عميد تجارة القاهرة الأسبق: الجامعات الحكومية ما زالت الأفضل.. وهذه أسباب تفضيل البعض للخاصة    تنسيق دبلوم التجارة 2025.. قائمة الكليات والمعاهد المتاحة لطلاب 3 سنوات «رابط وموعد التسجيل»    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الجديد.. أسعار الذهب اليوم السبت 23 أغسطس 2025 بالصاغة    سعر السمك البلطي والكابوريا والجمبري في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    أبطال فيلم "وتر واحد" يشاركون ويجز تألقه على مسرح العلمين    من جلسات التدليك لمنتجعه الخاص، جيسلين ماكسويل تكشف تفاصيل مثيرة عن علاقتها بإبستين وترامب    مباراة النصر ضد الأهلي مباشر في السوبر السعودي 2025.. الموعد والقنوات والتردد    «الشمس هتغيب قبل المغرب».. كسوف الشمس الكلي يظهر في سماء 9 دول بهذا التوقيت    «عايز أشكره».. آسر ياسين يصعد على المسرح خلال حفل ويجز بمهرجان العلمين.. ما القصة؟    سهير جودة عن شيرين عبدالوهاب وحسام حبيب: «انفصال وعودة مزمنة.. متى تعود إلينا؟»    فيفي عبده تعلن وفاة الراقصة المعتزلة سهير مجدي    «الأستانلس أم التيفال»: هل نوع حلة الطبخ يغير طعم أكلك؟    تفاصيل قطع المياه لمدة 6 ساعات في المنطقة المحصورة بين الهرم وفيصل بالجيزة    أهم الأخبار الفنية على مدار الساعة.. حسام حبيب ينفى عودته لشيرين.. 3 أفلام جديدة تقتحم شاشات السينما المصرية تباعا حتى أكتوبر.. إيرادات فيلم درويش تتجاوز ال20 مليون جنيه خلال 9 أيام عرض بالسينمات    "حضورك راقي" 11 صورة لزوجة محمد عواد والجمهور يعلق    رئيس أركان الجيش الهندي يزور الجزائر الأسبوع المقبل    أطعمة تسبب الصداع النصفي لدى النساء ونصائح للسيطرة عليه    بهدف رويز.. باريس سان جيرمان ينجو من فخ أنجيه في الدوري الفرنسي    التعليم تطلق دورات تدريبية لمعلمي الابتدائي على المناهج المطورة عبر منصة (CPD)    رسميا.. مدرسة صناعة الطائرات تعلن قوائم القبول للعام الدراسي الجديد 2025/ 2026    رسميا.. جامعة الأزهر 2025 تفتتح أول كلية للبنات في مطروح وتعلن عن تخصصات جديدة    طارق فهمي: الإعلان الأممي عن تفشي المجاعة في غزة يعكس حجم الكارثة الإنسانية    بوتين: واثق أن خبرة ترامب ستسهم في استعادة العلاقات الثنائية بين بلدينا    وزير الخارجية الأردني: على إسرائيل رفع حصارها عن قطاع غزة والسماح بإيصال المساعدات    نشرة التوك شو| موجة حارة جديدة.. وشعبة السيارات تكشف سبب انخفاض الأسعار    العملاق مدحت صالح يبدأ حفله بمهرجان القلعة بأغنية "زى ما هى حبها"    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه    مدحت صالح يتألق بغناء حبيبى يا عاشق وزى المليونيرات بحفله فى مهرجان القلعة    الإنتاج الحربي يستهل مشواره بالفوز على راية الرياضي في دوري المحترفين    المستشار القانوني للزمالك يتحدث عن.. التظلم على سحب أرض أكتوبر.. وأنباء التحقيق مع إدارة النادي    في لحظات.. شقة تتحول إلى ساحة من اللهب والدخان    مراسل من دير البلح: المنطقة باتت مستباحة بالكامل تحت نيران الاحتلال    إسرائيل تشن هجومًا على مخازن تابعة لحزب الله في لبنان    تشيلسي يقسو على وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي (فيديو)    أول تعليق من النني بعد فوز الجزيرة على الشارقة بالدوري الإماراتي    مصدر ليلا كورة: كهربا وقع عقدا مع القادسية الكويتي    غزل المحلة يبدأ استعداداته لمواجهة الأهلي في الدوري.. صور    ارتفاع الكندوز 39 جنيها، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    وزير الري يشارك في جلسة "القدرة على الصمود في مواجهة التغير المناخي بقطاع المياه"    