زلزال سياسي في هولندا| خلاف حول إسرائيل يطيح بالائتلاف الحاكم    تشيلسي يدك شباك وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي    بعد إعلان المجاعة.. الهلال الأحمر الفلسطيني: لم نعد نتوقع شيئا من المجتمع الدولي    الجرام يسجل أقل من 3900 جنيها.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الانخفاض الجديد    كأس السوبر السعودي.. هونج كونج ترغب في استضافة النسخة المقبلة    استخراج القيد العائلي 2025 أون لاين.. الخطوات والشروط والأوراق المطلوبة    محمد النمكي: الطرق والغاز جعلت العبور مدينة صناعية جاذبة للاستثمار| فيديو    أهداف إنشاء صندوق دعم العمالة غير المنتظمة بقانون العمل الجديد    عصابات الإتجار بالبشر| كشافون لاستدراج الضحايا واحتجازهم بشقق سكنية    بورسعيد.. أجمل شاطئ وأرخص مصيف| كيف كانت الحياة في المدينة الباسلة عام 1960؟    «مياه الأقصر» تسيطر على بقعة زيت فى مياه النيل دون تأثر المواطنين أو إنقطاع الخدمة    شريف حافظ: الحب هو المعنى في حد ذاته ولا يقبل التفسير... والنجاح مسؤولية يجب أن أكون مستعدًا لها    نوال الزغبي: ضحيت بالفن من أجل حماية أولادي بعد الطلاق    سعر السمك البلطي والكابوريا والجمبري في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    أبطال فيلم "وتر واحد" يشاركون ويجز تألقه على مسرح العلمين    «الشمس هتغيب قبل المغرب».. كسوف الشمس الكلي يظهر في سماء 9 دول بهذا التوقيت    تنسيق دبلوم التجارة 2025.. قائمة الكليات والمعاهد المتاحة لطلاب 3 سنوات «رابط وموعد التسجيل»    عميد تجارة القاهرة الأسبق: الجامعات الحكومية ما زالت الأفضل.. وهذه أسباب تفضيل البعض للخاصة    سهير جودة عن شيرين عبدالوهاب وحسام حبيب: «انفصال وعودة مزمنة.. متى تعود إلينا؟»    فيفي عبده تعلن وفاة الراقصة المعتزلة سهير مجدي    «الأستانلس أم التيفال»: هل نوع حلة الطبخ يغير طعم أكلك؟    طريقة عمل الملبن الأحمر في المنزل ل المولد النبوي (خطوة بخطوة)    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه بحماس    أطعمة تسبب الصداع النصفي لدى النساء ونصائح للسيطرة عليه    رسميا.. جامعة الأزهر 2025 تفتتح أول كلية للبنات في مطروح وتعلن عن تخصصات جديدة    الإنتاج الحربي يستهل مشواره بالفوز على راية الرياضي في دوري المحترفين    التعليم تطلق دورات تدريبية لمعلمي الابتدائي على المناهج المطورة عبر منصة (CPD)    طارق فهمي: الإعلان الأممي عن تفشي المجاعة في غزة يعكس حجم الكارثة الإنسانية    بوتين: واثق أن خبرة ترامب ستسهم في استعادة العلاقات الثنائية بين بلدينا    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه    مدحت صالح يتألق بغناء حبيبى يا عاشق وزى المليونيرات بحفله فى مهرجان القلعة    وزير الخارجية الأردني: على إسرائيل رفع حصارها عن قطاع غزة والسماح بإيصال المساعدات    نشرة التوك شو| موجة حارة جديدة.. وشعبة السيارات تكشف سبب انخفاض الأسعار    رسميا.. مدرسة صناعة الطائرات تعلن قوائم القبول للعام الدراسي الجديد 2025/ 2026    مصدر ليلا كورة: كهربا وقع عقدا مع القادسية الكويتي    غزل المحلة يبدأ استعداداته لمواجهة الأهلي في الدوري.. صور    أول تعليق من النني بعد فوز الجزيرة على الشارقة بالدوري الإماراتي    إسرائيل تشن هجومًا على مخازن تابعة لحزب الله في لبنان    ارتفاع الكندوز 39 جنيها، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    وزير الري يشارك في جلسة "القدرة على الصمود في مواجهة التغير المناخي بقطاع المياه"    مراسل من دير البلح: المنطقة باتت مستباحة بالكامل تحت نيران الاحتلال    3 أبراج على موعد مع التفاؤل