5 دول لن تشهد انتخابات مجلس الشيوخ.. سوريا والسودان وإسرائيل أبرزهم    محافظ القليوبية يتابع أعمال النظافة ورفع الإشغالات بالخصوص    الرئيس الإيراني يبدأ زيارة رسمية إلى باكستان السبت لتعزيز التعاون الثنائي    ملك المغرب يعطي تعليماته من أجل إرسال مساعدة إنسانية عاجلة لفائدة الشعب الفلسطيني    الرئاسة الفلسطينية: مصر لم تقصر في دعم شعبنا.. والرئيس السيسي لم يتوان لحظة عن أي موقف نطلبه    فرنسا تطالب بوقف أنشطة "مؤسسة غزة الإنسانية" بسبب "شبهات تمويل غير مشروع"    القوات الأوكرانية خسرت 7.5 آلاف عسكري في تشاسوف يار    البرلمان اللبناني يصادق على قانوني إصلاح المصارف واستقلالية القضاء    تقرير: مانشستر يونايتد مهتم بضم دوناروما حارس مرمى باريس سان جيرمان    عدي الدباغ معروض على الزمالك.. وإدارة الكرة تدرس الموقف    خالد الغندور يوجه رسالة بشأن زيزو ورمضان صبحي    راديو كتالونيا: ميسي سيجدد عقده مع إنتر ميامي حتى 2028    أبرزهم آرنولد.. ريال مدريد يعزز صفوفه بعدة صفقات جديدة في صيف 2025    مصر تتأهل لنهائي بطولة العالم لناشئي وناشئات الإسكواش بعد اكتساح إنجلترا    جنوب سيناء تكرم 107 متفوقين في التعليم والرياضة وتؤكد دعمها للنوابغ والمنح الجامعية    تحقيقات موسعة مع متهم طعن زوجته داخل محكمة الدخيلة بسبب قضية خلع والنيابة تطلب التحريات    محافظ القاهرة يقود حملة لرفع الإشغالات بميدان الإسماعيلية بمصر الجديدة    نيابة البحيرة تقرر عرض جثة طفلة توفيت فى عملية جراحية برشيد على الطب الشرعى    مراسل "الحياة اليوم": استمرار الاستعدادات الخاصة بحفل الهضبة عمرو دياب بالعلمين    مكتبة الإسكندرية تُطلق فعاليات مهرجان الصيف الدولي في دورته 22 الخميس المقبل    ضياء رشوان: تظاهرات "الحركة الإسلامية" بتل أبيب ضد مصر كشفت نواياهم    محسن جابر يشارك في فعاليات مهرجان جرش ال 39 ويشيد بحفاوة استقبال الوفد المصري    أسامة كمال عن المظاهرات ضد مصر فى تل أبيب: يُطلق عليهم "متآمر واهبل"    نائب محافظ سوهاج يُكرم حفظة القرآن من ذوي الهمم برحلات عمرة    أمين الفتوى يحذر من تخويف الأبناء ليقوموا الصلاة.. فيديو    ما كفارة عدم القدرة على الوفاء بالنذر؟ أمين الفتوى يجيب    القولون العصبي- إليك مهدئاته الطبيعية    جامعة أسيوط تطلق فعاليات اليوم العلمي الأول لوحدة طب المسنين وأمراض الشيخوخة    «بطولة عبدالقادر!».. حقيقة عقد صفقة تبادلية بين الأهلي وبيراميدز    النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بعدد من مدارس التعليم الفني ب الشرقية (الأماكن)    لتسهيل نقل الخبرات والمهارات بين العاملين.. جامعة بنها تفتتح فعاليات دورة إعداد المدربين    محقق الأهداف غير الرحيم.. تعرف على أكبر نقاط القوة والضعف ل برج الجدي    وزير العمل يُجري زيارة مفاجئة لمكتبي الضبعة والعلمين في مطروح (تفاصيل)    هيئة الدواء المصرية توقّع مذكرة تفاهم مع الوكالة الوطنية للمراقبة الصحية