اليوم، دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ربيع الأول لعام 1447 هجريا    سليم غنيم يحافظ على الصدارة للعام الثاني في سباقات الحمام الزاجل الدولية    المنوفية تقدم أكثر من 2.6 مليون خدمة طبية ضمن حملة 100 يوم صحة    صحة المنوفية تواصل حملاتها بسرس الليان لضمان خدمات طبية آمنة وذات جودة    كتر ضحك وقلل قهوة.. طرق للتخلص من زيادة هرمون التوتر «الكورتيزول»    مقتل عنصر من الأمن السورى فى هجوم انتحارى نفذه "داعش" بدير الزور    أخبار × 24 ساعة.. موعد انطلاق العام الدراسى الجديد بالمدارس الدولية والرسمية    قدم لكلية الطب وسبقه القدر.. وفاة طالب أثناء تركيبه ميكروفون لمسجد في قنا    ظهور مفاجئ ل «منخفض الهند».. تحذير بشأن حالة الطقس اليوم: القاهرة تُسجل 40 مئوية    القضاء على بؤرة إجرامية خطرة بأشمون خلال تبادل النار مع قوات الشرطة    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 23 أغسطس 2025    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    هل إفشاء السر بدون قصد خيانة أمانة وما حكمه؟ أمين الفتوى يجيب    خدعوك فقالوا: «الرزق مال»    ثورة جديدة بتطوير المناهج «2»    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    شنوان.. القرية التي جعلت من القلقاس جواز سفر إلى العالم| صور    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من نثائرِ الصوفية .. قراءة في فقه المركزية الكونية عند سهل التستريِّ
نشر في صوت البلد يوم 16 - 05 - 2017

تظل المشكلة الرئيسة لأقطاب التصوف الإسلامي مع العامة هي الشيفرة اللغوية التي تقتنص الرمزية وحدها وتميل طوعا أم كرها إلى استخدام خطاب لغوي غير متحفي (نسبة إلى المتحف) أو مؤسسي تداولي، بل هي لغة تلجأ عادة إلى الاحتفاظ بأسرار دلالاتها الاستثنائية وكأنها تشكل نصا غير مواز للغة الفصيحة المؤسسية أو لغة الشارع الذي يحترف التلقي السلبي بامتياز.
هذا ما يمكن أن نتلمسه بوضوح في الخطاب الصوفي عند محي الدين بن عربي، والحسين بن منصور الحلاج، والسهروردي، وغيرهم، ولعل متصوفة الإسلام وحدهم استطاعوا أن يتلمسوا خصائص اللغة العربية التي انفردت بها اللغة العربية من اشتقاق ونحت ومشترك لفظي، ورغم أن هذه الخصائص هي سمات ميزت اللغة العربية في استخدامها الفصيح إلا أنها لدى الصوفية شكلت مراوغة لغوية أمكنت من الفرار من شره التصنيف والقنص تارة، ومن مشاكلة الطرح الفكري داخل العقل تارة أخرى.
واللغة التي تبدو رمزية وغامضة معظم الوقت، وربما رمزية النظم وغموضه يعد من أسرار التصوف؛ حيث إن الذين يعمدون الوصول إلى معارجه لا يتجرعوا مرارة الإخفاق وتعثرات النفس التي تصاحب الفشل في الحياة الاجتماعية، بل هو اختيار قصدي لا يعرف للتصنيف سبيلاً، أو مثلما يعاني إنسان ما متاعب الحياة ويتحمل عثراتها فيلجأ مباشرة صوب الاحتماء بأستار الدين كتوجه ظاهري فقط، أما أولئك الذين ذهبوا للتصوف ليس كطوق نجاة فحسب من فتنة الدنيا وكدرها، فإنهم لم يغادروا الدنيا بمشاعرهم نحو نصوص السلف القدماء من أجل اجترارها بل تيقنوا أن بتصوفهم هذا يؤكدون إرادة تحقق العقل وكماله. بل إن معظم أقطاب الصوفية اعتبروا عن جهد وروية أن الإرادة هي جوهر الإنسان نفسه، وبمقتضاها يستطيعون إثبات وجودهم وكنههم، بل إن بعضهم طرح فكرة أن الإرادة هي سبيل الوصول إلى الله سبحانه وتعالى لأنه مطلوبهم.
وربما الصوفي الوحيد الذي استطاع أن يهرب ولو قليلا من رمزية الاستخدام اللغوي الذي عادة يشير إلى غياب صاحب النص هو النفري صاحب المواقف والمخاطبات، حيث دلّل في طرحه الصوفي على وجوده ضد الغياب السمة التي لازمت الكثير من أهل التصوف حتى وإن استعملوا تقنيات المتكلم إلا أن الغياب كان بارزا مشهودا.