اليوم: عالم جديد يفتح الباب أمامهم ويتلقون أخبارا مشجعة    تشيلسي يقسو على وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي (فيديو)    رياضة ½ الليل| إيقاف تدريبات الزمالك.. كشف منشطات بالدوري.. تعديلات بالمباريات.. وتألق الفراعنة بالإمارات    اليوم، دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ربيع الأول لعام 1447 هجريا    المنوفية تقدم أكثر من 2.6 مليون خدمة طبية ضمن حملة 100 يوم صحة    صحة المنوفية تواصل حملاتها بسرس الليان لضمان خدمات طبية آمنة وذات جودة    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 23 أغسطس 2025    قدم لكلية الطب وسبقه القدر.. وفاة طالب أثناء تركيبه ميكروفون لمسجد في قنا    مقتل عنصر من الأمن السورى فى هجوم انتحارى نفذه "داعش" بدير الزور    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    هل إفشاء السر بدون قصد خيانة أمانة وما حكمه؟ أمين الفتوى يجيب    خدعوك فقالوا: «الرزق مال»    ثورة جديدة بتطوير المناهج «2»    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    شنوان.. القرية التي جعلت من القلقاس جواز سفر إلى العالم| صور    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



" ملاذ آدم " تعرية الذكورة ..الهامش النسوي المقاوم
نشر في صوت البلد يوم 08 - 02 - 2017

ينضاف صوت جديد للأنثى السردية في النص الروائي اليمني؛ "ملاذ آدم" الرواية التي صدرت مؤخرًا عن دار غراب للنشر والتوزيع بالقاهرة 2017، لليمنية ذكريات البرَّام، وهي باكورة أعمالها الأدبية.
في بداياتها؛ اتسمت الرواية اليمنية بالقصور الفني والأسلوبي، منذ رواية "سعيد"، صدرت 1939، لمحمد علي لقمان، مروراً بالمراحل اللاحقة في الستينيات والسبعينيات، واقتصار الرواية حينها على الهم الوطني والقضايا العامة، واعتمادها الخطاب السياسي في مضامينها وبنائها.
ثمْ شهدت الرواية اليمنية تطورًا ملحوظًا تَخلّق فيه النسق الثقافي شيئًا فشيئًا في أغوار النص الروائي، ولعل رواية "الرهينة" 1984 لزيد مطيع دماج، كانت الإضمار الأول لهذه الأنساق، والاحتفاء الجريء بقضايا المرأة والسلطة والجنس، والتناول الاجتماعي الذي يطرح رؤية النص وتوصيفاته للقيم والسلوكيات والعادات الاجتماعية.
تبعتها المرحلة الحديثة للرواية اليمنية بما اشتملته من تجديد ونضج فني واتساع للأصوات السردية وتنوع فيها، وحضرت اليمنية بشكل لافت بوصفها روائية مؤلفة أو راوية متَخيلة داخل النص تحكي قضاياها وتبث انفعالاتها.
وحين تحضر الأنثى بوصفها كاتبة للعمل السردي؛ فإن أهم ما تتجه إليه هي قضايا النوع البيولوجي، إذ تعد الأنثى في الراهن اليمني، كما في الموروث، مضطهدة وتعيش قهرًا اجتماعيًا لصالح النفوذ الذكوري وسلطة الرجل المهيمنة في مجتمع محافظ، يتزيّا بالرؤى والآليات القامعة للمرأة، حيث يَعد ذلك من صلاحها والحفاظ عليها في إطار من الشرف المصوغ بتقديرات الرجل وتصوراته وحده، بما لا يُدينه مهما بلغت خطاياه المجتمعية، وفقًا لمفاهيم ورؤى تشكلت في ثقافته، استمدها عُرفًا، وفهمًا دينيًا معينًا، والتصور الذكوري بالمجمل.
والأنثى في هذا المكان والزمان البيئي اليمني، بحمولاته الثقافية الضاغطة على المرأة؛ تكابد لتنفذ إلى حريتها ورغباتها والنبش في كينونتها وإعلان موقفها من المجتمع والعادات والهيمنة الذكورية؛ تنفذ إلى كل ذلك عبر السرد، بوصفه الصوت الثقافي الفعال، المعالج لذاتها أولاً عبر البوح، والمعبر عن قدراتها وتمردها الثقافي، والمنتِج لتصوراتها في وجه سلطة الرجل ثانيًا، بما يمتلكه السرد من قدرة جاذبة للتلقي عند النوعين الذكر والأنثى، وبوصفه رسالة ثقافية معمقة تحدث أثرًا في المخيال المعرفي والاجتماعي.
