الصين تدعو لاتخاذ إجراءات ملموسة لدفع حل الدولتين ووقف إطلاق النار بغزة    من هم «بنو معروف» المؤمنون بعودة «الحاكم بأمر الله»؟!    أول رواية كتبها نجيب محفوظ وعمره 16 سنة!    استراتيجية الفوضى المعلوماتية.. مخطط إخواني لضرب استقرار مصر واستهداف مؤسسات الدولة    انتخابات مجلس الشيوخ.. الآليات والضوابط المنظمة لتصويت المصريين فى الخارج    "الزراعة" تنفيذ 286 ندوة إرشادية والتعامل مع 5300 شكوى للمزارعين    وزارة التموين تنتهى من صرف مقررات شهر يوليو 2025 للبقالين    ميناء سفاجا ركيزة أساسية في الممر التجاري الإقليمي الجديد    عبدالغفار التحول الرقمي ركيزة أساسية لتطوير المنظومة الصحية    وزير الإسكان يُصدر قرارًا بإزالة 89 حالة تعد ومخالفة بناء بمدينة الشروق    قبول دفعة جديدة من الأطباء البشريين الحاصلين على الماجستير والدكتوراه للعمل كضباط مكلفين بالقوات المسلحة    تنسيق الجامعات.. تفاصيل الدراسة ببرنامج الهندسة الإنشائية ب"هندسة حلوان"    إدارة الطوارئ في ولاية هاواي الأمريكية: إغلاق جميع المواني التجارية بسبب تسونامي    محمد السادس: مستعدون لحوار صريح ومسؤول مع الجزائر    تحليل جديد: رسوم ترامب الجمركية سترفع نفقات المصانع الأمريكية بنسبة 4.5%    الخارجية الأمريكية: قمنا بتقييم عواقب العقوبات الجديدة ضد روسيا علينا    33 لاعبا فى معسكر منتخب 20 سنة استعدادا لكأس العالم    لم نؤلف اللائحة.. ثروت سويلم يرد على انتقاد عضو الزمالك    إصابة طفل نتيجة هجوم كلب في مدينة الشيخ زايد    انخفاض تدريجي في الحرارة.. والأرصاد تحذر من شبورة ورياح نشطة    جدول امتحانات الشهادة الإعداية 2025 الدور الثاني في محافظة البحيرة    البترول: السيطرة على حريق سفينة حاويات قرب «جنوب شرق الحمد»    التصريح بدفن جثة طفل لقى مصرعه غرقا بإحدى الترع بمركز سوهاج    حفل جماهيري حاشد بالشرقية لدعم مرشح حزب الجبهة بالشرقية    ليلى علوي تعيد ذكريات «حب البنات» بصور نادرة من الكواليس    فقد الوعي بشكل جزئي، آخر تطورات الحالة الصحية للفنان لطفي لبيب    عزاء شقيق المخرج خالد جلال في الحامدية الشاذلية اليوم    وفري في الميزانية، طريقة عمل الآيس كوفي في البيت زي الكافيهات    قافلة طبية توقع الكشف على 1586 مواطنا في "المستعمرة الشرقية" بالدقهلية (صور)    محافظ الدقهلية:1586 مواطن استفادوا من القافلة الطبية المجانية بقرية المستعمرة الشرقية بلقاس    فتح باب التقدم لاختبارات الدبلومات والمعاهد الفنية للقبول بكلية الهندسة    حظك اليوم الأربعاء 30 يوليو وتوقعات الأبراج    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 1447-2026    "البترول" تتلقى إخطارًا باندلاع حريق في غرفة ماكينات مركب الحاويات PUMBA    البنك العربى الإفريقى يقود إصدار سندات توريق ب 4.7 مليار جنيه ل«تساهيل»    جدول مباريات بيراميدز في الدوري المصري الممتاز الموسم الجديد 2025-2026    وزير الثقافة: جوائز الدولة هذا العام ضمت نخبة عظيمة.. ونقدم برنامجا متكاملا بمهرجان العلمين    متابعة تطورات حركة جماعة الإخوان الإرهابية مع الإعلامية آلاء شتا.. فيديو    الدقيقة بتفرق في إنقاذ حياة .. أعراض السكتة الدماغية    يسمح ب«تقسيط المصروفات».. حكاية معهد السياحة والفنادق بعد قضية تزوير رمضان صبحي    تنسيق الجامعات 2025 .. تفاصيل برامج كلية التجارة جامعة عين شمس (مصروفات)    منافسة غنائية مثيرة في استاد الإسكندرية بين ريهام عبد الحكيم ونجوم الموسيقى العربية.. صور    الخارجية الباكستانية تعلن عن مساعدات إنسانية طارئة لقطاع غزة    إنجاز غير مسبوق.. إجراء 