عمدة "هوداك" برومانيا يكرم طلاب جامعة سيناء الفائزين بالجائزة الذهبية في مهرجان الفلكلور الدولي    تنفيذ 87 مشروعًا خدميًا وتنمويًا خلال أسبوع لخدمة 400 ألف مواطن بالوادي الجديد    وفاة العشرات بسبب سوء التغذية في ولاية جنوب كردفان السودانية    الدوري الإنجليزي، توتنهام يواصل تقدمه على مانشستر سيتي بعد 75 دقيقة    بمشاركة فريق مصري.. تعرف على المشاركين في البطولة العربية للأندية لليد    "مكافحة الإدمان": 2500 شاب وفتاة جدد تقدموا للانضمام إلى رابطة متطوعي الصندوق    نائب وزير السياحة وأمين المجلس الأعلى للآثار يتفقدان أعمال ترميم المواقع بالإسكندرية    مذكرة تفاهم بين جامعتي الأزهر ومطروح تتضمن التعاون العلمي والأكاديمي وتبادل الخبرات    الإتجار في السموم وحيازة خرطوش.. جنايات شبرا تقضي بسجن متهمين 6 سنوات    وزير الصحة الفلسطيني: فقدنا 1500 كادر طبي.. وأطباء غزة يعالجون المرضى وهم يعانون من الجوع والإرهاق    الصحة تقدم 314 ألف خدمة طبية مجانية عبر 143 قافلة بجميع المحافظات خلال يوليو    قيادي بمستقبل وطن: تحركات الإخوان ضد السفارات المصرية محاولة بائسة ومشبوهة    إزالة لمزرعة سمكية مخالفة بجوار "محور 30" على مساحة 10 أفدنة بمركز الحسينية    إسلام جابر: لم أتوقع انتقال إمام عاشور للأهلي.. ولا أعرف موقف مصطفى محمد من الانتقال إليه    إسلام جابر: تجربة الزمالك الأفضل في مسيرتي.. ولست نادما على عدم الانتقال للأهلي    تفعيل البريد الموحد لموجهي اللغة العربية والدراسات الاجتماعية بالفيوم    استقالات جماعية للأطباء ووفيات وهجرة الكفاءات..المنظومة الصحية تنهار فى زمن العصابة    إطلاق نار على الحدود بين كوريا الشمالية وجارتها الجنوبية    مصر القومي: الاعتداء على السفارات المصرية امتداد لمخططات الإخوان لتشويه صورة الدولة    صور.. 771 مستفيدًا من قافلة جامعة القاهرة في الحوامدية    مصر ترحب بخارطة الطريق الأممية لتسوية الأزمة الليبية    50 ألف مشجع لمباراة مصر وإثيوبيا في تصفيات كأس العالم    "قصص متفوتكش".. رسالة غامضة من زوجة النني الأولى.. ومقاضاة مدرب الأهلي السابق بسبب العمولات    وزير الدفاع الأمريكي يجيز ل2000 من الحرس الوطني حمل السلاح.. ما الهدف؟    وزير خارجية باكستان يبدأ زيارة إلى بنجلاديش    وزارة النقل تناشد المواطنين عدم اقتحام المزلقانات أو السير عكس الاتجاه أثناء غلقها    «لازم إشارات وتحاليل للسائقين».. تامر حسني يناشد المسؤولين بعد حادث طريق الضبعة    «المركزي لمتبقيات المبيدات» ينظم ورشة عمل لمنتجي ومصدري الطماطم بالشرقية    وفاة سهير مجدي .. وفيفي عبده تنعيها    مؤسسة فاروق حسني تطلق الدورة ال7 لجوائز الفنون لعام 2026    قلق داخلي بشأن صديق بعيد.. برج الجدي اليوم 23 أغسطس    غدا.. قصور الثقافة تطلق ملتقى دهب العربي الأول للرسم والتصوير بمشاركة 20 فنانا    تم تصويره بالأهرامات.. قصة فيلم Fountain of Youth بعد ترشحه لجوائز LMGI 2025    تكريم الفنانة شيرين في مهرجان الإسكندرية السينمائي بدورته ال41    موعد إجازة المولد النبوي 