قطع المياه 6 ساعات ببعض مناطق الجيزة لتحويل خط رئيسي    فلسطين.. جيش الاحتلال ينفذ حملة دهم واسعة في بلدة المغير شمال شرق رام الله    سيف الإسلام القذافي يعلن دعمه لتشكيل حكومة جديدة في ليبيا    جوتيريش:نصف مليون شخص بغزة محاصرون في مجاعة    ضبط 50 محلًا بدون ترخيص وتنفيذ 40 حكمًا قضائيًا بحملة أمنية بالفيوم    لمحبي الآكلات الجديدة.. حضري «الفاصوليا البيضاء» على الطريقة التونسية (الخطوات والمكونات)    إنقاذ حياة مريض بعمل شق حنجري بمستشفى الجامعي بالمنوفية    جامعة أسوان تهنئ البروفيسور مجدي يعقوب لتكريمه من جمعية القلب الأمريكية    الجرام يسجل أقل من 3900 جنيها.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الانخفاض الجديد    كأس السوبر السعودي.. هونج كونج ترغب في استضافة النسخة المقبلة    عصابات الإتجار بالبشر| كشافون لاستدراج الضحايا واحتجازهم بشقق سكنية    بورسعيد.. أجمل شاطئ وأرخص مصيف| كيف كانت الحياة في المدينة الباسلة عام 1960؟    «مياه الأقصر» تسيطر على بقعة زيت فى مياه النيل دون تأثر المواطنين أو إنقطاع الخدمة    شريف حافظ: الحب هو المعنى في حد ذاته ولا يقبل التفسير... والنجاح مسؤولية يجب أن أكون مستعدًا لها    نوال الزغبي: ضحيت بالفن من أجل حماية أولادي بعد الطلاق    الأمم المتحدة تعلن المجاعة رسميًا.. ماذا يحدث في غزة؟    محمد النمكي: الطرق والغاز جعلت العبور مدينة صناعية جاذبة للاستثمار| فيديو    أهداف إنشاء صندوق دعم العمالة غير المنتظمة بقانون العمل الجديد    عميد تجارة القاهرة الأسبق: الجامعات الحكومية ما زالت الأفضل.. وهذه أسباب تفضيل البعض للخاصة    سهير جودة عن شيرين عبدالوهاب وحسام حبيب: «انفصال وعودة مزمنة.. متى تعود إلينا؟»    فيفي عبده تعلن وفاة الراقصة المعتزلة سهير مجدي    تنسيق دبلوم التجارة 2025.. قائمة الكليات والمعاهد المتاحة لطلاب 3 سنوات «رابط وموعد التسجيل»    أسوان يستضيف بلدية المحلة في الجولة الأولى بدوري المحترفين    سعر السمك البلطي والكابوريا والجمبري في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    «الأستانلس أم التيفال»: هل نوع حلة الطبخ يغير طعم أكلك؟    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه بحماس    أطعمة تسبب الصداع النصفي لدى النساء ونصائح للسيطرة عليه    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه    مدحت صالح يتألق بغناء حبيبى يا عاشق وزى المليونيرات بحفله فى مهرجان القلعة    رسميا.. جامعة الأزهر 2025 تفتتح أول كلية للبنات في مطروح وتعلن عن تخصصات جديدة    طارق فهمي: الإعلان الأممي عن تفشي المجاعة في غزة يعكس حجم الكارثة الإنسانية    التعليم تطلق دورات تدريبية لمعلمي الابتدائي على المناهج المطورة عبر منصة (CPD)    نشرة التوك شو| موجة حارة جديدة.. وشعبة السيارات تكشف سبب انخفاض الأسعار    رسميا.. مدرسة صناعة الطائرات تعلن قوائم القبول للعام الدراسي الجديد 2025/ 2026    رياضة ½ الليل| إيقاف تدريبات الزمالك.. كشف منشطات بالدوري.. تعديلات بالمباريات.. وتألق الفراعنة بالإمارات    مصدر ليلا كورة: كهربا وقع عقدا مع القادسية الكويتي    غزل المحلة يبدأ استعداداته لمواجهة الأهلي في