إن اهتمام النفري في المواقف والمخاطبات بالماورائية تعد إرهاصات تمهيدية للمريد بحثا عن طبيعة التصوف الإسلامي وصولا إلى غايته، لذلك لم يلجأ النفري في كتابه إلى انزياحات معرفية سابقة أو مبررات لتعبيراته بخلاف ما قام به محي الدين بن عربي في بعض مصنفاته التي قام بعمل شروح قصيرة لها خوفا من قصر الفهم وسوئه. لكن الكتاب في مجمله والذي يمتاز بلغة رمزية شديدة الترميز والتلميح بغير تصريح أو استطراد في الشرح يحتاج إلى قارئ مثالي يجيد آليات التأويل ويعتبر نفسه أمام نص أجنبي وليس عربيا فيستحيل بذلك مترجما فنيا وليس حرفيا له، مع محاولة اجتيار اللغة النصية المباشرة اجتيازا إلى لغة أخرى غير بائنة بسبب ثراء اللغة الرمزية المتوافرة بكتاب المواقف للنفري.
• العَصْرُ الذَّهَبِيُّ للحَضَارَةِ الإسْلامِيَّةِ
ويظل ما بين القرن الثالث وبداية القرن الرابع الهجريين هو مرحلة ارتقاء التصوف الإسلامي وازدهاره بشهادة مؤرخي التصوف والمهمومين بالتجربة الروحية في الإسلام من المستشرقين، بل يحرص كثير على توصيف هذه المرحلة بأنها العصر الذهبي للحضارة الإسلامية في مجملها لاسيما منذ خلافة هارون الرشيد وابنه المأمون الذي أسس في بغداد بيت الحكمة الذي استحال فيما بعد المركز الأبرز لترجمة المئات من الكتب في مختلف صنوف المعرفة والثقافة مما أمكن للثقافة الإسلامية الانفتاح على ثقافات العالم المعاصر آنذاك. وهذا الرفد الثقافي هو الذي نتج عنه وجود آثار فلسفية عريضة وظهور فلاسفة مثل الكندي والفارابي. والتجاوز الثقافي في هذه المرحلة أضفى أبعادا جديدة على الطرح الصوفي مثل المركزية الكونية والتحليل النفسي والمعرفة وأحوالها.
وفي ظل هذه الثورة الثقافية استطاع التصوف الإسلامي أن ينتقل من مرحلة الشيخ الصوفي الذي يهتم المريدون والمعارضون بأخباره وحكاياه وبعض قطوفه اللغوية القصيرة ومواقفه الشخصية مع العامة والأمراء على السواء، إلى مرحلة جديدة وفارقة في تاريخ التصوف وهي مرحلة تصنيف المؤلفات الكبيرة ذات التخصص، مما أمكن المتخصصون أن يطلقوا على هذين القرنين علم التصوف لكثرة التصنيفات والمؤلفات، ورأينا المصنفات الصوفية التي تجري في موضوع واحد وتقتصر على قضية واحدة بعينها بخلاف ما سبق من تصنيفات كانت تتناول موضوعات وقضايا شتى.
ويمكن توصيف هذه الحقبة الزمنية بأنها ثمة انتقال التصوف من مرحلة إبداع الكلمة والجملة والعبارة إلى مرحلة الخبرة الصوفية الواسعة والشاملة، وربما اتساع دائرة العلوم الإسلامية آنذاك وظهور عواصم عديدة للثقافة الإسلامية وانتشار العلوم الإسلامية وشيوع المدارس الدينية وفتح أبواب الاجتهاد الفقهي مع دعوات تجديد الفكر الديني هو الذي ساعد على ظهور علم التصوف في سلطة مجازه اللغوي.
ومن أبرز هذه المصنفات التي راجت في عصر التصوف الذهبي معتمدة على سلطة المجاز كتاب (اللمع في التصوف) لأبي نصر السراج الطوسي، وكتاب (قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد) لأبي طالب المكي، وكتاب (الرسالة في علم التصوف) لأبي القاسم عبدالكريم القشيري، وكتاب (ختم الأولياء) للحكيم الترمزي، وكتاب (المواقف والمخاطبات) لعبدالجبار النفري، وأخيرا المصنفات الصوفية الرائعة لسهل بن عبدالله التستري.
• سَهْلُ التُّسْتري .. بُورتريه صغير
تكفي الإشارة السريعة لسيرة سهل التستري دون مغالبة الولوج إلى تفاصيل المولد والمسيرة اهتماما بالطرح الصوفي نفسه، إلى ما أشار إليه الإمام الأكبر الدكتور عبدالحليم محمود شيخ الأزهر السابق في سطور معدودة، يقول سهل، فيما يرويه القشيري: "كنت ابن ثلاث سنين، وكنت أقوم الليل أنظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار، وكان يقوم الليل. ويشفق الشيخ على الغلام أن يصيبه برد، أو أن يكون عدم النوم سببا في ضعفه، ويشغل ذلك قلبه؛ رحمة بالغلام وشفقة عليه، فيناديه أحيانا: يا سهل اذهب فنم فقد شغلت قلبي".
