وزير الصحة: الطب ليس مهنة الثراء السريع وهذا سبب نقص عدد الأطباء في مصر    عمرو درويش: موازنة 2025 الأضخم في تاريخ الدولة المصرية    في قضية تزوير توكيلات الانتخابات الرئاسية.. تأييد حبس مدير حملة أحمد طنطاوي    صور.. وكيل "أوقاف الفيوم" يستقبل وفد الكنيسة الأرثوذكسية للتهنئة بعيد الأضحى    وزير التعليم العالي: الجامعات الأهلية تمتلك زخمًا من الخبرات الأكاديمية    رئيس جامعة طنطا يتفقد الامتحانات بمركز الاختبارات الإلكترونية بالمجمع الطبي    مركز طبي ومزرعة بحثية.. رئيس جامعة الإسكندرية يتفقد المنشآت الجديدة بفرع تشاد (صور)    سعر جرام الذهب اليوم الإثنين 3 يونيو 2024 (آخر تحديث)    المعايير المؤهلة لإدخال غاز طبيعي لعقار سكني بالجيزة    "المصرية للاتصالات" تنفي تلقيها أي عرض لشراء الأبراج التابعة لها    "الجزار" يتابع موقف تنفيذ عمارات "سكن لكل المصريين" والإسكان المتوسط بمدينة 15 مايو    البورصة تربح 5 مليارات جنيه في منتصف تعاملات اليوم الإثنين    محافظ القاهرة: تكلفة الخطة الاستثمارية تجاوز مليارا و575 مليون جنيه    مصدر: إدخال أكثر من 950 شاحنة مساعدات إنسانية من مصر إلى غزة خلال الأسبوع الماضي    وزير الخارجية: مصر تسعى لتطوير العلاقات مع إسبانيا ورفع مستوى التبادل التجاري    الطيران الإسرائيلي يغير على أطراف بلدة حانين ومرتفع كسارة العروش في جبل الريحان    ألمانيا تستضيف تدريبات جوية لقوات الناتو    فرق الإنقاذ الألمانية تواصل البحث عن رجل إطفاء في عداد المفقودين في الفيضانات    كوريا الجنوبية تعلق اتفاقية خفض التوتر مع نظيرتها الشمالية    الرئيس الأوكراني يوجه الشكر للفلبين لدعم قمة سلام مقبلة في سويسرا    صحيفة إسبانية تكشف موعد قرعة دوري أبطال أوروبا 2024-2025    ليكيب تكشف مدة عقد مبابي مع ريال مدريد    شوبير: محمد عبد المنعم رفض مد تعاقده مع الأهلي    مواعيد مباريات الإثنين 3 يونيو.. ألمانيا وإنجلترا وكرواتيا للاستعداد ل يورو 2024    "ما حدث مصيبة".. تعليق ناري من ميدو على استدعائه للتحقيق لهذا السبب    التشكيل المتوقع لودية ألمانيا وأوكرانيا ضمن استعدادات يورو 2024    ظهرت الآن، نتيجة الشهادة الإعدادية في بني سويف    شروط التعاقد على وظائف المعلمين وإجراءات التقدم بالمدارس المصرية اليابانية    رئيس بعثة الحج الرسمية: لم تظهر أية أمراض وبائية لجميع الحجاج المصريين    تحرير 111 محضرا خلال حملات تموينية وتفتيشية بمراكز المنيا    خلال 24 ساعة . . تحرير 555 مخالفة لغير الملتزمين بارتداء الخوذة    الحماية المدنية تنقذ مركز شباب المنيب من حريق ضخم    تخرج دفعة جديدة من ورشة الدراسات الحرة بقصر السينما (صور)    شقيق الفنانة سمية الألفي يكشف تطورات حالتها الصحية بعد حريق منزلها    لماذا رفض الروائى العالمى ماركيز تقديم انتوني كوين لشخصية الكولونيل أورليانو في رواية "100 عام من العزلة"؟ اعرف القصة    صديق سمير صبري: سميرة أحمد كانت تزوره يوميا والراحل كان كريماً للغاية ويفعل الخير بشكل مستمر    هل يجوز للمُضحي حلاقة الشعر وتقليم الأظافر قبل العيد؟.. معلومات مهمة قبل عيد الأضحى    ما عدد تكبيرات عيد الأضحى؟.. 