بوتين يشارك افتراضياً في لحظة تاريخية بمصر.. تركيب وعاء أول مفاعل نووي بمحطة الضبعة    إيهاب الخولي: الرئيس السيسي يثمن إرادة المصريين ويؤكد على الشفافية    وزارة الاتصالات توقع بروتوكول تعاون لتنفيذ مبادرة «الرواد الرقميون»    رئيس جامعة العريش يترأس الملتقى العلمي الثالث لكلية الطب البيطري    مصطفى الفقي: نبارك زيارة بن سلمان لأمريكا.. ونجاحها يصب في صالح المنطقة    التعادل يحسم موقعة البرازيل ضد تونس فى غياب الجزيرى وبن رمضان    بركلة جزاء.. البرازيل تتعادل مع تونس وديا    الكرة النسائية.. أسيك ميموزا يتأهل لنهائي دوري أبطال أفريقيا بعد الفوز على مسار بهدف نظيف    حماية المستهلك يعزز رقابته على الأسواق ويضبط 74 طن لحوم وأضاحي غير صالحة للاستهلاك الآدمي قبل تداولها    حملات لفرض الانضباط في حي العجوزة    أسماء 3 شباب ضحايا حادث تصادم بالقنايات في الشرقية    وكيل تعليم الفيوم يجتمع بموجهي العموم لمتابعة التقييمات والاستعداد لامتحانات الفصل الدراسي الأول 2026    هند الضاوي: إسرائيل لا تحترم إلا القوي.. ودعم السلطة الفلسطينية ضرورة عاجلة    الشركة المسؤولة عن أعمال عمر خيرت: حالة الموسيقار مستقرة وتتحسن يوميًا    أحمد موسى: الرئيس السيسي استلم البلد وكانت كل حاجة على الأرض    رمضان 2026| انطلاق تصوير «اتنين غيرنا» ل آسر ياسين ودينا الشربيني    هيئة الدواء: نعتزم ضخ 150 ألف عبوة من عقار الديجوكسين لعلاج أمراض القلب خلال الفترة المقبلة    منتخب فلسطين يخسر وديًا أمام كتالونيا وسط تضامن جماهيري ورسائل إنسانية مؤثرة    الأرصاد الجوية تكشف تفاصيل حالة الطقس ودرجات الحرارة حتى الأحد    بمشاركة لاعب الزمالك.. السنغال تفوز على كينيا بثمانية أهداف    منافس مصر - بمشاركة شيكو بانزا كبديل.. مابولولو يقود أنجولا لفوز صعب على زامبيا    فعاليات دولية لإحياء اليوم العالمي للصلاة والعمل من أجل الأطفال    ياسر ثابت: إدارة ترامب لا تسعى لمعركة طويلة الأمد في فنزويلا    5 ديسمبر.. مين بيحاور مين؟ جلسة فنية بين وليد طاهر ومايا فداوي بمهرجان توت توت    فليك يلجأ لورقة شبابية لحل أزمة الظهير الأيمن في برشلونة    أطعمة لا يُنصح بتناولها مع القهوة.. تعرف عليها    "تعليم القاهرة" تشدد على أهمية تطبيق لائحة التحفيز التربوي والانضباط المدرسي    إطلاق الموقع الإلكترونى الرسمى المخصص لمؤتمر اتفاقية برشلونة cop24    بغياب نجمي ريال مدريد والإنتر.. تشكيل تركيا لمواجهة إسبانيا    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    لأصحاب المعاشات.. اعرف إزاى تحول وتصرف معاشك لكارت ميزة أو حساب بنكي    اشتباكات عنيفة في كردفان.. الجيش السوداني يستعيد مناطق ويواصل التقدم نحو دارفور    حماة وطن ينظم مؤتمر حاشد لدعم مرشحه محمود مرسي بالقليوبية    «المالية» تمد عمل الدائرة الجمركية المؤقتة لساحات تخزين «قناة السويس لتداول السيارات»    هل يجوز أداء العشاء قبل الفجر لمن ينام مبكرًا؟.. أمين الفتوى يجيب    على أنغام الحب كله.. أحمد حلمي