الدوري.. صور    أول تعليق من النني بعد فوز الجزيرة على الشارقة بالدوري الإماراتي    استقالة وزير الخارجية الهولندي بسبب موقف بلاده من إسرائيل    إسرائيل تشن هجومًا على مخازن تابعة لحزب الله في لبنان    3 أبراج على موعد مع التفاؤل اليوم: عالم جديد يفتح الباب أمامهم ويتلقون أخبارا مشجعة    ارتفاع الكندوز 39 جنيها، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    وزير الري يشارك في جلسة "القدرة على الصمود في مواجهة التغير المناخي بقطاع المياه"    في ظهوره الأول مع تشيلسي، إستيفاو ويليان يدخل التاريخ في الدوري الإنجليزي (فيديو)    اليوم، دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ربيع الأول لعام 1447 هجريا    تشيلسي يقسو على وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي (فيديو)    مقتل عنصر من الأمن السورى فى هجوم انتحارى نفذه "داعش" بدير الزور    ظهور مفاجئ ل «منخفض الهند».. تحذير بشأن حالة الطقس اليوم: القاهرة تُسجل 40 مئوية    قدم لكلية الطب وسبقه القدر.. وفاة طالب أثناء تركيبه ميكروفون لمسجد في قنا    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 23 أغسطس 2025    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    هل إفشاء السر بدون قصد خيانة أمانة وما حكمه؟ أمين الفتوى يجيب    خدعوك فقالوا: «الرزق مال»    ثورة جديدة بتطوير المناهج «2»    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    شنوان.. القرية التي جعلت من القلقاس جواز سفر إلى العالم| صور    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الزهرة رميج وعودة الاهتمام النقدي بالقصة القصيرة
نشر في صوت البلد يوم 29 - 01 - 2017

تحتل الكاتبة المغربية الزهرة رميج موقعا متفردا بين كتاب القصة والرواية في المغرب، فقد صدرت لها مجموعات قصصية عدة منها: «أنين الماء» (2003) و»نجمة الصباح» (2006) و»عندما يومض البرق» (2008) و»أريج الليل» (2013) و»صخرة سيزيف» (2014) فضلا عن عدد من الروايات منها: «أخاديد الأسوار» (2007) و«عزوزة» (2010) و»الناجون» (2012) والغول الذي يلتهم نفسه (2013) إلا أن شهرتها في القصة القصيرة تتجاوز شهرتها روائية، بدليل الكتاب الذي صدر في المغرب مؤخرا عن «جماليات السرد في التجربة القصصية للزهرة رميج»، بمساهمة عدد غير قليل من الدارسين والنقاد الأكاديميين، أعده، وأشرف عليه، وبوب محتواه، عبد العزيز ملّوكي، وصدر عن جمعية الأنصار للثقافة بخنيفرة (2015).
ويحظى الكتاب بقيمة خاصة، وبأهمية لافتة في سياق ما يقال عن أن النقاد يتجنبون الخوض في القصة القصيرة، ويهجرونها إلى الرواية، ما شجع بعض الدارسين على القول إن هذا الفن الأدبي الرفيع الذي يعزى ابتكاره لنفر من الكتاب العالميين اللامعين من أمثال: جي دي موباسان الفرنسي، وأنطون تشيخوف الروسي، وسومرست موم البريطاني، وأدغار آلان بو Poe الأمريكي، في طريقه إلى الانقراض.
ويأتي هذا الكتاب بما يحتويه من دراسات معمقة موضوعها القصة القصيرة لينفي هذا الظن، ويكسر حدة هذا التوقع السلبي، وشؤم هذه النبوءة الخطرة، مؤكدا أن للقصة القصيرة كتابها المتميزين، ونقادها الذين لا يتخلون عنها، مثلما لا يتخلون عن الرواية، أو عن الشعر، أو عن المسرحية.