البرازيلية    قتل ابنه الصغير بمساعدة الكبير ومفاجآت في شهادة الأم والابنة.. تفاصيل أغرب حكم للجنايات المستأنفة ضد مزارع ونجله    الشيخ خالد الجندي: الحر الشديد فرصة لدخول الجنة (فيديو)    عالم بالأوقاف: الأب الذي يرفض الشرع ويُصر على قائمة المنقولات «آثم»    تمهيدا لدخولها الخدمة.. تعليمات بسرعة الانتهاء من مشروع محطة رفع صرف صحي الرغامة البلد في أسوان    ليستوعب 190 سيارة سيرفيس.. الانتهاء من إنشاء مجمع مواقف كوم أمبو في أسوان    تعاون مصري - سعودي لتطوير وتحديث مركز أبحاث الجهد الفائق «EHVRC»    كبدك في خطر- إهمال علاج هذا المرض يصيبه بالأورام    محافظ سوهاج يشهد تكريم أوائل الشهادات والحاصلين على المراكز الأولى عالميا    الوطنية للصلب تحصل على موافقة لإقامة مشروع لإنتاج البيليت بطاقة 1.5 مليون طن سنويا    وزير البترول يبحث مع "السويدى إليكتريك" مستجدات مجمع الصناعات الفوسفاتية بالعين السخنة    هشام يكن: انضمام محمد إسماعيل للزمالك إضافة قوية    ضبط طفل قاد سيارة ميكروباص بالشرقية    حملة «100 يوم صحة»: تقديم 23 مليونًا و504 آلاف خدمة طبية خلال 15 يوماً    انطلاق المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل من محافظة مطروح    SN أوتوموتيف تطلق السيارة ڤويا Free الفاخرة الجديدة في مصر.. أسعار ومواصفات    خبير علاقات دولية: دعوات التظاهر ضد مصر فى تل أبيب "عبث سياسي" يضر بالقضية الفلسطينية    بدء الدورة ال17 من الملتقى الدولي للتعليم العالي"اديوجيت 2025" الأحد المقبل    يديعوت أحرونوت: نتنياهو وعد بن غفير بتهجير الفلسطينيين من غزة في حال عدم التوصل لصفقة مع الفصائل الفلسطينية    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل برنامج التصميم الداخلي الإيكولوجي ب "فنون تطبيقية" حلوان    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    طارق الشناوي: لطفي لبيب لم يكن مجرد ممثل موهوب بل إنسان وطني قاتل على الجبهة.. فيديو    أمانة الاتصال السياسي ب"المؤتمر" تتابع تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 31-7-2025    فوضى في العرض الخاص لفيلم "روكي الغلابة".. والمنظم يتجاهل الصحفيين ويختار المواقع حسب أهوائه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المتلاعبون بالعقول .. استراتيجية مثقفين وشخصيات مهمة
نشر في صوت البلد يوم 18 - 01 - 2017

يعد الصحفيون والكتاب والمثقفون ورجال الدين ومنظرو الرؤى الفكرية ومن يعملون في مؤسسات الفكر والدعاية والاعلان، بشتى صنوفها، أحد أوجه الاستراتيجية التي تشترك في صناعة (فن التضليل) ومن يطلق عليهم (المتلاعبون بالعقول)، وهي وان كانت توجهاتها قديمة، منذ ان سطع نجم البشرية، الا انها لم تكن بتلك الخطورة والتعقيد التي هي عليها الآن، لكون من يعد تلك السيناريوهات وينفذ أدواتها الان، مثقفون وأدباء وصحفيون ورجال دين، بعضهم على مستوى عال من الحرفية، للعمل بين اوساط مهمة في الرأي العام.