هذا ما تحاوله "ملاذ آدم" الرواية التي تحاول صاحبتها الروائية نفي الصفة السردية عن هذا العمل في تنويهها عنه بدءًا، وتعدّ هذا النص أحداثًا حقيقية ليست ملتزمة بسردها بتقانات الكتابة السردية وفنياتها، كما لو أنها تعفي نفسها من التزامات الكتابة وتبعات النقد، وإن كانت قد وسمت العمل بالرواية في غلافها الخارجي.
إن هذا النص بوح جديد للأنثى في المجتمع اليمني، يجمع القهر الأنثوي والخيبات المتتالية التي تعيشها، ويقتاتها المجتمع النسوي على الدوام، في ظل قمع الرجل وسطوته، ويكاد النص يشتغل على ثيمة الجسد بوصفه الباعث الحقيقي لجدلية العلاقة بين الذكر والأنثى، وهو الحاجة البيولوجية للذكر من أنثاه، أضف لذلك خدمتها القسرية له دونما حضور بشري آخر، بينما الرجل هو السائد والمهيمن.
يمتلك النص قدرة مدهشة على الوصف، وحبك الأحداث، وانسيابها دونما تعقيد، مع محاولة الاستفادة من تقنيات روائية مثل: الاستباق والاسترجاع والتواتر الزمني والرؤية من داخل الذات...، مع محاولة إثبات حضور الأنثى الساردة بضمير "الأنا" بشكل لافت عبر استعراض ثقافتها وقراءاتها والاسترسال في الاستدلال، كأنها تريد أن تقول كل ما تعرفه، لتثبت قدراتها أمام رجل متنوعٍ أوردته في السرد، قد يكون أقل منها معرفة، أو صاحب معرفة لكنه في المجمل لا يختلف في نظرته التقليدية للمرأة، أو متدينًا ويخفي خطايا وظلمًا كبيرًا، متحضرًا ويفكر بعقلية العادات، أو رجلاً عاديًا يحضر بطيبته النادرة تجاه المرأة ولا يغريه جسدها، وغيرها من الأنواع للذكر التي حاكمها النص السردي، وكشف عوار سلطته ومثالبها، مع حضور الأنثى (الجسد) باهتمام وفخر يقابل الاهتمام المادي للذكر بالجسد الأنثوي، وكأنه يقاوم النظرة القاصرة للرجل إزاء المرأة باعتبارها جسدًا للمتعة فقط، بل تتباهى الأنثى بما تملك، وترى فيه ميزة لكنها لمن يستحقها.
وهي لا تخفي رغباتها كحاجة إنسانية تُضاد حاجة الرجل، بل تجعل من هذا التوظيف أيقونة مقاومة وانتصار على تهميش الرجل لها، وإثبات حضور ومنافسة، فهي كائن مثل الرجل لها مالها وعليها أيضًا، بشكل رامز لسلطة المرأة التي تثأر من امتهان سلطة الرجل لها ونفعيته.
أرادت الرواية أن تلملم أوجاع المرأة عبر سردٍ موازٍ لنماذج أنثوية عديدة، بتجارب مريرة مختلفة كما أعلنت، لكنها اندغمت في الغالب تحت صوت سردي واحد، هو صوت الساردة وبطلة النص (ملاذ) وإن أشارت بشكل عارض وخفيف لتجارب قريناتها، وظل النص محتفيًا بملاذ وأوجاعها المتنوعة مع الرجل القامع والظالم والخاذل وغير المكافئ أو الأقل من طموحها، وغيرهم عبر وجوه عديدة نمذجتها الروائية لتصوراتها النسوية والأنثوية إزاء الرجل.
لا يخلو النص من تعالقات ومواقف سياسية لا تستطيع الساردة إخفاءها أو تزويقها سرديًا، كما أنها تتخذ من منصات التواصل الاجتماعي الجديدة آليات حاضرة لبناء النص وحبك أحداثه، وهذه مقاربة مهمة وعصرية لواقع جديد تفرضه هذه الوسائل وتؤثر في تأطير العلاقة بين الذكر والأنثى بشكول مختلفة ومغايرة، هو بحاجة لدرس وتناول معمق.
