منذ فجر الحضارات شكلت الأجنحة علامة فارقة في مصطلحات السفر والاكتشاف وتخطي الحدود، لذا دخلت كمفردات لرموز تعبيرية تجسد التحرر والارتحال في فضاءات الحرية. في أعمالها الجديدة التي تحمل عنوان «وحوّلت جروحها أجنحة « التي تعرض (ابتداء من 2 شباط - فبراير 2017) في غاليري «أثر» في جدة ، تستكشف الفنانة التشكيلية البحرينية هلا آل خليفة أبعاد الفضاء وشسوعه من خلال رموزية الأجنحة التي تخاطبها بأسلوب مجازي يذكّر بأجنحة إيكاروس في الميثولوجيا الإغريقية، الذي أسرف في التحليق بحثاً عن الحقيقة، الى ان أذابت اشعة الشمس الحارقة جناحيه الشمعيين وسقط في البحر. ما من شك في أن فنانة البحرين التي عُرفت كواحدة من ابرز جيل المعاصرة بأعمالها التجهيزية التي تميزت بها في الخليج العربي خصوصاً، وفي معارضها التي اقامتها في بعض العواصم الأوروبية، تتمسك بنبض الراهن وهي تستنبط تيماتها بطرح مغاير وموارب كسبيل لإثارة الشكوك وطرح الأسئلة. إذ بعد عملها الإنشائي (على ارض المعرض السنوي) الذي صممته لخارطة العالم العربي من عبوات مطافىء الحريق، لإخماد النار التي تلتهم ليس تاريخ المنطقة وحاضرها فحسب بل ذاكرتها وثقافتها وآثار حضاراتها، تسعى في عملها التركيبي الراهن، الى تكوين ما يشبه الجدار، عبارة عن قطع متجاورة من اللوحات الزيتية، لا للوقوف على منصّة الحاضر على انها حال الانتهاء، بل للانطلاق منها نحو امكنة مبهمة تقع في استعارات مستمدة بالضرورة من الخيال الشعري. ولئن لجأت الى أجنحة الحالمين لتطير، فمن اجل ترويض العتمة وصولاً الى الضوء. شيءٌ ما مبهم ينتفض في سريرة النفس كي يثور على الواقع، والسفر هو فكرة افتراضية للهروب من إسار الحقيقة المرّة نحو المجهول، وهالا آل خليفة تذهب الى أحلامها مغمضة العينين، وهي تعتلي الفراغ كي تلقي بنفسها من أعلى قمة اللون الإحمر الى هاوية الضباب، والفضاء مثل كأس ممتلىء بالغيوم، والريشة بين يديها طيّعة تأخذ التلاوين الى ارتجالات خطوطية غير متوقعة، وهي تنفُذ الى منظور وهمي للأعماق بحركية لولبية، حتى لتبدو الأجنحة تصطفق بدمائها التي تخضب البياض الى ان تغيب في الأفق. هكذا تلامس هالا آل خليفة بأجنحتها الجريحة اعماق خطاب المعاصرة. هذا الخطاب الذي يعبّر وفق مقولة فرويد «في تطور الفنون» عن غريزة الموت «التاناتوس» بدلاً من غريزة حب البقاء «الإيروس» التي تسيطر عادة على الإبداع الفني. لذا نرى الفنانة تقلب الأجنحة رأساً على عقب وتمسك بمفاصل أجسادها الخاوية لا لتعبّر عن غريزة الموت الفرويدية وإنما كي توحي لنا بوجهة نظر تفاؤلية مفادها بأن الحكاية تتوالد من الجراح وتتفرع من التساؤلات القلقة الآتية من الإحساس بصمت كبير، هذا الصمت الصارخ الذي يسود مساحات التداخل، بين ما هو متخيل وما هو واقعي. فالقلق بات الوجه الآخر للعولمة، ودمج الحقائق الواضحة بالأخرى الدفينة، من شأنه أن يكشف عن الأجزاء المتخفية في بنية الإيقاعات السيميائية للفضاء الدلالي لخلخلة مفاصل الأجنحة. «اجنحتي الوهمية تحملني من مكان الى آخر ومن همّ الى فرح» كتبت الفنانة في النص المرافق لمعرضها، الذي يشكل منعطفاً في مسارها الذي ينحاز الى الذاتية وحتمية الأنا الذائبة في الآخر. فلوحاتها مثل قصائد وجدانية تندمج فيها الوحدة