وتقف خلف (عمليات التضليل) و(الخداع) و(التلاعب بالعقول) جهات ومؤسسات، تعد في مطابخها، ملامح توجهاتها ونظرياتها، بين خفايا هذا السيل الرهيب من كم المعلومات المتعدد التوجهات والاغراض، وهو ما يشكل توجهات كثيرة بين أوساط الرأي العام من أجل جعل المتلقي يتناغم معها أو يتوافق مع رؤاها، وفي خلق تيارات تحت إطار جمعي، تجد أنها مرغمة أحيانا على تقبل تلك الطروحات أو تعمل على ترديدها، بين أوساط مجتمعية مختلفة المشارب والتوجهات وفي أوساط أمية الثقافة في الأغلب وفي أخرى بين أوساط مجتمعية تضفي على شخصياتها أهمية، وبوسائل إعلامية ودعائية بوحيها وتحت إدارة سلطتها.
ربما كان الكاتب الأميركي هربرت شيللر محقا حين ألف كتابا ضخما في السبعينيات من القرن الماضي ، بعنوان: The mind manegers أي "المتلاعبون بالعقول" وهو كتاب لا يوضح الكثير من الحقائق عن عمليات التلاعب بالعقول، لكنه يقف عند الكثير منها وبخاصة في الجانب الاعلامي والدعائي، وهو لا يخوض فيما هو أخطر وهو الجانب الفكري أو العقائدي، الذي يفوق الاعلام والدعاية خطورة، ويتمثل هؤلاء برجال الدين والشعراء والكتاب الكبار وأصحاب العقائد والأستاذة والمفكرين ومن هم ضمن مدارس الثقافة والفكر، هؤلاء هم الأخطر في التوجيه والاعداد لاستراتيجية (التلاعب بالعقول) كونهم أصحاب خبرة ودراية وحنكة ولهم مؤسسات تدعم توجهاتهم وأنشطتهم، وفقا لغايات وأهداف منها إضفاء صبغة وتلوين وتزييف للحقائق والرؤى بما يؤدي الى تكريسها في العقل البشري، وليس كما حاول الكاتب الاميركي هربرت شيللر أن يوضحه في كتابه المشار اليه (المتلاعبون بالعقول) إذ ان موضوعنا هذا أشمل وأكثر عمقا واتسأعا، وهو يحتاج فعلا الى مجلدات كتب وليس مقالات توضح حقيقة أهدافه والمخاطر الناجمة عنه، وبخاصة في مجتمعنا العراقي ومنطقتنا العربية، التي راح العقل العراقي والعربي يخضع الى عمليات (غسيل دماغ) وغرس رؤى وتوجهات تخريبية تؤذي الشخصية العربية وتحاول الحط منها وتسفيه رؤاها وتوجهاتها ومسخ شخصيتها القومية والإنسانية وتشتيت توجهات ملايين البشر الى عشرات الرؤى والمنطلقات المتضاربة المنقسمة على نفسها والمتمردة على مجتمعها.
والتمرد الثقافي والفكري هو الاخطر كون من يقوده مثقفون على مستوى عال من الحرفية عن وعي أو عن غير وعي، لاستدراج العقول ومن يلتقون معهم في الاهداف والتوجهات، ويتناغمون معهم فيما يطرحونه بين ثنايا الأفكار لتصبح حقائق ملموسة تخرض في أغلبها على الكراهية للآخر، ومحاولة إفراغ الشخصية من طابعها الجمعي الاجتماعي لتنضم الى أقلية اجتماعية أو فكرية أو فلسفية تنحصر في اطار جماعتها او المحيط الذي تعمل فيه، ليكون بمقدورها ايصال رسائل التضليل بين ثنايا لغتها الشعرية أو القصصية أو السرد التاريخي للوقائع الذي يحتل أي السرد التاريخي العامل الأكبر في تشويه وقلب الحقائق وتزييف صفحات التاريخ وفقا لرغبة المتلقي في التلاعب بالمقدرات وممارسة عملية التضليل انطلاقا من دوره في كسب العقول من خلال ما يطرحه على الجمهور بين ثنايا قصائده او مؤلفاته الشعرية والفكرية والادبية أو من خلال الفيسبوك والمواقع الاخبارية والندوات والمقابلات التلفزيونية عن رؤى يريد تكريسها وهي رؤى موهومة أو وهمية، لا وجود لها عمليا الا في أذهان من يريدون تكريسها كحقائق رغم انها تحمل من التزييف الشيء الكثير، طالما يخدم هدف الداعية في خلق جمهور موال له متناغما مع ما يطرحه بين ثنايا أفكاره وبما يريد ان يكرسه في الاسماع من أباطيل ليست حقيقة أو ليست أساسا في البنيان الفكري والأجتماعي العام ، وتجد ربما نفورا من كثيرين أو تخلق حالة من الفرقة والانقسام والمعارك الفكرية تحت دعوات الحداثة والتوجهات الفكرية ذات الطبيعة الطائفية، وتحت إطار الثقافة والتوجه الفكري الحر والتعددية السياسية، التي كثيرا ما يختبيء خلفها (المتلاعبون بالعقول) في أغلب الاحيان.