2025.. أجندة الإجازات الرسمية المتبقية للموظفين    كيف تكون مستجابا للدعاء؟.. واعظة بالأزهر توضح    منال عوض تناقش استعدادات استضافة مؤتمر الأطراف ال24 لحماية بيئة البحر الأبيض المتوسط من التلوث    وزير العمل يتفقد وحدتي تدريب متنقلتين قبل تشغيلهما غدا بالغربية    رئيس «الرعاية الصحية»: تقديم أكثر من 2.5 مليون خدمة طبية بمستشفيات الهيئة في جنوب سيناء    الصحة: حملة «100 يوم صحة» قدّمت 59 مليون خدمة طبية مجانية خلال 38 يوما    فحص وصرف العلاج ل247 مواطنا ضمن قافلة بقرية البرث في شمال سيناء    نور القلوب يضىء المنصورة.. 4 من ذوى البصيرة يبدعون فى مسابقة دولة التلاوة    ضبط وتحرير 18 محضرا فى حملة إشغالات بمركز البلينا فى سوهاج    8 وفيات نتيجة المجاعة وسوء التغذية في قطاع غزة خلال ال24 ساعة الماضية    محاضرة فنية وتدريبات خططية في مران الأهلي استعدادًا للمحلة    محافظ أسوان يتابع معدلات الإنجاز بمشروع محطة النصراب بإدفو    طقس الإمارات اليوم.. غيوم جزئية ورياح مثيرة للغبار على هذه المناطق    مصر تستضيف النسخة الأولى من قمة ومعرض "عالم الذكاء الاصطناعي" فبراير المقبل    تحرير 125 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    ورش تدريبية للميسرات العاملات بمركزي استقبال أطفال العاملين ب«التضامن» و«العدل»    الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    إعلام فلسطينى: مصابون من منتظرى المساعدات شمال رفح الفلسطينية    حسن الخاتمة.. وفاة معتمر أقصري أثناء أدائه مناسك الحج    تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    كأس السوبر السعودي.. هونج كونج ترغب في استضافة النسخة المقبلة    «مياه الأقصر» تسيطر على بقعة زيت فى مياه النيل دون تأثر المواطنين أو إنقطاع الخدمة    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفنان اللبناني وجيه نحلة رفع فرشاته عن اللوحة وغادر
نشر في صوت البلد يوم 26 - 02 - 2017

"الفن العربي بخير»، كان الفنان الراحل وجيه نحلة – مواليد عام 1932 -يردد هذا دائماً، كيف لا يجد الفن بخير وقد وصل فنه للعالمية، فعرض أعماله في بلدانٍ كثيرة (بيروتالإسكندريةبغداد – الكويت – الرياضدبي – أبو ظبي – روما – بلغراد – باريس – كان – نيس – لندن – البندقية – نيويورك – لوس أنجليس – واشنطن – بيفرلي هيلز – بوكاراتون – أوزاكا – جنيفكوالالمبوربرونايمونتريال – زيوريخ – البحرين). ونال العديد من الجوائز أيضاً: جائزة وزارة التربية الوطنية عام 1965، جائزة متحف سرقس، جائزة بينال الإسكندرية، جائزة بينال الدول العربية في الكويت، جائزة الغران باليه في باريس، جائزة متحف متروبو لبنان في نيويورك، وسام الاستحقاق اللبناني للآداب والفنون، جائزة معهد العالم العربي في باريس، جائزة متحف الفن الحديث في تونس، وسام السعف الذهبي من بلجيكا، الجائزة الكبرى للمعرض السادس والستين للفنون التشكيلية في باريس.
وعن الجوائز قال نحلة: "إن الجوائز الحقيقية التي ينالها الفنان، ليست تلك التي تعلّق على صدره، بل هي الأعمال التي تترك أثرا من بعده".
