الجندي يشدد على ضرورة تطوير أساليب إعداد وإخراج المحتوى العلمي لمجمع البحوث الإسلاميَّة    "الإنتاج الحربي" تكشف 10 معلومات عن المدرعة الجديدة (سينا 200)    عائلات الأسرى الإسرائيليين تحتج للمطالبة بوقف الحرب في غزة وعودة ذويهم    زلزال بقوة 6 درجات يضرب المحيط الهادئ قبالة سواحل السلفادور وجواتيمالا    الدوري الإنجليزي، برينتفورد يتقدم على أستون فيلا 1-0 في الشوط الأول    مصرع طفلة سقطت من الطابق الثاني بحدائق أكتوبر    شيرين عبد الوهاب تحرر محضرا لإلغاء التوكيل من محاميها ياسر قنطوش    صلاح عبد العاطي: إسرائيل تماطل في المفاوضات ومصر تكثف جهودها لوقف إطلاق النار    داعية: سيدنا النبي لم يكن عابسًا وكان مُتبَلِّجَ الوجه    بحوث الصحراء.. دعم فني وإرشادي لمزارعي التجمعات الزراعية في سيناء    إسماعيل يوسف مديرا لشؤون الكرة في الاتحاد الليبي    مؤتمر ألونسو: هذا سبب تخطيط ملعب التدريبات.. وموقفنا من الانتقالات    إسلام جابر: لم أتوقع انتقال إمام عاشور للأهلي.. ولا أعرف موقف مصطفى محمد من الانتقال إليه    إسلام جابر: تجربة الزمالك الأفضل في مسيرتي.. ولست نادما على عدم الانتقال للأهلي    15 صورة.. البابا تواضروس يدشن كنيسة الشهيد مارمينا بفلمنج شرق الإسكندرية    قيادي بمستقبل وطن: تحركات الإخوان ضد السفارات المصرية محاولة بائسة ومشبوهة    مصر القومي: الاعتداء على السفارات المصرية امتداد لمخططات الإخوان لتشويه صورة الدولة    إزالة لمزرعة سمكية مخالفة بجوار "محور 30" على مساحة 10 أفدنة بمركز الحسينية    صور.. 771 مستفيدًا من قافلة جامعة القاهرة في الحوامدية    "عبد الغفار" يتابع استعدادات "المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية -3"    وزارة الصحة تقدم 314 ألف خدمة طبية مجانية عبر 143 قافلة بجميع المحافظات    الموت يغيب عميد القضاء العرفي الشيخ يحيى الغول الشهير ب "حكيم سيناء" بعد صراع مع المرض    50 ألف مشجع لمباراة مصر وإثيوبيا في تصفيات كأس العالم    "قصص متفوتكش".. رسالة غامضة من زوجة النني الأولى.. ومقاضاة مدرب الأهلي السابق بسبب العمولات    «تعليم أسوان» تعلن عن فرص عمل للمعلمين بنظام الحصة.. الشروط والأوراق المطلوبة    الداخلية تكشف ملابسات اعتداء "سايس" على قائد دراجة نارية بالقاهرة    وزارة النقل تناشد المواطنين عدم اقتحام المزلقانات أو السير عكس الاتجاه أثناء غلقها    «لازم إشارات وتحاليل للسائقين».. تامر حسني يناشد المسؤولين بعد حادث طريق الضبعة    مصر ترحب بخارطة الطريق الأممية لتسوية الأزمة الليبية    وزير الدفاع الأمريكي يجيز ل2000 من الحرس الوطني حمل السلاح.. ما الهدف؟    