ويحاول الغلام الاستمرار إرضاء لرغبته، ويحاول الذهاب إلى النوم إرضاء لخاله، ويتأرجح بين هذا وذاك، وتتغلب الرغبة أحيانا، وأحيانا تتغلب إطاعة خاله، ولكن الأيام تمر، والغلام يحضر خلوة خاله، ويألف خاله وجوده بجواره، ويألف الغلام ملازمة خاله في تهجده وعبادته، حتى كانت لحظة فارقة في حياته الروحية صوب التصوف حينما قال له خاله محدثا إياه: "قل بقلبك، عند تقلبك في ثيابك، ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك: الله معي، الله ناظر إلي، الله شاهدي".
وكانت هذه اللحظة بحق فارقة في حياة القطب الصوفي سهل بن عبدالله التستري الذي تعنينا طروحاته الصوفية أكثر مما يعنينا تقصي حياته وأحواله ومقاماته، ولعل أبرز ما في تلك المسيرة هي مداومة القرآن الكريم التي وجد فيها النور والهداية.
• إشْرَاقَاتٌ مِن الطَّرْحِ الصُّوفِيِّ
أبرز ما يعنينا من قصة العارف بالله سهل التستري هو ذلك الطرح الصوفي الذي تجسد في جملة من الإشراقات التي تمثل تجربته الروحية وتعكس عباداته ومجمل طاعته لربه سبحانه وتعالى، ومن أهم تعاليمه في التصوف الذكر الدائم، فمن خلاله يتذكر الإنسان يوم الميثاق في الأزل، ويعتبر سهل التستري من الأوائل الذين ركزوا على تفسير القرآن الكريم، وكما يؤكد جوزيبي سكاتولين في كتابه "التجليات الروحية في الإسلام" فإن سهل التستري شدد على طلب التوبة المستمرة والتوكل على الله. وفي التوكل يقول التستري: "أول مقام التوكل أن يكون العبد بين يدي الله عز وجل كالميت بين يدي الغاسل، يقلبه كيف أراد، ولا يكون له حركة ولا تدبير".
ولسهل التستري رأي في التوبة، فهو يقول إن التوبة النصوح ألا يرجع لأنه صار من جملة الأحبة، والحب لا يدخل في شيء لا يحبه الحبيب. ويقول أيضا: "علامة التائب أن لا تقله أرض ولا تظله سماء إلا هو متعلق بالعرش وصاحب العرش حتى يفارق الدنيا". ويقول: "ليس شيء في الدنيا من الحقوق أوجب عليَّ للخلق من التوبة، فهي واجبة في كل لمحة ولحظة، ولا عقوبة عليهم أشد من فَقْدِ علم التوبة، فقيل: ما التوبة؟ فقال: أن لا تنسى ذنبك".
ويستطرد سهل التستري طويلا وكثيرا في حديثه الشائق عن التوبة، بوصفها حالا توصل العد إلى أعلى المقامات الصوفية، وهو يشير إلى أن التوبة لا تصح لأحد حتى يدع الكثير من المباح مخافة أن يخرجه إلى غيره، تماما قالت أم المؤمنين السيدة عائشة (رضي الله عنها وعن أبيها): "اجعلوا بينكم وبين الحرام سترا من الحلال".
ولعل حديث سهل التستري عن الحجب شغل الكثير من وقت وفكر القطب الصوفي الكبير، ونثراته كثيرة حول هذا الموضوع، ويسرد التستري الحجب السبعة التي تحجب الإنسان عن ربه عز وجل، فالحجب هي عقله وعلمه وقلبه وخشيته ونفسه وإرادته والسابع مشيئته.
ويشرح سهل التستري ما قام بإجماله من حجب، فالعقل باشتغاله بتدبير الدنيا، والعلم بمباهاته مع الأقران، والقلب بالغفلة، والخشية بإغفالها عن موارد الأمور عليها، والنفس لأنها مأوى كل بلية، والإرادة إرادة الدنيا والإعراض عن الآخرة، أما المشيئة بملازمة الذنوب.
الطَّرِيْقُ إلَى الصَّبْرِ
احتل موضوع الصبر مكانة مرموقة وذات قيمة في نثائر سهل بن عبدالله التستري، ويعد الصبر من أعظم الفرائض إشارة إلى قول الله تعالى في سورة النحل: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ)، والصبر إذعان لله وحكمه وقضائه وحكته في تصريف وتدبير المقادير، يقول المولى تبارك وتعالى: (واصبر لحكم ربك) فقلد أمرنا الله عز وجل بالصبر لحكمه. والصبر لا جزاء له سوى الفلاح ونيل المقاصد التي ارتضاها الله لعبده باعتبار أن الصبر شرط رئيس من شرائط الإيمان التي يرفع الله بها درجات العبد في الجنة، يقول تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)، وعلم العبد ويقينه بأن صبره على البلاء والابتلاء وتصاريف القدر هو برزخ يعبره المرء تحقيقاً لغاية كبيرة هي الفوز برضا الله عنه.