52 عملية جراحية في يوم واحد بمستشفى نجع حمادي    الجنايني يتحدث عن مفاوضات عبد القادر.. وعرض نيوم "الكوبري" وصدمة الجفالي    مصرع عامل اختل توازنه وسقط من أعلى سطح المنزل في شبين القناطر    عاجل- ترمب: زوجتي ميلانيا شاهدت الصور المروعة من غزة والوضع هناك قاس ويجب إدخال المساعدات    نبيل الكوكي يقيم مأدبة عشاء للاعبى وأفراد بعثة المصرى بمعسكر تونس    عمرو الجناينى: تفاجأت باعتزال شيكابالا.. ولم أتفاوض مع أحمد عبد القادر    عيار 21 الآن يسجل رقمًا جديدًا.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 30 يوليو بعد الانخفاض بالصاغة    تنسيق المرحلة الثانية 2025.. موعد الانطلاق والمؤشرات الأولية المتوقعة للقبول    التفاصيل الكاملة لسيدة تدعي أنها "ابنة مبارك" واتهمت مشاهير بجرائم خطيرة    سبب غياب كريم فؤاد عن ودية الأهلي وإنبي وموعد عودته    الجنايني عن شروط عبدالله السعيد للتجديد مع الزمالك: "سيب اللي يفتي يفتي"    هل يُحاسب الطفل على الحسنات والسيئات قبل البلوغ؟.. واعظة تجيب    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر يرد في هذه الحالة    ما الذي يُفِيدُه حديث النبي: (أفضل الأعمال الصلاة على وقتها)؟.. الإفتاء توضح    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السفر إلى ممالك الخيال مع اعتدال عثمان
نشر في صوت البلد يوم 27 - 03 - 2017

شدتني قراءة كتاب اعتدال عثمان «السفر إلى ممالك الخيال»، ليس لأنه كتاب شيق فحسب، بل لأسباب متعددة أخرى؛ منها ما هو عاطفي خاص بالقراءة لاعتدال، بوصفها كاتبة قصة رفيعة المستوى، وناقدة متميزة من ناحية، وأنني كنت قد قرأت معظم النصوص، التي عرضت لها اعتدال في كتابها، حين صدورها. من ناحية أخرى، وقد أثارتني فكرة الاطلاع على رؤية علمية جديدة لهذه النصوص المحببة لي، وأسعدني تقارب الذائقة الأدبية بيننا.
وقد استطاع الكتاب أن يحقق الهدف من أي كتاب نقدي يتعرض لأعمال أدبية، من حيث أنه يكشف عن جمالياتها وسلبياتها، وجوانب النضج الفني، وتميزها عما سواها، بالشرح والتحليل والتعليل والحكم، ويحقق في ظواهر أدبية من خلال دراستها علميا، واستخلاص مجموعة علاقات منطقية في ما بينها، وربطها بالملامح العامة للبنيات الكلية للمجتمع، من ناحية، وتقديم مفاتيح تنفذ إلى أسرار العمل، وتعين القارئ على الفهم، والتقدير وإدراك ما قد يخفى عليه بفتح آفاق القراءة أمامه، والوصول إلى قراءته الخاصة، أي التفاعل الحر مع ما يطرحه الكاتب من ناحية أخرى (إضاءة النص) حسب تسمية الكاتبة.
كما أن الكاتبة بما جبلت عليه من خبرة واسعة بالكتابة الأدبية، باعتبارها قاصة ، وناقدة مخضرمة ، تمتلك ثقافة عريضة، ونظرة ثاقبة، ومعرفة بالفن وعلاقته بالفنون الأخرى، ومعرفة عميقة بالثقافة المتنوعة للشعوب العربية، التي نشأ فيها الكتّاب الذين تناولت أعمالهم، ومعرفة بإنتاج هؤلاء الكتاب، ومشروعاتهم الأدبية، وبالكتّاب المجايلين لهم، بل تاريخ الأدب العربي أيضا.
وقد استطاعت ربط هذا الإنتاج في مناطق متعددة من الكتاب بالإنتاج العالمي أيضا (ماركيز وامبرتو إيكو).
قررت في عرضي لهذا الكتاب أن أسير على منهجها في التعامل مع النصوص، وأبدأ باختياراتها لمفاتيح النص، وأولها العنوان الرئيسي: «السفر إلى ممالك الخيال». هي تقر هنا – وهذا اعتراف ضمني – بأن مملكة الخيال ليست واحدة، بل هي ممالك متعددة، وأن كل كاتب يتميز بخصوصية مختلفة عن غيره من الكتاب وأنه لا يوجد بينهم ما يكون متماثلا، بحيث يمكن أن يقيم مقارنة صالحة، وبالتالي فإن الحكم عليه لن يكون وفق معايير واحدة، بل وفق تحقيق كل منهم لتميزات خاصة بمملكته.