وفاة سهير مجدي .. وفيفي عبده تنعيها    تم تصويره بالأهرامات.. قصة فيلم Fountain of Youth بعد ترشحه لجوائز LMGI 2025    مؤسسة فاروق حسني تطلق الدورة ال7 لجوائز الفنون لعام 2026    قلق داخلي بشأن صديق بعيد.. برج الجدي اليوم 23 أغسطس    غدا.. قصور الثقافة تطلق ملتقى دهب العربي الأول للرسم والتصوير بمشاركة 20 فنانا    وزير العمل يتفقد وحدتي تدريب متنقلتين قبل تشغيلهما غدا بالغربية    موعد إجازة المولد النبوي 2025.. أجندة الإجازات الرسمية المتبقية للموظفين    كيف تكون مستجابا للدعاء؟.. واعظة بالأزهر توضح    «المركزي لمتبقيات المبيدات» ينظم ورشة عمل لمنتجي ومصدري الطماطم بالشرقية    منال عوض تناقش استعدادات استضافة مؤتمر الأطراف ال24 لحماية بيئة البحر الأبيض المتوسط من التلوث    وزارة الأوقاف 13 قافلة دعوية وإنسانية ضمن برنامج "قوافل الرحمة والمواساة"    رئيس «الرعاية الصحية»: تقديم أكثر من 2.5 مليون خدمة طبية بمستشفيات الهيئة في جنوب سيناء    قافلة حياة كريمة تقدم خدماتها الطبية المجانية لأكثر من 1050 مواطنا بقرية عزاقة في المنيا    إعلام إسرائيلي: محتجون يعترضون طريق بن جفير ويرفعون صور المحتجزين في غزة    طقس الإمارات اليوم.. غيوم جزئية ورياح مثيرة للغبار على هذه المناطق    8 وفيات نتيجة المجاعة وسوء التغذية في قطاع غزة خلال ال24 ساعة الماضية    محاضرة فنية وتدريبات خططية في مران الأهلي استعدادًا للمحلة    نور القلوب يضىء المنصورة.. 4 من ذوى البصيرة يبدعون فى مسابقة دولة التلاوة    مصر تستضيف النسخة الأولى من قمة ومعرض "عالم الذكاء الاصطناعي" فبراير المقبل    حملة مكبرة لإزالة إشغالات الباعة الجائلين والتعديات على الطريق بمدينة أبوتيج بأسيوط    تحرير 125 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    "يونيسيف" تطالب إسرائيل بالوفاء بالتزاماتها والسماح بدخول المساعدات بالكميات اللازمة لغزة    الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    إعلام فلسطينى: مصابون من منتظرى المساعدات شمال رفح الفلسطينية    تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    «مياه الأقصر» تسيطر على بقعة زيت فى مياه النيل دون تأثر المواطنين أو إنقطاع الخدمة    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حدود «شهوة السّرد» لسعدية مفرح.. ورهان التأريخ
نشر في صوت البلد يوم 25 - 01 - 2017

تقوم القراءات العاشقة التي ينجزها صحافيون، شعراء، وروائيون حول نصوص المشتركين معهم في الأفق الكتابي نفسه، على التذوقية التي يمتحونها من خلال خبرتهم الجمالية المستمدة من معايشتهم تلك الأجناس مراسا، التي، أي التذوقية، تستغرق ممكنات التحليل والتأويل دون ضرورة الخضوع لتقنوية الأدوات النقدية التي تتأطر، بقوة، ضمن جهاز مفهومي مرتبط بدوره بإبدال منهجي أو فكري (تاريخي، ماركسي، بنيوي، سيميائي، ثقافي، أنثروبولوجي) كما هو شأن الدراسات الأكاديمية. إن الأمر، بالأولى، هنا، إسقاط لتصورات الذات العاشقة على الموضوع، ورغم ما يعتقد من افتقاده، أي الإسقاط، لقدرات الإقناع الناجمة عن الجهد البحثي المستعرض، وعن انتظامية المقاربة وارتباطها باستراتجية نقدية معينة، فإن ذلك لا يعني بأي حال أن تكون القراءات العاشقة مقتصرة على متعة التقديم فقط، إذ إننا نرى أنها تؤدي رهاناً نوعياً وضرورياً هو توثيق التجارب الإبداعية في حقبة ما وحيّز ثقافي معين.