بالشراسة، ما يفسر صراعات الحياة بأنفاس اللون. هكذا تمسك الفنانة بزمام حكاية بلا نهاية تعكس آفاق الخطاب المبهم لأصداء سوداوية الحروب وحرائقها. تكشف هلا آل خليفة عن نشيد لوني ملتهب في معالجة تراكمات إيقاعاتها التلوينية التلقائية التي تمتلك معالم الاختزال على تخوم الإبهام الذي يحوّل اشكال الأجنحة الجريحة الى تكوينات تجسد ملاذ حالات الصعود والهبوط أو ملاذ اصطياد لحظة السقوط كحركة داكنة تجمع جدلية السواد المعلق بين اضاءة الفضاء وفسحات خضرة البساتين المهجورة المليئة بالأسرار التي تغازل الضوء كي تدنو الشمس التي تطير واطئة من حافة الأجنحة من دون ان تذيبها. في هذا المعرض تجسد هلا آل خليفة اشجان جراح اجنحة الطائر المهدد بالفناء، (مثل ابن فرناس الذي قتلته اجنحته الحلمية)، الطائر العصي على الوصف والخيال «في منطق الطير» لجلال الدين الرومي،، الذي ينتهي كوهم وتبدأ معه الحقيقة، طائر اسفارنا مع حلم الحرية الذي يرتمي في الفراغ المطلق قبل أن يتلوّن مثل قوس قزح. إنه وهم الربيع العربي الذي خلّف الحروب والحرائق والأنقاض والترحال والهجرات والمراثي . فالطفل الميت على شاطئ الهجرات القسرية هو ذاته الطائر الذي رفرف هارباً بجناحين يُفضيان الى افق حافل بالضياع. إنه طائر حكايات المنافي التي فتحت أبواب الليل على كوابيس الحلم. شيء ما في معرض هالا آل خليفة ينادي قصائد ديوان «سبّاح الحب الواحد» للشاعر اللبناني جورج شحادة: طائرٌ أغلق جناحيه مثل ملاك الموت لحظة امتطاء عتبة الهاوية ..»مثل صدى يموت في بستان.. حيث لم يبق ثمة أحد، لا النوافذ ولا الناس، الريح فقط «. منذ فجر الحضارات شكلت الأجنحة علامة فارقة في مصطلحات السفر والاكتشاف وتخطي الحدود، لذا دخلت كمفردات لرموز تعبيرية تجسد التحرر والارتحال في فضاءات الحرية. في أعمالها الجديدة التي تحمل عنوان «وحوّلت جروحها أجنحة « التي تعرض (ابتداء من 2 شباط - فبراير 2017) في غاليري «أثر» في جدة ، تستكشف الفنانة التشكيلية البحرينية هلا آل خليفة أبعاد الفضاء وشسوعه من خلال رموزية الأجنحة التي تخاطبها بأسلوب مجازي يذكّر بأجنحة إيكاروس في الميثولوجيا الإغريقية، الذي أسرف في التحليق بحثاً عن الحقيقة، الى ان أذابت اشعة الشمس الحارقة جناحيه الشمعيين وسقط في البحر. ما من شك في أن فنانة البحرين التي عُرفت كواحدة من ابرز جيل المعاصرة بأعمالها التجهيزية التي تميزت بها في الخليج العربي خصوصاً، وفي معارضها التي اقامتها في بعض العواصم الأوروبية، تتمسك بنبض الراهن وهي تستنبط تيماتها بطرح مغاير وموارب كسبيل لإثارة الشكوك وطرح الأسئلة. إذ بعد عملها الإنشائي (على ارض المعرض السنوي) الذي صممته لخارطة العالم العربي من عبوات مطافىء الحريق، لإخماد النار التي تلتهم ليس تاريخ المنطقة وحاضرها فحسب بل ذاكرتها وثقافتها وآثار حضاراتها، تسعى في عملها التركيبي الراهن، الى تكوين ما يشبه الجدار، عبارة عن قطع متجاورة من اللوحات الزيتية، لا للوقوف على منصّة الحاضر على انها حال الانتهاء، بل للانطلاق منها نحو امكنة مبهمة تقع في استعارات مستمدة بالضرورة من الخيال الشعري. ولئن لجأت الى أجنحة الحالمين لتطير، فمن اجل ترويض العتمة وصولاً الى الضوء. شيءٌ ما مبهم ينتفض في سريرة النفس