راهن نحلة أنه سيحصّل جائزةً بعد مغادرته وستترك أعماله أثراً في حركة الفن العربي الحديث ولدى الفنانين العرب وسيكسب الرهان؛ وجيه نحلة درس الهندسة المعمارية، لكنه كان دائم الزيارة لمرسم الفنان مصطفى فرّوخ (1901 – 1957) هناك أعجب بالانطباعية التي تبنّى مذهبها في بداية حياته الفنية، عمل مهندسا في وزارة الأشغال اللبنانية لسنوات قرّر بعدها أن يتفرّغ للفن نهاية الخمسينيات، بدأ بالانطباعية ثم انتقل إلى الفنون الإسلامية وعوالمها المختلفة، وراح يبدع في لوحاتها التي حملتْه وأعماله نحو العالمية، فكانت لوحاته تحمل التراث والموروث التاريخي الفني بيد وتحمل الحداثة وأفكارها بيدٍ أخرى، فيخرج عمله أصيلاً مرتدياً ثياب العصر، وقد رأى بعض النقّاد أن دخول نحلة هذه المرحلة كانت بدوافع تجارية، وذلك ليدخل بلوحاته إلى منطقة الخليج، وإن كان هذا الأمر قد أصبح حقيقة، فقد دخل لعالم الخليج وصارت أعماله جزءاً من قصور الملوك والأمراء وصالات المطارات أيضاً (مطار الملك عبد العزيز الدولي في جدّة، ومطار الملك خالد الدولي في الرياض) إلا أن دخوله لسوق الخليج بهذه القوة لم يكن فقط بسبب المواضيع المختارة والمواد المستخدمة – أطلق نحلة على نتاجه في السبعينيات تسمية «المرحلة الذهبية» لطغيان مادة الذهب على حروفه وزخارفه ذات الملمس النافر- بل كان ذلك بفضل حسّه الفني العالي وقدرته الإبداعية على منح هذه المواضيع المكررة طعماً جديداً ليجعلها تنتمي للفنون الحديثة وتجاري فنون الغرب ولا تقف بمكانها تراقب الفن الغربي وهو يقطع محطات ويغادر بعيداً، بينما هي في مكانها تلوّح مودعةً فقط.
قال عنه الناقد الفرنسي أندريه بارينو بعد معرضه في غاليري «والى فندلي» في باريس سنة 1977 في مقالته الشهيرة «صوت من الشرق» (1977) «إنه وجه عربي مسلم غير أنه ممهور بعقلانية الغرب… أكثر التجريديين قرباً من الواقع وأكثر التصويريين تجريداً.» قام نحلة أيضاً باستخدام الأحرف الفينيقية مع رموز مستوحاة من نقوش وآثار الحضارات الشرقية القديمة محاولاً توظيفها ضمن لوحاته التي كانت تبدو وكأنها تحمل تمائم سحرية.
في مرحلة الحروفية اكتشف نحلة جمالية الحرف العربي وبدأ بالتعامل معه وفق مفهومين، الأول أنه رمزٌ صوفيٌّ يمنح اللوحة دلالاتٍ روحانية من حيث اختيار الأحرف (الألف مثلاً ترمز لوحدانية الخالق) ومن حيث توضّع الأحرف ضمن اللوحة بشكل أفقي يخلق جواً من السكينة والطمأنينة، أو بشكلٍ شاقولي وكأنها انطلاقةٌ نحو المستقبل، خاصةً عندما تتكدّس الأحرف أسفل التكوين وينطلق بعضها نحو الأعلى بكلّ قوة، تكوينات عمودية تصل الماضي بالمستقبل، أو أفقية تستلقي في حضن الحاضر، التكوينات المائلة، متوتّرة تمنح اللوحة ديناميكية وحركيّة توضّح التيار الذي التزم به نحلة – بالإضافة لتيار التجريد الحرفي الذي نشأ في باريس- وهو تيار الفن الحركي – أو ما يسميه نحلة «الحركة اللونية»، ليقترب من جماليات عصر السرعة وفق مفهوم الفن الغربي، ويتواصل مع فناني التجريد الحركيين من أمثال هانز هارتونغ وجورج ماتيو – والفن الحركي يعتمد على الارتجال في التنفيذ والسرعة بضربات الريشة على اللوحة، وعن ذلك قال جوزف أبو رزق أستاذ الجماليات في الجامعة اللبنانية: «الحيوية والسرعة والخفة التي يبديها وجيه نحله في أثناء تنفيذ لوحاته، ليست بالمناورات المجانية ولا بالحركات البهلوانية، بل بالمواقف التي يفرضها طبعه البركاني من جهة، ورغبته الملحة في ترجمة معطيات حدسه بصورة فورية» فيستخدم الأحرف هنا وفق المفهوم الثاني الذي يعتبر الأحرف عناصر شكليّة تستمدّ طاقتها الجمالية من الحركة واللون.