وكتاب «شهوة السرد: هوامش على حافة التأويل» الصادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون، للشاعرة والكاتبة الكويتية سعدية مفرّح، يؤدي وظيفة التوثيق والتأريخ المدغومين بفائض المتعة، إذ كلما تقدم القارئ في تصفحه فإنه يتعرف على أسماء سردية جديدة من جيل الشباب ومن الكويت على الخصوص، التي ارتبط إنجازها السردي بأعمال الروائي إسماعيل فهد إسماعيل، وطالب الرفاعي، ثم مؤخرا برائعة سعود السنعوسي «ساق البامبو» التي نبهت، بقوة، إلى الرواية الكويتية وأحاطتها بضوء النقد والإعلام أكثر، مع تحقيق إشباع لحاجته الجمالية بحافز من اللغة الشعرية التي كُتبت بها القراءات.
وليس مناط هذه القراءة كشف البعد التوثيقي لأسماء سردية تنتمي إلى أحياز ثقافية (سردية) عربية قُتلت بحثا وتأريخا تعرضت لها السعدية مفرح، كنجيب محفوظ، مي زيادة، أحمد أمين، صلاح نيازي، صافيناز كاظم، غادة السمان، غازي القصيبي، جبران خليل جبران، علاء الأسواني وغابرييل غارسيا ماركيز، وإنما اكتشاف المنجز السردي الكويتي بوساطة عينٍ إبداعية محلية وعارفة؛ لأسباب وجيهة، هو كون السعدية مفرح تنتمي إلى المنظومة الثقافية نفسها، وكانت، لها في الغالب، علاقات إنسانية مع كتاب هذه المنظومة، فضلاً عن أفقها الثقافي متجسدا في امتهان الكتابة الصحافية. وإذن، هي عوامل تسعفنا في حيازة أقدر من معارف تاريخية دقيقة عن هذا المنجز.
حدود شهوة السّرد
يقع كتاب «شهوة السرد» في مئتين وخمسة وخمسين صفحة من الحجم المتوسط، ويتوزع إلى أربعة فصول هي (هوامش على كتابة الذات، هوامش على كتابة الرواية، هوامش على كتابة القصة القصيرة، وهامش في التوثيق)، بمعنى أنه يتناول مختلف الأشكال السردية الحديثة، سواء كانت سيرية أم تخييلية بميتا – لغة مُتنضدِة في بنية نصية تختلف من حيث طولها وطبيعتها، إذ بعض القراءات مناط الكتاب، كانت قد نُشرت في صحف ومجلات وبعضها الآخر كان تقديماً لنصوص إبداعية روائية وقصصية. وكما نعلم، فإن التقديم، في الغالب، يتحول إلى تقريظ، مادام مشبعا بفائض الإشهارية التي يتوقعها صاحب الكاتب والقارئ معاً، ونادرا ما ينكسر هذا الأفق المتواضَع عليه في كثير من تقديمات الكتب. ولذلك نفهم لماذا يُستعاض عن كشف الهنات بالتشجيع، مع التبئير على مناطق الضوء بمرايا مُحدَّبة تركز على ما يزيد من قيمة النص، دون أن تقع في المجاملة القاتلة، في هذا الصدد قدمت مفرّح رواية «امرأة وظلان» لخلود خميس معتبرة إياها رواية ممتعة وفيها إبداع، مشيرة إلى أن موضوعها هو «عوالم سحرية متداخلة ومتأججة تنفتح نوافذها الكثيرة على مشهد كويتي متحرك». وفي تقديمها لرواية ناصر الظفيري «سماء مقلوبة» أكدت على قدرته على التحكم في خيوط السرد وتنويع روافده، مستعينة بعبارات التشجيع والدعم من قبيل قولها «إن ناصر الظفيري إضافة مهمة ومطلوبة إلى الفضاء الروائي المفتوح على كل تجديد وتجريب». أما في كلمتها التقديمية لرواية «سعار» لبثينة العيسى، فركزت السعدية مفرح على تميزها برهافة اللغة وطرح أسئلة تدور في فضاء من القلق الوجودي.