ولعل من بين الدراسات التي تشهد على هذه الحقيقة تلك الدراسة الوافية التي ساهم بها محمد مساعدي من جامعة سيدي محمد بن عبدالله في فاس حول إحدى قصص الكاتبة «أريجُ الليل» 2013 متخذا من قصة لغة الورد نموذجا تتراءى فيه ملامح التشكيل القصصي عند الزهرة رميج.
ففي هذه الدراسة يقف بنا الدارس إزاء ثنائية البياض والسواد، فأولهما يرمز للحب الذي تمثله بائعة الورود، وحرصُ العاشق اللاهث على إيقاع المعشوقة في حبائله، وفي الوقت نفسه يظل الحب يقاوم من أجل الحفاظ على وجوده بعيدا عن إغراءات الغريزة.
أما السواد فهو الذي يرمز لتغييب هذا الحب، وهيمنة العتمة والظلمة، ف»إذا غرُبَت الشمس، وهبت ريح المساء، وعاد العشاق إلى منازلهم، فمن هو الذي سيشتري باقة الورد الأخيرة؟». هذه القصة علاوة على أنها تمثل في نظر الدارس- تغَلُّب أنوار الحب على ضيق أفق الغريزة، فإنها أيضا رؤية شعرية لما ينبغي أن يكون عليه الشكل الأقصوصي. وهذا ما يتضح من خلال رصده لثنائية أخرى هي الليل والبحر، ولشيء آخر يساند هذه الثنائية، وهو ثنائية القفص، بما يرمز إليه من قيود تحد من حرية النورس وقدرته على التحليق، والنورس نفسه الذي يتحرر من القفص، عائدًا لفضاء الكون الطبيعي، محلقاً في الأعالي، ناشرًا جناحيه على المدى، مثلما تحب له الطبيعة أن يفعل، وأن يغوص في أعماق الأفق.
وبهذه الثنائيات تنصهر لدى الزهرة رميج عناصر رؤية قصصية لا تخلو من حوار، ولا تخلو من رموز، تعبر تارة عن حيرة العاشق، وتارة عن حيرة بائعة الورد، وتارة أخرى عن حيرة المعشوقة، وإغراقها في دائرة الصمت والقلق، الذي يسبق الانفراج.
وعن الصورة، وأبعادها، يكتب سعيد جبار دراسة أخرى، لكنها لا تتوقف عند «أريج الليل» ولا عند قصة من قصصها، وإنما يتناول فيها مجموعتها «نجمة الصباح» (2006) فهو يلاحظ هيمنة الصوت النسائي على قصص المجموعة المذكورة، فمن بين 19 قصة ثلاثُ فقط تدور حول شخوص من الرجال، في حين أن باقي القصص تغلب عليها شخصيات نسوية. وبصفة عامة تهيمن على هاتيك القصص مركزية السارد العليم، بمعنى أن المؤلفة تحافظ على مسافة ما بينها وبين الراوي في سائر القصص. وتغلب عليها أيضا صفة التواصل الداخلي، فعلى الرغم من أن كل قصة منها نصٌ مستقلٌ عن غيره، إلا أن ثمة خيطا رفيعًا ينتظم هذه النصوص، ويجعلها كالجسم الواحد بعضه يشد بعضه الآخر ويؤازره. فالمجموعة تضمُّ، في رأي الدارس، صورًا متفرقة في الظاهر، لكنها في نهاية المطاف تندمجُ وتتوحد، في صورة واحدة، لذا تقرأ هذه القصص بصفتها مجموعًا، وكلّا متكاملا، في غاية التناسق. وتبعا لذلك يسعى في ما تبقى من دراسته لتتبع أجزاء هذه الصورة، بما يؤكد ما بينها من تفاعل وتواشُج، أساسه أنها جميعا تحيلنا إلى مصدر واحد في السرد، وهو الذكرياتُ التي تنسج منها المؤلفة علاقاتٍ تضاعفُ أبعاد الصورة، وتوحِّد الذوات المتعددة، لتؤكد بذلك أنها جميعا تصور علاقة المرأة بذاتها في أثناء تصويرها لعلاقتها بالواقع.