تظل الأنثى في النص صوتًا مُلحًا، راغبًا بالحياة وطموحًا منتصرًا رغم كل الهزائم والخذلان، لا يتوقف كفاحها، كما لا يذبل شغفها بالحب والحياة والبحث عن فرح يليق، وإن كانت تتوارى بظروف غامضة في النهاية، لكن صداها الراغب بالانعتاق والاقتدار والحضور المؤثر في الحياة والتماس نعمائها، هو الصوت السردي المهيمن على كل النص بعيدًا عن نهاية مأساوية وتقليدية للرواية.
الرواية فضحٌ لواقع يُظهر غير ما يبطن، تختفي وراء تمنطقاته وتمسحاته بالقيم والتدين الكثير من مظاهر الظلم والقسوة والتخلف والانتهاك الممنهج للمرأة وما يتعلق بها ويتصل، كما هي محاولة جريئة للاقتراب من تفكيك واقع مبهم، تلتبس فيه العلاقة الجدلية بين الذكورة والأنوثة بعمقها وعسر تفسيرها، وهي أيضًا حضور أنثوي مهم في واقع جامد يتطلب انتصارًا وإسنادًا ومؤازرةً أولاً من الأنثى للأنثى قبل الرجل.
كما تبقى الرواية حالة من التداخل المعرفي بحمولاتها الصارخة تهز من بعض قناعات الرجل تجاهها، وتحاول أن تعيد حساباته وتلفت انتباهه لما يجترحه بحقها.
من جهة خفية؛ فالرواية تكشف للرجل عن مفاتيح مهمة في شخصية الأنثى وطرائق جذبها وكسبها، وتنبهه لطبائعها وسلوكها، وقدراتها العقلية وامتيازاتها البيولوجية، وصفاتها الفسيولوجية، أو حالاتها السيكولوجية. كما هي تقديم لعوالم المرأة للمرأة ذاتها، لتتعاضد على البوح به، وتعتاد على مناقشته وتداوله، كي تخرج من الهامش الذي وضعها فيه الرجل إلى المتن المجتمعي بغية الحضور والتأثير فيه.
وبرغم ما يمكن أن يُلحظ على الرواية فنيًا وأسلوبيًا وفي ممكنات الخطاب الروائي وتمثلاته، أو حتى عثرات لغوية وأسلوبية، وتنويهات في مهارات السرد وبراعة الحوار؛ فإنها نص سلسٌ جذاب، لين وممتع، متحمس لقضيته وجريء في عرضها وتقديمها بقالب فني يوارب بخفة ولا يصادم بحِدّة، يخطو بقدرة معرفية وإمكانات ممزوجة بحبكة الأنثى الممتعة التي تجمع بين براءة الريف وحلاوته السهلة، ورونق التمدن وإبهار مدن العالم الأول.
......
د. فارس البيل ناقد ثقافي وأكاديمي يمني
ينضاف صوت جديد للأنثى السردية في النص الروائي اليمني؛ "ملاذ آدم" الرواية التي صدرت مؤخرًا عن دار غراب للنشر والتوزيع بالقاهرة 2017، لليمنية ذكريات البرَّام، وهي باكورة أعمالها الأدبية.
في بداياتها؛ اتسمت الرواية اليمنية بالقصور الفني والأسلوبي، منذ رواية "سعيد"، صدرت 1939، لمحمد علي لقمان، مروراً بالمراحل اللاحقة في الستينيات والسبعينيات، واقتصار الرواية حينها على الهم الوطني والقضايا العامة، واعتمادها الخطاب السياسي في مضامينها وبنائها.
ثمْ شهدت الرواية اليمنية تطورًا ملحوظًا تَخلّق فيه النسق الثقافي شيئًا فشيئًا في أغوار النص الروائي، ولعل رواية "الرهينة" 1984 لزيد مطيع دماج، كانت الإضمار الأول لهذه الأنساق، والاحتفاء الجريء بقضايا المرأة والسلطة والجنس، والتناول الاجتماعي الذي يطرح رؤية النص وتوصيفاته للقيم والسلوكيات والعادات الاجتماعية.
تبعتها المرحلة الحديثة للرواية اليمنية بما اشتملته من تجديد ونضج فني واتساع للأصوات السردية وتنوع فيها، وحضرت اليمنية بشكل لافت بوصفها روائية مؤلفة أو راوية متَخيلة داخل النص تحكي قضاياها وتبث انفعالاتها.