والصبر أنواع وصنوف منها الصبر لله في مقام حق اليقين لقول الله تبارك وتعالى: (واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا) وفي هذه الآية الكريمة وجوب للصب لحكم الله تعالى، ومنها أيضاً الصبر بالله على تحمل أعباء الرسالة والمهمة كقوله تعالى: (واصبر وما صبرك إلا بالله)، ومن أبرز وأحكم أنواع الصبر، الصبر في الله، فمن صبر في الله ومعه كان معه وفي معيته ورعايته التي لا تنقضي، يقول تعالى: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه). ويقول تعالى أحكم الحاكمين: (إن الله مع الصابرين). ويرى أبو الحسن الماوردي أن الصبر على امتثال ما أمر الله به تعالى والانتهاء عما نهى عنه من أرفع درجات ومقامات الصبر؛ لأن به تخص الطاعة، وبخلوص الطاعة يصح الدين وتؤدى الفروض ويُستحق الثواب.
ويقول سهل التستري أن أصل الآفات كلها قلة الصبر على الأشياء، وغاية شكر العارف معرفته بعجزه عن بلوغ الشكر، ويقول: "أن تركب الصبر فافعل، ولا تكن مما يركبه الصبر". ويوضح التستري حقيقة الصبر على وجوهه الأربعة؛ صبر على المصائب، وصبر على الفرائض، وصبر على أذى الناس، وصبر على الفقر. فأما الفرائض فمتى صبر عليها رأيت حسن المعونة من الله عز وجل، وأما المصائب فمتى صبرت عليها وجب لك الأجر، ومتى صبرت على أذى الناس وجب لك حب الناس، ومتى صبرت على الفقر وجب لك رضوان الله عز وجل.
ومن صبر لله ثبته وقوى عزيمته وسدد خطاه وتفكيره إلى الصواب بغير لغط أو جنوح، ومن الصبر السلبي صبر عن الله وهو صبر أهل الجهل الذين باعدهم الله عن السعادة في الدنيا والآخرة، وهذا الصنف من الصبر هو ابتعاد عن الله ورحمته وغفلة واضحة بحقيقة التوحيد والربوبية، وغفلة عن العبر والدروس التي ينبغي للمرء أن يعيها من أموره وأحواله.
ويمثل الصبر عن الله عجلة وتسرعاً من المرء عن حكمة الله وفرجه القريب. والصبر أدب للنفس وترويض لها، ومن حسن التوفيق وأمارات السعدة الصبر على الملمات والمصائب وكوادر النفس والقلب معاً، وفي آثار السلف "من خير خلالك الصبر على اختلالك".
تظل المشكلة الرئيسة لأقطاب التصوف الإسلامي مع العامة هي الشيفرة اللغوية التي تقتنص الرمزية وحدها وتميل طوعا أم كرها إلى استخدام خطاب لغوي غير متحفي (نسبة إلى المتحف) أو مؤسسي تداولي، بل هي لغة تلجأ عادة إلى الاحتفاظ بأسرار دلالاتها الاستثنائية وكأنها تشكل نصا غير مواز للغة الفصيحة المؤسسية أو لغة الشارع الذي يحترف التلقي السلبي بامتياز.
هذا ما يمكن أن نتلمسه بوضوح في الخطاب الصوفي عند محي الدين بن عربي، والحسين بن منصور الحلاج، والسهروردي، وغيرهم، ولعل متصوفة الإسلام وحدهم استطاعوا أن يتلمسوا خصائص اللغة العربية التي انفردت بها اللغة العربية من اشتقاق ونحت ومشترك لفظي، ورغم أن هذه الخصائص هي سمات ميزت اللغة العربية في استخدامها الفصيح إلا أنها لدى الصوفية شكلت مراوغة لغوية أمكنت من الفرار من شره التصنيف والقنص تارة، ومن مشاكلة الطرح الفكري داخل العقل تارة أخرى.