ولا ريب في أنَّ قارئ هذا الكتاب يلاحظ تكرار الدراسات التي تدور حول «نجمة الصباح» فعن هذه المجموعة جاءت دراسة عبد الرحمن تمارة «جمالية الاختلاف وبطولة الألم» و»حفريات تأويلية» لعبدالله الحميمة و»الرغبة وعنف الواقع» لمحمد رمصيص، وانفرد محمد معتصم بدراسة عن مجموعة الكاتبة الأولى «أنينُ الماء» 2003. وبدلا من أن يصوب نظره لهواجس الكاتبة، وما تبثه عبر قصصها من رسائل، يصوبه نحو الطريقة (الشكل) المتبعة في بناء النصّ القصصي. إذ يرى في «أنين الماء» خيالا خصبا خلاقا يستعيد في القصص، ولاسيما في «أنا والعصفور» صورًا غنيَّة من عالم الطفولة، والأطفال. بينما تعتمد في قصص أخرى على «تكنيك» زوايا النظر أي: تعدُّد الأصوات في القصة القصيرة الواحدة.
وأيًا كان الأمر، فإن لمحمد معتصم مأخذًا على الزهرة رميج، التي لا تبرأ – قطعًا – مما يُؤخذ على بنات جنسها من الكاتبات، فالرجل في قصصها كائنٌ غير سويّ، كائنٌ جنساني (إيروتيكي) تتحكم فيه غريزة الجنْس، وتهيمن على قواه العقلية، والجسدية، فلا تُبقي على شيء من قيمه الأخلاقية، ومعرفته العلمية، من حيث هو إنسان، وهذا في رأي الناقد، ينطوي على خطأ جسيم، وَخَلْط عظيم، إذ يتجاهلُ حقيقة لطالما أكدها علماءُ النفس، وفي مقدمتهم فرويد وهي أن الدافع الجنسي دافعٌ موجودٌ لدى الجنسين من بني الناس؛ الرجل والمرأة. فلِمَ يبدو الرجل في قصص الزهرة رميج حالة (إيروتيكية) خلافاً للمرأة؟ ويستطردُ الناقد مثبتًا، عن طريق الاقتباسات المتعددة من القصص «أنين الماء» وجودَ هذه المغالطة، التي أقلُّ ما يقال فيها إنها بعيدة عن الواقعِ بُعْدَها عن الإنصاف.
وتعرضُ البتول نجاجي لبعض قصص «أنين الماء» عرضًا انطباعيًا لا يخفي الإعجاب الشديد بأعمال الزهرة رميج. وهذه الانطباعيّة قد لا تخلو منها دراسة فاطمة خشاف، لمجموعة «يومِضُ البرق». أما دراسة محمد البغوري فهي أكثر انطباعية من أيِّ دراسة أخرى. وهي أقرب إلى الشهادة منها إلى الدراسة النقدية. وعنوانها يفصح عن هذه الانطباعية، فما معنى أن يقول الناقد في العنوان عن دراسته «مرشوشة بأريج الليل، ومنيرة بنجمة الصباح» إلخ.. فهو عنوان يبشّر القارئ بدراسة غزلية مفعمة بالتقريظ المجاني، يقول البغوري في ختام دراسته: « فالأديبة من طراز فنانة تحرص على أنْ تستمتع بكل ذرة من الجمال والروعة، تطرد القبح واللاجدوى، مهندسة مقتدرة على أن تحول الألوان السود إلى ألوان زاهية هنية، وساحِرة أخاذة. في صناعة أدبية وفنية غاية في الإبداع».
يقول هذا، وهو الذي يضنُّ علينا باقتباس واحدٍ من القصص يقوم شاهدًا على صحّة ما يقوله، ويؤكّدُه.