إن التقديم كما في الأمثلة التي سقناها يختص بمسعى التقريظ، ولم تختر سعدية مفرح أن تجعل من تقديمها محاورة نقدية تسائل بنيات النصوص الفنية أو الثقافية، في محاولة لخدمة نصوص جديدة وتقديم ما يصنع لذاذتها ومن ثم مرورها إلى التلقي بما يحتاجه من صنع الحاجة الجمالي والشغف بالجديد عند القارئ، بالقياس إلى القراءات التي أنجزتها، مثلاً، في مشروع الروائي إسماعيل فهد إسماعيل الذي أشارتْ إلى أن رواياته «تستقصي التاريخ والماضي الذي حدث بالفعل مع التطلع إلى المستقبل»، ناهيك عمّا اعتبرته تعويذة ضد الزمن تسعى إليها أعماله. ولقد استغورت السعدية مفرح الثيمات الكبرى التي حفلت بها المجموعة القصصية «يحدث كل ليلة» لليلى العثمان، حيث رصدت فيها شيوع وحشية الموت وعلاقته الجدلية بغريزة الحياة، مشيرة إلى توسل ليلى العثمان لتقنية المفارقة في بناء خطاطاتها السردية، أما عن أضمومة منى الشافعي «أشياء غريبة تحدث» فتؤكد مفرّح أنها نجت فيها من شرك الكتابة النسوية إذ إنها «تدين النساء في مجموعتها ولا تركب موجة الاستعطاف والتظلم». وفي قراءتها لمجموعة «إرادة المعبود في حال أبي جاسم ذي الدخل المحدود» فكان التقييم والتقويم أهم معالمها، إذ انتقدت ما اعتبرته فشلا لصاحبها وليد الرجيب في بناء قصصه وعدم قدرته على لحم جزئيات ونوّيات النصوص، مع وصم لغته «بالتقريرية والمليئة بالأخطاء اللغوية والنحوية». ولقد اختارت لهذه القراءة عنوانا يشي بنظرتها السالبة للمجموعة هو «إرادة المعبود: عناوين مغرية في أطر متواضعة»، في إشارة إلى عدم توفقه في ضبط آليات الكتابة القصصية.
ورغم ذلك تبقى هذه الإشارات النقدية مشبعة بالذوقية، والتي لا تحتاج معها إلى التحليل التفصيلي وحشد الكثير من الأمثلة النصية التي تعضدها، فحديثها، مثلا، عن عنصر الزمن في أعمال إسماعيل فهد إسماعيل لم تمثل له من نصوصه أو قصصه، وكذا حديثها عن أخطاء الرجيب اللغوية. وينبغي ألا ننسى أن مسعى القراءات العاشقة لم يكن أبدا الاعتناء بالتفاصيل الفنية والثقافية التي هي مناط الدراسات الأكاديمية. والأهم أن سعدية مفرح واعية بهذا المعطى؛ لأنها تقدم في الكتاب «محاولات في تأويل ذلك السرد الذي توزعته الرواية والقصة القصيرة والسيرة الذاتية وما يقاربها من نصوص سابحة في ذلك الفضاء بشكل عام». والتأويل، هنا، بما هو ممارسة نقدية معقدة، إذ رغم إحاليته على التعددية في المعنى والمعنى المضاعف، وتتنافس فيه التأويلات دون الوصول إلى نقطة حسم، إلى أنه كما يؤكد بول أرمسترونغ في كتابه «القراءات المتصارعة» هو «مشروع عقلاني تحكمه ضوابط صارمة تقرر مصداقيته». وهو ما تحاول السعدية مفرح أجرأته.
