ارتفاع البتلو وانخفاض الكندوز، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    انخفاض طن اليوريا العادي 811 جنيهًا، أسعار الأسمدة اليوم في الأسواق    محمود مسلم: لن نسمح لأحد بالعبث بأمننا القومي ومن يتجاوز في حق مصر سيأتي اليوم الذي يُحاسب فيه    إيران ترد على ادعاء ترامب بتدخل طهران في مفاوضات وقف إطلاق النار بغزة    رئيس الوزراء القطري: مؤتمر دعم غزة بارقة أمل ونطالب بتسوية عادلة للقضية الفلسطينية    رئيس اتحاد طنجة: الزمالك دفع أقل من الشرط الجزائي ومعالي فضل الأبيض عن الدنمارك    16 ميدالية، حصاد البعثة المصرية في اليوم الثاني من دورة الألعاب الأفريقية للمدارس    اتحاد الكرة يشكر الرئيس السيسي على لفتته الكريمة تجاه حسن شحاتة    حرائق الكهرباء عرض مستمر، اشتعال النيران بعمود إنارة بالبدرشين (صور)    ضبط ومصادرة 162 جهاز صوت وسماعة بالدقهلية    في لقاء نادر، ماذا قال عمرو دياب عن زياد الرحباني؟ (فيديو)    اتهمت الفنانة بالاتجار بالأعضاء البشرية، التحقيق في بلاغات وفاء عامر ضد التيك توكر "بنت مبارك"    قرار من خوسيه ريبيرو بخصوص مباراة إنبي الودية اليوم    افتتحها وزير التعليم العالي.. أبرز المعلومات عن جامعة كفر الشيخ الأهلية (صور)    فلسطينية ل خليل الحية: عد إلى غزة وجرب الجوع ليوم واحد ثم اتخذ قرارك    ضبط مصنع غير مرخص يعيد تعبئة زيوت طعام مستعملة ببني سويف (صور)    أول تعليق من محافظ سوهاج على حرائق برخيل (صور)    مقتل شخصين وإصابة آخرين في هجوم طعن في لندن    "شوية مطبلاتية".. تعليق قوي من أحمد عبد القادر على أنباء فسخ تعاقده مع الأهلي    كالعروس.. إليسا تخطف الأنظار بفستان أبيض في أحدث ظهور    مي كساب بإطلالة جديدة باللون الأصفر.. تصميم جذاب يبرز قوامها    عودة انقطاع الكهرباء في مناطق بالجيزة وخروج كابل محطة محولات جزيرة الذهب عن الخدمة    رابطة الأندية: بدء عقوبة "سب الدين والعنصرية" فى الدوري بالموسم الجديد    ما الوقت المناسب بين الأذان والإقامة؟.. أمين الفتوى يجيب    الكشف الطبي على 540 مواطنًا بقرية جلبانة ضمن القافلة الطبية لجامعة الإسماعيلية    بمناسبة اليوم العالمي.. التهاب الكبد خطر صامت يمكن تفاديه    قبل عرضه.. تفاصيل فيلم بيج رامى بطولة رامز جلال    نقيب الإعلاميين: كلمة الرئيس السيسي بشأن غزة رد عملي على حملات التضليل    سميرة صدقي: عبلة كامل أفضل فنانة قدمت دور المرأة الشعبية    علاج الحموضة بالأعشاب الطبيعية في أسرع وقت    محافظ جنوب سيناء يتابع تطوير محطة معالجة دهب والغابة الشجرية (صور)    هل "الماكياج" عذر يبيح التيمم للنساء؟.. أمينة الفتوى تُجيب    إلقاء بقايا الطعام في القمامة.. هل يجوز شرعًا؟ دار الإفتاء توضح    أمانة الشؤون القانونية المركزية ب"مستقبل وطن" تبحث مع أمنائها بالمحافظات الاستعدادات لانتخابات مجلس الشيوخ 2025    كم سنويا؟.. طريقة حساب عائد مبلغ 200 ألف جنيه من شهادة ادخار البنك الأهلي    5 شركات تركية تدرس إنشاء مصانع للصناعات الهندسية والأجهزة المنزلية في مصر    قنا: القبض على شاب متهم بالاعتداء على طفل داخل منزل أسرته في قرية الدرب بنجع حمادي    محافظ القاهرة يكرم 30 طالبا