النقطة الثانية هي أن هذه الممالك هي ممالك الخيال وليس الواقع، وهي مفارقة تصاحبنا في رحلتنا حتى آخر صفحة، إذ أن الكاتبة تربط طوال الوقت بين ما قدمه الكاتب من إعادة تصور للعالم مربوطا بالواقع الفعلي له، مستدعيا قوة ذاكرته التي تحمل تراثه وفنونه، وعاداته وتقاليده وأساطيره التي بنيت على وقائع تاريخية حقيقية ومؤكدة، وتعترف بأن الكاتب يمزج بين العالمين.
وعن طريق العنوان الفرعي «ملامح وأصوات في الرواية العربية» تبلغنا الكاتبة أنها ستقدم لنا ملامح وأصواتا في الرواية العربية تحديدا، فعرضت لروايات عبد الرحمن منيف، وجبرا إبراهيم جبرا، وإبراهيم الكوني، وعروسية النالوتي، وبثينة مكي، وسلوى بكر في دراسات مستقلة في النصف الثاني من الكتاب، وهو الجزء التطبيقي، في حين تعاملت مع عدد من الكتاب في دراسة ظواهر بعينها، أمثال جمال الغيطاني، وإبراهيم نصر الله، وسحر خليفة، ورضوى عاشور، وسامية عيسى وواسيني الأعرج، في عدة فصول، ثم كل من: خيري شلبي، وعلاء الديب، وإبراهيم أصلان، ونجيب محفوظ، وعلاء الأسواني، ويحيى حقي، وإدوار الخراط، في فصل عن الأدب المصري المعاصر، يقابله فصل عن الكتاب الإماراتيين الشبان. هناك توازن إذن بين الكتاب المصريين والعرب، حتى أن الدراسات التطبيقية ضمت كاتبة مصرية وحيدة، وكذلك ما احتله الكاتب المصري داخل دراسة الظواهر الأدبية.
يبدو على مدار الكتاب كله انحياز ذائقتها لكتاب بعينهم. تناوش أعمالهم مع كل دراسة لها. وهي في واقع الحال ميزة عمقت معرفتها بأعمالهم، ومتابعتها لكل جديد لديهم، وربطه بتحليلاتها لكل عمل. ويدعوني هذا التكرار للسؤال عن أسباب اختيارها لهؤلاء الكتاب، واختيار هذه النصوص. وقد لاحظت عدة ملامح متشابهة بينهم يأتي ذكرها في حينه. في مفاتيح النص أيضا لا تفوتني صورة الغلاف؛ وهي لفتاة متأملة لما قرأت، وبجوارها العالم المبهم الذي يحمل بعض الضوء، وكأنها تريد أن تخبرنا أن قراءة كتاب تحتاج أولا إلى تأمل عميق، وأن هذا ربما يفتح نافذة تكشف عن ضوٍء ما.
ينقسم الكتاب إلى جزءين الأول هو: في تحولات الرواية العربية ويضم عدة فصول هي: فلسطين في المخيال الروائي، والرواية العربية وملحمة البحث عن الهوية، والذاكرة الثقافية بين التفكيك والتركيب قراءة في الروايات المصرية الحديثة، ورواية العمارة وعمارة الرواية قراءة في نصوص مصرية، وأخيرا تجارب إماراتية شابة في الرواية.
الجزء الثاني المعنون أصوات وملامح يضم مقاربات نقدية لروايات: «النهايات، والبحث عن وليد مسعود، والعربة الذهبية لا تصعد إلى السماء، ومراتيج، وروح المكان عند بثينة مكي، والخصوصية السحرية عند الكوني».
كان سؤالي الأول عند انتهائي من القراءة هو: كيف تختار الناقدة كتّابها؟ وما الملامح التي تجمع جزئي الكتاب معا لتطير بهما إلى ممالك الخيال؟ وهل ما قدمته الكاتبة عن التحولات في الرواية العربية قد استمر يحكم اختياراتها في الجانب التطبيقي؟ وقد وجدت أن إجابة هذه الأسئلة الثلاثة تقود إلى بعضها، فالروايات المختارة هي بالفعل تمتلك خصائص وضعتها الناقدة كملامح للتحول في الرواية العربية، وقد لاحظت أنها تصف كتابها المختارين بعدة صفات:
أولا: بامتلاكهم للثقافة الرفيعة المتنوعة: «نصوص إبراهيم الكوني تكشف عن رؤية مثقف واسع الثقافة». وتقول عن بثينة: «التنوع الكبير الجامع بين النفري، وابن الهيثم، وأدونيس والجواهري، ومحمد المهدي المجذوب، وأبو العلاء المعري، وأبو الشيص، وإيزابيل الليندي يساعد على وضع الرواية في سياق ثقافي واسع».