هذه هي خطورة عملية (التلاعب بالعقول) فهي صناعة عقلية تعتمد (التضليل والخداع) في غرس مفاهيمها أو تكريسها بين فئة من البشر ينتظر ان تتحول فيما بينها الى رأي عام (جمعي) وهو ما يشكل خطورة على العقل العربي العراقي ومحاولة تشتيت هذا الوعي وحرفه عن مساراته، او تحويل الشخصية العراقية الى شخصية تشعر بالانكفاء والانعزال من الداخل، وتستخدم أطر (المظلومية التاريخية) أو (الشعور بالتهميش) لدى الآخر للامتثال الى الرغبات والأفئدة والتوجهات، يقودها شخصيات عراقية على حرفية عالية من التوجهات ومن المكانة الثقافية والفكرية تنبش بين ثنايا الماضي أو تعبث بحقائق التاريخ وتعمل على تزييفها وحرفها عن مسارها، وتحاول إيصال العقل الجمعي الى يقين بها رغم انها أباطيل أو مجرد وجهات نظر سطحية ليس لها أساس في الواقع، الا في نفوس من يحلمون بتغيير صفحات التاريخ وفقا لما يشتهون، أو وفقا للجهات التي تدعم توجهاتهم وغالبا ما تكون من خارج محيط البلد على أكثر تقدير.
والمتلاعبون بالعقول شخصيات تحتل ربما مكانة فكرية أو معنوية أو أدبية كبيرة في المجتمع، وقد يكون مؤسسات فكرية أو صحفية أو شخصية سياسية أو أدبية أو دينية أو فلسفية يختفي خلف رؤى وتوجهات، تكون أحيانا غير واضحة المعالم، واحيانا فيها من المصداقية والمقبولية ما يمكن ان تعبر عن اتجاهات الرأي العام في البلد أو في النطاق الإقليمي والدولي، وهي تعمل وفق إطار من التضليل وخداع العقول على ايصال المتلقي لأن يتناغم مع توجهاتها أو ان يقبل بها أو يتكيف معها، وبالتالي قد يقع أسيرا لتوجهاتها.
وتعد الولايات المتحدة الاميركية ودول غربية اخرى وحتى شرقية واجهزتها الخاصة بضمنها روسيا أحد المطابخ العقلية لهذه النظرية (المتلاعبون بالعقول)، وما يجري في منطقتنا العربية والعراق على وجه التحديد أحد ضحايا تلك اللعبة القذرة التي راح العالم الغربي برمته يهرول وراء سرابها ليعزف مع السمفونية الاميركية والروسية والاسهام في ترويض العقل العربي وتشتيت رؤاه وتحويله الى كائن استسلامي لقدره لاحول له ولا قوة.