يتغزل فى منى زكى بعيد ميلادهما.. فيديو    لقاء تنسيقي بين "الكهرباء" و"الأكاديمية الوطنية للتدريب" لتعزيز التعاون وبناء القدرات    «تنمية المشروعات» ينفذ خطط للتحول الرقمي لحصول المواطنين على خدماته    التنسيقية تنظم رابع صالون سياسي للتعريف ببرامج المرشحين بالمرحلة الثانية لانتخابات النواب    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    الشيخ رمضان عبد المعز يبرز الجمال القرآني في سورة الأنبياء    ترامب يستقبل الأمير محمد بن سلمان في البيت الأبيض    وكيل تموين الإسكندرية يقود حملات مع رئيس حى المنتزه على الأسواق    مياه الأقصر تبدأ تنفيذ البرنامج التدريبي لمكلفات الخدمة العامة | صور    تعرف على السبب الحقيقى وراء عطل Cloudflare العالمى اليوم    تفاصيل خطة تطوير المطارات ورفع كفاءة إجراءات دخول السائحين    طريقة عمل المكرونة بالفراخ والصوص الأبيض فى الفرن    تحرير 112 مخالفة عدم غلق المحلات في مواعيدها    تقرير "آرسيف 2025": جامعات مصرية تتصدر الجامعات العربية في "الأثر البحثي"    الكنيسة تحتفل اليوم بتذكار تجليس البابا تواضروس ال13    التحقيق في حادث غموض مصرع ميكانيكي بالشرقية    مصر تواصل دعم سكان غزة بخيم ومساعدات عاجلة عبر معبر رفح    دار الكتب يشارك بندوة "المرأة في تراث العلوم والفنون الإسلامية" بمكتبة الإسكندرية    "القاهرة الإخبارية": غارات إسرائيلية على المناطق الشرقية من غزة شمالي القطاع    الرئيس الأمريكي يتعهّد بخفض الأسعار    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر: مقارنة المهور هي الوقود الذي يشعل نيران التكلفة في الزواج    كيف يحدث هبوط سكر الدم دون الإصابة بمرض السكري؟    ترامب يستفسر عن أرباح أمريكا من كأس العالم 2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لصوص الرحمة .. تفضح تجارة الأعضاء البشرية
نشر في صوت البلد يوم 16 - 07 - 2017

أن أدب الفكرة وصوت الضمير من السمات البارزة للكاتب والصحفي صلاح شعير حيث إنه من أصحاب الأقلام ذات العطاءات المتنوعة في أكثر من مجال من فنون القول، فيكتب الرواية والمسرح وأدب الطفل، وأدب الخيال العلمي، والمقال الصحافي في الهم العام، والدراسات الأدبية والفكرية والاقتصادية أيضاً.
إن الإشارة الأولى لمثل هذا الأداء المتنوع للكاتب تعني أن قضية الكتابة موظفة لديه في إطار أهداف عامة، وتفاعلاً مع المجتمع ومشكلاته، ويمكن أن نسميه أدب الفكرة في إطار أخلاقي. مسرحيات للصغار ... والكبار، وتنتمي مسرحية "لصوص الرحمة" إلى المجموعة المسرحية الساخرة "وطن للبيع" والصادرة عن مركز الحضارة العربية بالقاهرة.
لصوص الرحمة عرضت ثلاث مرات: وعمد المؤلف في كتابة هذا النص إلى المرونة الإيجابية؛ التي تسمح للممثل باستخدام مصطلحات تناسب زمن العرض في إطار الفكرة الحاكمة حيث إن المسرح الكومدي متطور ومتغير، وما يفجر الكوميديا في فترة زمنية ما لا يفجرها في فترة لاحقة، وخاصة أن النص كما ذكر الكاتب مكتوب منذ عام 1986 وقد تم تعديله ليناسب القرن الواحد والعشرين.