ثانيا: اهتمامهم بالأسطورة والسحرية فترى أن عبد الرحمن منيف قام بأسطرة المكان الروائي وتوظيف الإبداع لتحرير الواقع من المخاوف، وقالت إن أعمال بثينة خضر مكي تنطوي على الغرائبية المستمدة من الأساطير الشعبية. وكتبت عن الخصوصية السحرية في أعمال الكوني، ووصفتها بالمعاصرة التي لها عمق وجودي وتاريخي، وبأن تقنياتها متميزة وأنها أسطورة موازية للتراث، ومرتبطة به، وذكرت أن جبرا إبراهيم جبرا قدّم أسطورة عصرية في البحث عن وليد مسعود لبطل يصارع حقيقة خارجية لا قبل له بالتغلب عليها، كما أن التصوير الأسطوري يظهر في أكثر من عمل لجبرا، وقالت إن سلوى بكر استخدمت حيلة فنية خيالية مدخلا لطراز من النقد الساخر للتناقضات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
ثالثا: إفضاء السرد في معظم الأعمال إلى مصير مأساوي ينتهي بدمار النماذج الإنسانية، كما في «العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء» التي تنتهي بموت البطلة، والسحرة، والمجوس، ونزيف الحجر، وغيرها من النصوص التي ذكرتها من أعمال الكوني، والبحث عن وليد مسعود، وموت عساف الفاجع في النهايات.
بالإضافة إلى المجتمعات المهددة بالانقراض، كما في رواية «البحث عن وليد مسعود». تقدم الرواية ذاتا جماعية مقتلعة ومهددة بالذوبان والتحلل ومقاومة في الوقت نفسه لعوامل الاندثار. وفي المجوس وفتنة الزؤان، وبر الختعور الصراع البطولي ضد لعنة الدمار الذي يلاحق نظم الحياة، ومنظومات المعرفة ذات الأفق المغلق … بتحقق النبوءة التي قضت بزوال القبيلة نفسها.
رابعا البحث عن الهوية: عند بثينة خضر مكي في روايتها «صهيل النهر» الذات العارفة في هذه الرواية تقدم إضاءة باهرة للإرث الثقافي والمكون الاجتماعي السوداني، بهدف كشف أبعاد الهوية العربية الإفريقية بثرائها النوعي . وعند إبراهيم الكوني: البحث عن الهوية الثقافية المهمشة واستعادة ذاكرة التاريخ المجهول من النسيان والمحو.
خامسا النقد واستخدام المفارقة: في «حجول من شوك» يلاحظ القارئ موقفا نقديا للصورة الذهنية الحسية النمطية للمرأة في تراثنا الممتد إلى الحاضر. وفي «العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء» تحكم الكاتبة في الخطاب القصصي يرمي إلى نقد النظرة الأحادية ونقضها.
في «مراتيج» المفارقة بالمعني الفلسفي الذي يكشف عنه النص تعني نظرة إلى العالم وموقفا من حقيقة الأشياء. كما أن المفارقة الساخرة في نص سلوى بكر تؤدي إلى رفض الجزم بالنتائج، أو تأسيس حقائق نهائية ثابتة.. المفارقة تعمل على التهوين والتهويل، بمعنى نقض وتقويض أبعاد النسب المألوفة، التي تقاس بها الأشياء.. وظهور حقائق عدة بدلا من حقيقة واحدة نهائية وثابتة.
سادسا: تقديم وعي صادم لا يجمل الحقيقة وكسر العلاقة الثابتة بين المتن والهامش
هذه السمات التي تجمع الروايات في النصف الثاني من الكتاب تحمل كلها في الوقت ذاته أول الملامح التي حددتها الكاتبة لاختيارها لنصوصها، من حيث حركة المخيال الروائي صوب التاريخ. تحت عنوان «فلسطين في المخيال الروائي»، وقد اختارت «الطنطورية» لرضوى عاشور، و«حبي الأول» لسحر خليفة، و«زمن الخيول البيضاء» لإبراهيم نصر الله، و«حليب التين» لسامية عيسى، و«سوناتا أشباح القدس» لواسيني الأعرج. وكلها أعمال تعيد إنتاج التاريخ من منظور فني واستنهاض ذاكرة المكان المسلوبة في المكان المسلوب من آلة النسيان، التي يسلطها الآخر لتمحو المكان الفلسطيني. وتعيد إنتاج الرموز، وبثها في المخيلة الاجتماعية بهدف نقل الوعي لأجيال لاحقة من ناحية، وصدمة الوعي المشكل لاستنفار فعل يواجه به الواقع المتداعي من ناحية أخرى، من خلال نص إبداعي يملك وعيا جماليا حداثيا عالميا.