واللغة التي تبدو رمزية وغامضة معظم الوقت، وربما رمزية النظم وغموضه يعد من أسرار التصوف؛ حيث إن الذين يعمدون الوصول إلى معارجه لا يتجرعوا مرارة الإخفاق وتعثرات النفس التي تصاحب الفشل في الحياة الاجتماعية، بل هو اختيار قصدي لا يعرف للتصنيف سبيلاً، أو مثلما يعاني إنسان ما متاعب الحياة ويتحمل عثراتها فيلجأ مباشرة صوب الاحتماء بأستار الدين كتوجه ظاهري فقط، أما أولئك الذين ذهبوا للتصوف ليس كطوق نجاة فحسب من فتنة الدنيا وكدرها، فإنهم لم يغادروا الدنيا بمشاعرهم نحو نصوص السلف القدماء من أجل اجترارها بل تيقنوا أن بتصوفهم هذا يؤكدون إرادة تحقق العقل وكماله. بل إن معظم أقطاب الصوفية اعتبروا عن جهد وروية أن الإرادة هي جوهر الإنسان نفسه، وبمقتضاها يستطيعون إثبات وجودهم وكنههم، بل إن بعضهم طرح فكرة أن الإرادة هي سبيل الوصول إلى الله سبحانه وتعالى لأنه مطلوبهم.
وربما الصوفي الوحيد الذي استطاع أن يهرب ولو قليلا من رمزية الاستخدام اللغوي الذي عادة يشير إلى غياب صاحب النص هو النفري صاحب المواقف والمخاطبات، حيث دلّل في طرحه الصوفي على وجوده ضد الغياب السمة التي لازمت الكثير من أهل التصوف حتى وإن استعملوا تقنيات المتكلم إلا أن الغياب كان بارزا مشهودا.
إن اهتمام النفري في المواقف والمخاطبات بالماورائية تعد إرهاصات تمهيدية للمريد بحثا عن طبيعة التصوف الإسلامي وصولا إلى غايته، لذلك لم يلجأ النفري في كتابه إلى انزياحات معرفية سابقة أو مبررات لتعبيراته بخلاف ما قام به محي الدين بن عربي في بعض مصنفاته التي قام بعمل شروح قصيرة لها خوفا من قصر الفهم وسوئه. لكن الكتاب في مجمله والذي يمتاز بلغة رمزية شديدة الترميز والتلميح بغير تصريح أو استطراد في الشرح يحتاج إلى قارئ مثالي يجيد آليات التأويل ويعتبر نفسه أمام نص أجنبي وليس عربيا فيستحيل بذلك مترجما فنيا وليس حرفيا له، مع محاولة اجتيار اللغة النصية المباشرة اجتيازا إلى لغة أخرى غير بائنة بسبب ثراء اللغة الرمزية المتوافرة بكتاب المواقف للنفري.
• العَصْرُ الذَّهَبِيُّ للحَضَارَةِ الإسْلامِيَّةِ
ويظل ما بين القرن الثالث وبداية القرن الرابع الهجريين هو مرحلة ارتقاء التصوف الإسلامي وازدهاره بشهادة مؤرخي التصوف والمهمومين بالتجربة الروحية في الإسلام من المستشرقين، بل يحرص كثير على توصيف هذه المرحلة بأنها العصر الذهبي للحضارة الإسلامية في مجملها لاسيما منذ خلافة هارون الرشيد وابنه المأمون الذي أسس في بغداد بيت الحكمة الذي استحال فيما بعد المركز الأبرز لترجمة المئات من الكتب في مختلف صنوف المعرفة والثقافة مما أمكن للثقافة الإسلامية الانفتاح على ثقافات العالم المعاصر آنذاك. وهذا الرفد الثقافي هو الذي نتج عنه وجود آثار فلسفية عريضة وظهور فلاسفة مثل الكندي والفارابي. والتجاوز الثقافي في هذه المرحلة أضفى أبعادا جديدة على الطرح الصوفي مثل المركزية الكونية والتحليل النفسي والمعرفة وأحوالها.
وفي ظل هذه الثورة الثقافية استطاع التصوف الإسلامي أن ينتقل من مرحلة الشيخ الصوفي الذي يهتم المريدون والمعارضون بأخباره وحكاياه وبعض قطوفه اللغوية القصيرة ومواقفه الشخصية مع العامة والأمراء على السواء، إلى مرحلة جديدة وفارقة في تاريخ التصوف وهي مرحلة تصنيف المؤلفات الكبيرة ذات التخصص، مما أمكن المتخصصون أن يطلقوا على هذين القرنين علم التصوف لكثرة التصنيفات والمؤلفات، ورأينا المصنفات الصوفية التي تجري في موضوع واحد وتقتصر على قضية واحدة بعينها بخلاف ما سبق من تصنيفات كانت تتناول موضوعات وقضايا شتى.