عرضت المسرحية لأول مرة عام 2004 علي مسرح غزل المحلة بمحافظة الغربية من إنتاج شركة جي أر زد، تحت عنوان "صعيدي رايح مش جاي" وقد شارك في البطولة الفنان الراحل غريب محمود، ومجدي فكري والفنانة عنبر والفنان رمزي غيث وكمال الألفي.
وفي 2012 قدمت علي مسرح الهوسابير تحت عنوان "حرامية خمس نجوم" من إنتاج شركة هاي مود، بطولة الفنان فتحي سعد، والفنان الراحل محمود الحفناوي، وعبدالسلام الدهشان وأحمد فرحات، ولكن الأحداث السياسية في ذلك الوقت وفرض حذر التجول في محافظة بور سعيد أثر علي تسويق النص.
وقدمته شركة الشيماء للإنتاج الفني على الهوسابير أيضا بعنوان "يوم لك ويوم عليك، عام 2015 بمعظم الفنانين بالعرض السابق. ونظرا لثراء النص كمويديا وفكريا، لن يتوقف عرضه على المسرح الحي إلا بتصويره للعرض التلفزيوني.
ملخص المسرحية
تدور أحداث المسرحية ما بين محطة مصر بالقاهرة، وفيلا الدكتور كمال بالقاهرة، حيث صميده، وعوضين القادمين من أعماق الصعيد للبحث عن طيبب ماهر لعلاج حمار العمدة المصاب بكسر في رجله، في حين أن البشر لا يجدون من يعالجهم، ومن الوهلة الأولى تظهر المفارقة ممزوجة بالساذجة كتمهيد لبث كوميديا اللامعقول في ثانيا النص كإطار يغلف القضية، حيث يتلقف زكي سمسار سرقة الأعضاء البشرية القادمين من أغور الريف متوددا وينجح في صنع صداقة زائفة عارضًا استضافتهما لأنهم بلديات.
وقد حاول خداعهم وإيهامهم بانهم مرضى يحتاجون العلاج، وقد أخذهم إلى القسم المجاني بمستشفي دكتور كمال الملحقة بفيلا دكتور كمال. بهدف سرقة كلية من كل فرد، وتستمر الأحداث في هذا الاتجاه حتى نهاية النص بأن يتضح أن صميده وعوضين ما هما إلا رجلا أمن قد تخفيا على الهيئة الصعيدية لضبط العصابة متلبسة بالجريمة، وبراعة التصوير أن المؤلف قد مهد للحدث بصورة تجعل المتلقي غير قادر على التنبؤ بالنهاية المفاجئة، فحتى اللحظات الأخيرة لم يتضح الفخ المحكم للقبض علي المجرمين.
مسرح "زرقاء اليمامة"
التيمة الحاكمة للنص هي تيمة الفكرة ذات البعد الأخلاقي، يقول د. محمد حسن عبدالله في هذا الصدد: "فكرة "المسرحية" هي الأساس الذي تنهض عليه سائر العناصر، مثل الصراع، والشخصيات، والحوار، هذا يعني أن ضعف الفكرة، أو عدم وضوحها عند المؤلف المسرحي يؤدي إلى ضعف عام، يغمر كل العناصر الأخري، نتيجة حتمية لضعف القاعدة التي ينهض عليها البناء، إن فكرة المسرحية ينبغي أن تكون قوية جادة، بأن تكون صحيحة في قياس العقل، غير متناقضة، وأن تكون جارية مع الطبع الإنساني في فطرته السليمة، أي غير منافية للأخلاق، وأن تكون ممكنة التصور والحدوث، أي فيها قدر مناسب من الواقعية أو الاحتمال".
وهذا ما حققه الكاتب عندما أفرغ نصه بالحبر فوق الورق، حيث إن مرصد الكتابة المسرحية عند الكاتب تلتقط العديد من الإشارات المنذرة، من تفسخ أخلاقي بغيض، وغياب التعاطف الإنساني، في فوران مجتمعي جامح كارثي، وننتقي عبارة دالة من طول المسرحيات وعرضها: "هو ايه اللى جرى للدنيا؟ / إيه ده الناس ما عدتش طايقة بعضها ليه"، إن المسرحية تحذر من شبكات الفساد الاجتماعي التي أكلت الأخضر واليابس ولم تبق ولم تذر.