وطالبة من أوائل الثانوية العامة والمكفوفين والدبلومات الفنية    تنفيذي الشرقية يكرم أبطال حرب أكتوبر والمتبرعين للصالح العام    هل ظهور المرأة بدون حجاب أمام رجل غريب ينقض وضوءها؟.. أمينة الفتوى توضح    حزب الجيل: السيسي يعيد التأكيد على ثوابت مصر في دعم فلسطين    ديفيز: سعيد بالعودة للأهلي.. وهذه رسالتي للجماهير    نموذج تجريبي لمواجهة أزمة كثافة الفصول استعدادًا للعام الدراسي الجديد في المنوفية    الحر الشديد خطر صامت.. كيف تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على القلب والدماغ؟    وثيقة لتجديد الخطاب الديني.. تفاصيل اجتماع السيسي مع مدبولي والأزهري    توجيهات بترشيد استهلاك الكهرباء والمياه داخل المنشآت التابعة ل الأوقاف في شمال سيناء    التحقيق في مصرع شخصين في حادث دهس تريلا بدائرى البساتين    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي لأكثر من مليون فرد    إطلاق حملة لتعقيم وتطعيم الكلاب الضالة بمدينة العاشر من رمضان (صور)    في مستهل زيارته لنيويورك.. وزير الخارجية يلتقي بالجالية المصرية    رئيس جامعة القاهرة يشهد تخريج الدفعة 97 من الطلاب الوافدين بكلية طب الأسنان    المجلس الوزاري الأمني للحكومة الألمانية ينعقد اليوم لبحث التطورات المتعلقة بإسرائيل    متحدثة الهلال الأحمر الفلسطيني: 133 ضحية للمجاعة فى غزة بينهم 87 طفلًا    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    «تغير المناخ» بالزراعة يزف بشرى سارة بشأن موعد انكسار القبة الحرارية    تعرف على مواعيد مباريات المصري بالدوري خلال الموسم الكروي الجديد    بداية فوضى أم عرض لأزمة أعمق؟ .. لماذا لم يقيل السيسي محافظ الجيزة ورؤساء الأحياء كما فعل مع قيادات الداخلية ؟    جامعة العريش تنظم حفلا لتكريم أوائل الخريجين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الزهرة رميج وعودة الاهتمام النقدي بالقصة القصيرة
نشر في صوت البلد يوم 29 - 01 - 2017

تحتل الكاتبة المغربية الزهرة رميج موقعا متفردا بين كتاب القصة والرواية في المغرب، فقد صدرت لها مجموعات قصصية عدة منها: «أنين الماء» (2003) و»نجمة الصباح» (2006) و»عندما يومض البرق» (2008) و»أريج الليل» (2013) و»صخرة سيزيف» (2014) فضلا عن عدد من الروايات منها: «أخاديد الأسوار» (2007) و«عزوزة» (2010) و»الناجون» (2012) والغول الذي يلتهم نفسه (2013) إلا أن شهرتها في القصة القصيرة تتجاوز شهرتها روائية، بدليل الكتاب الذي صدر في المغرب مؤخرا عن «جماليات السرد في التجربة القصصية للزهرة رميج»، بمساهمة عدد غير قليل من الدارسين والنقاد الأكاديميين، أعده، وأشرف عليه، وبوب محتواه، عبد العزيز ملّوكي، وصدر عن جمعية الأنصار للثقافة بخنيفرة (2015).
ويحظى الكتاب بقيمة خاصة، وبأهمية لافتة في سياق ما يقال عن أن النقاد يتجنبون الخوض في القصة القصيرة، ويهجرونها إلى الرواية، ما شجع بعض الدارسين على القول إن هذا الفن الأدبي الرفيع الذي يعزى ابتكاره لنفر من الكتاب العالميين اللامعين من أمثال: جي دي موباسان الفرنسي، وأنطون تشيخوف الروسي، وسومرست موم البريطاني، وأدغار آلان بو Poe الأمريكي، في طريقه إلى الانقراض.