وتحمل هذه النصوص أيضا ثاني الملامح وهو: البحث عن الهوية. وتقول إن سؤال الهوية هو الإجابة التي تتحدد على ضوئها خصوصية الرواية العربية، وتستعين لاثبات ذلك بروايات لجمال الغيطاني، ونجيب محفوظ، وعبد الرحمن منيف، وإبراهيم أصلان، وإبراهيم الكوني، وتصل إلى أن الشاغل الأول للروائي العربي هو البحث عن الهوية، وحتى في قراءتها للذاكرة الثقافية بين التفكيك والتركيب، في روايات مصرية، تصل للنتائج نفسها من حيث أن الكتاب يحاولون عن طريق تفكيك البنيات السائدة إبراز متناقضاتها، والتوصل عن طريق المتخيل إلى بنيات موازية مضادة، وناقدة لأنماط الوعي القائم، وطامحة لتأسيس وعي جديد ينبع من الحاضر المعيش، ويتفاعل مع حاضر مأمول. وقد قسمت الروايات إلى نوعين: انتقادية اجتماعية وشعرية تطبيقا على أعمال بهاء طاهر، وجمال الغيطاني، وصنع الله إبراهيم، وإدوار الخراط ، ومحمد مستجاب، وربطتها بما قدمه الجيل السابق عليهم بعد أن حددت في الهامش أنها تناقش أعمالا صدرت كلها في الثمانينيات، وهي دقة يتطلبها تحديد أدوات الكاتب في التفكيك وفقا لزمن هذه الفترة، لأن كل فترة حملت ملامحها الخاصة، حتى في حديثها عن عمارة الرواية ورواية العمارة وصلت لنتيجة متفقة مع السياق العام، من حيث رصد العشوائية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية، واعتبرتها سببا لانبثاق الرواية الشابة الحديثة التي قوضت التقاليد الروائية السابقة. وهو ما رصدته من خلال مقاربتها لنصوص شباب من الإمارات متحررين على حد تعبيرها من قيود المعايير الجاهزة التي تفرضها الرواية التقليدية. وبهذا نعود إلى ما حددته الكاتبة من أن الروائيين العرب يجمعهم مشهد واحد تتآلف مكوناته وعناصره البنائية لتشكل لوحة شاسعة للواقع العربي الراهن المرتبك بأبعاده التاريخية والسياسية والاجتماعية والثقافية على نحو ما ينعكس على مرايا المتخيل الأدبي في الأعمال الروائية، وقد نجحت اعتدال عثمان في أن تجوب بنا في ممالك خيال هؤلاء الكتاب لنستكشف معا أسرارها وما خفي منها. وحققت ما وعدت به في مقدمة الكتاب بأن تسافر بنا لاستجلاء الصورة الإبداعية لعدد من كتابنا العرب.. فتحية لها ولرحلاتها.
..........
٭ كاتبة مصرية
شدتني قراءة كتاب اعتدال عثمان «السفر إلى ممالك الخيال»، ليس لأنه كتاب شيق فحسب، بل لأسباب متعددة أخرى؛ منها ما هو عاطفي خاص بالقراءة لاعتدال، بوصفها كاتبة قصة رفيعة المستوى، وناقدة متميزة من ناحية، وأنني كنت قد قرأت معظم النصوص، التي عرضت لها اعتدال في كتابها، حين صدورها. من ناحية أخرى، وقد أثارتني فكرة الاطلاع على رؤية علمية جديدة لهذه النصوص المحببة لي، وأسعدني تقارب الذائقة الأدبية بيننا.
وقد استطاع الكتاب أن يحقق الهدف من أي كتاب نقدي يتعرض لأعمال أدبية، من حيث أنه يكشف عن جمالياتها وسلبياتها، وجوانب النضج الفني، وتميزها عما سواها، بالشرح والتحليل والتعليل والحكم، ويحقق في ظواهر أدبية من خلال دراستها علميا، واستخلاص مجموعة علاقات منطقية في ما بينها، وربطها بالملامح العامة للبنيات الكلية للمجتمع، من ناحية، وتقديم مفاتيح تنفذ إلى أسرار العمل، وتعين القارئ على الفهم، والتقدير وإدراك ما قد يخفى عليه بفتح آفاق القراءة أمامه، والوصول إلى قراءته الخاصة، أي التفاعل الحر مع ما يطرحه الكاتب من ناحية أخرى (إضاءة النص) حسب تسمية الكاتبة.