وفي المسرحية نجد أن القضية المجتمعية الحاكمة هي قضية تجارة الأعضاء البشرية، وإن كان هناك إلماح يسير لموضوعات قيمية أخرى، وطبقاً لمذهب الأديب في الوضوح الأدبي، نجد أن انسيابية الحوار وبساطته، يضفيان روحًا من البهجة، فالوضوح في ذهن الكاتب يثمر وضوحاً في طرحه الفني المسرحي.
أما رسم الشخصيات، نجد أن الكاتب قد أفصح عن سمات بعض الشخصيات دون أخرى حتى لا يؤثر على عنصر المفاجأة الذي يدخره للمتلقي، ويحقق به توابله الفنية في صياغة المتعة، فنجد مثلاً (د. كمال: مجرم مثقف 60 سنة)، وهو إلماح ذكي أن بعض المثقفين يستخدمون الثقافة كوسيلة لتحقيق أغراضهم الإجرامية، وأرى أن هؤلاء من أخطر أنواع المجرمين، فالشخصية المسرحية التي تنادي بالمبادئ؛ تحترف التضليل، لدرجة حصولها على الجوائز والإشادة بها في مجال مكافحة تجارة الأعضاء البشرية، بينما يمارس تلك التجارة في المستشفي الذي أسس به قسماً مجانياً لمحدودي الدخل ليكون أحبولة يسقط بها ضحاياه مستغلاً عوزهم وفقرهم، تحت مظلة الرحمة، ومن هنا تأتي مفارقة العنوان.
العمل الصحافي والمسرحية
يطل العمل الصحافي من طرف خفي على أغوار السرد المسرحي، فمن المؤكد أن الكاتب قرأ مادة منوعة حول تلك القضية الخطيرة، خاصة المتعلقة بقتل الأفارقة الفارين في سيناء للوصول إلى الكيان الصهيوني، وإلقاء جثثهم في آبار سحيقة، بجانب ما يسرق من أجساد المصريين من أعضاء بشرية، وهي القضية الصادمة إنسانياً والتي اشتهرت مؤخراً. كما طالع أخباراً أخرى، ولأن الفكرة ذات الهدف الأخلاقي كانت مؤرقة للكاتب، فقد آثر استخدام الفن في توصيل هذا القلق والإنذار من الكارثة، ومفتتح المسرحية يحمل هذه الدلالة الصحافية حيث الإعلان عنها بواسطة كريمة بائعة الجرائد (إقرأ الحادثة ...).
نجد تجهيز مكان الأحداث المسرحية بحيث تشير إلى لقاء الشخصيات وتفاعلها، وإن عمد الكاتب إلي "الصدفة" المبررة في تقدير لقاء الشخصيات وتشابكها، والحقيقة أن الواقع ذاته يقدم ما يمكن أن نسميه "تصاريف القدر" والتي ترسم خيوط الحياة المتقاطعة في إتقان، ولجوء الكاتب أكثر من مرة لتلك المصادفات، أرى أنها كانت مخرجاً له لتدبير الحدث المسرحي في هذا الحيز الصغير المشكل من فصلين، ويشفع للكاتب في هذا طلاوة السخرية، والتصنيف الصارم للشخصيات بين اللونين الأبيض (الخير) والأسود (الشر). إن الكاتب كعادته ينحاز للمعدمين والمسحوقين، ويدعمهم أدبياً، وتؤرقه دائماً مظالمهم ووضعهم البائس:
- علوان: الحكاية دي مخوفة الناس قوي يا شلاطة وخصوصاً الغلابة اللى زينا.
- شلاطة: في دي الله ينور عليك، ما هو الغلابة هم اللى بيتقلبوا في الزمن ده.