وأود الان وضع هذا المفهوم امام القراء والمتابعين الاعزاء، لكي تكتمل امامهم صورة ما يجري الان من محاولات ترويض للعقل العربي وغسل دماغه واخضاعه للمشيئة الاميركية ولحملات الغرب المساندة لهذا التوجه الخطير في الحملات النفسية للحرب الظالمة التي يشنها الغرب على عموم منطقتنا وفي العراق الذي تعد حربهم على داعش إحدى بوابات انطلاقات هذه الحرب غير المقدسة، كونها صنيعة اميركية أسهمت فيها ايران ودول وأنظمة في المنطقة، أرادوا تضليلنا وتأجيج الانقسامات الطائفية والمذهبية الى اقصاها واختلاق جماعات مسلحة غير معروفة الولاءات من مختلف المذاهب الاسلامية وتطعيمها بمقاتلين أجانب تحت شعار (الدفاع عن المذهب) مرة، أو في استنساخ تجارب التاريخ المريرة مرة أخرى، وايصالنا الى قناعة باستحالة قدرة الأنظمة العربية على مواجهة التحديات بدون الاستسلام القدري للغرب عموما ولاميركا على وجه الخصوص على غرار النظرية البريطانية في الحربين العالميتين الاولى والثانية في سياستها المعروفة (فرق تسد) وما رافقها آنذاك من السيطرة على مقدرات المنطقة.
فالمتلاعبون بالعقول، هم من يتحكمون بتوجيه عقول البشر، باتجاه أهداف محددة لغاية في نفس يعقوب، وأغراضها في الأغلب غير أخلاقية، إذ انها ربما في عملية استخدامها تجري تزييف الحقائق وتشويهها، وتستخدم أسلوب الاستدراج والتوريط ، في قدرتها على جعل أذهان الآخرين ينساقون معها، كونها تداعب شيئا دفينا في مخيلتهم أو أحلاما أو رؤى أو توجهات مرغوبة داخليا، لكن المجتمع لا يستسيغها أو تنفر منها الأغلبية الشعبية الواسعة، كونها لا تلتقي معها في الاهداف والتوجهات إذ إن (التلاعب) صفة ملازمة لهذا التوجه ذات الطبيعة الفكرية والايدلوجية والمعرفية، أي ان الموجه، يقوم بعملية (تضليل وخداع) لعقل المتلقي، ولهذا فهو يمارس عملا دعائيا، من خلال التلاعب بمقدرات البشر وتوجيهها الوجهة التي تخدم أغراض هذا المخطط، أي (المتلاعبون بالعقول)، وهو ما يجري الاعداد له في مطابخ الدعاية والحرب النفسية الاميركية وأجهزة ومراكز بحوثها الاستراتيجية وهو يجري من خلال عمليات تهيئة جماعات مسلحة يتم تدريبها لغايات تخدم خطط الغرب في الوقت المناسب واضفاء أسماء ثورية وجهادية على توجهاتها، وما ان تأتي اللحظة المناسبة حتى يتم تعبئتها ضد الانظمة من أجل ايصالها الى قناعة بانها تواجه خطر جماعات مسلحة ليس بمقدورها الدفاع عن نقسها بوجه تحديات خطيرة فتضطر لطلب مساعدة أميركا والغرب تحت غطاء مواجهاتها بالرغم من انها بعضها صنيعة اميركية شاركت بها دول اقليمية لابقاء الدول العربية مشتتة القوى تعيش حالة الانهزام بداخلها وليس بمقدورها ان تلتفت الى الداخل لاعادة بناء نفسها والهائها بأخطار وتحديات داخلية وخارجية من نفس فصيلتها لكي لا يكون بمقدور هذه الانطمة تحقيق مطالب شعوبها وبالتالي تبقى أسيرة تخضع للغرب وتبقى تحت رحمته وليس بمقدورها ان تعيش بدونه.
ولا يتسع هذا الموضوع الحيوي لمقال، بل يحتاج الى العديد من المقالات، وربما كتاب موسوعي كامل، للإستدلال الى هذا العلم الحيوي "المتلاعبون بالعقول" من علوم الحرب النفسية.
يعد الصحفيون والكتاب والمثقفون ورجال الدين ومنظرو الرؤى الفكرية ومن يعملون في مؤسسات الفكر والدعاية والاعلان، بشتى صنوفها، أحد أوجه الاستراتيجية التي تشترك في صناعة (فن التضليل) ومن يطلق عليهم (المتلاعبون بالعقول)، وهي وان كانت توجهاتها قديمة، منذ ان سطع نجم البشرية، الا انها لم تكن بتلك الخطورة والتعقيد التي هي عليها الآن، لكون من يعد تلك السيناريوهات وينفذ أدواتها الان، مثقفون وأدباء وصحفيون ورجال دين، بعضهم على مستوى عال من الحرفية، للعمل بين اوساط مهمة في الرأي العام.