كما أن الكاتبة بما جبلت عليه من خبرة واسعة بالكتابة الأدبية، باعتبارها قاصة ، وناقدة مخضرمة ، تمتلك ثقافة عريضة، ونظرة ثاقبة، ومعرفة بالفن وعلاقته بالفنون الأخرى، ومعرفة عميقة بالثقافة المتنوعة للشعوب العربية، التي نشأ فيها الكتّاب الذين تناولت أعمالهم، ومعرفة بإنتاج هؤلاء الكتاب، ومشروعاتهم الأدبية، وبالكتّاب المجايلين لهم، بل تاريخ الأدب العربي أيضا.
وقد استطاعت ربط هذا الإنتاج في مناطق متعددة من الكتاب بالإنتاج العالمي أيضا (ماركيز وامبرتو إيكو).
قررت في عرضي لهذا الكتاب أن أسير على منهجها في التعامل مع النصوص، وأبدأ باختياراتها لمفاتيح النص، وأولها العنوان الرئيسي: «السفر إلى ممالك الخيال». هي تقر هنا – وهذا اعتراف ضمني – بأن مملكة الخيال ليست واحدة، بل هي ممالك متعددة، وأن كل كاتب يتميز بخصوصية مختلفة عن غيره من الكتاب وأنه لا يوجد بينهم ما يكون متماثلا، بحيث يمكن أن يقيم مقارنة صالحة، وبالتالي فإن الحكم عليه لن يكون وفق معايير واحدة، بل وفق تحقيق كل منهم لتميزات خاصة بمملكته.
النقطة الثانية هي أن هذه الممالك هي ممالك الخيال وليس الواقع، وهي مفارقة تصاحبنا في رحلتنا حتى آخر صفحة، إذ أن الكاتبة تربط طوال الوقت بين ما قدمه الكاتب من إعادة تصور للعالم مربوطا بالواقع الفعلي له، مستدعيا قوة ذاكرته التي تحمل تراثه وفنونه، وعاداته وتقاليده وأساطيره التي بنيت على وقائع تاريخية حقيقية ومؤكدة، وتعترف بأن الكاتب يمزج بين العالمين.
وعن طريق العنوان الفرعي «ملامح وأصوات في الرواية العربية» تبلغنا الكاتبة أنها ستقدم لنا ملامح وأصواتا في الرواية العربية تحديدا، فعرضت لروايات عبد الرحمن منيف، وجبرا إبراهيم جبرا، وإبراهيم الكوني، وعروسية النالوتي، وبثينة مكي، وسلوى بكر في دراسات مستقلة في النصف الثاني من الكتاب، وهو الجزء التطبيقي، في حين تعاملت مع عدد من الكتاب في دراسة ظواهر بعينها، أمثال جمال الغيطاني، وإبراهيم نصر الله، وسحر خليفة، ورضوى عاشور، وسامية عيسى وواسيني الأعرج، في عدة فصول، ثم كل من: خيري شلبي، وعلاء الديب، وإبراهيم أصلان، ونجيب محفوظ، وعلاء الأسواني، ويحيى حقي، وإدوار الخراط، في فصل عن الأدب المصري المعاصر، يقابله فصل عن الكتاب الإماراتيين الشبان. هناك توازن إذن بين الكتاب المصريين والعرب، حتى أن الدراسات التطبيقية ضمت كاتبة مصرية وحيدة، وكذلك ما احتله الكاتب المصري داخل دراسة الظواهر الأدبية.
يبدو على مدار الكتاب كله انحياز ذائقتها لكتاب بعينهم. تناوش أعمالهم مع كل دراسة لها. وهي في واقع الحال ميزة عمقت معرفتها بأعمالهم، ومتابعتها لكل جديد لديهم، وربطه بتحليلاتها لكل عمل. ويدعوني هذا التكرار للسؤال عن أسباب اختيارها لهؤلاء الكتاب، واختيار هذه النصوص. وقد لاحظت عدة ملامح متشابهة بينهم يأتي ذكرها في حينه. في مفاتيح النص أيضا لا تفوتني صورة الغلاف؛ وهي لفتاة متأملة لما قرأت، وبجوارها العالم المبهم الذي يحمل بعض الضوء، وكأنها تريد أن تخبرنا أن قراءة كتاب تحتاج أولا إلى تأمل عميق، وأن هذا ربما يفتح نافذة تكشف عن ضوٍء ما.