التأريخ والتوثيق للسرد الكويتي
إن فعالية التأريخ في القراءات العاشقة أو قراءات الشهوة، حيث الذات الفيصل في إصدار الأحكام، تظل أوفى دلالة من الدراسات الأكاديمية التي قد لا يتحقق فيها بالقوة والإقناع اللازمين، إذ يفتح التأريخ، هنا، آفاقا واعدة للدراسة الأكاديمية الجادة لإعمال تفكيك علمي ومنهجي. ومن معالم التأريخ في (شهوة السرد) عملية التجييل التي تصر عليها السعدية مفرّح، ومثَلها حديثها عن الكاتب الراحل فهد الدويري بقولها «فما الذي يمكن أن تعرفه كاتبة، تقصد نفسها، منتمية لما اصطلح على تسميته بالجيل التسعيني، عن كاتب بدأ الخطوة الأولى في درب الكتابة منذ بدايات الأربعينيات». وفهد الدويري جمعته مراسلات مع صديقه عبدالله زكريا الأنصاري، وهي بدورها لم تخلُ من التأريخ لكتابة القصة في الأربعينيات، إذ انتقد الدويري «إحجام الأدباء الكويتيين عن النشر في هذه الحقبة»، وهذا التصنيف القائم على التحقيب الزمني نجده في حديث السعدية مفرح عن القاص علي المسعودي بتجييله ضمن جيل التسعينيات في كتابة القصة القصيرة في الكويت. كما نلفى المنهجية التأريخية، أيضاً، في قراءتها لكتاب «أحمد بشر الرومي: قراءة في أوراقه الخاصة» ليعقوب يوسف الغنيم، وهو كتاب يضم مراسلات البشر ويومياته وخواطره، بين 1938 و1981 سنة وفاته.
وفي مقابل الشكل الموارب الذي تظهر به عمليتا التجييل والتأريخ المختفية في بنية المقاربات والقراءات، فإنا نجدها تظهر بشكل أوضح في الفصل الرابع من الكتاب المعنون ب»غموض البدايات وأسئلة الحاضر وآفاق المستقبل» عن القصة والرواية الكويتيين. وهو فصل توثيقي، بامتياز، يتتبع مسار القصة والرواية الكويتيين، ولقد أرخت مفرح للقصة الكويتية، ابتداء من قصة «منيرة» التي كتبها الشاعر خالد الفرج ونشرتها مجلة «الكويت» سنة 1929، باعتبارها أول قصة كويتية، ثم توقفها في الثلاثينيات، وعودتها مع تأسيس مجلة «البعثة» في الأربعينيات، ثم تأصيلها في تربة السرد الكويتي في الخمسينيات مع فهد الدويري، راشد الفرحان وفاضل خلف. وفي مرحلة السيتينات عرفت القصة الكويتية إصدار مجاميع قصصية مستقلة كان إسماعيل فهد إسماعيل الأسبق إليها، أما في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، فتؤكد مفرّح، أنها عرفت ظاهرة الحضور النسائي مع ليلى العثمان، ثريا البقصمي، وليلى محمد صالح، وركزت السعدية مفرّح على تفاعل كتاب القصة القصيرة مع غزو بلادهم في بداية التسعينيات. أما عن الرواية الكويتية فتشير مفرح إلى أنها ظهرت متأخرة، إذ تعود أول رواية كويتية إلى سنة 1962، وهي رواية «مدرسة من المرقاب» لعبدالله خلف، قبل أن تتلوها روايات أخرى كان أكثرها حضورا، كماً ونوعاً، روايات إسماعيل فهد إسماعيل، خاصة سباعياته «إحداثيات زمن العزلة» التي خصها للتأريخ للغزو العراقي للكويت.
......
٭ ناقد مغربي
تقوم القراءات العاشقة التي ينجزها صحافيون، شعراء، وروائيون حول نصوص المشتركين معهم في الأفق الكتابي نفسه، على التذوقية التي يمتحونها من خلال خبرتهم الجمالية المستمدة من معايشتهم تلك الأجناس مراسا، التي، أي التذوقية، تستغرق ممكنات التحليل والتأويل دون ضرورة الخضوع لتقنوية الأدوات النقدية التي تتأطر، بقوة، ضمن جهاز مفهومي مرتبط بدوره بإبدال منهجي أو فكري (تاريخي، ماركسي، بنيوي، سيميائي، ثقافي، أنثروبولوجي) كما هو شأن الدراسات الأكاديمية. إن الأمر، بالأولى، هنا، إسقاط لتصورات الذات العاشقة على الموضوع، ورغم ما يعتقد من افتقاده، أي الإسقاط، لقدرات الإقناع الناجمة عن الجهد البحثي المستعرض، وعن انتظامية المقاربة وارتباطها باستراتجية نقدية معينة، فإن ذلك لا يعني بأي حال أن تكون القراءات العاشقة مقتصرة على متعة التقديم فقط، إذ إننا نرى أنها تؤدي رهاناً نوعياً وضرورياً هو توثيق التجارب الإبداعية في حقبة ما وحيّز ثقافي معين.