ويأتي هذا الكتاب بما يحتويه من دراسات معمقة موضوعها القصة القصيرة لينفي هذا الظن، ويكسر حدة هذا التوقع السلبي، وشؤم هذه النبوءة الخطرة، مؤكدا أن للقصة القصيرة كتابها المتميزين، ونقادها الذين لا يتخلون عنها، مثلما لا يتخلون عن الرواية، أو عن الشعر، أو عن المسرحية.
ولعل من بين الدراسات التي تشهد على هذه الحقيقة تلك الدراسة الوافية التي ساهم بها محمد مساعدي من جامعة سيدي محمد بن عبدالله في فاس حول إحدى قصص الكاتبة «أريجُ الليل» 2013 متخذا من قصة لغة الورد نموذجا تتراءى فيه ملامح التشكيل القصصي عند الزهرة رميج.
ففي هذه الدراسة يقف بنا الدارس إزاء ثنائية البياض والسواد، فأولهما يرمز للحب الذي تمثله بائعة الورود، وحرصُ العاشق اللاهث على إيقاع المعشوقة في حبائله، وفي الوقت نفسه يظل الحب يقاوم من أجل الحفاظ على وجوده بعيدا عن إغراءات الغريزة.
أما السواد فهو الذي يرمز لتغييب هذا الحب، وهيمنة العتمة والظلمة، ف»إذا غرُبَت الشمس، وهبت ريح المساء، وعاد العشاق إلى منازلهم، فمن هو الذي سيشتري باقة الورد الأخيرة؟». هذه القصة علاوة على أنها تمثل في نظر الدارس- تغَلُّب أنوار الحب على ضيق أفق الغريزة، فإنها أيضا رؤية شعرية لما ينبغي أن يكون عليه الشكل الأقصوصي. وهذا ما يتضح من خلال رصده لثنائية أخرى هي الليل والبحر، ولشيء آخر يساند هذه الثنائية، وهو ثنائية القفص، بما يرمز إليه من قيود تحد من حرية النورس وقدرته على التحليق، والنورس نفسه الذي يتحرر من القفص، عائدًا لفضاء الكون الطبيعي، محلقاً في الأعالي، ناشرًا جناحيه على المدى، مثلما تحب له الطبيعة أن يفعل، وأن يغوص في أعماق الأفق.
وبهذه الثنائيات تنصهر لدى الزهرة رميج عناصر رؤية قصصية لا تخلو من حوار، ولا تخلو من رموز، تعبر تارة عن حيرة العاشق، وتارة عن حيرة بائعة الورد، وتارة أخرى عن حيرة المعشوقة، وإغراقها في دائرة الصمت والقلق، الذي يسبق الانفراج.
وعن الصورة، وأبعادها، يكتب سعيد جبار دراسة أخرى، لكنها لا تتوقف عند «أريج الليل» ولا عند قصة من قصصها، وإنما يتناول فيها مجموعتها «نجمة الصباح» (2006) فهو يلاحظ هيمنة الصوت النسائي على قصص المجموعة المذكورة، فمن بين 19 قصة ثلاثُ فقط تدور حول شخوص من الرجال، في حين أن باقي القصص تغلب عليها شخصيات نسوية. وبصفة عامة تهيمن على هاتيك القصص مركزية السارد العليم، بمعنى أن المؤلفة تحافظ على مسافة ما بينها وبين الراوي في سائر القصص. وتغلب عليها أيضا صفة التواصل الداخلي، فعلى الرغم من أن كل قصة منها نصٌ مستقلٌ عن غيره، إلا أن ثمة خيطا رفيعًا ينتظم هذه النصوص، ويجعلها كالجسم الواحد بعضه يشد بعضه الآخر ويؤازره. فالمجموعة تضمُّ، في رأي الدارس، صورًا متفرقة في الظاهر، لكنها في نهاية المطاف تندمجُ وتتوحد، في صورة واحدة، لذا تقرأ هذه القصص بصفتها مجموعًا، وكلّا متكاملا، في غاية التناسق. وتبعا لذلك يسعى في ما تبقى من دراسته لتتبع أجزاء هذه الصورة، بما يؤكد ما بينها من تفاعل وتواشُج، أساسه أنها جميعا تحيلنا إلى مصدر واحد في السرد، وهو الذكرياتُ التي تنسج منها المؤلفة علاقاتٍ تضاعفُ أبعاد الصورة، وتوحِّد الذوات المتعددة، لتؤكد بذلك أنها جميعا تصور علاقة المرأة بذاتها في أثناء تصويرها لعلاقتها بالواقع.