3 أقوال عند الفقهاء اعرفها    "صيادلة الإسكندرية": توزيع 4 آلاف و853 علبة دواء في 5 قوافل طبية    نقابة الصيادلة بالإسكندرية: توزيع 4 آلاف و853 عبوة دواء خلال 5 قوافل طبية بأحياء المحافظة    وزير الصحة: منصة إلكترونية للدول الإفريقية لتحديد احتياجاتها من الأدوية    علقت نفسها في المروحة.. سيدة تتخلص من حياتها بسوهاج    المكتب الإعلامى الحكومى بغزة: أكثر من 3500 طفل معرضون للموت بسبب سياسات التجويع    هل يجوز ذبح الأضحية ثاني يوم العيد؟.. «الإفتاء» توضح المواقيت الصحيحة    النقل تناشد المواطنين المشاركة في التوعية من مخاطر ظاهرة رشق الأطفال للقطارات بالحجارة    وزير الصحة: نفذنا 1214 مشروعا قوميا بتكلفة تقترب من 145 مليار جنيه    تحرك من الزمالك للمطالبة بحق رعاية إمام عاشور من الأهلي    أول تعليق من التعليم على زيادة مصروفات المدارس الخاصة بنسبة 100 ٪    شرف عظيم إني شاركت في مسلسل رأفت الهجان..أبرز تصريحات أحمد ماهر في برنامج "واحد من الناس"    35 جنيها للمادة.. ما رسوم التظلم على نتيجة الشهادة الإعدادية بالجيزة؟    أسعار اللحوم البلدي والضاني اليوم الاثنين 3-6-2024 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    محمد الباز ل«بين السطور»: «المتحدة» لديها مهمة في عمق الأمن القومي المصري    أسامة القوصي ل«الشاهد»: الإخوان فشلوا وصدروا لنا مشروعا إسلاميا غير واقعي    أفشة: كولر خالف وعده لي.. وفايلر أفضل مدرب رأيته في الأهلي    مقتل شخص وإصابة 24 فى إطلاق نار بولاية أوهايو الأمريكية    دعاء في جوف الليل: اللهم افتح علينا من خزائن فضلك ورحمتك ما تثبت به الإيمان في قلوبنا    مصرع 5 أشخاص وإصابة 14 آخرين في حادث تصادم سيارتين بقنا    الإفتاء تكشف عن تحذير النبي من استباحة أعراض الناس: من أشنع الذنوب إثمًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فردريش دورنمات أكثر أهميةً وعمقاً وإمتاعاً من عدد كبير ممَن نالوا نوبل
نشر في صوت البلد يوم 30 - 01 - 2017

يعالج الكاتب السويسري فردريش دورنمات في ثلاث قصص صدرت أخيرا مترجمة إلى العربية عن الكتب خان للنشر، عن طريق الكاتب سمير جريس، قضايا السلطة والعدل والحرب، كيف يتحول الخوف من السلطة إلى كابوس؟ وماذا لو غابت العدالة وسيطرت رغبة الانتقام؟ ورعب النفق المظلم الذي يمكن أن يصل إلى قيام حرب عالمية ثالثة؟.
القصة الأولى "السقوط" يتناول فيها "دورنمات" مجموعة من المتعطشين للسلطة المتشبثين بها، إذ يبرع الكاتب السويسري فريدريش دوورنمات في رسم بورتريه لهذه المجموعة التي يسيطر عليها رعب فقدان السلطة.
القصة الثانية في ترتيب هذه المجموعة، "الخسوف" تشكل معالجة نثرية لواحدة من أشهر مسرحيات "دورنمات": "زيارة السيدة العجوز" التي كتبها في عام 1956، وفي هذه المعالجة يعود "السيد العجوز" إلى قريته ومسقط رأسه لينتقم من الجميع. يناقش "دورنمات" في هذه القصة ماهية العدالة وغرائز إنسانية، مثل: الرغبة في الانتقام والتشفي والنهم والطمع.