وتقف خلف (عمليات التضليل) و(الخداع) و(التلاعب بالعقول) جهات ومؤسسات، تعد في مطابخها، ملامح توجهاتها ونظرياتها، بين خفايا هذا السيل الرهيب من كم المعلومات المتعدد التوجهات والاغراض، وهو ما يشكل توجهات كثيرة بين أوساط الرأي العام من أجل جعل المتلقي يتناغم معها أو يتوافق مع رؤاها، وفي خلق تيارات تحت إطار جمعي، تجد أنها مرغمة أحيانا على تقبل تلك الطروحات أو تعمل على ترديدها، بين أوساط مجتمعية مختلفة المشارب والتوجهات وفي أوساط أمية الثقافة في الأغلب وفي أخرى بين أوساط مجتمعية تضفي على شخصياتها أهمية، وبوسائل إعلامية ودعائية بوحيها وتحت إدارة سلطتها.
ربما كان الكاتب الأميركي هربرت شيللر محقا حين ألف كتابا ضخما في السبعينيات من القرن الماضي ، بعنوان: The mind manegers أي "المتلاعبون بالعقول" وهو كتاب لا يوضح الكثير من الحقائق عن عمليات التلاعب بالعقول، لكنه يقف عند الكثير منها وبخاصة في الجانب الاعلامي والدعائي، وهو لا يخوض فيما هو أخطر وهو الجانب الفكري أو العقائدي، الذي يفوق الاعلام والدعاية خطورة، ويتمثل هؤلاء برجال الدين والشعراء والكتاب الكبار وأصحاب العقائد والأستاذة والمفكرين ومن هم ضمن مدارس الثقافة والفكر، هؤلاء هم الأخطر في التوجيه والاعداد لاستراتيجية (التلاعب بالعقول) كونهم أصحاب خبرة ودراية وحنكة ولهم مؤسسات تدعم توجهاتهم وأنشطتهم، وفقا لغايات وأهداف منها إضفاء صبغة وتلوين وتزييف للحقائق والرؤى بما يؤدي الى تكريسها في العقل البشري، وليس كما حاول الكاتب الاميركي هربرت شيللر أن يوضحه في كتابه المشار اليه (المتلاعبون بالعقول) إذ ان موضوعنا هذا أشمل وأكثر عمقا واتسأعا، وهو يحتاج فعلا الى مجلدات كتب وليس مقالات توضح حقيقة أهدافه والمخاطر الناجمة عنه، وبخاصة في مجتمعنا العراقي ومنطقتنا العربية، التي راح العقل العراقي والعربي يخضع الى عمليات (غسيل دماغ) وغرس رؤى وتوجهات تخريبية تؤذي الشخصية العربية وتحاول الحط منها وتسفيه رؤاها وتوجهاتها ومسخ شخصيتها القومية والإنسانية وتشتيت توجهات ملايين البشر الى عشرات الرؤى والمنطلقات المتضاربة المنقسمة على نفسها والمتمردة على مجتمعها.