ولا ريب في أنَّ قارئ هذا الكتاب يلاحظ تكرار الدراسات التي تدور حول «نجمة الصباح» فعن هذه المجموعة جاءت دراسة عبد الرحمن تمارة «جمالية الاختلاف وبطولة الألم» و»حفريات تأويلية» لعبدالله الحميمة و»الرغبة وعنف الواقع» لمحمد رمصيص، وانفرد محمد معتصم بدراسة عن مجموعة الكاتبة الأولى «أنينُ الماء» 2003. وبدلا من أن يصوب نظره لهواجس الكاتبة، وما تبثه عبر قصصها من رسائل، يصوبه نحو الطريقة (الشكل) المتبعة في بناء النصّ القصصي. إذ يرى في «أنين الماء» خيالا خصبا خلاقا يستعيد في القصص، ولاسيما في «أنا والعصفور» صورًا غنيَّة من عالم الطفولة، والأطفال. بينما تعتمد في قصص أخرى على «تكنيك» زوايا النظر أي: تعدُّد الأصوات في القصة القصيرة الواحدة.
وأيًا كان الأمر، فإن لمحمد معتصم مأخذًا على الزهرة رميج، التي لا تبرأ – قطعًا – مما يُؤخذ على بنات جنسها من الكاتبات، فالرجل في قصصها كائنٌ غير سويّ، كائنٌ جنساني (إيروتيكي) تتحكم فيه غريزة الجنْس، وتهيمن على قواه العقلية، والجسدية، فلا تُبقي على شيء من قيمه الأخلاقية، ومعرفته العلمية، من حيث هو إنسان، وهذا في رأي الناقد، ينطوي على خطأ جسيم، وَخَلْط عظيم، إذ يتجاهلُ حقيقة لطالما أكدها علماءُ النفس، وفي مقدمتهم فرويد وهي أن الدافع الجنسي دافعٌ موجودٌ لدى الجنسين من بني الناس؛ الرجل والمرأة. فلِمَ يبدو الرجل في قصص الزهرة رميج حالة (إيروتيكية) خلافاً للمرأة؟ ويستطردُ الناقد مثبتًا، عن طريق الاقتباسات المتعددة من القصص «أنين الماء» وجودَ هذه المغالطة، التي أقلُّ ما يقال فيها إنها بعيدة عن الواقعِ بُعْدَها عن الإنصاف.
وتعرضُ البتول نجاجي لبعض قصص «أنين الماء» عرضًا انطباعيًا لا يخفي الإعجاب الشديد بأعمال الزهرة رميج. وهذه الانطباعيّة قد لا تخلو منها دراسة فاطمة خشاف، لمجموعة «يومِضُ البرق». أما دراسة محمد البغوري فهي أكثر انطباعية من أيِّ دراسة أخرى. وهي أقرب إلى الشهادة منها إلى الدراسة النقدية. وعنوانها يفصح عن هذه الانطباعية، فما معنى أن يقول الناقد في العنوان عن دراسته «مرشوشة بأريج الليل، ومنيرة بنجمة الصباح» إلخ.. فهو عنوان يبشّر القارئ بدراسة غزلية مفعمة بالتقريظ المجاني، يقول البغوري في ختام دراسته: « فالأديبة من طراز فنانة تحرص على أنْ تستمتع بكل ذرة من الجمال والروعة، تطرد القبح واللاجدوى، مهندسة مقتدرة على أن تحول الألوان السود إلى ألوان زاهية هنية، وساحِرة أخاذة. في صناعة أدبية وفنية غاية في الإبداع».
يقول هذا، وهو الذي يضنُّ علينا باقتباس واحدٍ من القصص يقوم شاهدًا على صحّة ما يقوله، ويؤكّدُه.