"حرب التيبت الشتوية" هي ثالث قصص هذه المجموعة وأكثرها كابوسية، إذ يصور فيها الكاتب نهاية العالم، أو العالم عند نهايته بعد الحرب العالمية الثالثة التي ستبيد الجميع. في هذه القصة، يعرض "دورنمات" رؤيته لفترة الحرب الباردة، ويتعمق داخل الطبيعة الإنسانية وما فيها من شهوة للسلطة والقوة، ونظرة الإنسان المحدودة بمنظور النفق الذي لا يجد مخرجًا منه، ووسيلته الوحيدة لإثبات وجوده؛ القتل.
المترجم والكاتب سمير جريس صدر ترجمته للقصص بمقدمة أكد فيها أن الكاتب السويسري فريدريش دورنمات (1921 – 1990) يحتل مكانة مرموقة في الأدب الألماني المعاصر، بل وفي الأدب العالمي كله. وليس من قبيل المبالغة أن نقول إنه أكثر أهميةً وعمقاً وإمتاعاً من عدد كبير ممَن نالوا جائزة نوبل.
وقال "دورنمات أديب كلاسيكي كوني، يتناول بشكل مشوق القضايا الكبرى التي شغلت الإنسان على مر العصور، حتى إذا كان ما يكتبه ليس إلا قصة بوليسية. دورنمات يبتعد في أعماله ابتعاداً تاماً عن السيرة الذاتية وعن التناول المباشر للأحداث التاريخية، وهو بذلك يختلف عن معظم أدباء جيله، سواء من موطنه سويسرا، مثل ماكس فريش، أو في ألمانيا، مثل جونتر جراس وهاينريش بُل وكريستا فولف".
وأشار إلى أن دورنمات - وكما نرى بوضوح في القصص الثلاث التي تتضمنها في هذه المجموعة - هو شاعر الكوارث البشرية، الكاشف عن الأعماق الإنسانية المظلمة، والمتنبئ بالجنون العالمي المدمر. لا تمنح قصص دورنمات ومسرحياته الأمل الكاذب، بل تفتح عين القارئ على اتساعها ليرى العالم كما هو، أو ربما أبشع مما هو. ويبدو دورنمات منذ أعماله الأولى كاتباً حكيما، عجوزاً يتأمل في أحوال العالم، ويتلذذ بتصوير متاهاته وشروره؛ كاتباً يؤمن بأن السخرية هي الوسيلة الوحيدة لتحمل هذا العالم المجنون.
وأوضح أن القصص الثلاث التي تتضمنها المجموعة بها كل ملامح أدب دورنمات النثري. وأضاف "في القصة الأولى يعود الكاتب إلى مسرحية "زيارة السيدة العجوز"، وهي المسرحية التي ارتبط اسمه بها طويلاً. وربما ظلت فكرة هذه المسرحية تشغله حتى وفاته، فكتب لها عدة صياغات نثرية، نُشرت آخرها عام 1990 تحت عنوان "الخسوف".
في هذه القصة يرجع "السيد العجوز" إلى قريته ومسقط رأسه لينتقم من خطيبته السابقة ومن زوجها. في قصة "الخسوف" يتناول درونمات مرة أخرى أحد موضوعاته الأثيرة متأملاً في ماهية العدالة، ومسلطاً الضوء على غرائز إنسانية أزلية، مثل الرغبة في الانتقام والتشفي وكذلك النهم والطمع الذي لا يعرف شبعاً.
وفي قصة "السقوط" (1971) التي تحمل المجموعة عنوانها يرسم دورنمات بورتريها بارعاً لمجموعة من المتعطشين إلى السلطة والمتشبثين بها، وهي مجموعة يسيطر عليها رعب فقدان السلطة. هذه المجموعة يسيطر عليها الزعيم (أ)، ومعه – يقول درونمات – "حصلت ماكينة السلطة التي لا سمات لها على وجه وملامح، بيد أن الزعيم الكبير لم يكتف بالتمثيل، لقد شرع باسم الثورة في سحق الثوريين. ولم تتم تصفية أبطال الثورة فحسب، بل تمت أيضاً تصفية أولئك الذين أمسكوا بعدها بدفة السلطة واقتربوا من دائرة الأمانة السياسية. بقي الشعب مطمئنا لأنه – في بلادته وعدم شعوره بكارثية وضعه – لم يكن يخشى أن يفقد شيئا، إذ إنه لا يملك شيئا، أما أصحاب الامتيازات فإنهم يخافون أن يفقدوا كل شيء لأنهم يملكون كل شيء.