كي يثور على الواقع، والسفر هو فكرة افتراضية للهروب من إسار الحقيقة المرّة نحو المجهول، وهالا آل خليفة تذهب الى أحلامها مغمضة العينين، وهي تعتلي الفراغ كي تلقي بنفسها من أعلى قمة اللون الإحمر الى هاوية الضباب، والفضاء مثل كأس ممتلىء بالغيوم، والريشة بين يديها طيّعة تأخذ التلاوين الى ارتجالات خطوطية غير متوقعة، وهي تنفُذ الى منظور وهمي للأعماق بحركية لولبية، حتى لتبدو الأجنحة تصطفق بدمائها التي تخضب البياض الى ان تغيب في الأفق. هكذا تلامس هالا آل خليفة بأجنحتها الجريحة اعماق خطاب المعاصرة. هذا الخطاب الذي يعبّر وفق مقولة فرويد «في تطور الفنون» عن غريزة الموت «التاناتوس» بدلاً من غريزة حب البقاء «الإيروس» التي تسيطر عادة على الإبداع الفني. لذا نرى الفنانة تقلب الأجنحة رأساً على عقب وتمسك بمفاصل أجسادها الخاوية لا لتعبّر عن غريزة الموت الفرويدية وإنما كي توحي لنا بوجهة نظر تفاؤلية مفادها بأن الحكاية تتوالد من الجراح وتتفرع من التساؤلات القلقة الآتية من الإحساس بصمت كبير، هذا الصمت الصارخ الذي يسود مساحات التداخل، بين ما هو متخيل وما هو واقعي. فالقلق بات الوجه الآخر للعولمة، ودمج الحقائق الواضحة بالأخرى الدفينة، من شأنه أن يكشف عن الأجزاء المتخفية في بنية الإيقاعات السيميائية للفضاء الدلالي لخلخلة مفاصل الأجنحة. «اجنحتي الوهمية تحملني من مكان الى آخر ومن همّ الى فرح» كتبت الفنانة في النص المرافق لمعرضها، الذي يشكل منعطفاً في مسارها الذي ينحاز الى الذاتية وحتمية الأنا الذائبة في الآخر. فلوحاتها مثل قصائد وجدانية تندمج فيها الوحدة بالشراسة، ما يفسر صراعات الحياة بأنفاس اللون. هكذا تمسك الفنانة بزمام حكاية بلا نهاية تعكس آفاق الخطاب المبهم لأصداء سوداوية الحروب وحرائقها. تكشف هلا آل خليفة عن نشيد لوني ملتهب في معالجة تراكمات إيقاعاتها التلوينية التلقائية التي تمتلك معالم الاختزال على تخوم الإبهام الذي يحوّل اشكال الأجنحة الجريحة الى تكوينات تجسد ملاذ حالات الصعود والهبوط أو ملاذ اصطياد لحظة السقوط كحركة داكنة تجمع جدلية السواد المعلق بين اضاءة الفضاء وفسحات خضرة البساتين المهجورة المليئة بالأسرار التي تغازل الضوء كي تدنو الشمس التي تطير واطئة من حافة الأجنحة من دون ان تذيبها. في هذا المعرض تجسد هلا آل خليفة اشجان جراح اجنحة الطائر المهدد بالفناء، (مثل ابن فرناس الذي قتلته اجنحته الحلمية)، الطائر العصي على الوصف والخيال «في منطق الطير» لجلال الدين الرومي،، الذي ينتهي كوهم وتبدأ معه الحقيقة، طائر اسفارنا مع حلم الحرية الذي يرتمي في الفراغ المطلق قبل أن يتلوّن مثل قوس قزح. إنه وهم الربيع العربي الذي خلّف الحروب والحرائق والأنقاض والترحال والهجرات والمراثي . فالطفل الميت على شاطئ الهجرات القسرية هو ذاته الطائر الذي رفرف هارباً بجناحين يُفضيان الى افق حافل بالضياع. إنه طائر حكايات المنافي التي فتحت أبواب الليل على كوابيس الحلم. شيء ما في معرض هالا آل خليفة ينادي قصائد ديوان «سبّاح الحب الواحد» للشاعر اللبناني جورج شحادة: طائرٌ أغلق جناحيه مثل ملاك الموت لحظة امتطاء عتبة الهاوية ..»مثل صدى يموت في بستان.. حيث لم يبق ثمة أحد، لا النوافذ ولا الناس، الريح فقط «.