التشويق بأداة السخرية
إن الكاتب منح ذاته مساحة في إطلاق السخرية، طاقة لإمتاع القارئ، بل الإغراق في هذه السخرية لدرجة الفكاهة، واستعمل البراح في رحلته إلى لحظة تنويره الأخيرة بالمسرحية، في إطلاق تلك السخرية في رحلته تلك للنهاية غير هياب، حيث اتفق مع الشائع (الذي لا نقره) حول (الصعايدة)، لكنه في إطار تقنية (التمثيل داخل التمثيل)، كشف أن المبالغة تلك في إظهار السذاجة كانت درباً لشخصيات صعيدية رائعة ذكية لمكافحة الشر. إن حيلته الفنية انصبت لإبعاد نظر القارئ عن المفاجأة الأخيرة، من خلال الإعلان وإشغاله بالمخبر وخطيبته الخادمة "كريمة" في سعيهما لكشف حقيقة الجريمة في مستشفي د. كمال المثقف المجرم.
إن الفكاهة واضحة، ونابعة من إيمان الكاتب بعبقرية النكتة المصرية، مثال المفارقة في ترتيب الألويات، مثال: الرجل الذي يؤجل إطفاء الحريق لحين أداء واجب الضيافة لرجال المطافى:
- شوقي: مش قضيتنا ... الحريقة عملت أيه؟
- زكي: ولعت أكتر.
- شوقي: إيه ما عرفوش يطفوها؟
- زكي: مش كده بالضبط.
- شوقي: لازم ما كنش فيه ميه؟
- زكي: الميه موجوده.
- شوقي: أمال إيه اللى حصل؟
- زكى: الرجل الصعيدي يا سيدي.
- شوقي: ما له ... مات؟
- زكي: لأ .. حلف يمين طلاق بالتلاتة ما حد من رجالة المطافى يمد إيده في الحريقة إلا ما يتغدو الأول.
في النص المكتوب توجد أمثلة كثيرة في أنحاء الفصلين، على استعمال الكاتب ثنائية اللغة بين العامية في وجه بحري، واللهجة الصعيدية بمنطوقها الصوتي، مع التفسير بين الأقواس لقارئ النص المسرحي، والتالي مثال: (عوضين: المانده (المناجة) دي أنواعها كتيرة قوي، .....) وذلك لتعميق أداته الساخرة أثناء القراءة.
النص يتمتع بكل مقومات المسرح الناجح من حيث الثراء الكومدي، الاستعراضات الغنائية، الموضوع، لغة السرد، دقة الجمل وبلاغتها، وتلك هي مقومات المسرح الناجح. علاوة على التوازن في عرض القضية بأسلوب يحفز على الحل، ومن خلال الدعوة غير المباشرة يستصرخ النص الدولة لوضع يدها على القطاع الطبي بالكامل لمنع ووقف مهزلة سرقة الأعضاء البشرية وعلاج الفقراء وكافة الشرائح وفق نظام طبي متطور، وتلك هي رسالة التنوير المشعة بالنص المسرحي مما يؤكد أننا أمام كاتب من طراز خاص يعلي من شأن الصالح العام وينتصر للقيم الإنسانية النبيلة في إطار كوميدي متفجر بالمرح لينطبق على النص المثل القائل: "شر البلية ما يضحك".
أن أدب الفكرة وصوت الضمير من السمات البارزة للكاتب والصحفي صلاح شعير حيث إنه من أصحاب الأقلام ذات العطاءات المتنوعة في أكثر من مجال من فنون القول، فيكتب الرواية والمسرح وأدب الطفل، وأدب الخيال العلمي، والمقال الصحافي في الهم العام، والدراسات الأدبية والفكرية والاقتصادية أيضاً.
إن الإشارة الأولى لمثل هذا الأداء المتنوع للكاتب تعني أن قضية الكتابة موظفة لديه في إطار أهداف عامة، وتفاعلاً مع المجتمع ومشكلاته، ويمكن أن نسميه أدب الفكرة في إطار أخلاقي. مسرحيات للصغار ... والكبار، وتنتمي مسرحية "لصوص الرحمة" إلى المجموعة المسرحية الساخرة "وطن للبيع" والصادرة عن مركز الحضارة العربية بالقاهرة.