وحين تحضر الأنثى بوصفها كاتبة للعمل السردي؛ فإن أهم ما تتجه إليه هي قضايا النوع البيولوجي، إذ تعد الأنثى في الراهن اليمني، كما في الموروث، مضطهدة وتعيش قهرًا اجتماعيًا لصالح النفوذ الذكوري وسلطة الرجل المهيمنة في مجتمع محافظ، يتزيّا بالرؤى والآليات القامعة للمرأة، حيث يَعد ذلك من صلاحها والحفاظ عليها في إطار من الشرف المصوغ بتقديرات الرجل وتصوراته وحده، بما لا يُدينه مهما بلغت خطاياه المجتمعية، وفقًا لمفاهيم ورؤى تشكلت في ثقافته، استمدها عُرفًا، وفهمًا دينيًا معينًا، والتصور الذكوري بالمجمل.
والأنثى في هذا المكان والزمان البيئي اليمني، بحمولاته الثقافية الضاغطة على المرأة؛ تكابد لتنفذ إلى حريتها ورغباتها والنبش في كينونتها وإعلان موقفها من المجتمع والعادات والهيمنة الذكورية؛ تنفذ إلى كل ذلك عبر السرد، بوصفه الصوت الثقافي الفعال، المعالج لذاتها أولاً عبر البوح، والمعبر عن قدراتها وتمردها الثقافي، والمنتِج لتصوراتها في وجه سلطة الرجل ثانيًا، بما يمتلكه السرد من قدرة جاذبة للتلقي عند النوعين الذكر والأنثى، وبوصفه رسالة ثقافية معمقة تحدث أثرًا في المخيال المعرفي والاجتماعي.
هذا ما تحاوله "ملاذ آدم" الرواية التي تحاول صاحبتها الروائية نفي الصفة السردية عن هذا العمل في تنويهها عنه بدءًا، وتعدّ هذا النص أحداثًا حقيقية ليست ملتزمة بسردها بتقانات الكتابة السردية وفنياتها، كما لو أنها تعفي نفسها من التزامات الكتابة وتبعات النقد، وإن كانت قد وسمت العمل بالرواية في غلافها الخارجي.
إن هذا النص بوح جديد للأنثى في المجتمع اليمني، يجمع القهر الأنثوي والخيبات المتتالية التي تعيشها، ويقتاتها المجتمع النسوي على الدوام، في ظل قمع الرجل وسطوته، ويكاد النص يشتغل على ثيمة الجسد بوصفه الباعث الحقيقي لجدلية العلاقة بين الذكر والأنثى، وهو الحاجة البيولوجية للذكر من أنثاه، أضف لذلك خدمتها القسرية له دونما حضور بشري آخر، بينما الرجل هو السائد والمهيمن.
يمتلك النص قدرة مدهشة على الوصف، وحبك الأحداث، وانسيابها دونما تعقيد، مع محاولة الاستفادة من تقنيات روائية مثل: الاستباق والاسترجاع والتواتر الزمني والرؤية من داخل الذات...، مع محاولة إثبات حضور الأنثى الساردة بضمير "الأنا" بشكل لافت عبر استعراض ثقافتها وقراءاتها والاسترسال في الاستدلال، كأنها تريد أن تقول كل ما تعرفه، لتثبت قدراتها أمام رجل متنوعٍ أوردته في السرد، قد يكون أقل منها معرفة، أو صاحب معرفة لكنه في المجمل لا يختلف في نظرته التقليدية للمرأة، أو متدينًا ويخفي خطايا وظلمًا كبيرًا، متحضرًا ويفكر بعقلية العادات، أو رجلاً عاديًا يحضر بطيبته النادرة تجاه المرأة ولا يغريه جسدها، وغيرها من الأنواع للذكر التي حاكمها النص السردي، وكشف عوار سلطته ومثالبها، مع حضور الأنثى (الجسد) باهتمام وفخر يقابل الاهتمام المادي للذكر بالجسد الأنثوي، وكأنه يقاوم النظرة القاصرة للرجل إزاء المرأة باعتبارها جسدًا للمتعة فقط، بل تتباهى الأنثى بما تملك، وترى فيه ميزة لكنها لمن يستحقها.