والتمرد الثقافي والفكري هو الاخطر كون من يقوده مثقفون على مستوى عال من الحرفية عن وعي أو عن غير وعي، لاستدراج العقول ومن يلتقون معهم في الاهداف والتوجهات، ويتناغمون معهم فيما يطرحونه بين ثنايا الأفكار لتصبح حقائق ملموسة تخرض في أغلبها على الكراهية للآخر، ومحاولة إفراغ الشخصية من طابعها الجمعي الاجتماعي لتنضم الى أقلية اجتماعية أو فكرية أو فلسفية تنحصر في اطار جماعتها او المحيط الذي تعمل فيه، ليكون بمقدورها ايصال رسائل التضليل بين ثنايا لغتها الشعرية أو القصصية أو السرد التاريخي للوقائع الذي يحتل أي السرد التاريخي العامل الأكبر في تشويه وقلب الحقائق وتزييف صفحات التاريخ وفقا لرغبة المتلقي في التلاعب بالمقدرات وممارسة عملية التضليل انطلاقا من دوره في كسب العقول من خلال ما يطرحه على الجمهور بين ثنايا قصائده او مؤلفاته الشعرية والفكرية والادبية أو من خلال الفيسبوك والمواقع الاخبارية والندوات والمقابلات التلفزيونية عن رؤى يريد تكريسها وهي رؤى موهومة أو وهمية، لا وجود لها عمليا الا في أذهان من يريدون تكريسها كحقائق رغم انها تحمل من التزييف الشيء الكثير، طالما يخدم هدف الداعية في خلق جمهور موال له متناغما مع ما يطرحه بين ثنايا أفكاره وبما يريد ان يكرسه في الاسماع من أباطيل ليست حقيقة أو ليست أساسا في البنيان الفكري والأجتماعي العام ، وتجد ربما نفورا من كثيرين أو تخلق حالة من الفرقة والانقسام والمعارك الفكرية تحت دعوات الحداثة والتوجهات الفكرية ذات الطبيعة الطائفية، وتحت إطار الثقافة والتوجه الفكري الحر والتعددية السياسية، التي كثيرا ما يختبيء خلفها (المتلاعبون بالعقول) في أغلب الاحيان.
هذه هي خطورة عملية (التلاعب بالعقول) فهي صناعة عقلية تعتمد (التضليل والخداع) في غرس مفاهيمها أو تكريسها بين فئة من البشر ينتظر ان تتحول فيما بينها الى رأي عام (جمعي) وهو ما يشكل خطورة على العقل العربي العراقي ومحاولة تشتيت هذا الوعي وحرفه عن مساراته، او تحويل الشخصية العراقية الى شخصية تشعر بالانكفاء والانعزال من الداخل، وتستخدم أطر (المظلومية التاريخية) أو (الشعور بالتهميش) لدى الآخر للامتثال الى الرغبات والأفئدة والتوجهات، يقودها شخصيات عراقية على حرفية عالية من التوجهات ومن المكانة الثقافية والفكرية تنبش بين ثنايا الماضي أو تعبث بحقائق التاريخ وتعمل على تزييفها وحرفها عن مسارها، وتحاول إيصال العقل الجمعي الى يقين بها رغم انها أباطيل أو مجرد وجهات نظر سطحية ليس لها أساس في الواقع، الا في نفوس من يحلمون بتغيير صفحات التاريخ وفقا لما يشتهون، أو وفقا للجهات التي تدعم توجهاتهم وغالبا ما تكون من خارج محيط البلد على أكثر تقدير.
والمتلاعبون بالعقول شخصيات تحتل ربما مكانة فكرية أو معنوية أو أدبية كبيرة في المجتمع، وقد يكون مؤسسات فكرية أو صحفية أو شخصية سياسية أو أدبية أو دينية أو فلسفية يختفي خلف رؤى وتوجهات، تكون أحيانا غير واضحة المعالم، واحيانا فيها من المصداقية والمقبولية ما يمكن ان تعبر عن اتجاهات الرأي العام في البلد أو في النطاق الإقليمي والدولي، وهي تعمل وفق إطار من التضليل وخداع العقول على ايصال المتلقي لأن يتناغم مع توجهاتها أو ان يقبل بها أو يتكيف معها، وبالتالي قد يقع أسيرا لتوجهاتها.
وتعد الولايات المتحدة الاميركية ودول غربية اخرى وحتى شرقية واجهزتها الخاصة بضمنها روسيا أحد المطابخ العقلية لهذه النظرية (المتلاعبون بالعقول)، وما يجري في منطقتنا العربية والعراق على وجه التحديد أحد ضحايا تلك اللعبة القذرة التي راح العالم الغربي برمته يهرول وراء سرابها ليعزف مع السمفونية الاميركية والروسية والاسهام في ترويض العقل العربي وتشتيت رؤاه وتحويله الى كائن استسلامي لقدره لاحول له ولا قوة.