لصوص الرحمة عرضت ثلاث مرات: وعمد المؤلف في كتابة هذا النص إلى المرونة الإيجابية؛ التي تسمح للممثل باستخدام مصطلحات تناسب زمن العرض في إطار الفكرة الحاكمة حيث إن المسرح الكومدي متطور ومتغير، وما يفجر الكوميديا في فترة زمنية ما لا يفجرها في فترة لاحقة، وخاصة أن النص كما ذكر الكاتب مكتوب منذ عام 1986 وقد تم تعديله ليناسب القرن الواحد والعشرين.
عرضت المسرحية لأول مرة عام 2004 علي مسرح غزل المحلة بمحافظة الغربية من إنتاج شركة جي أر زد، تحت عنوان "صعيدي رايح مش جاي" وقد شارك في البطولة الفنان الراحل غريب محمود، ومجدي فكري والفنانة عنبر والفنان رمزي غيث وكمال الألفي.
وفي 2012 قدمت علي مسرح الهوسابير تحت عنوان "حرامية خمس نجوم" من إنتاج شركة هاي مود، بطولة الفنان فتحي سعد، والفنان الراحل محمود الحفناوي، وعبدالسلام الدهشان وأحمد فرحات، ولكن الأحداث السياسية في ذلك الوقت وفرض حذر التجول في محافظة بور سعيد أثر علي تسويق النص.
وقدمته شركة الشيماء للإنتاج الفني على الهوسابير أيضا بعنوان "يوم لك ويوم عليك، عام 2015 بمعظم الفنانين بالعرض السابق. ونظرا لثراء النص كمويديا وفكريا، لن يتوقف عرضه على المسرح الحي إلا بتصويره للعرض التلفزيوني.
ملخص المسرحية
تدور أحداث المسرحية ما بين محطة مصر بالقاهرة، وفيلا الدكتور كمال بالقاهرة، حيث صميده، وعوضين القادمين من أعماق الصعيد للبحث عن طيبب ماهر لعلاج حمار العمدة المصاب بكسر في رجله، في حين أن البشر لا يجدون من يعالجهم، ومن الوهلة الأولى تظهر المفارقة ممزوجة بالساذجة كتمهيد لبث كوميديا اللامعقول في ثانيا النص كإطار يغلف القضية، حيث يتلقف زكي سمسار سرقة الأعضاء البشرية القادمين من أغور الريف متوددا وينجح في صنع صداقة زائفة عارضًا استضافتهما لأنهم بلديات.
وقد حاول خداعهم وإيهامهم بانهم مرضى يحتاجون العلاج، وقد أخذهم إلى القسم المجاني بمستشفي دكتور كمال الملحقة بفيلا دكتور كمال. بهدف سرقة كلية من كل فرد، وتستمر الأحداث في هذا الاتجاه حتى نهاية النص بأن يتضح أن صميده وعوضين ما هما إلا رجلا أمن قد تخفيا على الهيئة الصعيدية لضبط العصابة متلبسة بالجريمة، وبراعة التصوير أن المؤلف قد مهد للحدث بصورة تجعل المتلقي غير قادر على التنبؤ بالنهاية المفاجئة، فحتى اللحظات الأخيرة لم يتضح الفخ المحكم للقبض علي المجرمين.
مسرح "زرقاء اليمامة"
التيمة الحاكمة للنص هي تيمة الفكرة ذات البعد الأخلاقي، يقول د. محمد حسن عبدالله في هذا الصدد: "فكرة "المسرحية" هي الأساس الذي تنهض عليه سائر العناصر، مثل الصراع، والشخصيات، والحوار، هذا يعني أن ضعف الفكرة، أو عدم وضوحها عند المؤلف المسرحي يؤدي إلى ضعف عام، يغمر كل العناصر الأخري، نتيجة حتمية لضعف القاعدة التي ينهض عليها البناء، إن فكرة المسرحية ينبغي أن تكون قوية جادة، بأن تكون صحيحة في قياس العقل، غير متناقضة، وأن تكون جارية مع الطبع الإنساني في فطرته السليمة، أي غير منافية للأخلاق، وأن تكون ممكنة التصور والحدوث، أي فيها قدر مناسب من الواقعية أو الاحتمال".