وهي لا تخفي رغباتها كحاجة إنسانية تُضاد حاجة الرجل، بل تجعل من هذا التوظيف أيقونة مقاومة وانتصار على تهميش الرجل لها، وإثبات حضور ومنافسة، فهي كائن مثل الرجل لها مالها وعليها أيضًا، بشكل رامز لسلطة المرأة التي تثأر من امتهان سلطة الرجل لها ونفعيته.
أرادت الرواية أن تلملم أوجاع المرأة عبر سردٍ موازٍ لنماذج أنثوية عديدة، بتجارب مريرة مختلفة كما أعلنت، لكنها اندغمت في الغالب تحت صوت سردي واحد، هو صوت الساردة وبطلة النص (ملاذ) وإن أشارت بشكل عارض وخفيف لتجارب قريناتها، وظل النص محتفيًا بملاذ وأوجاعها المتنوعة مع الرجل القامع والظالم والخاذل وغير المكافئ أو الأقل من طموحها، وغيرهم عبر وجوه عديدة نمذجتها الروائية لتصوراتها النسوية والأنثوية إزاء الرجل.
لا يخلو النص من تعالقات ومواقف سياسية لا تستطيع الساردة إخفاءها أو تزويقها سرديًا، كما أنها تتخذ من منصات التواصل الاجتماعي الجديدة آليات حاضرة لبناء النص وحبك أحداثه، وهذه مقاربة مهمة وعصرية لواقع جديد تفرضه هذه الوسائل وتؤثر في تأطير العلاقة بين الذكر والأنثى بشكول مختلفة ومغايرة، هو بحاجة لدرس وتناول معمق.
تظل الأنثى في النص صوتًا مُلحًا، راغبًا بالحياة وطموحًا منتصرًا رغم كل الهزائم والخذلان، لا يتوقف كفاحها، كما لا يذبل شغفها بالحب والحياة والبحث عن فرح يليق، وإن كانت تتوارى بظروف غامضة في النهاية، لكن صداها الراغب بالانعتاق والاقتدار والحضور المؤثر في الحياة والتماس نعمائها، هو الصوت السردي المهيمن على كل النص بعيدًا عن نهاية مأساوية وتقليدية للرواية.
الرواية فضحٌ لواقع يُظهر غير ما يبطن، تختفي وراء تمنطقاته وتمسحاته بالقيم والتدين الكثير من مظاهر الظلم والقسوة والتخلف والانتهاك الممنهج للمرأة وما يتعلق بها ويتصل، كما هي محاولة جريئة للاقتراب من تفكيك واقع مبهم، تلتبس فيه العلاقة الجدلية بين الذكورة والأنوثة بعمقها وعسر تفسيرها، وهي أيضًا حضور أنثوي مهم في واقع جامد يتطلب انتصارًا وإسنادًا ومؤازرةً أولاً من الأنثى للأنثى قبل الرجل.
كما تبقى الرواية حالة من التداخل المعرفي بحمولاتها الصارخة تهز من بعض قناعات الرجل تجاهها، وتحاول أن تعيد حساباته وتلفت انتباهه لما يجترحه بحقها.
من جهة خفية؛ فالرواية تكشف للرجل عن مفاتيح مهمة في شخصية الأنثى وطرائق جذبها وكسبها، وتنبهه لطبائعها وسلوكها، وقدراتها العقلية وامتيازاتها البيولوجية، وصفاتها الفسيولوجية، أو حالاتها السيكولوجية. كما هي تقديم لعوالم المرأة للمرأة ذاتها، لتتعاضد على البوح به، وتعتاد على مناقشته وتداوله، كي تخرج من الهامش الذي وضعها فيه الرجل إلى المتن المجتمعي بغية الحضور والتأثير فيه.
وبرغم ما يمكن أن يُلحظ على الرواية فنيًا وأسلوبيًا وفي ممكنات الخطاب الروائي وتمثلاته، أو حتى عثرات لغوية وأسلوبية، وتنويهات في مهارات السرد وبراعة الحوار؛ فإنها نص سلسٌ جذاب، لين وممتع، متحمس لقضيته وجريء في عرضها وتقديمها بقالب فني يوارب بخفة ولا يصادم بحِدّة، يخطو بقدرة معرفية وإمكانات ممزوجة بحبكة الأنثى الممتعة التي تجمع بين براءة الريف وحلاوته السهلة، ورونق التمدن وإبهار مدن العالم الأول.
......
د. فارس البيل ناقد ثقافي وأكاديمي يمني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.