... وكان الشعب يشارك بدور المتفرج في المسرحية الدموية التي تقدمها السياسة. لم يسقط صاحب سلطة أبدا بدون محكمة علنية، بدون مسرحية راقية، أو دون أن تتصدر العدالة المشهد الفخم، دون أن يعترف المتهم بذنبه اعترافا احتفاليا. كانوا في عيون الجماهير مجرمين ينبغي إعدامهم، مخربين، خونة؛ هم المسؤولون عن فقر الشعب لا النظام، سقوطهم يبعث أملا جديدا في النفوس، أملاً في مستقبل أفضل وعدوهم به كثيرا، سقوطهم يظهر أن الثورة مستمرة، وأن قائدها الحكيم هو رجل الدولة (أ) العظيم الخيّر العبقري الذي يخدعه رفاقه المرة تلو الأخرى".
أما قصتة الكابوسية "حرب التيبت الشتوية" فيُصور فيها نهايةَ العالم، أو العالمَ بعد نهايته، بعد الحرب العالمية الثالثة، الحرب الذرية التي ستبيد الجميع. وهي أمثولة عن الطبيعة البشرية وشهوة السلطة والقوة، والمتاهة البشرية التي نعيش فيها. الإنسان هنا ذئبُ الإنسان وعدوه، وهو ضائع في "متاهة" السلطة الأبدية، نظرته محدودة بمنظور النفق الذي لا يجد مخرجاً منه، أما وسيلته الوحيدة لإثبات وجوده فهي القتل.
في هذا النص يقدم دورنمات رؤيته لفترة الحرب الباردة، لكنه – كمعظم نصوص الأديب السويسري – نص متعدد الطبقات، يحتاج إلى أكثر من قراءة لكي يبصر القارئ طريقه في هذه المتاهة القصصية الجميلة.
ولد فريدريش دورنمات في عام 1921 بالقرب من العاصمة السويسرية "برن"، وهو أحد أشهر كتاب المسرح المعاصرين في البلاد الناطقة بالألمانية وفي العالم. بعد محاولات لدراسة الفلسفة والعلوم الطبيعية والأدب واللاهوت في الجامعة، اتجه إلى الكتابة النقدية ثم الإبداعية. من مسرحياته التي حققت نجاحًا عالميًا: "زيارة السيدة العجوز"، و"علماء الطبيعة"، و"الشهاب". ومن رواياته: "القاضي وجلاده"، و"القضاء"، و"الوعد". توفي "دورنمات" في عام 1990 قبل أسابيع من الاحتفال بعيد ميلاده السبعين.
سمير جريس هو مترجم مصري، درس الألمانية وآدابها في "القاهرة" و"ماينتس" بألمانيا، وحصل على جائزة معهد جوته للترجمة الأدبية في فئة المترجمين المتمرسين في عام 2014 وعلى الجائزة الأولى في ترجمة القصة من المجلس الأعلى للثقافة في مصر في عام 1996.
ترجم عن الألمانية عددًا من الأعمال الأدبية المعاصرة، منها: "عازفة البيانو" لإلفريده يلينك، و"الكونتراباص" لباتريك زوسكيند، و"رجل عاشق" لمارتين فالزر، و"الوعد" لفريدريش دورنمات. وصدرت له عن "الكتب خان" ترجمة رواية "حرفة القتل" لنوربرت جشتراين وترجمة مجموعة مقالات نقدية بعنوان "جونتر جراس ومواجهة ماضٍ لا يمضي".
يعالج الكاتب السويسري فردريش دورنمات في ثلاث قصص صدرت أخيرا مترجمة إلى العربية عن الكتب خان للنشر، عن طريق الكاتب سمير جريس، قضايا السلطة والعدل والحرب، كيف يتحول الخوف من السلطة إلى كابوس؟ وماذا لو غابت العدالة وسيطرت رغبة الانتقام؟ ورعب النفق المظلم الذي يمكن أن يصل إلى قيام حرب عالمية ثالثة؟.
القصة الأولى "السقوط" يتناول فيها "دورنمات" مجموعة من المتعطشين للسلطة المتشبثين بها، إذ يبرع الكاتب السويسري فريدريش دوورنمات في رسم بورتريه لهذه المجموعة التي يسيطر عليها رعب فقدان السلطة.