وهذا ما حققه الكاتب عندما أفرغ نصه بالحبر فوق الورق، حيث إن مرصد الكتابة المسرحية عند الكاتب تلتقط العديد من الإشارات المنذرة، من تفسخ أخلاقي بغيض، وغياب التعاطف الإنساني، في فوران مجتمعي جامح كارثي، وننتقي عبارة دالة من طول المسرحيات وعرضها: "هو ايه اللى جرى للدنيا؟ / إيه ده الناس ما عدتش طايقة بعضها ليه"، إن المسرحية تحذر من شبكات الفساد الاجتماعي التي أكلت الأخضر واليابس ولم تبق ولم تذر.
وفي المسرحية نجد أن القضية المجتمعية الحاكمة هي قضية تجارة الأعضاء البشرية، وإن كان هناك إلماح يسير لموضوعات قيمية أخرى، وطبقاً لمذهب الأديب في الوضوح الأدبي، نجد أن انسيابية الحوار وبساطته، يضفيان روحًا من البهجة، فالوضوح في ذهن الكاتب يثمر وضوحاً في طرحه الفني المسرحي.
أما رسم الشخصيات، نجد أن الكاتب قد أفصح عن سمات بعض الشخصيات دون أخرى حتى لا يؤثر على عنصر المفاجأة الذي يدخره للمتلقي، ويحقق به توابله الفنية في صياغة المتعة، فنجد مثلاً (د. كمال: مجرم مثقف 60 سنة)، وهو إلماح ذكي أن بعض المثقفين يستخدمون الثقافة كوسيلة لتحقيق أغراضهم الإجرامية، وأرى أن هؤلاء من أخطر أنواع المجرمين، فالشخصية المسرحية التي تنادي بالمبادئ؛ تحترف التضليل، لدرجة حصولها على الجوائز والإشادة بها في مجال مكافحة تجارة الأعضاء البشرية، بينما يمارس تلك التجارة في المستشفي الذي أسس به قسماً مجانياً لمحدودي الدخل ليكون أحبولة يسقط بها ضحاياه مستغلاً عوزهم وفقرهم، تحت مظلة الرحمة، ومن هنا تأتي مفارقة العنوان.
العمل الصحافي والمسرحية
يطل العمل الصحافي من طرف خفي على أغوار السرد المسرحي، فمن المؤكد أن الكاتب قرأ مادة منوعة حول تلك القضية الخطيرة، خاصة المتعلقة بقتل الأفارقة الفارين في سيناء للوصول إلى الكيان الصهيوني، وإلقاء جثثهم في آبار سحيقة، بجانب ما يسرق من أجساد المصريين من أعضاء بشرية، وهي القضية الصادمة إنسانياً والتي اشتهرت مؤخراً. كما طالع أخباراً أخرى، ولأن الفكرة ذات الهدف الأخلاقي كانت مؤرقة للكاتب، فقد آثر استخدام الفن في توصيل هذا القلق والإنذار من الكارثة، ومفتتح المسرحية يحمل هذه الدلالة الصحافية حيث الإعلان عنها بواسطة كريمة بائعة الجرائد (إقرأ الحادثة ...).