ينقسم الكتاب إلى جزءين الأول هو: في تحولات الرواية العربية ويضم عدة فصول هي: فلسطين في المخيال الروائي، والرواية العربية وملحمة البحث عن الهوية، والذاكرة الثقافية بين التفكيك والتركيب قراءة في الروايات المصرية الحديثة، ورواية العمارة وعمارة الرواية قراءة في نصوص مصرية، وأخيرا تجارب إماراتية شابة في الرواية.
الجزء الثاني المعنون أصوات وملامح يضم مقاربات نقدية لروايات: «النهايات، والبحث عن وليد مسعود، والعربة الذهبية لا تصعد إلى السماء، ومراتيج، وروح المكان عند بثينة مكي، والخصوصية السحرية عند الكوني».
كان سؤالي الأول عند انتهائي من القراءة هو: كيف تختار الناقدة كتّابها؟ وما الملامح التي تجمع جزئي الكتاب معا لتطير بهما إلى ممالك الخيال؟ وهل ما قدمته الكاتبة عن التحولات في الرواية العربية قد استمر يحكم اختياراتها في الجانب التطبيقي؟ وقد وجدت أن إجابة هذه الأسئلة الثلاثة تقود إلى بعضها، فالروايات المختارة هي بالفعل تمتلك خصائص وضعتها الناقدة كملامح للتحول في الرواية العربية، وقد لاحظت أنها تصف كتابها المختارين بعدة صفات:
أولا: بامتلاكهم للثقافة الرفيعة المتنوعة: «نصوص إبراهيم الكوني تكشف عن رؤية مثقف واسع الثقافة». وتقول عن بثينة: «التنوع الكبير الجامع بين النفري، وابن الهيثم، وأدونيس والجواهري، ومحمد المهدي المجذوب، وأبو العلاء المعري، وأبو الشيص، وإيزابيل الليندي يساعد على وضع الرواية في سياق ثقافي واسع».
ثانيا: اهتمامهم بالأسطورة والسحرية فترى أن عبد الرحمن منيف قام بأسطرة المكان الروائي وتوظيف الإبداع لتحرير الواقع من المخاوف، وقالت إن أعمال بثينة خضر مكي تنطوي على الغرائبية المستمدة من الأساطير الشعبية. وكتبت عن الخصوصية السحرية في أعمال الكوني، ووصفتها بالمعاصرة التي لها عمق وجودي وتاريخي، وبأن تقنياتها متميزة وأنها أسطورة موازية للتراث، ومرتبطة به، وذكرت أن جبرا إبراهيم جبرا قدّم أسطورة عصرية في البحث عن وليد مسعود لبطل يصارع حقيقة خارجية لا قبل له بالتغلب عليها، كما أن التصوير الأسطوري يظهر في أكثر من عمل لجبرا، وقالت إن سلوى بكر استخدمت حيلة فنية خيالية مدخلا لطراز من النقد الساخر للتناقضات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
ثالثا: إفضاء السرد في معظم الأعمال إلى مصير مأساوي ينتهي بدمار النماذج الإنسانية، كما في «العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء» التي تنتهي بموت البطلة، والسحرة، والمجوس، ونزيف الحجر، وغيرها من النصوص التي ذكرتها من أعمال الكوني، والبحث عن وليد مسعود، وموت عساف الفاجع في النهايات.
بالإضافة إلى المجتمعات المهددة بالانقراض، كما في رواية «البحث عن وليد مسعود». تقدم الرواية ذاتا جماعية مقتلعة ومهددة بالذوبان والتحلل ومقاومة في الوقت نفسه لعوامل الاندثار. وفي المجوس وفتنة الزؤان، وبر الختعور الصراع البطولي ضد لعنة الدمار الذي يلاحق نظم الحياة، ومنظومات المعرفة ذات الأفق المغلق … بتحقق النبوءة التي قضت بزوال القبيلة نفسها.
رابعا البحث عن الهوية: عند بثينة خضر مكي في روايتها «صهيل النهر» الذات العارفة في هذه الرواية تقدم إضاءة باهرة للإرث الثقافي والمكون الاجتماعي السوداني، بهدف كشف أبعاد الهوية العربية الإفريقية بثرائها النوعي . وعند إبراهيم الكوني: البحث عن الهوية الثقافية المهمشة واستعادة ذاكرة التاريخ المجهول من النسيان والمحو.
خامسا النقد واستخدام المفارقة: في «حجول من شوك» يلاحظ القارئ موقفا نقديا للصورة الذهنية الحسية النمطية للمرأة في تراثنا الممتد إلى الحاضر. وفي «العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء» تحكم الكاتبة في الخطاب القصصي يرمي إلى نقد النظرة الأحادية ونقضها.