وكتاب «شهوة السرد: هوامش على حافة التأويل» الصادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون، للشاعرة والكاتبة الكويتية سعدية مفرّح، يؤدي وظيفة التوثيق والتأريخ المدغومين بفائض المتعة، إذ كلما تقدم القارئ في تصفحه فإنه يتعرف على أسماء سردية جديدة من جيل الشباب ومن الكويت على الخصوص، التي ارتبط إنجازها السردي بأعمال الروائي إسماعيل فهد إسماعيل، وطالب الرفاعي، ثم مؤخرا برائعة سعود السنعوسي «ساق البامبو» التي نبهت، بقوة، إلى الرواية الكويتية وأحاطتها بضوء النقد والإعلام أكثر، مع تحقيق إشباع لحاجته الجمالية بحافز من اللغة الشعرية التي كُتبت بها القراءات.
وليس مناط هذه القراءة كشف البعد التوثيقي لأسماء سردية تنتمي إلى أحياز ثقافية (سردية) عربية قُتلت بحثا وتأريخا تعرضت لها السعدية مفرح، كنجيب محفوظ، مي زيادة، أحمد أمين، صلاح نيازي، صافيناز كاظم، غادة السمان، غازي القصيبي، جبران خليل جبران، علاء الأسواني وغابرييل غارسيا ماركيز، وإنما اكتشاف المنجز السردي الكويتي بوساطة عينٍ إبداعية محلية وعارفة؛ لأسباب وجيهة، هو كون السعدية مفرح تنتمي إلى المنظومة الثقافية نفسها، وكانت، لها في الغالب، علاقات إنسانية مع كتاب هذه المنظومة، فضلاً عن أفقها الثقافي متجسدا في امتهان الكتابة الصحافية. وإذن، هي عوامل تسعفنا في حيازة أقدر من معارف تاريخية دقيقة عن هذا المنجز.
حدود شهوة السّرد
يقع كتاب «شهوة السرد» في مئتين وخمسة وخمسين صفحة من الحجم المتوسط، ويتوزع إلى أربعة فصول هي (هوامش على كتابة الذات، هوامش على كتابة الرواية، هوامش على كتابة القصة القصيرة، وهامش في التوثيق)، بمعنى أنه يتناول مختلف الأشكال السردية الحديثة، سواء كانت سيرية أم تخييلية بميتا – لغة مُتنضدِة في بنية نصية تختلف من حيث طولها وطبيعتها، إذ بعض القراءات مناط الكتاب، كانت قد نُشرت في صحف ومجلات وبعضها الآخر كان تقديماً لنصوص إبداعية روائية وقصصية. وكما نعلم، فإن التقديم، في الغالب، يتحول إلى تقريظ، مادام مشبعا بفائض الإشهارية التي يتوقعها صاحب الكاتب والقارئ معاً، ونادرا ما ينكسر هذا الأفق المتواضَع عليه في كثير من تقديمات الكتب. ولذلك نفهم لماذا يُستعاض عن كشف الهنات بالتشجيع، مع التبئير على مناطق الضوء بمرايا مُحدَّبة تركز على ما يزيد من قيمة النص، دون أن تقع في المجاملة القاتلة، في هذا الصدد قدمت مفرّح رواية «امرأة وظلان» لخلود خميس معتبرة إياها رواية ممتعة وفيها إبداع، مشيرة إلى أن موضوعها هو «عوالم سحرية متداخلة ومتأججة تنفتح نوافذها الكثيرة على مشهد كويتي متحرك». وفي تقديمها لرواية ناصر الظفيري «سماء مقلوبة» أكدت على قدرته على التحكم في خيوط السرد وتنويع روافده، مستعينة بعبارات التشجيع والدعم من قبيل قولها «إن ناصر الظفيري إضافة مهمة ومطلوبة إلى الفضاء الروائي المفتوح على كل تجديد وتجريب». أما في كلمتها التقديمية لرواية «سعار» لبثينة العيسى، فركزت السعدية مفرح على تميزها برهافة اللغة وطرح أسئلة تدور في فضاء من القلق الوجودي.