القصة الثانية في ترتيب هذه المجموعة، "الخسوف" تشكل معالجة نثرية لواحدة من أشهر مسرحيات "دورنمات": "زيارة السيدة العجوز" التي كتبها في عام 1956، وفي هذه المعالجة يعود "السيد العجوز" إلى قريته ومسقط رأسه لينتقم من الجميع. يناقش "دورنمات" في هذه القصة ماهية العدالة وغرائز إنسانية، مثل: الرغبة في الانتقام والتشفي والنهم والطمع.
"حرب التيبت الشتوية" هي ثالث قصص هذه المجموعة وأكثرها كابوسية، إذ يصور فيها الكاتب نهاية العالم، أو العالم عند نهايته بعد الحرب العالمية الثالثة التي ستبيد الجميع. في هذه القصة، يعرض "دورنمات" رؤيته لفترة الحرب الباردة، ويتعمق داخل الطبيعة الإنسانية وما فيها من شهوة للسلطة والقوة، ونظرة الإنسان المحدودة بمنظور النفق الذي لا يجد مخرجًا منه، ووسيلته الوحيدة لإثبات وجوده؛ القتل.
المترجم والكاتب سمير جريس صدر ترجمته للقصص بمقدمة أكد فيها أن الكاتب السويسري فريدريش دورنمات (1921 – 1990) يحتل مكانة مرموقة في الأدب الألماني المعاصر، بل وفي الأدب العالمي كله. وليس من قبيل المبالغة أن نقول إنه أكثر أهميةً وعمقاً وإمتاعاً من عدد كبير ممَن نالوا جائزة نوبل.
وقال "دورنمات أديب كلاسيكي كوني، يتناول بشكل مشوق القضايا الكبرى التي شغلت الإنسان على مر العصور، حتى إذا كان ما يكتبه ليس إلا قصة بوليسية. دورنمات يبتعد في أعماله ابتعاداً تاماً عن السيرة الذاتية وعن التناول المباشر للأحداث التاريخية، وهو بذلك يختلف عن معظم أدباء جيله، سواء من موطنه سويسرا، مثل ماكس فريش، أو في ألمانيا، مثل جونتر جراس وهاينريش بُل وكريستا فولف".
وأشار إلى أن دورنمات - وكما نرى بوضوح في القصص الثلاث التي تتضمنها في هذه المجموعة - هو شاعر الكوارث البشرية، الكاشف عن الأعماق الإنسانية المظلمة، والمتنبئ بالجنون العالمي المدمر. لا تمنح قصص دورنمات ومسرحياته الأمل الكاذب، بل تفتح عين القارئ على اتساعها ليرى العالم كما هو، أو ربما أبشع مما هو. ويبدو دورنمات منذ أعماله الأولى كاتباً حكيما، عجوزاً يتأمل في أحوال العالم، ويتلذذ بتصوير متاهاته وشروره؛ كاتباً يؤمن بأن السخرية هي الوسيلة الوحيدة لتحمل هذا العالم المجنون.
وأوضح أن القصص الثلاث التي تتضمنها المجموعة بها كل ملامح أدب دورنمات النثري. وأضاف "في القصة الأولى يعود الكاتب إلى مسرحية "زيارة السيدة العجوز"، وهي المسرحية التي ارتبط اسمه بها طويلاً. وربما ظلت فكرة هذه المسرحية تشغله حتى وفاته، فكتب لها عدة صياغات نثرية، نُشرت آخرها عام 1990 تحت عنوان "الخسوف".
في هذه القصة يرجع "السيد العجوز" إلى قريته ومسقط رأسه لينتقم من خطيبته السابقة ومن زوجها. في قصة "الخسوف" يتناول درونمات مرة أخرى أحد موضوعاته الأثيرة متأملاً في ماهية العدالة، ومسلطاً الضوء على غرائز إنسانية أزلية، مثل الرغبة في الانتقام والتشفي وكذلك النهم والطمع الذي لا يعرف شبعاً.