وهذا الكتابُ الذي يقع في 275 صفحة يخلو من التنبيه إلى مجموعة الكاتبة الأخيرة «صخرة سيزيف» (2014) ولم يتضمَّن غير دراسة واحدة عنها لكاتب هذه السطور افتُتِح بها تحتَ عنوان «صخرة سيزيف والتشكيل الدرامي للقصة القصيرة». ويخلو الكتابُ أيضًا من هوامش تعريف بالمشاركين، باستثناء إشارة واحدة تعرف بمحمد مساعدي، ويخلو الكتابُ أيضًا من فهرس بالمحتوى، ومن تعريف مختصَر بالكاتبة التي تدور حول أعمالها الدراسات.. على الرغم من أنَّ فيه عددًا من الشهادات وحوارًا صحافيًا أجراهُ معها عبدالله المتقي، ومسردًا لأعمالها المترجمة. ويفتقر الكتاب كذلك لقائمة بأسماء المشاركين فيه في غياب الفهرس. وهذه مؤشرات تنمُّ على التسرّع، وتدل على أن عبد العزيز الملُّوكي معده ومحرره – لم يجد الوقت الكافي لإعداده وتحريره، بما يليقُ بكاتبةٍ مغربيَّة لامعة ومترجمة، كالزهرة رميج.
......
٭ ناقد وأكاديمي من الأردن
تحتل الكاتبة المغربية الزهرة رميج موقعا متفردا بين كتاب القصة والرواية في المغرب، فقد صدرت لها مجموعات قصصية عدة منها: «أنين الماء» (2003) و»نجمة الصباح» (2006) و»عندما يومض البرق» (2008) و»أريج الليل» (2013) و»صخرة سيزيف» (2014) فضلا عن عدد من الروايات منها: «أخاديد الأسوار» (2007) و«عزوزة» (2010) و»الناجون» (2012) والغول الذي يلتهم نفسه (2013) إلا أن شهرتها في القصة القصيرة تتجاوز شهرتها روائية، بدليل الكتاب الذي صدر في المغرب مؤخرا عن «جماليات السرد في التجربة القصصية للزهرة رميج»، بمساهمة عدد غير قليل من الدارسين والنقاد الأكاديميين، أعده، وأشرف عليه، وبوب محتواه، عبد العزيز ملّوكي، وصدر عن جمعية الأنصار للثقافة بخنيفرة (2015).
ويحظى الكتاب بقيمة خاصة، وبأهمية لافتة في سياق ما يقال عن أن النقاد يتجنبون الخوض في القصة القصيرة، ويهجرونها إلى الرواية، ما شجع بعض الدارسين على القول إن هذا الفن الأدبي الرفيع الذي يعزى ابتكاره لنفر من الكتاب العالميين اللامعين من أمثال: جي دي موباسان الفرنسي، وأنطون تشيخوف الروسي، وسومرست موم البريطاني، وأدغار آلان بو Poe الأمريكي، في طريقه إلى الانقراض.
ويأتي هذا الكتاب بما يحتويه من دراسات معمقة موضوعها القصة القصيرة لينفي هذا الظن، ويكسر حدة هذا التوقع السلبي، وشؤم هذه النبوءة الخطرة، مؤكدا أن للقصة القصيرة كتابها المتميزين، ونقادها الذين لا يتخلون عنها، مثلما لا يتخلون عن الرواية، أو عن الشعر، أو عن المسرحية.
ولعل من بين الدراسات التي تشهد على هذه الحقيقة تلك الدراسة الوافية التي ساهم بها محمد مساعدي من جامعة سيدي محمد بن عبدالله في فاس حول إحدى قصص الكاتبة «أريجُ الليل» 2013 متخذا من قصة لغة الورد نموذجا تتراءى فيه ملامح التشكيل القصصي عند الزهرة رميج.
ففي هذه الدراسة يقف بنا الدارس إزاء ثنائية البياض والسواد، فأولهما يرمز للحب الذي تمثله بائعة الورود، وحرصُ العاشق اللاهث على إيقاع المعشوقة في حبائله، وفي الوقت نفسه يظل الحب يقاوم من أجل الحفاظ على وجوده بعيدا عن إغراءات الغريزة.