وأود الان وضع هذا المفهوم امام القراء والمتابعين الاعزاء، لكي تكتمل امامهم صورة ما يجري الان من محاولات ترويض للعقل العربي وغسل دماغه واخضاعه للمشيئة الاميركية ولحملات الغرب المساندة لهذا التوجه الخطير في الحملات النفسية للحرب الظالمة التي يشنها الغرب على عموم منطقتنا وفي العراق الذي تعد حربهم على داعش إحدى بوابات انطلاقات هذه الحرب غير المقدسة، كونها صنيعة اميركية أسهمت فيها ايران ودول وأنظمة في المنطقة، أرادوا تضليلنا وتأجيج الانقسامات الطائفية والمذهبية الى اقصاها واختلاق جماعات مسلحة غير معروفة الولاءات من مختلف المذاهب الاسلامية وتطعيمها بمقاتلين أجانب تحت شعار (الدفاع عن المذهب) مرة، أو في استنساخ تجارب التاريخ المريرة مرة أخرى، وايصالنا الى قناعة باستحالة قدرة الأنظمة العربية على مواجهة التحديات بدون الاستسلام القدري للغرب عموما ولاميركا على وجه الخصوص على غرار النظرية البريطانية في الحربين العالميتين الاولى والثانية في سياستها المعروفة (فرق تسد) وما رافقها آنذاك من السيطرة على مقدرات المنطقة.
فالمتلاعبون بالعقول، هم من يتحكمون بتوجيه عقول البشر، باتجاه أهداف محددة لغاية في نفس يعقوب، وأغراضها في الأغلب غير أخلاقية، إذ انها ربما في عملية استخدامها تجري تزييف الحقائق وتشويهها، وتستخدم أسلوب الاستدراج والتوريط ، في قدرتها على جعل أذهان الآخرين ينساقون معها، كونها تداعب شيئا دفينا في مخيلتهم أو أحلاما أو رؤى أو توجهات مرغوبة داخليا، لكن المجتمع لا يستسيغها أو تنفر منها الأغلبية الشعبية الواسعة، كونها لا تلتقي معها في الاهداف والتوجهات إذ إن (التلاعب) صفة ملازمة لهذا التوجه ذات الطبيعة الفكرية والايدلوجية والمعرفية، أي ان الموجه، يقوم بعملية (تضليل وخداع) لعقل المتلقي، ولهذا فهو يمارس عملا دعائيا، من خلال التلاعب بمقدرات البشر وتوجيهها الوجهة التي تخدم أغراض هذا المخطط، أي (المتلاعبون بالعقول)، وهو ما يجري الاعداد له في مطابخ الدعاية والحرب النفسية الاميركية وأجهزة ومراكز بحوثها الاستراتيجية وهو يجري من خلال عمليات تهيئة جماعات مسلحة يتم تدريبها لغايات تخدم خطط الغرب في الوقت المناسب واضفاء أسماء ثورية وجهادية على توجهاتها، وما ان تأتي اللحظة المناسبة حتى يتم تعبئتها ضد الانظمة من أجل ايصالها الى قناعة بانها تواجه خطر جماعات مسلحة ليس بمقدورها الدفاع عن نقسها بوجه تحديات خطيرة فتضطر لطلب مساعدة أميركا والغرب تحت غطاء مواجهاتها بالرغم من انها بعضها صنيعة اميركية شاركت بها دول اقليمية لابقاء الدول العربية مشتتة القوى تعيش حالة الانهزام بداخلها وليس بمقدورها ان تلتفت الى الداخل لاعادة بناء نفسها والهائها بأخطار وتحديات داخلية وخارجية من نفس فصيلتها لكي لا يكون بمقدور هذه الانطمة تحقيق مطالب شعوبها وبالتالي تبقى أسيرة تخضع للغرب وتبقى تحت رحمته وليس بمقدورها ان تعيش بدونه.
ولا يتسع هذا الموضوع الحيوي لمقال، بل يحتاج الى العديد من المقالات، وربما كتاب موسوعي كامل، للإستدلال الى هذا العلم الحيوي "المتلاعبون بالعقول" من علوم الحرب النفسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.