وفي قصة "السقوط" (1971) التي تحمل المجموعة عنوانها يرسم دورنمات بورتريها بارعاً لمجموعة من المتعطشين إلى السلطة والمتشبثين بها، وهي مجموعة يسيطر عليها رعب فقدان السلطة. هذه المجموعة يسيطر عليها الزعيم (أ)، ومعه – يقول درونمات – "حصلت ماكينة السلطة التي لا سمات لها على وجه وملامح، بيد أن الزعيم الكبير لم يكتف بالتمثيل، لقد شرع باسم الثورة في سحق الثوريين. ولم تتم تصفية أبطال الثورة فحسب، بل تمت أيضاً تصفية أولئك الذين أمسكوا بعدها بدفة السلطة واقتربوا من دائرة الأمانة السياسية. بقي الشعب مطمئنا لأنه – في بلادته وعدم شعوره بكارثية وضعه – لم يكن يخشى أن يفقد شيئا، إذ إنه لا يملك شيئا، أما أصحاب الامتيازات فإنهم يخافون أن يفقدوا كل شيء لأنهم يملكون كل شيء.
... وكان الشعب يشارك بدور المتفرج في المسرحية الدموية التي تقدمها السياسة. لم يسقط صاحب سلطة أبدا بدون محكمة علنية، بدون مسرحية راقية، أو دون أن تتصدر العدالة المشهد الفخم، دون أن يعترف المتهم بذنبه اعترافا احتفاليا. كانوا في عيون الجماهير مجرمين ينبغي إعدامهم، مخربين، خونة؛ هم المسؤولون عن فقر الشعب لا النظام، سقوطهم يبعث أملا جديدا في النفوس، أملاً في مستقبل أفضل وعدوهم به كثيرا، سقوطهم يظهر أن الثورة مستمرة، وأن قائدها الحكيم هو رجل الدولة (أ) العظيم الخيّر العبقري الذي يخدعه رفاقه المرة تلو الأخرى".
أما قصتة الكابوسية "حرب التيبت الشتوية" فيُصور فيها نهايةَ العالم، أو العالمَ بعد نهايته، بعد الحرب العالمية الثالثة، الحرب الذرية التي ستبيد الجميع. وهي أمثولة عن الطبيعة البشرية وشهوة السلطة والقوة، والمتاهة البشرية التي نعيش فيها. الإنسان هنا ذئبُ الإنسان وعدوه، وهو ضائع في "متاهة" السلطة الأبدية، نظرته محدودة بمنظور النفق الذي لا يجد مخرجاً منه، أما وسيلته الوحيدة لإثبات وجوده فهي القتل.
في هذا النص يقدم دورنمات رؤيته لفترة الحرب الباردة، لكنه – كمعظم نصوص الأديب السويسري – نص متعدد الطبقات، يحتاج إلى أكثر من قراءة لكي يبصر القارئ طريقه في هذه المتاهة القصصية الجميلة.
ولد فريدريش دورنمات في عام 1921 بالقرب من العاصمة السويسرية "برن"، وهو أحد أشهر كتاب المسرح المعاصرين في البلاد الناطقة بالألمانية وفي العالم. بعد محاولات لدراسة الفلسفة والعلوم الطبيعية والأدب واللاهوت في الجامعة، اتجه إلى الكتابة النقدية ثم الإبداعية. من مسرحياته التي حققت نجاحًا عالميًا: "زيارة السيدة العجوز"، و"علماء الطبيعة"، و"الشهاب". ومن رواياته: "القاضي وجلاده"، و"القضاء"، و"الوعد". توفي "دورنمات" في عام 1990 قبل أسابيع من الاحتفال بعيد ميلاده السبعين.
سمير جريس هو مترجم مصري، درس الألمانية وآدابها في "القاهرة" و"ماينتس" بألمانيا، وحصل على جائزة معهد جوته للترجمة الأدبية في فئة المترجمين المتمرسين في عام 2014 وعلى الجائزة الأولى في ترجمة القصة من المجلس الأعلى للثقافة في مصر في عام 1996.
ترجم عن الألمانية عددًا من الأعمال الأدبية المعاصرة، منها: "عازفة البيانو" لإلفريده يلينك، و"الكونتراباص" لباتريك زوسكيند، و"رجل عاشق" لمارتين فالزر، و"الوعد" لفريدريش دورنمات. وصدرت له عن "الكتب خان" ترجمة رواية "حرفة القتل" لنوربرت جشتراين وترجمة مجموعة مقالات نقدية بعنوان "جونتر جراس ومواجهة ماضٍ لا يمضي".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.