إن التقديم كما في الأمثلة التي سقناها يختص بمسعى التقريظ، ولم تختر سعدية مفرح أن تجعل من تقديمها محاورة نقدية تسائل بنيات النصوص الفنية أو الثقافية، في محاولة لخدمة نصوص جديدة وتقديم ما يصنع لذاذتها ومن ثم مرورها إلى التلقي بما يحتاجه من صنع الحاجة الجمالي والشغف بالجديد عند القارئ، بالقياس إلى القراءات التي أنجزتها، مثلاً، في مشروع الروائي إسماعيل فهد إسماعيل الذي أشارتْ إلى أن رواياته «تستقصي التاريخ والماضي الذي حدث بالفعل مع التطلع إلى المستقبل»، ناهيك عمّا اعتبرته تعويذة ضد الزمن تسعى إليها أعماله. ولقد استغورت السعدية مفرح الثيمات الكبرى التي حفلت بها المجموعة القصصية «يحدث كل ليلة» لليلى العثمان، حيث رصدت فيها شيوع وحشية الموت وعلاقته الجدلية بغريزة الحياة، مشيرة إلى توسل ليلى العثمان لتقنية المفارقة في بناء خطاطاتها السردية، أما عن أضمومة منى الشافعي «أشياء غريبة تحدث» فتؤكد مفرّح أنها نجت فيها من شرك الكتابة النسوية إذ إنها «تدين النساء في مجموعتها ولا تركب موجة الاستعطاف والتظلم». وفي قراءتها لمجموعة «إرادة المعبود في حال أبي جاسم ذي الدخل المحدود» فكان التقييم والتقويم أهم معالمها، إذ انتقدت ما اعتبرته فشلا لصاحبها وليد الرجيب في بناء قصصه وعدم قدرته على لحم جزئيات ونوّيات النصوص، مع وصم لغته «بالتقريرية والمليئة بالأخطاء اللغوية والنحوية». ولقد اختارت لهذه القراءة عنوانا يشي بنظرتها السالبة للمجموعة هو «إرادة المعبود: عناوين مغرية في أطر متواضعة»، في إشارة إلى عدم توفقه في ضبط آليات الكتابة القصصية.
ورغم ذلك تبقى هذه الإشارات النقدية مشبعة بالذوقية، والتي لا تحتاج معها إلى التحليل التفصيلي وحشد الكثير من الأمثلة النصية التي تعضدها، فحديثها، مثلا، عن عنصر الزمن في أعمال إسماعيل فهد إسماعيل لم تمثل له من نصوصه أو قصصه، وكذا حديثها عن أخطاء الرجيب اللغوية. وينبغي ألا ننسى أن مسعى القراءات العاشقة لم يكن أبدا الاعتناء بالتفاصيل الفنية والثقافية التي هي مناط الدراسات الأكاديمية. والأهم أن سعدية مفرح واعية بهذا المعطى؛ لأنها تقدم في الكتاب «محاولات في تأويل ذلك السرد الذي توزعته الرواية والقصة القصيرة والسيرة الذاتية وما يقاربها من نصوص سابحة في ذلك الفضاء بشكل عام». والتأويل، هنا، بما هو ممارسة نقدية معقدة، إذ رغم إحاليته على التعددية في المعنى والمعنى المضاعف، وتتنافس فيه التأويلات دون الوصول إلى نقطة حسم، إلى أنه كما يؤكد بول أرمسترونغ في كتابه «القراءات المتصارعة» هو «مشروع عقلاني تحكمه ضوابط صارمة تقرر مصداقيته». وهو ما تحاول السعدية مفرح أجرأته.