في «مراتيج» المفارقة بالمعني الفلسفي الذي يكشف عنه النص تعني نظرة إلى العالم وموقفا من حقيقة الأشياء. كما أن المفارقة الساخرة في نص سلوى بكر تؤدي إلى رفض الجزم بالنتائج، أو تأسيس حقائق نهائية ثابتة.. المفارقة تعمل على التهوين والتهويل، بمعنى نقض وتقويض أبعاد النسب المألوفة، التي تقاس بها الأشياء.. وظهور حقائق عدة بدلا من حقيقة واحدة نهائية وثابتة.
سادسا: تقديم وعي صادم لا يجمل الحقيقة وكسر العلاقة الثابتة بين المتن والهامش
هذه السمات التي تجمع الروايات في النصف الثاني من الكتاب تحمل كلها في الوقت ذاته أول الملامح التي حددتها الكاتبة لاختيارها لنصوصها، من حيث حركة المخيال الروائي صوب التاريخ. تحت عنوان «فلسطين في المخيال الروائي»، وقد اختارت «الطنطورية» لرضوى عاشور، و«حبي الأول» لسحر خليفة، و«زمن الخيول البيضاء» لإبراهيم نصر الله، و«حليب التين» لسامية عيسى، و«سوناتا أشباح القدس» لواسيني الأعرج. وكلها أعمال تعيد إنتاج التاريخ من منظور فني واستنهاض ذاكرة المكان المسلوبة في المكان المسلوب من آلة النسيان، التي يسلطها الآخر لتمحو المكان الفلسطيني. وتعيد إنتاج الرموز، وبثها في المخيلة الاجتماعية بهدف نقل الوعي لأجيال لاحقة من ناحية، وصدمة الوعي المشكل لاستنفار فعل يواجه به الواقع المتداعي من ناحية أخرى، من خلال نص إبداعي يملك وعيا جماليا حداثيا عالميا.
وتحمل هذه النصوص أيضا ثاني الملامح وهو: البحث عن الهوية. وتقول إن سؤال الهوية هو الإجابة التي تتحدد على ضوئها خصوصية الرواية العربية، وتستعين لاثبات ذلك بروايات لجمال الغيطاني، ونجيب محفوظ، وعبد الرحمن منيف، وإبراهيم أصلان، وإبراهيم الكوني، وتصل إلى أن الشاغل الأول للروائي العربي هو البحث عن الهوية، وحتى في قراءتها للذاكرة الثقافية بين التفكيك والتركيب، في روايات مصرية، تصل للنتائج نفسها من حيث أن الكتاب يحاولون عن طريق تفكيك البنيات السائدة إبراز متناقضاتها، والتوصل عن طريق المتخيل إلى بنيات موازية مضادة، وناقدة لأنماط الوعي القائم، وطامحة لتأسيس وعي جديد ينبع من الحاضر المعيش، ويتفاعل مع حاضر مأمول. وقد قسمت الروايات إلى نوعين: انتقادية اجتماعية وشعرية تطبيقا على أعمال بهاء طاهر، وجمال الغيطاني، وصنع الله إبراهيم، وإدوار الخراط ، ومحمد مستجاب، وربطتها بما قدمه الجيل السابق عليهم بعد أن حددت في الهامش أنها تناقش أعمالا صدرت كلها في الثمانينيات، وهي دقة يتطلبها تحديد أدوات الكاتب في التفكيك وفقا لزمن هذه الفترة، لأن كل فترة حملت ملامحها الخاصة، حتى في حديثها عن عمارة الرواية ورواية العمارة وصلت لنتيجة متفقة مع السياق العام، من حيث رصد العشوائية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية، واعتبرتها سببا لانبثاق الرواية الشابة الحديثة التي قوضت التقاليد الروائية السابقة. وهو ما رصدته من خلال مقاربتها لنصوص شباب من الإمارات متحررين على حد تعبيرها من قيود المعايير الجاهزة التي تفرضها الرواية التقليدية. وبهذا نعود إلى ما حددته الكاتبة من أن الروائيين العرب يجمعهم مشهد واحد تتآلف مكوناته وعناصره البنائية لتشكل لوحة شاسعة للواقع العربي الراهن المرتبك بأبعاده التاريخية والسياسية والاجتماعية والثقافية على نحو ما ينعكس على مرايا المتخيل الأدبي في الأعمال الروائية، وقد نجحت اعتدال عثمان في أن تجوب بنا في ممالك خيال هؤلاء الكتاب لنستكشف معا أسرارها وما خفي منها. وحققت ما وعدت به في مقدمة الكتاب بأن تسافر بنا لاستجلاء الصورة الإبداعية لعدد من كتابنا العرب.. فتحية لها ولرحلاتها.
..........
٭ كاتبة مصرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.