نجد تجهيز مكان الأحداث المسرحية بحيث تشير إلى لقاء الشخصيات وتفاعلها، وإن عمد الكاتب إلي "الصدفة" المبررة في تقدير لقاء الشخصيات وتشابكها، والحقيقة أن الواقع ذاته يقدم ما يمكن أن نسميه "تصاريف القدر" والتي ترسم خيوط الحياة المتقاطعة في إتقان، ولجوء الكاتب أكثر من مرة لتلك المصادفات، أرى أنها كانت مخرجاً له لتدبير الحدث المسرحي في هذا الحيز الصغير المشكل من فصلين، ويشفع للكاتب في هذا طلاوة السخرية، والتصنيف الصارم للشخصيات بين اللونين الأبيض (الخير) والأسود (الشر). إن الكاتب كعادته ينحاز للمعدمين والمسحوقين، ويدعمهم أدبياً، وتؤرقه دائماً مظالمهم ووضعهم البائس:
- علوان: الحكاية دي مخوفة الناس قوي يا شلاطة وخصوصاً الغلابة اللى زينا.
- شلاطة: في دي الله ينور عليك، ما هو الغلابة هم اللى بيتقلبوا في الزمن ده.
التشويق بأداة السخرية
إن الكاتب منح ذاته مساحة في إطلاق السخرية، طاقة لإمتاع القارئ، بل الإغراق في هذه السخرية لدرجة الفكاهة، واستعمل البراح في رحلته إلى لحظة تنويره الأخيرة بالمسرحية، في إطلاق تلك السخرية في رحلته تلك للنهاية غير هياب، حيث اتفق مع الشائع (الذي لا نقره) حول (الصعايدة)، لكنه في إطار تقنية (التمثيل داخل التمثيل)، كشف أن المبالغة تلك في إظهار السذاجة كانت درباً لشخصيات صعيدية رائعة ذكية لمكافحة الشر. إن حيلته الفنية انصبت لإبعاد نظر القارئ عن المفاجأة الأخيرة، من خلال الإعلان وإشغاله بالمخبر وخطيبته الخادمة "كريمة" في سعيهما لكشف حقيقة الجريمة في مستشفي د. كمال المثقف المجرم.
إن الفكاهة واضحة، ونابعة من إيمان الكاتب بعبقرية النكتة المصرية، مثال المفارقة في ترتيب الألويات، مثال: الرجل الذي يؤجل إطفاء الحريق لحين أداء واجب الضيافة لرجال المطافى:
- شوقي: مش قضيتنا ... الحريقة عملت أيه؟
- زكي: ولعت أكتر.
- شوقي: إيه ما عرفوش يطفوها؟
- زكي: مش كده بالضبط.
- شوقي: لازم ما كنش فيه ميه؟
- زكي: الميه موجوده.
- شوقي: أمال إيه اللى حصل؟
- زكى: الرجل الصعيدي يا سيدي.
- شوقي: ما له ... مات؟
- زكي: لأ .. حلف يمين طلاق بالتلاتة ما حد من رجالة المطافى يمد إيده في الحريقة إلا ما يتغدو الأول.
في النص المكتوب توجد أمثلة كثيرة في أنحاء الفصلين، على استعمال الكاتب ثنائية اللغة بين العامية في وجه بحري، واللهجة الصعيدية بمنطوقها الصوتي، مع التفسير بين الأقواس لقارئ النص المسرحي، والتالي مثال: (عوضين: المانده (المناجة) دي أنواعها كتيرة قوي، .....) وذلك لتعميق أداته الساخرة أثناء القراءة.
النص يتمتع بكل مقومات المسرح الناجح من حيث الثراء الكومدي، الاستعراضات الغنائية، الموضوع، لغة السرد، دقة الجمل وبلاغتها، وتلك هي مقومات المسرح الناجح. علاوة على التوازن في عرض القضية بأسلوب يحفز على الحل، ومن خلال الدعوة غير المباشرة يستصرخ النص الدولة لوضع يدها على القطاع الطبي بالكامل لمنع ووقف مهزلة سرقة الأعضاء البشرية وعلاج الفقراء وكافة الشرائح وفق نظام طبي متطور، وتلك هي رسالة التنوير المشعة بالنص المسرحي مما يؤكد أننا أمام كاتب من طراز خاص يعلي من شأن الصالح العام وينتصر للقيم الإنسانية النبيلة في إطار كوميدي متفجر بالمرح لينطبق على النص المثل القائل: "شر البلية ما يضحك".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.