أما السواد فهو الذي يرمز لتغييب هذا الحب، وهيمنة العتمة والظلمة، ف»إذا غرُبَت الشمس، وهبت ريح المساء، وعاد العشاق إلى منازلهم، فمن هو الذي سيشتري باقة الورد الأخيرة؟». هذه القصة علاوة على أنها تمثل في نظر الدارس- تغَلُّب أنوار الحب على ضيق أفق الغريزة، فإنها أيضا رؤية شعرية لما ينبغي أن يكون عليه الشكل الأقصوصي. وهذا ما يتضح من خلال رصده لثنائية أخرى هي الليل والبحر، ولشيء آخر يساند هذه الثنائية، وهو ثنائية القفص، بما يرمز إليه من قيود تحد من حرية النورس وقدرته على التحليق، والنورس نفسه الذي يتحرر من القفص، عائدًا لفضاء الكون الطبيعي، محلقاً في الأعالي، ناشرًا جناحيه على المدى، مثلما تحب له الطبيعة أن يفعل، وأن يغوص في أعماق الأفق.
وبهذه الثنائيات تنصهر لدى الزهرة رميج عناصر رؤية قصصية لا تخلو من حوار، ولا تخلو من رموز، تعبر تارة عن حيرة العاشق، وتارة عن حيرة بائعة الورد، وتارة أخرى عن حيرة المعشوقة، وإغراقها في دائرة الصمت والقلق، الذي يسبق الانفراج.
وعن الصورة، وأبعادها، يكتب سعيد جبار دراسة أخرى، لكنها لا تتوقف عند «أريج الليل» ولا عند قصة من قصصها، وإنما يتناول فيها مجموعتها «نجمة الصباح» (2006) فهو يلاحظ هيمنة الصوت النسائي على قصص المجموعة المذكورة، فمن بين 19 قصة ثلاثُ فقط تدور حول شخوص من الرجال، في حين أن باقي القصص تغلب عليها شخصيات نسوية. وبصفة عامة تهيمن على هاتيك القصص مركزية السارد العليم، بمعنى أن المؤلفة تحافظ على مسافة ما بينها وبين الراوي في سائر القصص. وتغلب عليها أيضا صفة التواصل الداخلي، فعلى الرغم من أن كل قصة منها نصٌ مستقلٌ عن غيره، إلا أن ثمة خيطا رفيعًا ينتظم هذه النصوص، ويجعلها كالجسم الواحد بعضه يشد بعضه الآخر ويؤازره. فالمجموعة تضمُّ، في رأي الدارس، صورًا متفرقة في الظاهر، لكنها في نهاية المطاف تندمجُ وتتوحد، في صورة واحدة، لذا تقرأ هذه القصص بصفتها مجموعًا، وكلّا متكاملا، في غاية التناسق. وتبعا لذلك يسعى في ما تبقى من دراسته لتتبع أجزاء هذه الصورة، بما يؤكد ما بينها من تفاعل وتواشُج، أساسه أنها جميعا تحيلنا إلى مصدر واحد في السرد، وهو الذكرياتُ التي تنسج منها المؤلفة علاقاتٍ تضاعفُ أبعاد الصورة، وتوحِّد الذوات المتعددة، لتؤكد بذلك أنها جميعا تصور علاقة المرأة بذاتها في أثناء تصويرها لعلاقتها بالواقع.
ولا ريب في أنَّ قارئ هذا الكتاب يلاحظ تكرار الدراسات التي تدور حول «نجمة الصباح» فعن هذه المجموعة جاءت دراسة عبد الرحمن تمارة «جمالية الاختلاف وبطولة الألم» و»حفريات تأويلية» لعبدالله الحميمة و»الرغبة وعنف الواقع» لمحمد رمصيص، وانفرد محمد معتصم بدراسة عن مجموعة الكاتبة الأولى «أنينُ الماء» 2003. وبدلا من أن يصوب نظره لهواجس الكاتبة، وما تبثه عبر قصصها من رسائل، يصوبه نحو الطريقة (الشكل) المتبعة في بناء النصّ القصصي. إذ يرى في «أنين الماء» خيالا خصبا خلاقا يستعيد في القصص، ولاسيما في «أنا والعصفور» صورًا غنيَّة من عالم الطفولة، والأطفال. بينما تعتمد في قصص أخرى على «تكنيك» زوايا النظر أي: تعدُّد الأصوات في القصة القصيرة الواحدة.
