهو شخص من أصل عربي اعتاد السفر، وكان البطل الراوية قد انبهر بهذه الشخصية في طفولته فإذا به يفاجأ عندما يكبر بوجودها أمام عينيه.
أما قصة "صوت الماء" فتندرج في إطار النوعية التي تتناول عالم التنبؤات، وتعرض للعالم الذي يمس المنطقة الفاصلة بين الحياة والموت. وتقف قصة "فاكهة البحر" في منطقة ما بين الأسطورة والفانتازيا، فتحكي في إطار فكاهي ساخر اصطياد إحدى جنيات البحر.
وأشارت إلى أن قصة "الفقريات والجنيات" هي القصة الأقدم في هذه المختارات حسب الكاتب، ويصفها بأنها أسطورة، تتزامن مع روايته "رواية اندريس تشوث"، التي تتناول موضوع الخيال العلمي، وتتسم بطبيعة رمزية، كما تتناول صراع الإنسان من أجل البقاء، وظاهرة الانتخاب الطبيعي للفصائل الحية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.