اللوحة لديه تحمل الكثير من الدلالات والتأويلات والإيحاءات الصوفية الروحانية، لتدخل ضمن حدود التجريد «بعد استيعابٍ مكتمل لتجارب بيكاسو، كاندنسكي، بول كله ومارك توبي»، على الرّغم من بعض العناصر التي يدّخلها نحلة ضمن العمل، كالأحصنة البيضاء التي تشقّ عباب السماء، والنساء بثيابهن الملونة اللاتي يتبخترن فوق سحب زرقاء، يحميهن وجيه نحلة من الوقوع، ليبدو العمل سريالياً بلمسة شرقية تأتي من ارتداء الحصان والمرأة قناعاً رمزيّاً ليصبحا جزءاً من إسقاطات نحلة الرمزيّة، فالحصان هو أصالة الشرق، والمرأة هي جمال الشرق وآلهته وكلاهما رمزٌ للانعتاق من كلّ قيد وصورةٌ لقوة الانطلاق.
أعمال نحلة تسحرك ليس بتمائمها فقط، بل بتكويناتها المركزية البؤرية التي تسحبك كالدوامة في التكوينات التجريدية الراقصة مع انحناءات رشيقة؛ حتى تكاد تسمع إيقاع الألوان المتدرجة وتجرّب لأول مرةٍ أن تبصر الموسيقى ملوّنة.
الألوان عند نحلة قويّة تعتمد على المزج ما بين البارد والحار مستمتعةً بالتضاد بينهما ضمن اللوحة، وتفرد لبعض الألوان لوحةً خاصة، هناك عدد من اللوحات الزرقاء بالكامل تقريباً، لما يحمله هذا اللون من صفاءٍ روحي وطاقةٍ إيجابية، وهذه اللوحات على الرغم من أحادية لونها إلا أنها مليئة بالحركة والحياة التي يمنحها الأزرق عبر تدرجاته التي تملأ المساحة صخباً حتى تنسى البرودة والركود المفترض أن يحمله الأزرق، أو لوحةٌ حمراء كنارٍ مشتعلة تتأجج ضمن اللوحة ولا تحرقها.
التكوينات في هذه الأعمال تكره الخطوط، الألوان فقط تحدد شكل التكوين وحركته ويتحكم النور والظل بهذه الألوان، لتُخلق لوحاتٌ مضيئة بمعنى الكلمة.
هذه المراحل المكثّفة فنياً وجمالياً التي تمتدّ سنواتٍ طويلة (60 عاماً) يختصرها الراحل وجيه نحلة بقوله إنه يختصر حياته الفنية بضربة فرشاة على القماش، ويكمل بقوله: «بعد معايشة الفن مدة 40 سنة، يصل الفنان إلى مرحلة يتعاطى فيها مع اللون بطريقة مختلفة، وبعفوية مطلقة، تماماً مثل عازف البيانو الذي لا يعود يفكر أين يضع أصابعه، وتصبح خبرة الفنان ومكتنزاته وانفعالاته هي التي تتحرك فوق اللوحة. وهنا يلعب ذكاء اليد الدور الكبير، بمعنى أن اليد تصبح السباقة في الحركة، قبل أن يعطيها العقل الأوامر».
وجيه نحلة، رفع فرشاته عن اللوحة وغادر، بعد أن ترك لنا فضاءات واسعة نحلّق ضمنها ونشرد في الأثر الذي تتركه في أنفسنا.
.....
٭ كاتبة سورية
"الفن العربي بخير»، كان الفنان الراحل وجيه نحلة – مواليد عام 1932 -يردد هذا دائماً، كيف لا يجد الفن بخير وقد وصل فنه للعالمية، فعرض أعماله في بلدانٍ كثيرة (بيروتالإسكندريةبغداد – الكويت – الرياضدبي – أبو ظبي – روما – بلغراد – باريس – كان – نيس – لندن – البندقية – نيويورك – لوس أنجليس – واشنطن – بيفرلي هيلز – بوكاراتون – أوزاكا – جنيفكوالالمبوربرونايمونتريال – زيوريخ – البحرين). ونال العديد من الجوائز أيضاً: جائزة وزارة التربية الوطنية عام 1965، جائزة متحف سرقس، جائزة بينال الإسكندرية، جائزة بينال الدول العربية في الكويت، جائزة الغران باليه في باريس، جائزة متحف متروبو لبنان في نيويورك، وسام الاستحقاق اللبناني للآداب والفنون، جائزة معهد العالم العربي في باريس، جائزة متحف الفن الحديث في تونس، وسام السعف الذهبي من بلجيكا، الجائزة الكبرى للمعرض السادس والستين للفنون التشكيلية في باريس.