وهذا الكتابُ الذي يقع في 275 صفحة يخلو من التنبيه إلى مجموعة الكاتبة الأخيرة «صخرة سيزيف» (2014) ولم يتضمَّن غير دراسة واحدة عنها لكاتب هذه السطور افتُتِح بها تحتَ عنوان «صخرة سيزيف والتشكيل الدرامي للقصة القصيرة». ويخلو الكتابُ أيضًا من هوامش تعريف بالمشاركين، باستثناء إشارة واحدة تعرف بمحمد مساعدي، ويخلو الكتابُ أيضًا من فهرس بالمحتوى، ومن تعريف مختصَر بالكاتبة التي تدور حول أعمالها الدراسات.. على الرغم من أنَّ فيه عددًا من الشهادات وحوارًا صحافيًا أجراهُ معها عبدالله المتقي، ومسردًا لأعمالها المترجمة. ويفتقر الكتاب كذلك لقائمة بأسماء المشاركين فيه في غياب الفهرس. وهذه مؤشرات تنمُّ على التسرّع، وتدل على أن عبد العزيز الملُّوكي معده ومحرره – لم يجد الوقت الكافي لإعداده وتحريره، بما يليقُ بكاتبةٍ مغربيَّة لامعة ومترجمة، كالزهرة رميج.
......
٭ ناقد وأكاديمي من الأردن
تحتل الكاتبة المغربية الزهرة رميج موقعا متفردا بين كتاب القصة والرواية في المغرب، فقد صدرت لها مجموعات قصصية عدة منها: «أنين الماء» (2003) و»نجمة الصباح» (2006) و»عندما يومض البرق» (2008) و»أريج الليل» (2013) و»صخرة سيزيف» (2014) فضلا عن عدد من الروايات منها: «أخاديد الأسوار» (2007) و«عزوزة» (2010) و»الناجون» (2012) والغول الذي يلتهم نفسه (2013) إلا أن شهرتها في القصة القصيرة تتجاوز شهرتها روائية، بدليل الكتاب الذي صدر في المغرب مؤخرا عن «جماليات السرد في التجربة القصصية للزهرة رميج»، بمساهمة عدد غير قليل من الدارسين والنقاد الأكاديميين، أعده، وأشرف عليه، وبوب محتواه، عبد العزيز ملّوكي، وصدر عن جمعية الأنصار للثقافة بخنيفرة (2015).
ويحظى الكتاب بقيمة خاصة، وبأهمية لافتة في سياق ما يقال عن أن النقاد يتجنبون الخوض في القصة القصيرة، ويهجرونها إلى الرواية، ما شجع بعض الدارسين على القول إن هذا الفن الأدبي الرفيع الذي يعزى ابتكاره لنفر من الكتاب العالميين اللامعين من أمثال: جي دي موباسان الفرنسي، وأنطون تشيخوف الروسي، وسومرست موم البريطاني، وأدغار آلان بو Poe الأمريكي، في طريقه إلى الانقراض.
ويأتي هذا الكتاب بما يحتويه من دراسات معمقة موضوعها القصة القصيرة لينفي هذا الظن، ويكسر حدة هذا التوقع السلبي، وشؤم هذه النبوءة الخطرة، مؤكدا أن للقصة القصيرة كتابها المتميزين، ونقادها الذين لا يتخلون عنها، مثلما لا يتخلون عن الرواية، أو عن الشعر، أو عن المسرحية.
ولعل من بين الدراسات التي تشهد على هذه الحقيقة تلك الدراسة الوافية التي ساهم بها محمد مساعدي من جامعة سيدي محمد بن عبدالله في فاس حول إحدى قصص الكاتبة «أريجُ الليل» 2013 متخذا من قصة لغة الورد نموذجا تتراءى فيه ملامح التشكيل القصصي عند الزهرة رميج.
ففي هذه الدراسة يقف بنا الدارس إزاء ثنائية البياض والسواد، فأولهما يرمز للحب الذي تمثله بائعة الورود، وحرصُ العاشق اللاهث على إيقاع المعشوقة في حبائله، وفي الوقت نفسه يظل الحب يقاوم من أجل الحفاظ على وجوده بعيدا عن إغراءات الغريزة.