التأريخ والتوثيق للسرد الكويتي
إن فعالية التأريخ في القراءات العاشقة أو قراءات الشهوة، حيث الذات الفيصل في إصدار الأحكام، تظل أوفى دلالة من الدراسات الأكاديمية التي قد لا يتحقق فيها بالقوة والإقناع اللازمين، إذ يفتح التأريخ، هنا، آفاقا واعدة للدراسة الأكاديمية الجادة لإعمال تفكيك علمي ومنهجي. ومن معالم التأريخ في (شهوة السرد) عملية التجييل التي تصر عليها السعدية مفرّح، ومثَلها حديثها عن الكاتب الراحل فهد الدويري بقولها «فما الذي يمكن أن تعرفه كاتبة، تقصد نفسها، منتمية لما اصطلح على تسميته بالجيل التسعيني، عن كاتب بدأ الخطوة الأولى في درب الكتابة منذ بدايات الأربعينيات». وفهد الدويري جمعته مراسلات مع صديقه عبدالله زكريا الأنصاري، وهي بدورها لم تخلُ من التأريخ لكتابة القصة في الأربعينيات، إذ انتقد الدويري «إحجام الأدباء الكويتيين عن النشر في هذه الحقبة»، وهذا التصنيف القائم على التحقيب الزمني نجده في حديث السعدية مفرح عن القاص علي المسعودي بتجييله ضمن جيل التسعينيات في كتابة القصة القصيرة في الكويت. كما نلفى المنهجية التأريخية، أيضاً، في قراءتها لكتاب «أحمد بشر الرومي: قراءة في أوراقه الخاصة» ليعقوب يوسف الغنيم، وهو كتاب يضم مراسلات البشر ويومياته وخواطره، بين 1938 و1981 سنة وفاته.
وفي مقابل الشكل الموارب الذي تظهر به عمليتا التجييل والتأريخ المختفية في بنية المقاربات والقراءات، فإنا نجدها تظهر بشكل أوضح في الفصل الرابع من الكتاب المعنون ب»غموض البدايات وأسئلة الحاضر وآفاق المستقبل» عن القصة والرواية الكويتيين. وهو فصل توثيقي، بامتياز، يتتبع مسار القصة والرواية الكويتيين، ولقد أرخت مفرح للقصة الكويتية، ابتداء من قصة «منيرة» التي كتبها الشاعر خالد الفرج ونشرتها مجلة «الكويت» سنة 1929، باعتبارها أول قصة كويتية، ثم توقفها في الثلاثينيات، وعودتها مع تأسيس مجلة «البعثة» في الأربعينيات، ثم تأصيلها في تربة السرد الكويتي في الخمسينيات مع فهد الدويري، راشد الفرحان وفاضل خلف. وفي مرحلة السيتينات عرفت القصة الكويتية إصدار مجاميع قصصية مستقلة كان إسماعيل فهد إسماعيل الأسبق إليها، أما في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، فتؤكد مفرّح، أنها عرفت ظاهرة الحضور النسائي مع ليلى العثمان، ثريا البقصمي، وليلى محمد صالح، وركزت السعدية مفرّح على تفاعل كتاب القصة القصيرة مع غزو بلادهم في بداية التسعينيات. أما عن الرواية الكويتية فتشير مفرح إلى أنها ظهرت متأخرة، إذ تعود أول رواية كويتية إلى سنة 1962، وهي رواية «مدرسة من المرقاب» لعبدالله خلف، قبل أن تتلوها روايات أخرى كان أكثرها حضورا، كماً ونوعاً، روايات إسماعيل فهد إسماعيل، خاصة سباعياته «إحداثيات زمن العزلة» التي خصها للتأريخ للغزو العراقي للكويت.
......
٭ ناقد مغربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.