وعن الجوائز قال نحلة: "إن الجوائز الحقيقية التي ينالها الفنان، ليست تلك التي تعلّق على صدره، بل هي الأعمال التي تترك أثرا من بعده".
راهن نحلة أنه سيحصّل جائزةً بعد مغادرته وستترك أعماله أثراً في حركة الفن العربي الحديث ولدى الفنانين العرب وسيكسب الرهان؛ وجيه نحلة درس الهندسة المعمارية، لكنه كان دائم الزيارة لمرسم الفنان مصطفى فرّوخ (1901 – 1957) هناك أعجب بالانطباعية التي تبنّى مذهبها في بداية حياته الفنية، عمل مهندسا في وزارة الأشغال اللبنانية لسنوات قرّر بعدها أن يتفرّغ للفن نهاية الخمسينيات، بدأ بالانطباعية ثم انتقل إلى الفنون الإسلامية وعوالمها المختلفة، وراح يبدع في لوحاتها التي حملتْه وأعماله نحو العالمية، فكانت لوحاته تحمل التراث والموروث التاريخي الفني بيد وتحمل الحداثة وأفكارها بيدٍ أخرى، فيخرج عمله أصيلاً مرتدياً ثياب العصر، وقد رأى بعض النقّاد أن دخول نحلة هذه المرحلة كانت بدوافع تجارية، وذلك ليدخل بلوحاته إلى منطقة الخليج، وإن كان هذا الأمر قد أصبح حقيقة، فقد دخل لعالم الخليج وصارت أعماله جزءاً من قصور الملوك والأمراء وصالات المطارات أيضاً (مطار الملك عبد العزيز الدولي في جدّة، ومطار الملك خالد الدولي في الرياض) إلا أن دخوله لسوق الخليج بهذه القوة لم يكن فقط بسبب المواضيع المختارة والمواد المستخدمة – أطلق نحلة على نتاجه في السبعينيات تسمية «المرحلة الذهبية» لطغيان مادة الذهب على حروفه وزخارفه ذات الملمس النافر- بل كان ذلك بفضل حسّه الفني العالي وقدرته الإبداعية على منح هذه المواضيع المكررة طعماً جديداً ليجعلها تنتمي للفنون الحديثة وتجاري فنون الغرب ولا تقف بمكانها تراقب الفن الغربي وهو يقطع محطات ويغادر بعيداً، بينما هي في مكانها تلوّح مودعةً فقط.
قال عنه الناقد الفرنسي أندريه بارينو بعد معرضه في غاليري «والى فندلي» في باريس سنة 1977 في مقالته الشهيرة «صوت من الشرق» (1977) «إنه وجه عربي مسلم غير أنه ممهور بعقلانية الغرب… أكثر التجريديين قرباً من الواقع وأكثر التصويريين تجريداً.» قام نحلة أيضاً باستخدام الأحرف الفينيقية مع رموز مستوحاة من نقوش وآثار الحضارات الشرقية القديمة محاولاً توظيفها ضمن لوحاته التي كانت تبدو وكأنها تحمل تمائم سحرية.
في مرحلة الحروفية اكتشف نحلة جمالية الحرف العربي وبدأ بالتعامل معه وفق مفهومين، الأول أنه رمزٌ صوفيٌّ يمنح اللوحة دلالاتٍ روحانية من حيث اختيار الأحرف (الألف مثلاً ترمز لوحدانية الخالق) ومن حيث توضّع الأحرف ضمن اللوحة بشكل أفقي يخلق جواً من السكينة والطمأنينة، أو بشكلٍ شاقولي وكأنها انطلاقةٌ نحو المستقبل، خاصةً عندما تتكدّس الأحرف أسفل التكوين وينطلق بعضها نحو الأعلى بكلّ قوة، تكوينات عمودية تصل الماضي بالمستقبل، أو أفقية تستلقي في حضن الحاضر، التكوينات المائلة، متوتّرة تمنح اللوحة ديناميكية وحركيّة توضّح التيار الذي التزم به نحلة – بالإضافة لتيار التجريد الحرفي الذي نشأ في باريس- وهو تيار الفن الحركي – أو ما يسميه نحلة «الحركة اللونية»، ليقترب من جماليات عصر السرعة وفق مفهوم الفن الغربي، ويتواصل مع فناني التجريد الحركيين من أمثال هانز هارتونغ وجورج ماتيو – والفن الحركي يعتمد على الارتجال في التنفيذ والسرعة بضربات الريشة على اللوحة، وعن ذلك قال جوزف أبو رزق أستاذ الجماليات في الجامعة اللبنانية: «الحيوية والسرعة والخفة التي يبديها وجيه نحله في أثناء تنفيذ لوحاته، ليست بالمناورات المجانية ولا بالحركات البهلوانية، بل بالمواقف التي يفرضها طبعه البركاني من جهة، ورغبته الملحة في ترجمة معطيات حدسه بصورة فورية» فيستخدم الأحرف هنا وفق المفهوم الثاني الذي يعتبر الأحرف عناصر شكليّة تستمدّ طاقتها الجمالية من الحركة واللون.