أما السواد فهو الذي يرمز لتغييب هذا الحب، وهيمنة العتمة والظلمة، ف»إذا غرُبَت الشمس، وهبت ريح المساء، وعاد العشاق إلى منازلهم، فمن هو الذي سيشتري باقة الورد الأخيرة؟». هذه القصة علاوة على أنها تمثل في نظر الدارس- تغَلُّب أنوار الحب على ضيق أفق الغريزة، فإنها أيضا رؤية شعرية لما ينبغي أن يكون عليه الشكل الأقصوصي. وهذا ما يتضح من خلال رصده لثنائية أخرى هي الليل والبحر، ولشيء آخر يساند هذه الثنائية، وهو ثنائية القفص، بما يرمز إليه من قيود تحد من حرية النورس وقدرته على التحليق، والنورس نفسه الذي يتحرر من القفص، عائدًا لفضاء الكون الطبيعي، محلقاً في الأعالي، ناشرًا جناحيه على المدى، مثلما تحب له الطبيعة أن يفعل، وأن يغوص في أعماق الأفق.
وبهذه الثنائيات تنصهر لدى الزهرة رميج عناصر رؤية قصصية لا تخلو من حوار، ولا تخلو من رموز، تعبر تارة عن حيرة العاشق، وتارة عن حيرة بائعة الورد، وتارة أخرى عن حيرة المعشوقة، وإغراقها في دائرة الصمت والقلق، الذي يسبق الانفراج.
وعن الصورة، وأبعادها، يكتب سعيد جبار دراسة أخرى، لكنها لا تتوقف عند «أريج الليل» ولا عند قصة من قصصها، وإنما يتناول فيها مجموعتها «نجمة الصباح» (2006) فهو يلاحظ هيمنة الصوت النسائي على قصص المجموعة المذكورة، فمن بين 19 قصة ثلاثُ فقط تدور حول شخوص من الرجال، في حين أن باقي القصص تغلب عليها شخصيات نسوية. وبصفة عامة تهيمن على هاتيك القصص مركزية السارد العليم، بمعنى أن المؤلفة تحافظ على مسافة ما بينها وبين الراوي في سائر القصص. وتغلب عليها أيضا صفة التواصل الداخلي، فعلى الرغم من أن كل قصة منها نصٌ مستقلٌ عن غيره، إلا أن ثمة خيطا رفيعًا ينتظم هذه النصوص، ويجعلها كالجسم الواحد بعضه يشد بعضه الآخر ويؤازره. فالمجموعة تضمُّ، في رأي الدارس، صورًا متفرقة في الظاهر، لكنها في نهاية المطاف تندمجُ وتتوحد، في صورة واحدة، لذا تقرأ هذه القصص بصفتها مجموعًا، وكلّا متكاملا، في غاية التناسق. وتبعا لذلك يسعى في ما تبقى من دراسته لتتبع أجزاء هذه الصورة، بما يؤكد ما بينها من تفاعل وتواشُج، أساسه أنها جميعا تحيلنا إلى مصدر واحد في السرد، وهو الذكرياتُ التي تنسج منها المؤلفة علاقاتٍ تضاعفُ أبعاد الصورة، وتوحِّد الذوات المتعددة، لتؤكد بذلك أنها جميعا تصور علاقة المرأة بذاتها في أثناء تصويرها لعلاقتها بالواقع.
ولا ريب في أنَّ قارئ هذا الكتاب يلاحظ تكرار الدراسات التي تدور حول «نجمة الصباح» فعن هذه المجموعة جاءت دراسة عبد الرحمن تمارة «جمالية الاختلاف وبطولة الألم» و»حفريات تأويلية» لعبدالله الحميمة و»الرغبة وعنف الواقع» لمحمد رمصيص، وانفرد محمد معتصم بدراسة عن مجموعة الكاتبة الأولى «أنينُ الماء» 2003. وبدلا من أن يصوب نظره لهواجس الكاتبة، وما تبثه عبر قصصها من رسائل، يصوبه نحو الطريقة (الشكل) المتبعة في بناء النصّ القصصي. إذ يرى في «أنين الماء» خيالا خصبا خلاقا يستعيد في القصص، ولاسيما في «أنا والعصفور» صورًا غنيَّة من عالم الطفولة، والأطفال. بينما تعتمد في قصص أخرى على «تكنيك» زوايا النظر أي: تعدُّد الأصوات في القصة القصيرة الواحدة.