وأيًا كان الأمر، فإن لمحمد معتصم مأخذًا على الزهرة رميج، التي لا تبرأ – قطعًا – مما يُؤخذ على بنات جنسها من الكاتبات، فالرجل في قصصها كائنٌ غير سويّ، كائنٌ جنساني (إيروتيكي) تتحكم فيه غريزة الجنْس، وتهيمن على قواه العقلية، والجسدية، فلا تُبقي على شيء من قيمه الأخلاقية، ومعرفته العلمية، من حيث هو إنسان، وهذا في رأي الناقد، ينطوي على خطأ جسيم، وَخَلْط عظيم، إذ يتجاهلُ حقيقة لطالما أكدها علماءُ النفس، وفي مقدمتهم فرويد وهي أن الدافع الجنسي دافعٌ موجودٌ لدى الجنسين من بني الناس؛ الرجل والمرأة. فلِمَ يبدو الرجل في قصص الزهرة رميج حالة (إيروتيكية) خلافاً للمرأة؟ ويستطردُ الناقد مثبتًا، عن طريق الاقتباسات المتعددة من القصص «أنين الماء» وجودَ هذه المغالطة، التي أقلُّ ما يقال فيها إنها بعيدة عن الواقعِ بُعْدَها عن الإنصاف.
وتعرضُ البتول نجاجي لبعض قصص «أنين الماء» عرضًا انطباعيًا لا يخفي الإعجاب الشديد بأعمال الزهرة رميج. وهذه الانطباعيّة قد لا تخلو منها دراسة فاطمة خشاف، لمجموعة «يومِضُ البرق». أما دراسة محمد البغوري فهي أكثر انطباعية من أيِّ دراسة أخرى. وهي أقرب إلى الشهادة منها إلى الدراسة النقدية. وعنوانها يفصح عن هذه الانطباعية، فما معنى أن يقول الناقد في العنوان عن دراسته «مرشوشة بأريج الليل، ومنيرة بنجمة الصباح» إلخ.. فهو عنوان يبشّر القارئ بدراسة غزلية مفعمة بالتقريظ المجاني، يقول البغوري في ختام دراسته: « فالأديبة من طراز فنانة تحرص على أنْ تستمتع بكل ذرة من الجمال والروعة، تطرد القبح واللاجدوى، مهندسة مقتدرة على أن تحول الألوان السود إلى ألوان زاهية هنية، وساحِرة أخاذة. في صناعة أدبية وفنية غاية في الإبداع».
يقول هذا، وهو الذي يضنُّ علينا باقتباس واحدٍ من القصص يقوم شاهدًا على صحّة ما يقوله، ويؤكّدُه.
وهذا الكتابُ الذي يقع في 275 صفحة يخلو من التنبيه إلى مجموعة الكاتبة الأخيرة «صخرة سيزيف» (2014) ولم يتضمَّن غير دراسة واحدة عنها لكاتب هذه السطور افتُتِح بها تحتَ عنوان «صخرة سيزيف والتشكيل الدرامي للقصة القصيرة». ويخلو الكتابُ أيضًا من هوامش تعريف بالمشاركين، باستثناء إشارة واحدة تعرف بمحمد مساعدي، ويخلو الكتابُ أيضًا من فهرس بالمحتوى، ومن تعريف مختصَر بالكاتبة التي تدور حول أعمالها الدراسات.. على الرغم من أنَّ فيه عددًا من الشهادات وحوارًا صحافيًا أجراهُ معها عبدالله المتقي، ومسردًا لأعمالها المترجمة. ويفتقر الكتاب كذلك لقائمة بأسماء المشاركين فيه في غياب الفهرس. وهذه مؤشرات تنمُّ على التسرّع، وتدل على أن عبد العزيز الملُّوكي معده ومحرره – لم يجد الوقت الكافي لإعداده وتحريره، بما يليقُ بكاتبةٍ مغربيَّة لامعة ومترجمة، كالزهرة رميج.
......
٭ ناقد وأكاديمي من الأردن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.