ويمكن توصيف هذه الحقبة الزمنية بأنها ثمة انتقال التصوف من مرحلة إبداع الكلمة والجملة والعبارة إلى مرحلة الخبرة الصوفية الواسعة والشاملة، وربما اتساع دائرة العلوم الإسلامية آنذاك وظهور عواصم عديدة للثقافة الإسلامية وانتشار العلوم الإسلامية وشيوع المدارس الدينية وفتح أبواب الاجتهاد الفقهي مع دعوات تجديد الفكر الديني هو الذي ساعد على ظهور علم التصوف في سلطة مجازه اللغوي.
ومن أبرز هذه المصنفات التي راجت في عصر التصوف الذهبي معتمدة على سلطة المجاز كتاب (اللمع في التصوف) لأبي نصر السراج الطوسي، وكتاب (قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد) لأبي طالب المكي، وكتاب (الرسالة في علم التصوف) لأبي القاسم عبدالكريم القشيري، وكتاب (ختم الأولياء) للحكيم الترمزي، وكتاب (المواقف والمخاطبات) لعبدالجبار النفري، وأخيرا المصنفات الصوفية الرائعة لسهل بن عبدالله التستري.
• سَهْلُ التُّسْتري .. بُورتريه صغير
تكفي الإشارة السريعة لسيرة سهل التستري دون مغالبة الولوج إلى تفاصيل المولد والمسيرة اهتماما بالطرح الصوفي نفسه، إلى ما أشار إليه الإمام الأكبر الدكتور عبدالحليم محمود شيخ الأزهر السابق في سطور معدودة، يقول سهل، فيما يرويه القشيري: "كنت ابن ثلاث سنين، وكنت أقوم الليل أنظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار، وكان يقوم الليل. ويشفق الشيخ على الغلام أن يصيبه برد، أو أن يكون عدم النوم سببا في ضعفه، ويشغل ذلك قلبه؛ رحمة بالغلام وشفقة عليه، فيناديه أحيانا: يا سهل اذهب فنم فقد شغلت قلبي".
ويحاول الغلام الاستمرار إرضاء لرغبته، ويحاول الذهاب إلى النوم إرضاء لخاله، ويتأرجح بين هذا وذاك، وتتغلب الرغبة أحيانا، وأحيانا تتغلب إطاعة خاله، ولكن الأيام تمر، والغلام يحضر خلوة خاله، ويألف خاله وجوده بجواره، ويألف الغلام ملازمة خاله في تهجده وعبادته، حتى كانت لحظة فارقة في حياته الروحية صوب التصوف حينما قال له خاله محدثا إياه: "قل بقلبك، عند تقلبك في ثيابك، ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك: الله معي، الله ناظر إلي، الله شاهدي".
وكانت هذه اللحظة بحق فارقة في حياة القطب الصوفي سهل بن عبدالله التستري الذي تعنينا طروحاته الصوفية أكثر مما يعنينا تقصي حياته وأحواله ومقاماته، ولعل أبرز ما في تلك المسيرة هي مداومة القرآن الكريم التي وجد فيها النور والهداية.
• إشْرَاقَاتٌ مِن الطَّرْحِ الصُّوفِيِّ
أبرز ما يعنينا من قصة العارف بالله سهل التستري هو ذلك الطرح الصوفي الذي تجسد في جملة من الإشراقات التي تمثل تجربته الروحية وتعكس عباداته ومجمل طاعته لربه سبحانه وتعالى، ومن أهم تعاليمه في التصوف الذكر الدائم، فمن خلاله يتذكر الإنسان يوم الميثاق في الأزل، ويعتبر سهل التستري من الأوائل الذين ركزوا على تفسير القرآن الكريم، وكما يؤكد جوزيبي سكاتولين في كتابه "التجليات الروحية في الإسلام" فإن سهل التستري شدد على طلب التوبة المستمرة والتوكل على الله. وفي التوكل يقول التستري: "أول مقام التوكل أن يكون العبد بين يدي الله عز وجل كالميت بين يدي الغاسل، يقلبه كيف أراد، ولا يكون له حركة ولا تدبير".
ولسهل التستري رأي في التوبة، فهو يقول إن التوبة النصوح ألا يرجع لأنه صار من جملة الأحبة، والحب لا يدخل في شيء لا يحبه الحبيب. ويقول أيضا: "علامة التائب أن لا تقله أرض ولا تظله سماء إلا هو متعلق بالعرش وصاحب العرش حتى يفارق الدنيا". ويقول: "ليس شيء في الدنيا من الحقوق أوجب عليَّ للخلق من التوبة، فهي واجبة في كل لمحة ولحظة، ولا عقوبة عليهم أشد من فَقْدِ علم التوبة، فقيل: ما التوبة؟ فقال: أن لا تنسى ذنبك".