وأيًا كان الأمر، فإن لمحمد معتصم مأخذًا على الزهرة رميج، التي لا تبرأ – قطعًا – مما يُؤخذ على بنات جنسها من الكاتبات، فالرجل في قصصها كائنٌ غير سويّ، كائنٌ جنساني (إيروتيكي) تتحكم فيه غريزة الجنْس، وتهيمن على قواه العقلية، والجسدية، فلا تُبقي على شيء من قيمه الأخلاقية، ومعرفته العلمية، من حيث هو إنسان، وهذا في رأي الناقد، ينطوي على خطأ جسيم، وَخَلْط عظيم، إذ يتجاهلُ حقيقة لطالما أكدها علماءُ النفس، وفي مقدمتهم فرويد وهي أن الدافع الجنسي دافعٌ موجودٌ لدى الجنسين من بني الناس؛ الرجل والمرأة. فلِمَ يبدو الرجل في قصص الزهرة رميج حالة (إيروتيكية) خلافاً للمرأة؟ ويستطردُ الناقد مثبتًا، عن طريق الاقتباسات المتعددة من القصص «أنين الماء» وجودَ هذه المغالطة، التي أقلُّ ما يقال فيها إنها بعيدة عن الواقعِ بُعْدَها عن الإنصاف.
وتعرضُ البتول نجاجي لبعض قصص «أنين الماء» عرضًا انطباعيًا لا يخفي الإعجاب الشديد بأعمال الزهرة رميج. وهذه الانطباعيّة قد لا تخلو منها دراسة فاطمة خشاف، لمجموعة «يومِضُ البرق». أما دراسة محمد البغوري فهي أكثر انطباعية من أيِّ دراسة أخرى. وهي أقرب إلى الشهادة منها إلى الدراسة النقدية. وعنوانها يفصح عن هذه الانطباعية، فما معنى أن يقول الناقد في العنوان عن دراسته «مرشوشة بأريج الليل، ومنيرة بنجمة الصباح» إلخ.. فهو عنوان يبشّر القارئ بدراسة غزلية مفعمة بالتقريظ المجاني، يقول البغوري في ختام دراسته: « فالأديبة من طراز فنانة تحرص على أنْ تستمتع بكل ذرة من الجمال والروعة، تطرد القبح واللاجدوى، مهندسة مقتدرة على أن تحول الألوان السود إلى ألوان زاهية هنية، وساحِرة أخاذة. في صناعة أدبية وفنية غاية في الإبداع».
يقول هذا، وهو الذي يضنُّ علينا باقتباس واحدٍ من القصص يقوم شاهدًا على صحّة ما يقوله، ويؤكّدُه.
وهذا الكتابُ الذي يقع في 275 صفحة يخلو من التنبيه إلى مجموعة الكاتبة الأخيرة «صخرة سيزيف» (2014) ولم يتضمَّن غير دراسة واحدة عنها لكاتب هذه السطور افتُتِح بها تحتَ عنوان «صخرة سيزيف والتشكيل الدرامي للقصة القصيرة». ويخلو الكتابُ أيضًا من هوامش تعريف بالمشاركين، باستثناء إشارة واحدة تعرف بمحمد مساعدي، ويخلو الكتابُ أيضًا من فهرس بالمحتوى، ومن تعريف مختصَر بالكاتبة التي تدور حول أعمالها الدراسات.. على الرغم من أنَّ فيه عددًا من الشهادات وحوارًا صحافيًا أجراهُ معها عبدالله المتقي، ومسردًا لأعمالها المترجمة. ويفتقر الكتاب كذلك لقائمة بأسماء المشاركين فيه في غياب الفهرس. وهذه مؤشرات تنمُّ على التسرّع، وتدل على أن عبد العزيز الملُّوكي معده ومحرره – لم يجد الوقت الكافي لإعداده وتحريره، بما يليقُ بكاتبةٍ مغربيَّة لامعة ومترجمة، كالزهرة رميج.
......
٭ ناقد وأكاديمي من الأردن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.