اللوحة لديه تحمل الكثير من الدلالات والتأويلات والإيحاءات الصوفية الروحانية، لتدخل ضمن حدود التجريد «بعد استيعابٍ مكتمل لتجارب بيكاسو، كاندنسكي، بول كله ومارك توبي»، على الرّغم من بعض العناصر التي يدّخلها نحلة ضمن العمل، كالأحصنة البيضاء التي تشقّ عباب السماء، والنساء بثيابهن الملونة اللاتي يتبخترن فوق سحب زرقاء، يحميهن وجيه نحلة من الوقوع، ليبدو العمل سريالياً بلمسة شرقية تأتي من ارتداء الحصان والمرأة قناعاً رمزيّاً ليصبحا جزءاً من إسقاطات نحلة الرمزيّة، فالحصان هو أصالة الشرق، والمرأة هي جمال الشرق وآلهته وكلاهما رمزٌ للانعتاق من كلّ قيد وصورةٌ لقوة الانطلاق.
أعمال نحلة تسحرك ليس بتمائمها فقط، بل بتكويناتها المركزية البؤرية التي تسحبك كالدوامة في التكوينات التجريدية الراقصة مع انحناءات رشيقة؛ حتى تكاد تسمع إيقاع الألوان المتدرجة وتجرّب لأول مرةٍ أن تبصر الموسيقى ملوّنة.
الألوان عند نحلة قويّة تعتمد على المزج ما بين البارد والحار مستمتعةً بالتضاد بينهما ضمن اللوحة، وتفرد لبعض الألوان لوحةً خاصة، هناك عدد من اللوحات الزرقاء بالكامل تقريباً، لما يحمله هذا اللون من صفاءٍ روحي وطاقةٍ إيجابية، وهذه اللوحات على الرغم من أحادية لونها إلا أنها مليئة بالحركة والحياة التي يمنحها الأزرق عبر تدرجاته التي تملأ المساحة صخباً حتى تنسى البرودة والركود المفترض أن يحمله الأزرق، أو لوحةٌ حمراء كنارٍ مشتعلة تتأجج ضمن اللوحة ولا تحرقها.
التكوينات في هذه الأعمال تكره الخطوط، الألوان فقط تحدد شكل التكوين وحركته ويتحكم النور والظل بهذه الألوان، لتُخلق لوحاتٌ مضيئة بمعنى الكلمة.
هذه المراحل المكثّفة فنياً وجمالياً التي تمتدّ سنواتٍ طويلة (60 عاماً) يختصرها الراحل وجيه نحلة بقوله إنه يختصر حياته الفنية بضربة فرشاة على القماش، ويكمل بقوله: «بعد معايشة الفن مدة 40 سنة، يصل الفنان إلى مرحلة يتعاطى فيها مع اللون بطريقة مختلفة، وبعفوية مطلقة، تماماً مثل عازف البيانو الذي لا يعود يفكر أين يضع أصابعه، وتصبح خبرة الفنان ومكتنزاته وانفعالاته هي التي تتحرك فوق اللوحة. وهنا يلعب ذكاء اليد الدور الكبير، بمعنى أن اليد تصبح السباقة في الحركة، قبل أن يعطيها العقل الأوامر».
وجيه نحلة، رفع فرشاته عن اللوحة وغادر، بعد أن ترك لنا فضاءات واسعة نحلّق ضمنها ونشرد في الأثر الذي تتركه في أنفسنا.
.....
٭ كاتبة سورية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.