ويستطرد سهل التستري طويلا وكثيرا في حديثه الشائق عن التوبة، بوصفها حالا توصل العد إلى أعلى المقامات الصوفية، وهو يشير إلى أن التوبة لا تصح لأحد حتى يدع الكثير من المباح مخافة أن يخرجه إلى غيره، تماما قالت أم المؤمنين السيدة عائشة (رضي الله عنها وعن أبيها): "اجعلوا بينكم وبين الحرام سترا من الحلال".
ولعل حديث سهل التستري عن الحجب شغل الكثير من وقت وفكر القطب الصوفي الكبير، ونثراته كثيرة حول هذا الموضوع، ويسرد التستري الحجب السبعة التي تحجب الإنسان عن ربه عز وجل، فالحجب هي عقله وعلمه وقلبه وخشيته ونفسه وإرادته والسابع مشيئته.
ويشرح سهل التستري ما قام بإجماله من حجب، فالعقل باشتغاله بتدبير الدنيا، والعلم بمباهاته مع الأقران، والقلب بالغفلة، والخشية بإغفالها عن موارد الأمور عليها، والنفس لأنها مأوى كل بلية، والإرادة إرادة الدنيا والإعراض عن الآخرة، أما المشيئة بملازمة الذنوب.
الطَّرِيْقُ إلَى الصَّبْرِ
احتل موضوع الصبر مكانة مرموقة وذات قيمة في نثائر سهل بن عبدالله التستري، ويعد الصبر من أعظم الفرائض إشارة إلى قول الله تعالى في سورة النحل: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ)، والصبر إذعان لله وحكمه وقضائه وحكته في تصريف وتدبير المقادير، يقول المولى تبارك وتعالى: (واصبر لحكم ربك) فقلد أمرنا الله عز وجل بالصبر لحكمه. والصبر لا جزاء له سوى الفلاح ونيل المقاصد التي ارتضاها الله لعبده باعتبار أن الصبر شرط رئيس من شرائط الإيمان التي يرفع الله بها درجات العبد في الجنة، يقول تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)، وعلم العبد ويقينه بأن صبره على البلاء والابتلاء وتصاريف القدر هو برزخ يعبره المرء تحقيقاً لغاية كبيرة هي الفوز برضا الله عنه.
والصبر أنواع وصنوف منها الصبر لله في مقام حق اليقين لقول الله تبارك وتعالى: (واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا) وفي هذه الآية الكريمة وجوب للصب لحكم الله تعالى، ومنها أيضاً الصبر بالله على تحمل أعباء الرسالة والمهمة كقوله تعالى: (واصبر وما صبرك إلا بالله)، ومن أبرز وأحكم أنواع الصبر، الصبر في الله، فمن صبر في الله ومعه كان معه وفي معيته ورعايته التي لا تنقضي، يقول تعالى: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه). ويقول تعالى أحكم الحاكمين: (إن الله مع الصابرين). ويرى أبو الحسن الماوردي أن الصبر على امتثال ما أمر الله به تعالى والانتهاء عما نهى عنه من أرفع درجات ومقامات الصبر؛ لأن به تخص الطاعة، وبخلوص الطاعة يصح الدين وتؤدى الفروض ويُستحق الثواب.
ويقول سهل التستري أن أصل الآفات كلها قلة الصبر على الأشياء، وغاية شكر العارف معرفته بعجزه عن بلوغ الشكر، ويقول: "أن تركب الصبر فافعل، ولا تكن مما يركبه الصبر". ويوضح التستري حقيقة الصبر على وجوهه الأربعة؛ صبر على المصائب، وصبر على الفرائض، وصبر على أذى الناس، وصبر على الفقر. فأما الفرائض فمتى صبر عليها رأيت حسن المعونة من الله عز وجل، وأما المصائب فمتى صبرت عليها وجب لك الأجر، ومتى صبرت على أذى الناس وجب لك حب الناس، ومتى صبرت على الفقر وجب لك رضوان الله عز وجل.
ومن صبر لله ثبته وقوى عزيمته وسدد خطاه وتفكيره إلى الصواب بغير لغط أو جنوح، ومن الصبر السلبي صبر عن الله وهو صبر أهل الجهل الذين باعدهم الله عن السعادة في الدنيا والآخرة، وهذا الصنف من الصبر هو ابتعاد عن الله ورحمته وغفلة واضحة بحقيقة التوحيد والربوبية، وغفلة عن العبر والدروس التي ينبغي للمرء أن يعيها من أموره وأحواله.
ويمثل الصبر عن الله عجلة وتسرعاً من المرء عن حكمة الله وفرجه القريب. والصبر أدب للنفس وترويض لها، ومن حسن التوفيق وأمارات السعدة الصبر على الملمات والمصائب وكوادر النفس والقلب معاً، وفي آثار السلف "من خير خلالك الصبر على اختلالك".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.